الحلقة الثانية من غزو الطفيليات على الإنسان

Template_May_20161-1

استطاعت دودة الوصول إلى المخ وأخرى إلى الرئة، الأمر مخيف في الظاهر ولكن الأكثر رعبًا هو أن يتحول دماغك إلى مستعمرة من الديدان. الأمر الأكثر خطرًا أن تصبح أنسجتك وجبة متوفرة وسهلة لمجرد دودة…

«Theodore Nash» طبيب بالمعاهد الوطنية للصحة في «Bethesda» بولاية Maryland» لاحظ وفود العشرات إليه يعانون من أعراض مختلفة مثل غيبوبة أو شلل في جانب واحد من الجسم بعضهم لا يستطيع السير بشكل مستقيم، بعضهم مُصاب بالعمى الجزئي أو وجود سوائل على المخ لابد من سحبها لتخفيف الضغط، بعضهم عانى من عدم القدرة على التحدث، كل هذه أعراض مختلفة لمرض واحد كشف عنة ناش بواسطة الرنين المغناطيسي على أدمغة مرضاه وكلها أوضحت وجود نقاط بيضاء غير معتادة بالمخ. قد يأتي إلى الأذهان أي شيء عدا أن يكون السبب دودة شريطية، فمن المعروف أنها ديدان تعيش بالأمعاء على شكل شريط ومنة اكتسبت اسمها وقد تصل إلى 21 قدمًا ولكن هذا في مرحلة واحدة من حياة الدودة، وقبل أن تصبح دودة بالغة فإن اليرقات تتجمع في هيئة أكياس تسكن المخ وتُسبب مرض معروف باسم «Neurocysticercosis».

قدر ناش “رئيس قسم الطفيليات المعوية بمعاهد الصحة الوطنية بالولايات المتحدة” أن عدد المصابين بالولايات المتحدة من 1500 إلى 2000 كأفضل تقدير ويزداد العدد بأعداد كبيرة جدًا في العالم خصوصًا الأكثر فقرًا والتي تنعدم فيها تقريبًا الخدمات الصحية، حيث تصل أعداد المصابين بالـNeurocysticercosis إلى حوالي 5 ملايين.

ولكن كيف يحدث هذا المرض؟

عندما تفقد اليرقات طريقها دورة حياة الدودة «Teania solium» كالآتي (تنتقل الديدان من الخنازير إلى أمعاء الشخص كديدان بالغة وعند حدوث التزاوج فأنها تنتج 50000 بيضة لكل دودة وعندما يتخلص الإنسان من فضلاته فإن الخنازير تأكلها بالخطأ أثناء بحثها عن الطعام وبذلك تنتقل مرة أخرى إلى الخنزير في صورة يرقات التي تفقس بدورها في أمعاء الخنزير وتحفر داخل أوعيته الدموية مكونة أكياس صغيرة في العضلات والتي تنتقل مرة أخرى للإنسان إن لم يتم طهوها جيدًا)، ولكن قد يسلك البيض مسارًا خاطئًا عندما يلوث فضلات شخص مريض طعام شخص آخر سليم (بعدم إتباع العادات الصحية أثناء تناول الطعام أو أساليب الري الخاطئة والتي تلوث بعض المحاصيل) تنتقل اليرقات إلى الشخص السليم وتتصرف كما أنها تتصرف في الخنزير فتفقس بالأمعاء وتحفر في الأوعية الدموية لتنتشر في الجسم ومنه المخ مكونة تلك الأكياس البيضاء الصغيرة والتي تشبه إلى حد كبير الخراج.

قد تتعثر اليرقات في البطينين وفي تجاويف بها سوائل في المخ مكونة شكل عنقود العنب وبهذا تحمي الدودة نفسها من عمل الجهاز المناعي وتحصل على الغذاء بل تزدهر داخل المخ لسنوات ومع نمو الأكياس فإنها تندفع نحو منطقة في الدماغ فتشل وظيفتها وقد تتعثر في ممر فتمنع تدفق السائل النخاعي، وهذه الكارثة قد تسبب استسقاء الرأس أو مياه على المخ بالإضافة إلى أن ارتفاع الضغط على المخ وفتق الدماغ المفاجئ قد يؤدي لغيبوبة أو الوفاة. في حال لم يسبب الطفيلي أي مشكلة أثناء تواجده فإنه يمر مرور الكرام ولكن بمجرد أن يحين بلوغه دون نتيجة فإنه يموت، حينها يتنبه الجهاز المناعي له فيدمر باقي الكيس بسهولة، ولكنة يصيب أيضًا المناطق المحيطة به من المخ بالتهاب وآثار أخرى قد تبقى لسنوات بعد موت الطفيلي.

قد حدث وأصابت دودة شريطية ملتوية جذع الدماغ وفي أنسجة المخ الحساسة المرتبطة بالعضلات، وكانت النتيجة بدلًا من أن تصيب بتشنجات ونوبات عنيفة أثناء محياها فإنها أرقدت بالمريض في غيبوبة بعد مماتها بسبب الالتهاب الشديد الناتج من تنبيه الجهاز المناعي كما سبق وذكرنا.

ولحسن الحظ أن التقدم الطبي قد جعل الوضع أفضل بكثير فان المريض المصاب بمثل تلك الأكياس أو الخراجات في المخ لديه القدرة على أن يتعافى تمامًا بعد العلاج هذا يعود بنا بالذاكرة قبل 30 أو 40 عامًا حيث كان الموت مصيرًا محتومًا..

أما عن العلاج فإنه تقدم كثيرًا عن السنوات الماضية فبعد علاج praziquantel والذى لديه القدرة على قتل الدودة واليرقات، وأيضًا تحفيز الجهاز المناعي اقترح بعض العلماء أن يتم خلطه بأدوية أخرى حتى يقلل من السلبيات لهجوم الجهاز المناعي وبذلك تفادي أمراض ما بعد التعافي ولكن كان اقتراح ناش الأفضل حيث أنه رأي بضرورة تناول العقارات المناسبة للديدان قبل وصولها للمخ أو إعطاء الخنزير تطعيم بحيث يقتل البيض وبهذا يتم كسر دورة حياة الـ«Taenia solium» وأي دودة شريطية أخرى.

1 صورة تظهر تأثير الدودة على المخ

ومن الواضح أن الأخبار الغريبة لا تتوقف ولا تنحصر عند نقطة محددة، فمن خبر غريب بإصابة رجل بدودة شريطية في دماغه إلى خبر أغرب بإصابة رجل بدودة تُصاب بالسرطان، يتحور الأخير إلى سرطان بشري في رئة المريض ثم إلى دماغ تتحول لمستعمرة من أكياس بيض الديدان، وأخيرًا ديدان هدفها من الجسم هو العين تحديدًا أي أنها لا تسكن في جزء بالصدفة بل أن لها وجهة محددة وهدف ثابت وهو العين.

توجد دودة طفيلية تُسمى بكلابية الذنب الملتوية «Onchocerca volvulus» تُصيب 25 مليون شخص في أنحاء العالم بأكثر الطرق المقززة، تعيش في صحراء جنوب أفريقيا وأمريكا اللاتينية، ومن الممكن أن تُصيب جلد إنسان وتسكن فيه لعشرة أعوام، وليس هذا الجزء السيء من الموضوع بل أن الأسوأ أنها تسلك طريقًا نحو العين، تحدث «Tommy Leung» وهو مُحاضر في علم الطفيليات وعلم الأحياء التطوري في جامعة «New England» قائلًا أن ثُلث السكان المتضررين من يرقات كلابية الذنب لهم مصير محتوم وهو الإصابة بالعمى، للأسف لا تبدو كلابيات الذنب الوحيدة التي تسكن العين كما أوضح «Tommy Leung» فإن هناك نوعًا آخر من الديدان المفلطحة تعيش تحت جفن العين تُسمى «Oculatrema hippopotami» ونوع أيضًا من الطفيليات المثقوبة تُسمى «Philophthalmidae» من المعروف أنها تتغذى على دموع الطيور، تُعد الديدان المثقوبة نوعًا بدائيًا من الديدان المسطحة توجد بجميع أنحاء العالم، تتراوح في طولها من بضع سنتيمترات إلى سنتيمترات عديدة ومنها أكثر من 10000 نوع يعيش العديد منهم داخل أحشاء الطيور، تضع البيض الذى يفقس في فضلات المُضيف فبدلًا من أن تفقس لأجل التكاثر فإنها بطريقة ما تعود مرة أخرى إلى أمعاء الطيور.

تبدو فكرة خاطئة أن يدمر المُضيف وبذلك يخسر عائله في الغذاء في حال إصابته بالعمى ثم الموت، ثم يلجأ لكثرة التنقل من مُضيف لآخر، ولكن ليس مع الديدان المثقوبة فهذا التنقل يُعتبر جزء هام من دورة حياتها ففي حالة إضعاف المُضيف يتحول لفريسة سهلة للطيور الجارحة الأخرى، وبهذا يفترسه ويتحول الحظ -ليس للطير الجارح بوجود فريسة سهلة ولكن للدودة لوجود مُضيف جديد سليم- فتتحول من جسد سقيم لآخر سليم سواء أكان أسماكً أو حلزونات وتنتقل مباشرة إلى أمعاءه، ومع ذلك فلكل قاعدة شواذ، ففي حالة قرش (Greenland) إنه لا يتأثر بوجود طفيل مثل (Ommatokoita) فهي تغمس زوج من الأطراف المتحورة داخل حدقة العين لتتغذى على القرنية ولا تصيب القرش بأي شيء ملحوظ.

كان هذا نقلًا عن محادثة معTommy Leung

يبدو أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد فالدودة الخيطية (Loa loa) محبة للتجول في مجرى الدم والأنسجة أيضًا حتى تصل إلى ملتحمة العين، دودة تتكاثر جنسيا فيتقابل الذكر والأنثى في نفس العائل لتتم عملية التزاوج وتضع الأنثى بيضًا محاطًا بغشاء تُسمى«microfilariae» الذى يكمل دورانه في الدم، تستوطن الأجزاء الأفريقية خاصة الاستوائية مثل السودان والكونغو، أعراضه أقل خطورة على أبناء المنطقة أكثر من الأجانب أو السياح وتتم العدو عن طريق عضة ذبابة المانجو وفردا في جنس الـ Chysops أو «ذبابة الغزلان الأمريكي- Chysops atlanticus» تم الإبلاغ عن وجود عائل وسيط يقوم بنقل الدودة إلى القرود .. تظل هذه الدودة معزولة في تلك المنطقة وكما أفادت جامعة ستانفورد فإن العلاج في تلك الحالة ذاته علاج كلابيات الذنب مع عقار Ivermectin ولكنة يسبب التهاب في الدماغ…

دودة تظهر خلال حدقة العين

يوضح هذا الفيديو دودة بداخل عين سمكة تسمى Bully تعيش في نيوزيلاندا

https://www.youtube.com/watch?v=BICkR4P98Ik

يوضح هذا الفيديو أيضًا عملية استئصال لدودة تعيش داخل عين رجل هندي

https://www.youtube.com/watch?v=11Y3Cq6ri3s

المصادر

http://goo.gl/Q9V5B8

http://goo.gl/Go2xAc

http://goo.gl/CkBtFh

إعداد: ميرهان ماجد

مراجعة إسلام سامي

تدقيق: ندى المليجي

تحرير: ندى المليجي

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي