التسمم البولتيزمي الغذائي

Template_May_2016-2

|

مع اقتراب الاحتفال بعيد شم النسيم المصري وما يتبع ذلك من صور الاحتفال المتعارف عليها، يأتي أكل الأسماك المملحة ومنها الفسيخ على وجه التحديد ليتربع على عرش الاحتفال. وتأتي تحذيرات الأطباء أيضًا بعدم الإكثار منه، فما السبب؟

 السبب هو بكتيريا عصوية لاهوائية موجبة الصبغة الجرامية تُعرف باسم (Clostridium botulinum)، ومعنى أنَّها لا هوائية أي أنَّها تنمو في غياب الأكسجين فقط، لها القدرة على تكوين الأبواغ الجرثومية التي تمكنها من البقاء حية في حالة من الكمون حتى تتعرض للظروف التي تدعم نموها (1).

يحدث التسمم الغذائي البوتيولزمي عندما تنمو هذه البكتيريا وتفرز سموما في الأكل قبل تناوله، ويُعد سم البوتيولينم أكثر المواد المعروفة سمية على الإطلاق، كما تنتشر الأبواغ الجرثومية لهذا النوع من البكتيريا بشكل كبير في البيئة متضمنة التربة والأنهار ومياه البحر أيضًا.

تحدث عملية الإنبات البكتيرية وإفرازها للسموم في المنتجات المخزَّنة في ظروف هوائية منخفضة مع إضافة عوامل أخرى كدرجة حرارة الحفظ والتخزين وإجراءات الحفظ الأخرى، فهي تحدث في الأغلب في الأطعمة التي تحفظ باستهتار ولا تطهى جيدًا.

لا تستطيع بكتيريا clostridium botulinum النمو في وسط حمضي (PH أقل من 4.6) ولذلك فإنَّ السموم لن تتكون في الأطعمة الحمضية، ولكن إضافة بعض الأحماض إلى الأطعمة لن يستطيع تكسير السموم التي سبق تكوينها بالفعل في اللحوم. ودمج عمليتي الحفظ في درجة حرارة منخفضة مع إضافة الملح و/أو الحمض يساعد على منع نمو البكتيريا، وبالتالي إفراز السموم. كذلك بسبب مقدرة تلك الأبواغ الجرثومية على مقاومة الحرارة فإنَّ السموم التي تفرزها في الظروف اللاهوائية يمكن القضاء عليها بالغليان (عند درجة حرارة أعلى من 85 درجة مئوية لمدة خمس دقائق أو أكثر).

  •  التسمم البوتيولزمي الغذائي:

يُعتبر من الأمراض المميتة، وهو ينتقل عادة عن طريق ابتلاع وهضم السموم العصبية الموجودة بالأغذية الملوثة. ويحدث عندما تقوم بكتيريا (clostridium botulinum) بالنمو وإنتاج السموم في الغذاء قبل تناوله. هناك ثمانية(2) أشكال متمايزة من سموم هذه البكتيريا (A,B,C1,C2,D,E,F,G) أربعة من هذه الأنواع (A,B,E ونادرًا F) هي ما تسبب التسمم الغذائي في الإنسان، أمَّا الأنواع (C,D,E) فهي تسبب الأمراض في الثدييات الأخرى والطيور والأسماك.

  • كيف يعمل سُم البوتيولنم؟

تتداخل جميع أنواع السُم المختلفة مع التوصيل العصبي عن طريق منع إفراز الأسيتيل كولين (acetylcholine) الذي يُعد الناقل العصبي الرئيسي في الوصلة العصبية-العضلية، فيستهدف السُم نقاط الاتصال العصبية-العضلية، مما يؤدي إلى شلل العضلة نتيجة تثبيط إفراز الأسيتيل كولين من الاتصال قبل المشبكي للأعصاب الحركية. ويعمل السُم على أربعة أماكن مختلفة في الجسم: الاتصال العصبي-العضلي(the neuromascular junction)، والعقد العصبية الذاتية (autonomic ganglia)، والنهايات العصبية لما بعد العقد الباراسمبثاوية (postganglionic parasympathetic nerve endings)، والنهايات العصبية لما بعد العقد السمبثاوية (postganglionic sympathetic nerve endings)، والتي تفرز الأسيتيل كولين.

السُم عبارة عن بروتين يتكون من سلسلة ثقيلة (H) وسلسلة خفيفة (L) ترتبطان سويًا برابطة من ثنائي الكبريتيد(disulphide bond). ترتبط السلسلة الثقيلة اختياريًا وبشكل لا رجعة فيه مع مستقبلات ذات استجابة عالية في السطح قبل التشابكي من الأعصاب الكولينرجية (cholinergic neurons)، ويدخل مركب مستقبلات السم (toxin receptor complex) إلى داخل الخلية بعملية تسمى الالتقام (endocytosis)، ثم تنكسر الرابطة ويهرب السم إلى السيتوبلازم. وتتداخل السلسلة الخفيفة مع بروتينات مختلفة في النهايات العصبية لتمنع اندماج حويصلات الأسيتيل كولين مع غشاء الخلية. ويمكن استرجاع وظائف العضلات مرة أخرى إذا تفرعت النهايات العصبية مكونة التقاءات تشابكية جديدة، وهذا في العادة يتطلب من شهرين إلى ثلاثة أشهر. (2)

 

  • أعراض التسمم الغذائي:

 

  1. ازدواج وتشوش في الرؤية.
  2. تهدل في الجفون.
  3. تداخل في الكلام.
  4. صعوبة في البلع.
  5. جفاف في الحلق لا يزول أثره بتناول السوائل.
  6. رغبة في القيء/قيء.
  7. اتساع/ثبات حدقة العين.
  8. دوخة.
  9. ألم في المعدة.
  10. ضعف في العضلات.

إذا لم يتم العلاج فإنَّ هذه الأعراض قد تتدهور لتسبب شللًا في العضلات التنفسية والذراعين والأرجل والجذع. وتبدأ عادةً الأعراض في الظهور خلال 18 إلى 36 ساعة عقب تناول غذاء ملوث، وقد تقصُر هذه المدة فتصل إلى 6 ساعات، أو تطول فتصل إلى عشرة أيام.

 

  • التشخيص:

نتيجةً لتشابه أعراض التسمم الغذائي مع أعراض أمراض أخرى مثل متلازمة جيلان باريه ( Guillain Barre syndrome)، والسكتة الدماغية (stroke)، والوهن العضلي الشديد (myasthenia gravis)، وبالرغم  من اعتماد الأطباء على تاريخ المريض والفحص البدني، إلَّا أنَّه حتى لا يتم الخلط بين هذه الأمراض والتسمم فلابد من إجراء بعض الفحوصات والتحاليل لاستبعاد هذه الأمراض؛ كإجراء أشعة على المخ وأخذ عينة من السائل الشوكي وإجراء اختبارات التوصيل العصبي (nerve conduction test)، واختبار تينسيلون لاستبعاد الوهن العضلي الشديد(1)، ثم أخذ عينة من بول المريض أو برازه أو مصل الدم أو مما تناوله وعمل مزرعة للبحث عن السم.(3)

 

  • العلاج:

يجب إعطاء مضادات السم في الحال عقب الفحص الإكلينكي، فالتدخل مبكرًا له دورًا فعالًا في تقليص معدلات الوفاة والحالات المتأخرة من التسمم، تتطلب تدخل الأجهزة الداعمة كجهاز التنفس الصناعي، والذي قد يتطلب البقاء عليه أسابيع وقد يمتد الأمر إلى شهور، ولا يتطلب الأمر إعطاء مضادات حيوية إلَّا في حالات تسمم الجروح. ويوجد مصل بالفعل ضد هذا النوع من البكتيريا ولكنَّه لا يستخدم إلَّا نادرًا؛ وذلك لعدم التأكد من فعاليته بصورة وافية، وكذلك لظهور أعراض جانبية سلبية له.(3)

  • المضاعفات:

قد يؤدي التسمم البوتيولزمي الغذائي إلى الموت بسبب فشل الجهاز التنفسي، لذلك فالمصابين بأعراض حادة يوضعوا على أجهزة التنفس الصناعي، كما يتطلب الأمر عناية طبية مشددة ورعاية تمريضية للعديد من الشهور، وقد يتوفى بعض المرضى جرَّاء الإصابة بأنواع أخرى من العدوى، وقد يسبب مشكلات متعلقة بالبقاء مشلولين لأسابيع طويلة أو شهور. وقد يصاب الناجين من التسمم البوتيولزمي بعد تجاوزهم لهذه الفترة بالضعف وضيق في التنفس قد يمتد لأعوام وقد يحتاج الأمر إلى علاج بعيد الأمد ليساعد على الشفاء الكامل.(1)

  • الوقاية:

الوقاية من التسمم البوتيولزمي مبنيَّة على الممارسة الصحيَّة في إعداد الطعام، وبالأخص في حفظه. يمكن منع التسمم البوتيولزمي بإبطال مفعول الجراثيم البكتيرية بوضعها في أوعية معقمة حراريًا أو معلَّبة أو بواسطة تثبيط النمو البكتيري في المنتجات الأخرى. أمَّا البسترة الحرارية التجارية (المنتجات المعبَّأة تحت التفريغ ومبسترة مثل الأغذية المدخنة) قد تكون غير كافية لقتل الأبواغ الجرثومية، ولذلك فإنَّ سلامة هذه المنتجات يجب أن تبنى على منع النمو البكتيري وإفراز السموم، فالحفظ في درجة حرارة تبريدية بالإضافة إلى وضع الملح و/أو الاحتفاظ بالمنتجات في ظروف حمضية يمنع نمو البكتيريا وتكوين السموم تمامًا.

المفاتيح الخمسة التي توصي بها منظمة الصحة العالمية هي كالآتي:

  1. الاحتفاظ بالطعام نظيفًا.
  2. الفصل بين الأطعمة المطهوَّة والنيئة.
  3. الطبخ جيدًا.
  4. الاحتفاظ بالطعام في درجة حرارة آمنة.
  5. استعمال المياه النظيفة.

 

  • معلومات أخرى عن التسمم البوتيولزمي:

هناك أنواع أخرى من التسمم البوتيولزمي غير التسمم الغذائي وهي تتضمن:

1*بوتيولزم الرضع:

يحدث عادةً للأطفال الأقل من ستة أشهر، وهو يختلف عن البوتيولزم الغذائي في أنَّ الأطفال يتناولون الأبواغ الجرثومية نفسها بدلًا من السموم المصنَّعة، وتنمو هذه الأبواغ لتصير البكتيريا التي تكون مستعمرات بالمعدة وتقوم بإفراز السموم. في معظم البالغين والأطفال الذين تزيد أعمارهم عن ستة أشهر لن يحدث هذا لأنَّ مناعتنا الطبيعية التي نكتسبها مع الوقت تمنع نمو الأبواغ وتحولها إلى بكتيريا.

وتكون أعراضها كالتالي:

1.إمساك.

2.فقدان للشهية.

3.ضعف.

4.بكاء متغير وعدم القدرة على التحكم في الرأس.

وبالرغم من وجود مصادر عديدة محتملة لانتقال عدوى بوتيولزم الرضع، إلَّا أنَّ عسل النحل الذي يحتوي على الأبواغ الجرثومية اقترن أكثر من غيره بعدد من الحالات. ولهذا تمَّ تحذير الآباء ومقدمي الرعاية الصحيَّة من إطعام الصغار عسل النحل قبل بلوغهم عام كامل.

2*بوتيولزم الجروح (تسمم الجروح):

هي حالة نادرة تحدث عندما تدخل الجراثيم في جرح مفتوح وتتكاثر في بيئة لاهوائية. تتشابه الأعراض مع أعراض التسمم الغذائي ولكنها قد تأخذ وقتًا أطول للظهور (أسبوعين) وهذا النوع من الأعراض وجد مقترنًا بتعاطي المواد، وبالأخص في حالات تعاطي هيروين التار الأسود عن طريق الحقن.

3*البوتيولزم الاستنشاقي (التسمم بالاستنشاق):

نادر الحدوث أيضًا، ولا يحدث بصفة طبيعية مما يعني أنَّه مرتبط بحوادث عشوائية، أو مقصودة (مثل الحوادث الإرهابية البيولوجية) والتي ينتج عنها إفراز السموم في الأيروسولات، وتتشابه أعراض البوتيولزم الاستنشاقي مع أعراض البوتيولزم الغذائي. قُدِّرت الجرعة القاتلة من هذا السم (بالنسبة للبشر) ب 2 نانوجرام/ كيلوجرام من وزن الجسم، وهذا يعادل ثلاث مرات أخطر إذا ما قورن بحالات البوتيولزم الغذائي.

تبدأ الأعراض في الظهور بعد استنشاق السم في خلال 1-3 أيام وقد يأخذ الأمر وقتًا أطول إذا كانت الجرعة المستنشقة أقل وتتشكل الأعراض بنفس نمط أعراض التسمم الغذائي فتؤدي إلى شلل العضلات وفشل الجهاز التنفسي.

إذا كان هناك شك في التعرض للتسمم خلال استنشاق الأيروسولات، فإنَّ التعرض الزائد للمريض وللآخرين يجب أن يمنع على الفور. كما يجب نزع ملابس المريض وتخزينها في أكياس بلاستيكية حتى يمكن غسلها بعناية شديدة بالماء والصابون، كما يجب أن يغتسل المريض ويتم تطهيره في الحال.

4*أنواع أخرى من التسمم البوتيولزمي:

قد تحدث العدوى نظريًا من الماء عن طريق ابتلاع مياه سبق تسممها، ولكن عمليات معالجة المياه المتعارف عليها (كالغليان والتطهير بإضافة 0.1% من الكلور المبيض) يدمر السم وتعتبر نسبة المخاطرة ضئيلة.

هناك بعض حالات التسمم البوتيولزمي المجهولة المصدر والتي تشمل حالات إصابة لبالغين لم يتم التعرف على مصادر غذاء أو جروح ملوثة لتنقل إليهم العدوى. وهذه الحالات تتشابه مع بوتيولزم الرضع وقد تحدث عندما تتغير الفلورا المَعٍدية الطبيعية نتيجة لإجراء جراحة ما أو الخضوع لعلاج بالمضادات الحيوية.

 

هل تعلم أن؟

يُطلق على سم البوتيولنم أيضًا (السُم المعجزة)، فيدخل استخدامه تقريبًا في جميع التخصصات الطبية. فالبوتوكس التي تُستخدم كمستحضرات طبية عبارة عن إفرازات بكتيريا (clostridium botulinum).

لاستخدام السموم في النواحي الطبية يُؤخذ في أنقى صوره وأشكاله ويُخفف بشدة (نوع A منها)، ويستخدم هذا العلاج تحت الإشراف الكامل للطبيب، وحسب احتياجات كل مريض، تفصل الجرعة التي يتحملها بالرغم من حدوث آثارًا جانبية في بعض الأحيان.

 

 

إعداد: zeinab badawy

مراجعة: إسلام سامي

تدقيق لغوي: أمنية أحمد عبد العليم

تحرير: ندى المليجي

المصادر:

(1): http://www.cdc.gov/nczved/divisions/dfbmd/diseases/botulism/

(2): http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC2856357/

(3): http://www.who.int/mediacentre/factsheets/fs270/en/

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي