الفصام بعيني الطب والمجتمع

الفصام بعيني الطب والمجتمع

«لا يمكنك معرفة الفصام دون معرفة اليأس»

هكذا وصف الطبيب النفسيّ رونالد ديفيد مرض الفصام محاولًا تسليط الضوء على الجانب المظلم للمرض، وكشف الستار عنه. يقتطف شبح الفصام أزهارًا من صحّة وسلامة المصاب، ويجعله هائمًا يجول بين طرقاتِ أفكاره، ويؤمن إيمانًا تامًّا بصحّته، ولا يدري عن أيِّ علّةٍ يتحدّث الجميع، فهو لا يستطيع التفريق بين حقيقة الهلاوس، وبين عدمها.

تعريف الفصام 

‎يُعتبر الفصامُ اضطرابًا معقّدًا مزمنًا يتّصف باحتوائه على أعراضٍ متعدّدة تشمل: الهلاوس السمعيّة والبصريّة، والضلالات، واضطراب اللغة والسلوك، مع عدم إدراك المريض أو إيمانه بمرضه، مما يجعله عرضة لارتكاب الجرائم، أو إلحاق الأذى بنفسه وبالجميع.[1]

تاريخ الفصام

لا يتجاوز عمر كلمة الفصام أو (schizophrenia) المائة عام على أيّ حال. كانت الطبيبة إيميلي كارابيلين (Emile Kraepelin) هي أوّل من اكتشف المرض في عام 1887. نخوض في هذا المقال رحلةً عبر آلة الزمن تهدف إلى تَتَبُّعِ المستندات التاريخيّة المكتوبة، والتي تحاول بدورها التعرّف إلى المرض، والتي قد تقودنا إلى الحضارة الفرعونيّة القديمة، حيث تعرَّف الباحثون إلى العديد من الرموز التي تعود إلى مصر القديمة، والتي تحاول فكّ شفرات المرض.[2]

وصمة العار تجاه الفصام

أجرت جمعيّة خيريّة للصحّة النفسيّة في بريطانيا مسحًا شمل نحو 1500 شخص للكشف عن المفاهيم الخاطئة المتعلّقة بمرض الفصام، مشيرةً إلى أنّ هذا المرض قد يسبّب هلاوس سمعيّة، وبصريّة، بالإضافة إلى هلاوس حسيّة، لكنّه لا يسبّب ما يسمّى بـ«انفصام الشخصيّة».

أظهرت الجمعيّة أيضًا السمات الحقيقيّة لمرض الفصام، متحدّيةً بذلك المفاهيم الخاطئة، كما أنّها سلَّطت الضوء على ضرورة التعامل مع مصابيه دون إظهار وصمة عار تجاههم، وأشارت الجمعية إلى ذلك قائلة:

«على الرغم من وجود خطرٍ كبير من مصابي الفصام، إلّا إنّه ليس بالضرورة أن يكونوا خطرين دومًا».

تُعتبر وصمة العار المتعلّقة بالمرض النفسيّ هي السبب الرئيسيّ لعدم قدرة الخدمات الصحّية على تحقيق مرادها، كما تقلّل من فرص تلقّي العلاج لدى المرضى، حيث أصبح المريض متخوّفًا من إظهار مرضه، لكنَّ المجتمع لا يخشى أن يُظهِر وصمات العار، ويطلق الأحكام المطلقة التي تطارد المريض كشبح لا يعرف الاستسلام.

وعلى الرغم من وجود تلك الوصمة منذ قديم الأزل، إلّا أنّها ازدادت في الآونة الأخيرة، كما أنها لا تزال آخذة في الزيادة شاملةً أشخاصًا من كُلَّ الأقطاب والأعمار.[3]

مشاهير تحدّوا الفصام

دعونا نذهب في جولةٍ تاريخيّة بين صفحات كتب التاريخ، وبين أنقاض الإنجازات التي جعلت من الماضي صرحًا، ولنسلّط الضوء على جون ناش (John Nash) الحاصل على جائزة نوبل في علم الاقتصاد، والذي كان مصابًا بالفصام، بيد أنّ المرض لم يقف حائلًا أمام تحقيقه لما تهفو إليه النفس، ويتطلّع إليه العقل، بل ما زالت الكتب التي تروي حياته البطوليّة مَعلمًا، ولعلّ أبرَزها كتاب العقل الجميل (A beautiful mind) الشهير، والذي يعزف لحنًا يتغنّى بإنجازات ذلك العالم.[4]

فسيولوجيّة الفصام

يرجع سبب الفصام إلى عدم الاتّزانٍ بين النواقل العصبيّة،

نقص السيروتونين والدوبامين في النواقل العصبية
نقص السيروتونين والدوبامين في النواقل العصبية

ممّا يشكّل حجر الأساس للمرض، ويضفي المعالم المحدّدة لنقاط هيمنته على الدماغ البشريّ. أثبت العلم وجود نقص في الناقل العصبيّ المسمّى بالسيروتونين، ونظيره الدوبامين لدى مرضى الفصام،

كما لوحظ نقص الجلوتاميت لديهم. بينما تدعم نظريّات أخرى حدوث نقص في الأسبارتيت، والجلايسين والجابا لدى المرضى. ويلعب العامل الوراثيّ الدور الأساسيّ الذي يحمل في طيّاته سبب المرض، فجيناتك قد تحدّد قابليّتك، واستعدادك للإصابة بالمرض بشكلٍ عام.[5]

أعراض الفصام

تنقسم أعراض الفصام إلى أعراضٍ إيجابيّة أو حادّة، وأخرى سلبيّة أو مزمنة، وتأتي  الهلاوس السمعيّة والبصريّة على رأس قائمة الأعراض الحادّة. إذ قد يعتقد المريض اعتقادًا تامًّا بأنّ شخصًا ما يقوم بإدراج أفكارٍ معيّنة داخل رأسه، أو يعتقد أنّه مراقبٌ من قبل الأقمار الصناعيّة. ومن ناحيةٍ أخرى، قد يؤمن مصابٌ آخر بالفصام بأنّ ثمّة شفرة سرّية مزروعةٌ بدماغه حتّى يتمكّن البعض من مراقبته.

أمّا بالنسبة للأعراض السلبيّة المزمنة؛ فتتشابه مع أعراض مرض الاكتئاب، حيث يسيطر الخمول على مصاب الفصام، وتحاول كلماته المتلعثمة شقَّ طريقها نحو العالم، لكنّ دون جدوى، وقد يميل المصاب أيضًا إلى الانعزال عن البشر، كما يفقد قدرته على الاهتمام بذاته ومظهره.[6]

الفصام والإبداع

فجَّر بحثٌ علميٌ مفاجأةً كشفت عن وجود رابطٍ جينيّ بين الفصام، وقدرات الشخص الإبداعيّة موضّحًا أنّ الجين المسؤول عن الإصابة بالذُهان بشكلٍ عامٍ هو نفس الجين المسؤول عن ظهور القدرات الإبداعيّة والذكاء لدى الشخص. أخضعت الدراسة عيّنةً عشوائيّةً ممّن يمتلكون ذلك الجين للفحصٍ بهدف الكشف عن قدراتهم الإبداعيّة، وبالفعل أظهروا امتلاكهم لتلك القدرات بنسبةٍ أعلى من أقرانهم ممّن لا يمتلكون ذلك الجين.[7]

الفصام والإبداع
الفصام والإبداع

علاج الفصام

تنقسم علاجات الفصام إلى علاجاتٍ دوائيةٍ تشمل مضادّاتٍ للذهان، وعلاجاتٍ أخرى سلوكيّة معرفيّة تجري تحت إشراف الطبّ النفسيّ، وقد يحبِّذ بعض الأطبّاء استخدام المجموعات العلاجيّة، حيث تسمح للأشخاص بمشاركة تجاربهم مع الآخرين، والاستفادة من تجارب بعضهم البعض.[6]

خاتمة

يعدّ الفصام مرضًا كسائر الأمراض، لكنّه أشبه بكابوس يحول بين الشخص وبين حياته، ويلبسه ثوبًا من عدم الاستقرار، فيكون متقلِّبًا كتقلّبات المدِّ والجذر. لا يجب أن تنتقص من قدر المريض، أو تصفه بالمجنون، لا تضف ضجيجًا إلى عالمه المليء بالضجيج بالفعل، لكي لا تجعله يفلت من يده طائرته الورقيّة التي لطالما تمنّت التحليق. فإذا لم تكن مهيّأً لمساعدته فتعلّم ذلك، أو لا تؤذه. وأخيرًا نسأل الله السلامة والصحّة والعافية، ونسأله الشفاء لكلِّ مصاب.


تعرّف أيضًا:

ما هو اضطراب الشخصية الفصامية (ذات النمط الفصامي)؟

اضطرابات الدماغ : الأسباب، الأعراض، التشخيص

شارك المقال:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي