الثقوب الدودية

الثقوب الدودية

الثقوب الدودية!

رغم حماس البشريّة وعلمائها المصحوب بالطموح والتطلع نحو مستقبلهم في الفضاء إلّا أنّه يوجد عقبة كبيرة ألا وهي أننا البشر ما نحن إلا كائنات ذوات لحم ودماء وعظام مكسوّة بالجلد، من أصغر الكيانات الموجودة بهذا الكون، نسبةً إلى كيانات أخرى عملاقة، وأن النجوم تبعد عنَّا بعدًا سحيقًا.

يخبرنا الواقع أيضًا بأنّ أقرب النجوم إلينا مسافةً، تبعد عنَّا كل البعد، وأنه من الصعب جدًا ويكاد يكون مستحيلًا الوصول إليها على مدار الحياة البشريّة، حتى وإن كان هذا باستخدام أكثر المركبات الفضائيّة تطورًا، وأحدث الوسائل العلميّة، فسيتطلب هذا كمًّا هائلًا من الطاقة والوقت، ومركبة تستطيع البقاء لمئات أو آلاف السنين، حيث يولد جيل بعد جيل، ويأتي منهم العلماء، ويعيش منهم من يعيش حتى تفنى حياتهم، ولن نكون قد وصلنا حتى إلى منتصف الطريق إلى نجم آخر.

على صعيدٍ آخر تصوِّر لنا أفلام الخيال العلمي السفر بين النجوم مثل الرحلات البحرية التي نقضيها في فصل الصيف.

ولكن هناك حلٌ أفضل وهو الثقوب الدودية. فهي تُعتبر بوابات سحريّة تربط بين نقطتين في الزمكان مع بعضهما البعض، وهذا يُعَدّ أمرًا رائعًا، ويفتح الآفاق إلى تطلعات كبيرة. ولكن ما هي الثقوب الدودية بالضبط؟ ومتي يمكن العبور منها؟ (3)

ما هي الثقوب الدودية؟

يُعرف الثقب الدودي بجسر أينشتاين-روزين أيضًا، وهو طريقة نظريّة لطيّ الزمكان، حيث يمكنك توصيل نقطتين في الفضاء ببعضهما البعض، والسفر من مكان إلى آخر على الفور.

لنتخيل هذا بشكل أفضل يمكننا استخدام الطريقة التوضيحيّة التي اُستُخدِمت في الفيلم الشهير Interstellar، حيث يمكنك رسم خط طويل يصل بين نقطتين على ورقة ثم تطوي الورقة حيث تكون النقطة الأولى مقابلة للأُخرى، وأخيرًا تخرق الورقة بواسطة القلم، ليتمكن القلم من العبور خلال النقطتين. هذا التوضيح يبيّن كيفية الوصول من مكان لآخر عن طريق طيّ المكان، لتقصير المسافة، يبدو هذا جيدًا في فهمه على الورق لكن هل هذا هو التطبيق الفيزيائيّ العلميّ لها؟

عَلَمِنا اينشتاين أنَّ الجاذبية ليست قوة تسحب المواد مثل القوة المغناطيسيّة، لكنها انحناء في نسيج الزمكان، فقد يظن القمر أنَّه يتبع مسار مستقيم في الفضاء، لكنه يدور في مسارٍ محددٍ على هذا النسيج؛ بسبب كتلة كوكب الأرض التي تحني الزمكان.

ولهذا يمكننا أن نشابِك نقطتين في الفضاء حتى يتشاركان نفس الزمكان، فقط إن بقيت كل القواعد الفيزيائيّة مستقرة، حتى يتبيّن أنَّ هاتان النقطتان المختلفتان يتشاركان نفس المكان فيزيائيًّا لكن تفصل بينهم أيّ مسافة ممكنة، وهذا نسبة لاستنتاج اينشتاين والعالم الأمريكي ناثان روزين.

الثقوب الدودية
العالم ناثان روزين
المصدر: https://physicstoday.scitation.org/do/10.1063/pt.6.6.20180322a/full/

ومن هذا المنطلق، فبمجرد وصولك الى ناحية واحدة من هذا النفق وبدء أول خطوة فيه تُصبح على الناحية الأخرى في نفس اللحظة، وهذا يمكن أن يكون سفرًا بين نقطتين بينهما مئات، بل من الممكن ملايين من السنين الضوئيّة. (2)

الثقوب الدودية
شكل تخيلي يحاكي الثقب الدودي

هل الثقوب الدودية موجودة؟

وبينما نتحدث عن الثقوب الدودية نظريًّا، فإنَّه من الممكن صنعها، لكن من الصعب جدًا إيجادها، وهذا على حسب ما توصلنا إليه من علم. فأول عقبة هنا هي أنَّ الثقوب الدودية ليست قابلة للعبور، وهذا بسبب صغر حجم قطرها، فالثقوب الدودية الأساسيّة قد توقع العلماء وجودها في المستويات المجهريّة والتي قدرت بحوالي33-10 سنتيمترات. ولكن مع تمدد الكون وتوسعه فمن الممكن أن تكون الثقوب الدودية قد توسعت إلى حدٍ أكبر.

يوجد عقبة أخرى وهي أنّ الثقوب الدودية ليست مستقرة بشكلٍ آمن حتى وإن تكونت فستنهار فور تكونها، وإن صادف ودخل منها شيء فمن الممكن أن ينتهي به المطاف إلى ثقب أسود.

وبالرغم من تلك الاستنتاجات، إلا أنه يوجد بصيص من الأمل، فالعلماء لم يتوصلوا بعد إلى التوحيد بين الجاذبية وميكانيكا الكم، وهذا يعني أنَّ الكون نفسه ربما لا زال لديه الكثير عن الثقوب الدودية  لم نفهمه بعد، فمن الممكن أنَّها تكونت طبيعيًا مع بداية الكون أي وقت الانفجار الكبير، حيث كان الزمان والمكان للكون كله متشابك في نقطة التفرد.

وقد اقترح علماء الفلك طريقة للبحث عن الثقوب الدودية في الفضاء، من خلال البحث عن كيفية تشويه جاذبيتها لضوء النجوم التي تقع ورائها، ولكن لم يظهر أيٍ منها حتى الآن.

هل يمكن السفر عبر الزمن؟

أحد الأشياء المثيرة عن الثقوب الدودية هو إمكانية السفر عبر الزمن. فلنفترض أنَّه تمَّ تكوين ثقب دودي في أحد المعامل، ثم جاءت إحدى المركبات الفضائية لتعبر من بوابة هذا الثقب، عندئذٍ ستسافر المركبة بسرعة مقاربة لسرعة الضوء، مما سيؤدي الى تمدد الوقت. سيكون الوقت مختلف لمن هم بداخل المركبة، فربما يمر عليهم بضع سنوات ولكنه سيكون بمثابة مئات أو آلاف من السنين لمن هو موجود على كوكب الأرض، وهذا بالطبع سيتم بالمحافظة على استقرار الثقب وجاهزيته وعدم انهياره، وعندها السفر من خلاله سيكون أمرًا ممتعًا.

 

الثقوب الدودية
ليونارد سسكيند
المصدر: https://en.wikipedia.org/wiki/Leonard_Susskind

بعض الفيزيائيين مثل ليونارد سسكيند، يظنون أنَّ فكرة السفر من خلال الثقب الدودي أمر غير مقنع، حيث يخالف اثنين من المبادئ الفيزيائيّة الأساسيّة:

  • قانون حفظ الطاقة، وهو قانون فيزيائي ينص على أنَّه في أي نظام معزول، الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من العدم ولكن يمكن تحويلها من صورة إلى أخرى. (1)
  • مبدأ الشك الخاص بالطاقة والوقت.

يبدو للأسف الشديد أنَّ وجود الثقوب الدودية سيظل في عالم الخيال العلمي لمدة مستقبلية طويلة، وربما إلى الأبد. حتى إذا كان محتملًا أن تُصنّّع معمليًّا فستكون هناك عواقب في استقرارها وجاهزيتها، وكيفية إدراج أي جسيم بداخلها دون أن تنهار، فإذا اكتشفنا الثقوب الدودية سيكون هناك منظور مختلف للبشر عن الزمان والمكان والسفر في الفضاء.

شارك المقال:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي