السفسطائيون

السفسطائيون

السفسطائيون

كان ولا يزال العالم مشتعلًا بالحروب والمعارك حيث تستخدم الأطراف المتحاربة شتى وسائل الدفاع والهجوم وتبذل قِصار جهدها للفوز بالمعركة.
سنتحدث في هذا المقال عن معركة مختلفة بعض الشيء عما قد يجول في ذهنك عن سماعك كلمة حرب أو معركة.
معركتنا التي سنتحدث عنها وسيلة دفاعها العلم وسلاحها الفتاك الكلمة.
نعم، الكلمة سلاح فتاك؛ لأن أثرها دائم ومن تعلو كلمته وينتصر في معركته تظل كلمته خالدة ومؤثرة إلى أبد الآبدين.
ومَن في التاريخ وصل لهذه الشهرة الواسعة في فن الجدال والخطابة كشهرة السفسطائيين؟
هيا بنا نتعرف عليهم في هذا المقال.

 

ما معنى كلمة سفسطائي؟

حسنًا، حتى نتوصل لمعنى الكلمة علينا أولًا أن نعلم أن (سفسطائي-sophist) مأخوذه من (sophistēs) المشتقة من (Sophia) والتي تعني الحكمة. استُخدمت الكلمة في البداية للدلالة على شخص ذو علم وحكمة حتى أنها أُطلقت على بعض الشعراء مثل (هوميروس- Homer) و (هسيود-Hesiod) كما أطلق على حكماء أثينا السبعة[1] لقب سفسطائيين، ولكن في القرن الخامس قبل الميلاد وعند ظهور جماعة من الأساتذة الذين يتلقون أجرًا جراء تعليم شباب أثينا فن الخطاب والجدال أصبح هذا اللقب مخصوص بهم.

 

هل أحبت أثينا السفسطائيين؟

لنجيب على هذا السؤال سنأخذ نظرة عامة على أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد.

يُعد هذا العصر من أزهى عصور أثينا من حيث الإنتاج الفني والأدبي والمثل الأكبر لذلك تشييد معبد (بارثينون-Parthenon) كما اُلفت فيه العديد من الأعمال المسرحية.
على الصعيد العسكري، وتُوِجَ هذا القرن بانتصار أثينا على الفرس. والحدث الأهم كان اتخاذ أثينا خطًا فسيحة في ممارسة الديموقراطية، حيث أنه العصر الذي صار فيه من حق كل مواطن ذكر أثيني حر الابداء برأيه.
علاوة على ذلك، صار فن الخطابة وبلاغة اللسان من لوازم الحياة التي اقتضاها العصر للمشاركة في الحياة العامة فكان وجود السفسطائيين في ذلك الوقت مُرحبًا به من قِبل الآثينيين.

 

من هم السفسطائيين؟

أساتذة قادمون من مُستعمرات إغريقية أشعلوا الفكر الآثيني بآرائهم الجديدة والجريئة فيما يتعلق بأشياء قبلًا غير قابلة للمساس كالحديث عن الآلهة والفضائل.
حقيقةً لم يُخلف لنا السفسطائيين من تراثهم إلا النذر القليل بينما وصلت معظم أفكارهم من خلال الحديث النقدي لأفلاطون عنهم في محاوراته كما ذكرهم أرسطو أيضًا في سياق نقدي؛ ولذلك فإن استخلاص فِكر السفسطائيين من خلالهم أمر جدلي حيث أن شهادتهم في حق السفسطائيين تعتبر شهادة مجروحة.

على أية حال، فمن المتفق عليه أن السفسطائيين كانوا يعتقدون بأنه حتى لو وجدت إجابات للأسئلة الفلسفية فإن الإنسان لا يستطيع الوصول إلى يقين فيما يخص ألغاز الطبيعة والكون، وأن علينا كبشر أن نعلم كيف نعيش معًا؛ ولذلك اجتمع السفسطائيين على الاهتمام بالإنسان وموقعه في المجتمع وفي هذا قال (بروتاجوراس-Protagoras): «الإنسان هو مقياس كل شيء».
رأى بروتاجوراس أن الفضائل ليست غريزية أو فطرية وإنما تُعَلَم وتُكتسب؛ ولذلك فالإنسان يحتاج إلى معلم كي يرشده ويعلمه الفضيلة وقد استند بروتاجوراس في ذلك على مصطلحين هامين (الطبيعة-Physis) و (الاتفاق- Nomos) فهو يميز بين ما هو موجود في الطبيعة دون تدخل للإنسان وبين ما يوجده الإنسان ويُتَفَق على استخدامه وينتقل بذلك من جيل لآخر؛ وبالتالي كانت الفضيلة تنتمي لما يُتفق عليه ومن ثم كانت الفضائل عند بروتاجوراس وغيره من السفسطائيين نسبية، ومن هذه النقطة صاح سقراط ومن بعده أفلاطون وأرسطو في وجه السفسطائيين لاعتقادهم بأن الفضائل مُطلقة وثابتة.
فيما يتعلق بالآلهة فيمكننا أن نقول أن السفسطائيين كانوا (لاأدريين)[2] فلم يحسموا القول فيما يتعلق بوجود آلهه حيث قال بروتاجوراس: «إنها مسألة دقيقة، وحياة الإنسان قصيرة».

كما أسلفنا الحديث عن مصدر قوة السفسطائيين (الكلمة) فقد أثرت خطابات السفسطائيين تأثيرًا عميقًا في المجتمع الأثيني حينها وفي الفكر الغربي على المدى البعيد. بلاغة القول وطلاقة اللسان وقوة الحجة هذا المزيج الذي أضفى على خطاباتهم تأثيرًا أخّاذ وساحر وممتد حتى مع معارضة فلاسفة عظام أمثال سقراط وأفلاطون وأرسطو، ووصلت قوة إقناع السفسطائيين حتى أنهم كانوا قادرين على قلب الحقائق وتزيينها حتى أنها لتكون مقبولة من جهة المُستمع.

 

فلاسفة وسفسطائيون

إن التفرقة بين الفلاسفة والسفسطائيين في حد ذاتها مسألة فلسفية، ولكن أبرز الاختلافات بينهما هو أن السفسطائيين كانوا يتقاضون أجرًا مقابل التعليم وإبداء رأيهم في مسألة من المسائل بينما رأى فلاسفة هذا العصر أن هذا مخالف لمفهوم الفيلسوف الحق؛ لأنه كما قال سقراط أن كل ما يعرفه أنه لا يعرف وبالتالي فهو نفسه في حالة دائمة من اكتساب المعرفة فلا داعي من أخذ أجر طالما هو نفسه يتعلم ولإيمان الفلاسفة بأن نقل العلوم ليست وسيلة للتكسب وإنما مهمة سامية يجب أن تخلو من المادية.

إعداد: رُقية التهامي.
مراجعة: مُحمد فتحي.
المصادر:
http://sc.egyres.com/8nK8e
http://sc.egyres.com/P0ugi
http://sc.egyres.com/zcElI
http://sc.egyres.com/FS8aP
http://sc.egyres.com/bVMYi
http://sc.egyres.com/mIQFH
http://sc.egyres.com/gZ0xI
http://sc.egyres.com/fW9HD

[1] حكماء أثينا السبعة: هم سبعة من الفلاسفة ورجال الدولة ومشرعي قوانين عاشوا في القرن السادس قبل الميلاد وأثرت أفكارهم على المجتمع الآثيني في العصور المُقبلة.

[2] اللاأدرية: هي توجه فلسفي يُؤمن بأن القيم الحقيقية للقضايا الدينية أو الغيبية غير محددة ولا يمكن لأحد تحديدها، خاصة تلك المتعلقة بالقضايا الدينية حيث وجود الله من عدم وجوده، وما وراء الطبيعة، والتي تُعتبر غامضة ولا يمكن معرفتها.

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي