يُعد الانقراضُ ظاهرةً طبيعيةً حدثت مرارًا على مدى العصور الجيولوجية، ومعناه أن تنتهي سلالةُ نوعٍ مُعينٍ من الكائنات الحية. لكن ماذا لو أثرت تلك الظاهرة على ثلاثة أرباع أو أكثر من أنواع الكائنات التي تعيش على سطح الأرض في فترة زمنية جيولوجية قصيرة؟
يُسمَّى ذلك الحدث انقراض جماعي (Mass extinction)، وقد حدث خمس مرات في أزمنة جيولوجية مختلفة، على مدار 540 مليون سنة مضت.

في عصرنا هذا، تتسم الكائنات بكثرتها وتنوعها أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، لكن هذا التنوع تراجَعَ بشكلٍ ملحوظ خلال القرون القليلة الماضية، كما أصبح العديد من الكائنات مهددًا بالانقراض، وكائنات أخرى انقرضت بالفعل، مما جعل بعض العلماء يُطلقون على هذا الحدث الانقراض السادس. [1،2]

ما الفرق بين الانقراضات السابقة والانقراض الحالي؟

حدثت الانقراضات الخمس السابقة منذ ملايين السنين في نهاية العصور الجيولوجية التالية (من الأقدم للأحدث): العصر الأوردوفيشي (منذ نحو 344 مليون سنة)، والعصر الديفوني (منذ نحو 359 مليون سنة)، والعصر البرمي (منذ نحو 251 مليون سنة)، والعصر الترياسي (منذ نحو 200 مليون سنة)، والعصر الطباشيري (منذ نحو 65 مليون سنة). تتشابه تلك الفترات في كونها الأعلى من حيث معدل الانقراض مقارنةً بالأزمنة الجيولوجية الأخرى في فترة ال 540 مليون سنة الماضية، وفقْد نحو 75% من الأنواع البيولوجية، لكنها تختلف من حيث أسباب الانقراض، ومن تلك الأسباب: تغيرات المناخ السريعة، والاحتباس الحراري، وارتفاع وانخفاض مستوى سطح البحر بشكل متكرر، والنشاط البركاني، وتحمض المحيطات، وارتطام النيازك بالأرض. [1]

إن الانقراض السادس مرتبطٌ بشكلٍ كبير بعوامل بشرية -على عكس الانقراضات الخمس التي حدثت نتيجة أسباب طبيعية-، فمن أسبابه: التلوث، وتدمير الإنسان لبعض الأنظمة البيئية، والزيادة السكانية، وانتشار الزراعة، وقتل بعض الأنواع، ونشر المواد المُمْرِضة لبعض الكائنات. ما يجعل الأمر أكثر تعقيدًا هو أن معدل الانقراض السادس سريع، كما أنه الانقراض الأول الذي نشهده نحن البشر. بالإضافة إلى ذلك، إن تطور أنواع جديدة من الكائنات يستغرق مئات إلى آلاف السنين، وفي حال الانقراض الجماعي، يستغرق الأمر ملايين السنين لتعويض الفقد الناتج، واستعادة التنوع البيولوجي. [1،2،3]

http://www.youtube.com/watch?v=FsX71DHVO8k&t=104s

مدى تأثير الإنسان في حدوث الانقراض

هناك ثلاثون دراسة أُجريت على سجل الحفريات، تشير إلى أن كل من الأنواع يستمر مدة مليون إلى بضعة ملايين من السنين. نحن نعلم أسماء نحو 1.55 مليون نوع؛ إذن من المفترض أن نتوقع انقراضَ نوعٍ أو البعض القليل من الأنواع كل سنة. أما بالنسبة للنُوَيْعات، يستغرق الأمر وقتًا أكثر، فمن المتوقع انقراض نوعٍ واحد لكل 10,000 نوع في فترة 100 عام.

إن تقدير معدل الانقراض بصيغة (عدد الانقراضات لكلٍّ من الأنواع في فترة من الأعوام) يعتبر مؤشرًا جيدًا لمعرفة أثر الإنسان في حدوث الانقراض؛ فمثلًا بالنسبة إلى الطيور، ليس من المتوقع أن ينقرض نوعٌ واحدٌ فقط لكل 10,000 نوع كل 100 عام وإنما أكثر من ذلك؛ حيث إنه طبقًا لبحثٍ نُشِرَ سنة 1997م، فعلى مدى 2000 سنة مضت، تعرضت الطيور إلى عدة انقراضات بمعدل انقراض أو أكثر لكل 10,000 نوع لكل سنة واحدة فقط. يشير ذلك إلى مدى تأثير الإنسان في تقليل متوسط أعمار هذه الكائنات، وزيادة معدلات انقراضها. [4]

مؤشرات الانقراض السادس

عام 1964م، أسَّسَ الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة ومواردها (IUCN) قائمةً تُسمَّى القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض (IUCN Red List of Threatened Species)؛ بهدف حماية الكائنات الحية المعرضة للانقراض. تعتمد هذه القائمة على تقييم كل فئة من الأنواع وتصنيفها حسب درجة تأثّرها بالانقراض، ومن ثمّ تسليط الضوء على الأنواع الأكثر عرضة للانقراض، ونشر الوعي لاتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ عليها. [5]

عام 1996م، أدرجت القائمة 5,205 من الأنواع المهددة بالانقراض، وكان من بينها: 25% من أنواع الثدييات، و11% من الطيور، و20% من الزواحف، و25% من البرمائيات، و34% من الأسماك، علمًا بأن الزواحف والبرمائيات والأسماك لم تُحصَ بشكلٍ كُلي، أما الثدييات والطيور فقد تم إحصاء كل الأنواع المعروفة. [6]

عام 2014م، أدرجت القائمة 338 حالة انقراض منذ عام 1500م، بالإضافة إلى 279 نوع أُدرِجوا في فئة (انقرض في البرية) أو (من المحتمل أنه قد انقرض)، ما يعني 617 نوعٍ من الفقاريات في المُجمل، ومن الجدير بالذكر أن معظم هذه الانقراضات حدثت منذ عام 1900م، حيث زاد معدل الانقراض عن المعدل الطبيعي (حالتين انقراض لكل 10,000 نوع في فترة 100 سنة). [7]

طبقًا لتقدير القائمة لعام 2019م، يوجد أكثر من 30,000 نوعٍ مهددٍ بالانقراض من أصل 112,400 نوع تم إحصاؤه في القائمة، يشمل ذلك: 41% من البرمائيات، و34% من النباتات الصنوبرية، و33% من الشعاب المرجانية، و25% من الثدييات، و14% من الطيور. [5]

إذا استمر الانقراض بنفس ذلك المعدل السريع، فسُرعان ما سيخسر الإنسان مزايا التنوع الحيوي، ورموز جمال الطبيعة، والخدمات الأساسية للأنظمة البيئية، مثل: تلقيح المحاصيل، وتنقية المياه، وما إلى ذلك.. وقد تستمر هذه الخسارة بشكل دائم في حياة الإنسان؛ حيث يتطلب تعويض الفقد واستعادة ذلك التنوع مئات السنين على الأقل. [7]

المصادر:

Has the Earth’s sixth mass extinction already arrived? | Nature [Internet]. [cited 2019 Dec 22]. Available from: https://www.nature.com/articles/nature09678

2.

The Sixth Extinction Crisis Loss of Animal Populations and Species. | Journal of Cosmology [Internet]. [cited 2020 Jan 21]. Available from: https://www.researchgate.net/profile/Gerardo_Ceballos4/publication/266231196_The_Sixth_Extinction_Crisis_Loss_of_Animal_Populations_and_Species/links/0c960533119790227c000000.pdf

The Sixth Extinction. | Action Bioscience [Internet]. [cited 2020 Jan 21]. Available from: https://pdfs.semanticscholar.org/b111/6af0170a66fc8d736ab6ce40b8aeb349aa0b.pdf?_ga=2.69669139.2072930246.1577624229-1418698631.1577624229

Nature and Human Society: The Quest for a Sustainable World. | Google Books [Internet]. [cited 2020 Jan 21]. Available from: https://books.google.com.eg/books?hl=en&lr=&id=nDgrAAAAYAAJ&oi=fnd&pg=PA46&dq=the+sixth+extinction&ots=dI1_JQazc9&sig=4fsIoD__xK3HY_OGM550etnY1L4&redir_esc=y#v=onepage&q=the%20sixth%20extinction&f=false

The IUCN Red List of Threatened Species [Internet]. IUCN Red List of Threatened Species. [cited 2020 Jan 21]. Available from: https://www.iucnredlist.org/en

International Union for Conservation of Nature and Natural Resources, editors. 1996 IUCN red list of threatened animals. [cited 2020 Jan 21]. Available from: https://portals.iucn.org/library/sites/library/files/documents/RL-1996-001.pdf

Accelerated modern human–induced species losses: Entering the sixth mass extinction | Science Advances [Internet]. [cited 2020 Jan 21]. Available from: https://advances.sciencemag.org/content/1/5/e1400253.full