العشاء الأخير

العشاء-الأخير

|العشاء الاخير|العشاء الأخير|العشاء الأخير|العشاء الأخير|العشاء الأخير|العشاء الأخير||العشاء الأخير|العشاء الأخير|

تُعدُّ لوحةُ العشاء الأخير إحدى أعظم أعمال الفنان الإيطالي ليوناردو دا فينشي. تفنَّنَ ليوناردو في إظهار مشهدٍ تاريخيٍّ عظيم بتفاصيلَ مُبهرة جعلتها علامةً في تاريخ الفن، وإحدى روائع عصر النهضة الإيطالية.

العشاء الأخير

يقول (جورج فازاري-Georgio Vasari) في كتابة حياة الفنانين عام 1568: 

استطاع ليوناردو دا فينشي تخيل ذاك المشهد، ونجح في التعبير عنه، حيث صوَّر حيرة ورغبة الحواريين في معرفة من هو خائن السيد المسيح، لهذا يمكنك أن ترى على أوجههم علامات الخوف، والحب، والسخط، والحزن الشديد، وهذا لا يقل إدهاشًا عن الكراهية والغدر المرتسمان على وجه يهوذا.

العشاء الأخير
ليوناردو دا فينشي، العشاء الأخير، 1498 (سانتا ماريا ديلا جرازي ، ميلان)

موضوع لوحة العشاء الأخير

موضوع اللوحة هو آخر وجبة عشاء للسيد المسيح مع حوارييه قبل أن يقوم يهوذا بخيانته، وسبب شهرة العشاء الأخير (عيد الفصح) حدثان:

العشاء الأخير
الحواري فيليب

أولهما قول المسيح لحوارييه إن واحدًا منهم سوف يخونه. واختلف رد فعل الحواريين كلٍّ على اختلاف شخصيته. ورسم ليوناردو -كما تخيل بما قرأه في الإنجيل- فيليب وهو يسأل: «هَلْ أَنَا هُوَ يَا رَبُّ؟» فَأَجَابَ وَقَالَ: «الَّذِي يَغْمِسُ يَدَهُ مَعِي فِي الصَّحْفَةِ هُوَ يُسَلِّمُنِي!» (متى 22-23). ونرى باللوحة أن المسيح ويهوذا يمدان يديهما للصحن الواقع بينهما، حتى أن يهوذا تراجع قليلًا ليدفع الشك عن نفسه.

ويصور ليوناردو في نفس الوقت المسيح يبارك الخبز قائلًا للرسل «خُذُوا كُلُوا. هذَا هُوَ جَسَدِي» وَأَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً: «اشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ، لأَنَّ هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا» (متى 26-28). هذه الكلمات هي اللحظة المؤسسة لسر الأفخارستيا (وهو معجزة تحوُّل الخبز والخمر إلى جسد ودم المسيح)

العشاء الأخير
المسيح ويهوذا يمدان يدهما للصحفة

نظرة على الحواريين

المشهد الذي رسمه ليوناردو ليس لحظةً جامدة، ولكن لحظات متتالية يوضح لنا فيها ردود أفعال الحواريين كل باختلاف شخصيته وتناقضها مع رباطة جأش المسيح فمثلا نجد فيليبس يسأل إذا ما كان هو أم لا؟ ونجد خلفه يعقوب ابن زبدي يفتح ذراعيه في غضب، وخلفه توما يشير إلى الأعلى ويبدو أنه يسأل: «هل هذة خطة الله؟» أما بطرس فنعرفه من السكين الذي يمسكه بيده في إشارة إلى أنه سيقطع أذن نفٍر ممن يحاولون القبض على المسيح، ويهوذا يقبض على الأموال، ثمن خيانته للمسيح، لكن إذا نظرنا لجون على يمين المسيح، أصغرهم سنًا، نجده يكتم غضبه، ويبدو أنه يفقد وعيه، ويظهر الحزن على بقية الحواريين، ويتهامسون ويتحاورون فيما بينهم.

العشاء الأخير
المسيح فى منتصف اللوحة

دلالات الكمال المقدس

يرتكز التركيب المتوازن على مثلث متساوي الأضلاع، يتكون من جسد المسيح، حيث يجلس على رقعة مقوسة إذا اكتملت ستكون دائرة. هذة الأشكال الهندسية المثالية تشير إلى اهتمام عصر النهضة بالأفلاطونية المحدثة (عنصر من عناصر الإحياء الإنساني الذي يوفق بين جوانب الفلسفة اليونانية واللاهوت المسيحي).
في روايته «الكهف»، أكد الفيلسوف اليوناني القديم أفلاطون على النقص في العالم الدنيوي.
 واستخدم ليوناردو الهندسة التي استخدمها اليونانيون للتعبير عن الكمال السماوي لتمجيد المسيح باعتباره تجسيدًا للسماء على الأرض.

رسم ليوناردو منظرًا أخضرَ خارج النوافذ، التي تشير غالبًا إلى الجنة، ويُعتقد أنه يشير إلى أن الجنة لن يتم الوصول إليها إلا من خلال المسيح.

يتم ترتيب الحواريين الاثني عشر في أربع مجموعات، كل مجموعة من ثلاثة رسل، وهناك أيضًا ثلاث نوافذ؛ غالبًا ما يكون الرقم ثلاثة إشارة إلى الثالوث المقدس في الفن الكاثوليكي. وفي المقابل، فإن الرقم أربعة مهم في العادات الكلاسيكية لاستخدامه في الدلالات الفلسفية والدينية (مثل فضائل أفلاطون الأربعة).

 

العشاء الأخير
نقطة تمركز اللوحة خلف المسيح

وعند النظر للوحة العشاء الأخير نجد أن ليوناردو قام برسمها بشكل متوازن، ونقطة هذا الاتزان تقع مباشرة خلف رأس المسيح، فمثلا إذا ما قمنا بمد أشعة من هذه النقطة، سنجد أن ليوناردو استخدمها لتحديد نهاية الطاولة، وتحديد خانات السقف الست، أما الجدارين الأيمن والأيسر، فقد استخدم ليوناردو أشعة مائلة متصاعدة نحو السقف لتعطي عمقًا للوحته.

العشاء الأخير في أوائل عصر النهضة

العشاء الأخير
العشاء الأخير من منظور أندريا ديكاستانو.

تعتبر لوحة العشاء الأخير الخاصة بـ (أندريا ديل كاستانو-Andrea del Castagno) نموذجًا لعصر النهضة المُبكِّر، حيث إن استخدام المنظور الخطي مع الأشكال المزخرفة مثل التمثالين في نهاية المقعدين والألواح الرخامية يُنقِص من روحانية العمل.
قام ليوناردو بتبسيط البنية الفنية للوحة، وإزالة التفاصيل غير الضرورية والمشتتة بحيث يمكن زيادة الروحانية. ونجد أن ليوناردو استخدم في لوحته الطاولةَ كحاجزٍ لفصل العالم الروحي عن العالم الدنيوي للمشاهد. ومن عجيب المفارقات هنا، أن تركيز ليوناردو على الروحانية ينتج عنه لوحة أكثر طبيعية من لوحة كاستانو.

حالة لوحة العشاء الأخير

إن لوحة العشاء الأخير في حالة سيئة للغاية. فبعد فترةٍ وجيزةٍ من الانتهاء من اللوحة في 9 فبراير 1498، أخذت تتدهور سريعًا. وفي النصف الثاني من القرن السادس عشر، ذكر (جيوفان باولو لومازو-Giovan Paulo Lomazzo) أن «اللوحة مُتلَفةٌ تمامًا».
وخلال الخمسمائة عامٍ الماضية، تَعرَّضت اللوحةُ لخطرٍ شديدٍ، بسبب موقعها، والمواد والتقنيات المستخدمة فيها، والرطوبة والغبار، وجهود الاستعادة والترميم السيئة. وشملت المشاكل الحديثة إلقاءَ قُنبلةٍ أَلحقَت بالكنيسة أذًى كبيرًا، ودَمَّرت جزءًا كبيرًا من قاعة الطعام، وذلك في 16 أغسطس 1943. كما أثَّر في اللوحةِ أيضًا تلوثُ الهواء الشديد في ميلان بعد الحرب. وأخيرًا، تأثير ازدحام وتهافت السياح.

العشاء الأخير
دهشة الحواريين من معرفة أن أحدهم سيخون المسيح

ولأن ليوناردو سعى للحصول على مزيد من التفاصيل والإضاءة أكثر مما يمكن تحقيقه لأي (لوحة جصية – fresco) تقليدية، قام بتغطية الجدار بطبقة مزدوجة من اللصق المجفف. بعد ذلك، أضاف طبقةً تحتية (بطانة) من أبيض الرصاص، وذلك لزيادة لمعان الزيت، واستخدم أسلوب (التِمبرا – Tempra) في الطبقة العلوية. أدَّت هذه التقنية التجريبية إلى تألقٍ لونيٍّ ودقةٍ منقطعة النظير. ولكن لأن اللوحة على جدارٍ خارجيٍّ غير سميك، أثرَّت الرطوبة بشكلٍ كبيرٍ عليها، وفشل الطلاء في الالتصاق على الجدار.

كانت هناك سبع محاولات موثقة لإصلاح لوحة العشاء الأخير. وقد جرت أول عملية ترميم في عام 1726، واكتملت آخر عملية ترميم وأكثرها توسعًا في عام 1999. وبدلًا من محاولة استعادة الصورة، سعت محاولة الترميم الأخيرة إلى وقف وتقليل التدهور وإظهار عَمَلِ ليوناردو الأصلي قدر الإمكان.
بدأت العملية الأخيرة في عام 1977، وتضمنت أكثر من 12.000 ساعة من العمل على البنية، و38.000 ساعة من العمل على اللوحة نفسها، وقد نتج عن هذا الجهد إظهار ما يقارب 42.5 ٪ من لوحة ليوناردو، و 17.5 ٪ فُقِدَت، والـ40 ٪ الباقية هي إضافات المرممين السابقين.

 

المصدر 

ترجمة: Noura Mostafa

مراجعة: Mohamed Sayed Elgohary

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي