الفكر السويسري يخترق جبال الألب: نظرة عن كثب لنفق جوتهارد (الجزء الأول)

النفق_الجزء_الاول

||

إذا قلنا أن أوروبا هي كالدولة الواحدة فالفضل سيعود لهذه السياسة الجديدة التي تبنتها سويسرا لتقود أوروبا نحو أفاق مختلفة في وسائل النقل والمواصلات.

انطلاق الفكرة:

منذ عام 1980 وتتبنى سويسرا سياسة خطوط النقل المُستدامة، هذه السياسة ارتكزت على تحويل حركة النقل والبضائع من الطرق البرية إلى السكك الحديدية. أُطلق على هذه السياسة الجديدة لقب (خط السكك الحديدية الجديد الواصل عبر جبال الألب – New Rail Link through the Alps (NRLA)، وقد رحب الشعب السويسري بهذه السياسة الجديدة، وأظهر هذا الترحيب عبر موافقته بالعديد من الاستفتاءات، وتم الموافقة على مفهوم الحكومة الجديد (أو ما يُعرف بـ«NRLA») فى إستفتاء تم إجرائه فى 27 سبتمبر من العام 1992، وقد تم إعداد ميزانية التمويل فى 29 نوفمبر من العام 1998، وتم الموافقة على كلا الاستفتاءين بنسبة واضحة 64% لكلٍ منهما.

ما هى الـ «NRLA»؟

كما ذكرنا أنه اختصار لـ(New Rail Link through the Alps – خط السكك الحديدية الجديد الواصل عبر جبال الألب) وهي في الحقيقة ليست مجرد مشروع محدد ولكنها سياسة واستراتيجية جديدة.

فهو يُعتبر أكبر وأضخم مشروع بناء تتبنى سويسرا إنشاؤه في تاريخها،  يتكون المشروع من ثلاثة أنفاق رئيسية جديدة، هم: (نفق لوتشبرج –Lötschberg- وطوله 34.6 كم، نفق جوتهارد Gotthard- -وطوله 57.1 كم، ونفق تشينيرى –Ceneri- وطوله 15.4 كم) بالإضافة إلى توسعة الطرق القريبة من هذه الأنفاق.

دخل نفق لوتشبيرج الخدمة فى عام 2007، أما عن نفق تشينيرى فمن المُخطط له أن يتم افتتاحه في عام 2020.

جدير بالذكر أن سويسرا تستثمر نحو (23.5 مليار فرنك سويسرى) أي ما يقارب (21.5 مليار يورو) في بناء هذه المنظومة الجديدة، وهو ما يعادل حوالى 3.5% من إجمالي الناتج المحلي السويسري.

حيث أنه بهد الإنتهاء من أعمال نفق تشينيرى، سيكون بوسع القطارات أن تعبر عبر سلسلة جبال «الألب» بدون الخضوع إلى تدرج المستويات الموجود بالألب.

تحديات و مصاعب:

وفقًا لتصريحات (رينزو سيمونى -Renzo Simoni- المدير التنفيذي لمشروع نفق جوتهارد) فإن فريق من العمال وصل إلى 2500 عامل، فقد 9 منهم أرواحهم أثناء تنفيذ المشروع، كما أضاف أنه كلما تم الحفر أعمق كلما ازدادت درجة حرارة الصخور، حيث وصلت الحرارة داخل النفق إلى 45 درجة مئوية، بالتالي تحتم علينا تبريد الهواء داخل النفق ليصل إلى 28 درجة مئوية، هذا التحدي اضطر فريق العمل أيضًا إلى إنشاء أبنية مكيفة وأنظمة تهوية للعمال.

ويضاف إلى المصاعب التي واجهتهم أثناء الإنشاء هى استهلاك تيار كهربي عالي لضخ كميات من الهواء النقي من الخارج إلى موقع العمل.

كما أضاف أن هذا النفق أكثر أمانًا بـ 10 مرات من أي شبكة سكك حديدية أخرى بسويسرا، حيث أنك إذا أردت القيام برحلة من زيورخ (Zurich) إلى ميلان (Milan) سيكون الجزء الأكثر أمانا في رحلتك هو عند مرورك بهذا النفق.

وتحدث بيتر شوستر من (المكتب الهندسي ارنست بازلر وشركاؤه) أن من ضمن ضمانات السلامة لهذا النفق هو تصميم بوابات سهلة الفتح، وفي نفس الوقت تمنع انتشار الحريق والدخان ويمكن فتحها بدون كهرباء وتقاوم موجات الضغط الناجمة عن مرور قطار وزنه 10 أطنان، وتتوزع هذه البوابات على منافذ يبعد كل واحد منها عن الأخر حوالي 325 متر.

و بالعودة إلى التحديات التي واجهت فريق العمل، تقول فابيانا هينكي من (المكتب الهندسي ارنست بازلر وشركاؤه) أن تحديد مسار منبسط للنفق لم يكن بالأمر السهل، فالطبيعة الجغرافية    والجيولوجية لمسار النفق كانت تحدي كبير فالغطاء الصخري وصل إلى 2300 متر، كما أن خلق منافذ يمكن الوصول منها إلى مكان الأعمال كانت من ضمن المشاكل التي واجهتهم.

كما استلزم من فريق العمل بناء سدود تمنع تكون أحواض مائية فوق جبل «جوتهارد» لمنع أي رشح محتمل للمياة.

وبالانتقال إلى نظام عمل النفق، فكانت الحيرة هي الشعور السائد عند مناقشة نظام عمل النفق، فإما نفق ثنائي الاتجاه ومع نفق جانبي للخدمات، كما هو الحال في نفق غوتهارد، الواقع ضمن الطريق السيار، أو ثلاثة أنفاق متوازية كما هو الحال في نفق تحت بحر المانش.

هنا جاء الحل الوسط ليحسم هذه الحيرة، وهو شعبتين أحاديتى الاتجاه يصل بينهما ممر مستعرض للطوارئ.

 

«جيوب بيورا»! إحدى المخاوف التى كانت ترعب فريق العمل.

فهى منطقة غنية بصخور الدولميت، حيث كان مصدر خوف كبير جدًا لدى الجيولوجيون أن يجدوا أنفسهم في مواجهة طبقات من الصخور المشبعة بالماء والواقعة تحت ضغط، فهذا السيناريو سيؤدى إلى فشل المشروع بالكامل!! مشكلة تسببت أن يحبس فريق العمل أنفاسه!

أخيرًا يلتقط الخبراء أنفاسهم ويتنفسوا الصعداء، فقد أظهرت الدراسات والأبحاث وجود طبقة أكثر عُمقًا، على مستوى الحفر، تتمتع بصخور جافة نسبيا.

كما اوضحت «فابيانا هينكي» أنه تم استخدام نظام (المظلة) للتغلب على الرشح وعزل النفق بالكامل؛ حيث تم كسو النفق بطبقة من الخرسانة وغلاف عازل بحيث يسيل الماء داخل الجدران ثم يفرغ عبر أنابيب تمر تحت السكك الحديدية.

 

لا يجب أن نغفل عن نظام النقل والإمداد الذي كان أحد تحديات هذا المشروع والذي تم تنفيذه على مستوى عالي، حيث كان نظام النقل والإمداد بمثابة مشروع داخل المشروع وقد بلغ عدد العاملين باكبر مراحل مشروع النفق نحو 700 شخص.

المدة الزمنية الكبيرة للمشروع  منذ بدأ التخطيط للمشروع  وحتى الإنتهاء من البناء كانت حوالي 10 سنوات! تغيرت فيها الكثير من المعطيات وخاصة التكنولوجيا.

وأشار روجر فييدركيهر، مهندس شركة (بويري) أنه قد تم استبدال الكثير من العناصر وحتى قبل أن تدخل الخدمة ويتم تشغيلها.

كما أن هناك الكثير من القوانين والنظم التي تغيرت أيضًا خلال هذه الفترة الزمنية، فوفقًا لما قال روجر فييدركيهر مسؤول إمدادات الطاقة بالنفق أنه دخل حيّز التطبيق قانون ينص على قطع إمدادات الطاقة كل خمسة كيلومترات.


ترجمة و اعداد : محمد يونس
مراجعة: إسلام سامي
تدقيق: ريم سمير
تصميم: ريم سمير
تحرير: ندى المليجي

المصدر:
http://sc.egyres.com/C7r8h
http://sc.egyres.com/7Begr
http://sc.egyres.com/ZcSd8
http://sc.egyres.com/loPvf
http://sc.egyres.com/Ga85L
http://sc.egyres.com/IYWrU
http://sc.egyres.com/qozSt
http://sc.egyres.com/lVJlc

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي