قال (دانتي أليجري) في ملحمته العظيمة الكوميديا الإلهية «أيها الداخلون إلى الجحيم، فلتطرحوا عنكم كلّ آمالكم.» فهذا -إنْ صحّ التعبير- هو لسان حال الثقوب السوداء للأجسام التي تخطّت أفق الحدث. ولكن هل خطر على بالك من قبل مقدار ما تلتهمه الثقوب السوداء وسرعة التهامها؟!
في حدثٍ فريدٍ من نوعه، اكتشف الباحثون الثقبَ الأسودَ الأسرعَ نموًا على الإطلاق -وتمَّ رصد الثقب الأسود المفترس هذا على مسافة بعيدة، ويلتهم كتلة مكافئة لشمسنا كل يومين!
وقد صرّح الباحثون في بيانٍ صدر يوم 15 مايو عن استخدامهم البيانات الصادرة حديثًا من القمر الصناعي (Gaia) التابع لوكالة الفضاء الأوروبية للتأكيد على أنّ الجسم الساطع المشرق هو ثقب أسود، والذي يبدو أن كتلته تبلغ حوالي 20 بليون مرة كتلة الشمس عندما تركه الضوء، وكان ينمو بنسبة 1٪ كل مليون عام.
وقال (كريستيان وولف) -عالم فلك في الجامعة الوطنية الأسترالية والمؤلف الأول للبحث الجديد- في بيان له:
هذا الثقب الأسود ينمو بسرعة كبيرة لدرجة أنه يضيء أكثر آلاف المرات من مجرة بأكملها، بسبب كمية الغازات الضخمة التي يمتصها في اليوم الواحد والتي تُسبب الكثير من الاحتكاك والحرارة.
كما وصفه كريستيان بأنه أغرب الثقوب السوداء في الكون.
وأضاف:
لو كان لدينا هذا الوحش جالسًا في مركز مجرتنا، مجرة درب التبانة، فإنه سيبدو 10 مرات أكثر إشراقاً من القمر البدر. سيبدو وكأنه نجم دقيق ومشرق بشكل لا يصدق من شأنه أن يَجلي كل النجوم في السماء.
غير أنَّ الباحثين قالوا إنه من حسن الحظ أن الثقب الأسود بعيد بما فيه الكفاية بحيث أنَّه أطلق على الأرجح الضوء قبل أكثر من 12 بليون سنة. فالطاقة التي تنبعث منه هي في الغالب ضوء الأشعة فوق البنفسجية، ولكنه يُطلق أيضًا الأشعة السينية.
وقال (وولف):
مرة أخرى، إذا كان هذا الوحش في مركز مجرة درب التبانة، فمن المُرجّح أنْ يجعل الحياة على الأرض مستحيلة مع الكم الهائل من الأشعة السينية المُنبثقة منه.
ونظرًا لبُعد الثقب الأسود هذا وتوسّع الفضاء، تحوَّل هذا الضوء إلى الأشعة تحت الحمراء القريبة (Redshifted) خلال رحلته التي بلغت بلايين السنين. وقد اكتشف وولف وزملاؤه الضوء بواسطة تلسكوب (SkyMapper) في مرصد (ANU Siding Spring). ثم استخدموا (Gaia) لقياس إذا كان الجسم ما زال ثابتًا، مما يؤكد أيضًا أنه كان بعيدًا جدًا ومن المحتمل وجود ثقب أسود هائل، كما يقول الباحثون. ثم قام تلسكوب أخر تابع للجامعة الوطنية الأسترالية (ANU) بقياس الأطوال الموجية المُنطلقة من الجسم للتحقق من تركيبه.
وقال (وولف):
لا نعرف كيف نما هذا الثقب الأسود إلى هذا الحد وبسرعة في الأيام الاولى للكون.
وأضاف:
مهمتنا هي البحث والعثور على الثقوب السوداء الأسرع نموًا.
وأضاف (وولف) أنَّ الثقوب السوداء البعيدة مثل هذه يمكن أن تُساعد العلماء في دراسة الكون المُبكر. ويمكن للباحثين اكتشاف ظلال الأشياء الأخرى الواقعة أمام الثقوب السوداء، كما أنَّ إشعاعاتهم تُساعد على التخلص من الغازات المُعتمة.
وقال الباحثون أنَّ العلماء سيكونون قادرين أيضًا على استخدام أجسام ساطعة بعيدة المدى مثل هذا الثقب الأسود الشّرِه لقياس توسع الكون باستخدام تلسكوبات أرضية جديدة عملاقة قيد الإنشاء.
ترجمة: أحمد رجب رفعت
مراجعة: بيير عماد
تحرير: زياد الشامي
المصدر: