نشأ التفكير في الجمال قديما مع بزوغ فجر العقل اليوناني حيث حاول الأخير البحث والتنقيب عن تفاسير لتلك الظاهرة ومحاولة وضع معايير للجمال معرفة تأثيره علي النفس ولكل عصر وكل فيلسوف تعريفا للجمال يبرز فيه فكره .
فالإحساس بالجمال قديم قدم الإنسان أما التفكير فيه فلسفيًا فهو من بدع اليونانين القدامي فبما أن الفلسفة تسيطر علي العقل البشري فمن البديهي أن تفرض سلطتها علي معايير الجمال فالفيلسوف له الحق في تشريح تلك الظواهر وتحليلها علي طريقته.
تشرب أفلاطون بأفكار أستاذه سقراط الذي نحا نحوا غريبا حيث حارب سقراط بشدة استرسال الشعراء الواقعيين جانب العاطفة الذي يعصف بالعقل بعيدا عن قيادة دفة الإنسان ويفقده التوازن والإلتزام بالقوانين المقدسة، ومن المعلوم أن تلك القوانين التي بلغت مبلغا من التقديس والإحترام لدي سقراط لدرجة انه اختار أن يضحي بحياته في سبيلها .
وقد اعتني أفلاطون بتعاليم أستاذه حيث آثر منهج الإستدلال العقلي وقد عَظُم اهتمام افلاطون بالرياضة والهندسة لدرجة أنه كتب علي باب أكاديميته” لا يدخل الأكاديمية إلا من ألم بعلم الهندسة ”
لكنه أضاف في مرحلة متأخرة البعد الصوفي لفلسفته فعلي الرغم من صرامتهُ في محاربة خداع الحواس في النحت والتصوير إلا أنه طالب بالمحافظة علي النسب الصحيحة والمقاييس الهندسية المثالية، أما في الشعر والخطابة فطالب بالتعبير الصادق عن الحقيقة دون تمويه وإثارة وكذلك الفنانين مطالبين بمعرفة الحق و توجيه الناس الي الخير .
ومن الأشياء التي تبرز البعد الصوفي لديه اعتماده علي الإلهام حيث قال في محاورة فايدوس أنه «لا يستطيع أحد يتقن الشعر إلا بإلهام ربات الشعر».
وحتي نتعمق قليلا في فلسفته للجمال يجب أن نعلم شئ مهم جدًا ألا وهو : قسم أفلاطون العالم لقسمين “عالم المثل” حيث تتمثل القيم المطلقة مثل الحق والخير والعدل والجمال وهي أشياء لا تدرك بالحس أي بالقدرات الإدراكية المادية ويتصف هذا العالم بالخلود .
أما القسم الآخر فهو العالم المادي الذي تدركه الحواس وهو ملئ بالشرور والآثام؛ فحتي ترتقي بنفسك وبروحك عليك أن تتخذ العالم المادي وسيلة للعالم الروحي و أن تتخلص من شرور الجسد وآثامه و تطلع إلي عالم المثل الذي أسماه أفلاطون بالحب .
اعتبر افلاطون الجمال موجودا بذاته في عالم المثل وأن الشعور بالجمال هو أن تحاكي ما في عالم المثل فتصل من الجمال الحسي إلي الجمال الروحي. فالجمال المثالي لا يمكن أن تعتبره قبيحا؛ فالقبح لا ينشئ إلا عند المقارنة بين الأشياء القبيحة .
وقد أصبح أثر ذلك المفهوم واضحًا من نظرته للفن حيث اعتبر الفن هو محاكاة للحقيقة ولكنه اشترط بأن يكون نابعًا من معرفة حقيقية، فالحب في هذه الحالة هو التطلع إلي الجمال الموجود بعالم المثل.
لابد لنا أن نعلم أن الفن لم يكن منفصلًا عن الجمال فلا يوجد عند أفلاطون فنًا غير جميل لذالك لم يعترف إلا بالفن الجميل القائم علي فلسفتهُ للجمال، لذا ؛ تتميز نظرة أفلاطون للفن بالتفرقة بين المحاكاة الآلية التي تعجب العامة وتطرب لها قلوبهم قبل حواسهم وهي محاكاة لا تصحبها معرفة بحقيقة الأصل الذي يحاكية فيستخدم التمويه وإثارة المشاعر و التعبير الصريح عن العواطف والإنفعالات وهذا ما يبهر العامة مثل الخطابة السفسطائية والشعر التمثيلي، وهذا يعطي صورة غير حقيقية عن قيم الحق والخير والجمال .
لم تكن الموسيقي عند أفلاطون لأجل اللذة بل كانت لتطهير النفس والتسامي بها من درن العالم المادي الملئ بالشرور والآثام التي تمنع صفاء الروح و تجليها علي الحقائق ولتؤثر علي نفس الإنسان وتدفعه إلي الخير دفعا ووضع لها ثلاث عناصر وهي: اللفظ و الإئتلاف و الإيقاع .
و لهذا تعتبر فلسفة أفلاطون أن الفن ما هو إلا أداة لنقل الحقيقة كاملة غير منقوصة، وتوجيه الناس إلي الخير، وكذلك الناقل –الفنان- لابد وأن تكون الآلهه قد أسبغت عليه الإلهام وأفاضت بنورها علي روحه فينقل الناس من العالم المادي إلي عالم الحقيقة “المثل”.
المصادر:
1- كتاب فلسفة الجمال أعلامها ومذاهبها د: أميرة مطر ص 36-65
2-
Greek and Roman Aesthetics – Classics – Oxford Bibliographies [Internet]. [cited 2016 Sep 20]. Available from: http://sc.egyres.com/fwmOT
3-
The Concept of the Aesthetic (Stanford Encyclopedia of Philosophy) [Internet]. [cited 2016 Sep 20]. Available from: http://sc.egyres.com/7ERo7
إعداد: أحمد فوزي
مراجعة لغوية: Sara Hassan
مراجعة علمية وتصميم: Dina Ibrahim Fawzy
تحرير: ندى أحمد