تتزايد أهمّيّة التجارة الخارجية يومًا بعد يوم، إذ أصبحت من أهم العوامل التي تحدّد مكانة الدول على المستوى العالميّ، لما لها من أثر كبير على اقتصاد الدول المختلفة في رفع حجم الإنتاج وتحسين مستويات التنمية. فما هي التجارة الخارجيّة؟ وما مكوناتها؟ وما الفوائد المترتّبة عليها؟ وكيف تساهم في تعزيز مكانة الدول على المستوى العالميّ؟
ماهيّة التجارة الخارجية
التجارة الدوليّة (Foreign Trade) تعني تبادل وانتقال السلع والخدمات بين الدول. فالتجارة الخارجيّة غير مقتصرة على تبادل سلع الاستهلاكيّة والرأسماليّة فقط، كتبادل المنتجات المصنّعة كالملابس والسيارات، أو انتقال الآلات والمعدّات التي تُستخدم في الإنتاج، إنّما تتضمن أيضًا تبادل الخدمات بين الدول، مِثل خدمات النقل والتأمين اللازمة لنقل السلع بين الدول. ومع تزايد العلاقات التجاريّة بين الدول، أصبحت التجارة الدوليّة تحتل مركزًا مهمًا بين الدول، وتزايدت نسبة مساهمتها في الناتج المحليّ الإجماليّ للدول، ممّا دفع الدول إلى التوسّع في الإنتاج بهدف التبادل الدوليّ، ممّا يساهم في تعزيز دور الدول على المستوى العالميّ.(1)
أسباب قيام التجارة الخارجية
يعتبر تباين الموارد الاقتصاديّة بين الدول من أهم أسباب قيام التجارة الخارجيّة، فمع تطوّر المجتمعات، أصبحت حاجات الأفراد أكثر من المنتجات المُتاحة داخل الاقتصاد المحليّ، مما أدّى تكون فجوة بين السلع والخدمات التي يطلبها الأفراد والسلع والخدمات التي يستطيع الاقتصاد المحليّ إنتاجها، ممّا أدّى إلى اللجوء إلى العالم الخارجيّ لتوفير السلع والخدمات لإشباع رغباتهم عن طريق استيرادها لتغطية هذه الفجوة، وكذلك ترتّب عليه اضطرار الاقتصاد المحليّ إلى إنتاج سلع وخدمات للتصدير حتى تتوفّر عملات أجنبيّة تستخدمها الدول في دفع فواتير وارداتها، فنشأت فكرة التخصّص في إنتاج سلع أو خدمات معيّنة، ومن ثم تبادلها مع العالم الخارجيّ بما يحقّق النفع على جميع الأطراف، وبالتالي ظهرت التجارة الخارجيّة.
مكونات التجارة الخارجية
تتكون التجارة الخارجيّة بالأساس من الصادرات والواردات السلعيّة والخدميّة، حيث تمثّل حركة انتقال السلع والخدمات من وإلى الدولة، وتُعرّف بأنّها:
- الصادرات: وتُمثِل جانب تبادل السلع والخدمات التي تُنتج داخل الدولة مع العالم الخارجيّ، ويترتب عليها توليد دخلّ للدولة المصدّرة. غالبًا ما ترغب الدول في تصدير سلعها وخدماتها بهدف الحصول على دخول وتعزيز مكانة الاقتصاد.
- الواردات: وتمثل جانب مشتريات الدول للسلع والخدمات من الدول الأخرى، بهدف استخدامها داخل الدولَة، ويترتّب عليها تحميل الدولة أعباء عند دفع قيمتها للدول الأخرى.
يُستخدم الميزان التجاريّ لقياس قيمة الصادرات بالواردات وفي تحديد العلاقة بينهما ومن ثم تحديد وضع التجارة الخارجيّة للدولة، مصدّرةً كانت أم مستوردة، لما له من أثر على تحديد مركز اقتصاد الدولة على المستوى العالميّ.
فإذا كانت قيمة صادرات الدولة أكبر من قيمة واردتها، كان الوضع ملائمًا وإيجابيًا، ويعكس قدرة الاقتصاد على الإنتاج وتحقيق فائض تصدير للعالم الخارجيّ.
أما إذا كانت قيمة الواردات أكبر من قيمة الصادرات، كان الوضع غير ملائم وسلبيّ، ويعكس اعتماد الدولة على الخارج في توفير السلع والخدمات التي يحتاجها الأفراد، إلا أنّ ذلك لا يعني بالضرورة أن الاقتصاد في وضع خطر، لأنّ هناك عوامل أخرى يجب أخذها بالاعتبار عند الحكم على مستوى الاقتصاد، مثل الموارد الاقتصاديّة المتاحة للاقتصاد.
بينما يُعتبر انتقال رؤوس الأموال بهدف الاستثمار من وإلى الدولة تدفّقًا نقديًّا يتم رصده في حركة التجارة الخارجيّة للدولة، مع اعتبار ما ينتج عنه من دخول يتمّ إرجاعها للدولة الأمّ. وكذلك الحال بالنسبة لانتقال العمالة بين الدول التي تقدّم خدماتها في دول أخرى، ومن ثم تقوم بتحويل جزء من دخولها إلى الوطن الأمّ كتدفّق نقديّ أيضًا. (2)
فوائد قيام التجارة الخارجيّة بين الدول
هناك العديد من الفوائد التي تعود على الدول من قيام التجارة الخارجيّة، من أهمّها:
- تعزيز الميزان التجاريّ للدولة المصدّرة، حيثُ زيادة الصادرات عن الواردات سيؤدّي لوجود فائض في الميزان التجاريّ وبالتالي زيادة فائض وثرَّوة الدولة.
- أحد أهم الوسائل تعزيز وتقوية العلاقات التجاريّة والسياسيّة بين الدول.
- زيادة رفاهية المجتمعات سواءً للبلد المصدّر أو المستورد حيثُ تزداد الخيارات من السلع والخدمات المتاحة له، من حيثُ الجودة والسعر المتاح للمُستهلك.
- زيادة الدخل القوميّ للدولة المصدّرة حيثُ زيادة الإنتاجيّة تؤدّي لزيادة الدخل القوميّ وبالتالي تحقيق التنمية الاقتصاديّة.
- الاستفادة وتبادل الخبرات بين الدولتين سواءً الخبرات ماديّة أو بشريّة أو تكنولوجيّة.
- انتقال التكنولوجيا بين الدول، بما يساهم في توفير تقنيّات إنتاجيّة متنوّعة، تعمل على زيادة الإنتاج وتحسين مستويات الجودة.(3)
وكيف تساهم التجارة الخارجيّة في تعزيز مكانة الدول على المستوى العالميّ؟
في وقتنا الحاليّ، تزايدت أهميّة التجارة الخارجيّة بين الدول، وأصبحت أحد أهم المؤشرات الاقتصاديّة التي يُنظر إليها بعين الاعتبار، وأصبحت هناك منافسة قويّة بين الدول في تعزيز مكانة تجارتها الخارجيّة، وبالأخصّ تنمية الصادرات.
تحتل الولايات المتحدّة المركز الأول عالميًا على مستوى التجارة الدوليّة، تليها الصين ثم اليابان ثم ألمانيا ثم الهند. ومن المُتوقع أنّ تحتل الصين المركز الأول عالميًا في المستقبل، بتركيزها على وضع خطط تنمويّة قائمة التصنيع بهدف التصدير. بينما تعاني الدول العربيّة من ضَعف في هيكل التجارة الخارجيّة، إذ إنّ التجارة الخارجيّة لها يعتمد في الأساس على استيراد السلع المصنّعة، خاصة في مجال التكنولوجيا، بينما تتركز غالبية صادراتها على المواد الأوليّة غير المصنّعة، مثل المنتجات الزراعيّة أو النفط أو الرخام. (4)
وفي الختام فإنّ التجارة الخارجيّة توسّعت وأصبحت تُعرف باسم التجارة الدوليّة (International Trade) لتشير إلى توسّعها لتشمل أكبر من الدول وعدم اقتصارها على خارج الدولة فقط، كما أنها أصبحت أداة عقابيّة تستخدمها الدول في حالة مخالفة القانون الدوليّ أو التعدّي على السلم الدوليّ. إذ تستخدم العقوبات الاقتصاديّة (Economic Sanction) التي تُفرض على بعض الدول، والتي تمنع أو تقوض تجارتها الخارجيّة، أداة ردع، كما فعلت الولايات المتّحدة الأمريكيّة مع كوريا الشماليّة التي تم فرض عقوبات اقتصاديّة وحظر تامّ لتجارتها الخارجيّة عند امتلاكها للسلاح النوويّ.(5)