المرأة الأوروبية في العصور الوسطى

1280px-The_Creche

المرأة||إغواء حواء|دور القابلة في عملية الولادة

إذا نظرنا للشعوب التي قطنت أوروبا في العصور الوسطى، سنجد أنهم كانوا يعيشون في هيئة مجتمعات ريفية صغيرة، يقتاتون خيرات الأرض التي يزرعون. أما عن السيدات في تلك المجتمعات الزراعية أو الفلاحات، فوقع على عاتقهن العديد من المسؤوليات المنزلية بالأخص، بما في ذلك رعاية الأطفال، وإعداد الطعام، وتربية الماشية. كانت تشارك النساء كذلك في الصناعات المنزلية الحيوية، مثل صناعة النبيذ والخبز وتصنيع المنسوجات حتى إن الرمز الأكثر شيوعًا للمرأة الفلاحة في العصور الوسطى هي بكرة الغزل التي تستخدم في غزل الكتان والصوف، فالصورة التي غالبًا ما نراها في فن العصور الوسطى هي المرأة وهي تلوح بمغزلها في ثعلب إلتهم أوزتها أو بشكل ساخر، في وجه زوجها وكأنها تهاجمه، بل إن الأمر امتد حتى شمل صور المرأة بشكل عام فتظهر حواء في رسومات عديدة ممسكةً ببكرة الغزل، الأمر الذي يشير إلى أن الواجب التي اختصت به فور نزولها من الجنة كان غزل الأقمشة يدويّا!

المرأة
طرد آدم وحواء من جنة عدن؛ وفي الأسفل، يحفر آدم (الحفر) وحواء تغزل

على هذا لم يكن البيت هو محل عمل المرأة الوحيد في العصور الوسطى فخلال أكثر أوقات السنة ازدحامًا، كمواسم الحصاد مثلًا، غالبًا ما انضمت النساء إلى أزواجهن في الحقل لجلب المحاصيل؛ وتقع على عاتق النساء اللواتي يعشن في المدن مسؤوليات مماثلة لتلك الموجودة في الريف. كما ساعدت النساء الريفيات في عمل أزواجهن، ساعدت النساء في المناطق الحضرية آبائهن وأزواجهن في طائفة واسعة من الحرف والتجارات، بما في ذلك إنتاج المنسوجات والسلع الجلدية والأعمال المعدنية، فضلًا عن تشغيل المتاجر والنزل.

الخطيئة الأصلية

وفقًا لرواية الكتاب المقدس قامت حواء التي خلقت من ضلع آدم بارتكاب الخطيئة الأولى وهي أكل الفاكهة المحرمة وأودت بذلك إلى سقوط الإنسان من الجنة. فمن المتوقع أن تتطور هذه القصة و تشدد على الاعتقاد بأن النساء أقل شأنًا من الرجال، وأنهن أضعف أخلاقيًا ومن المحتمل أن يقودن الرجال إلى الخطيئة. تجلت هذه النظرة في فن العصور الوسطى المرئي الذي غالبًا ما يتم التأكيد فيه على دور النساء في هذه “الخطيئة الأصلية” من خلال المئات من اللوح التي تظهر بها حية برأس امرأة تغوي حواء بعصيان الله.

المرأة
إغواء حواء

كما نرى؛ قامت النصوص الإنجيلية المقدسة بالمساهمة في تحديد موقع المرأة في المجتمع في كثير من الأحيان وعلى وجه الخصوص أكدت كتابات بولس الرسول على السلطة الطبيعية التي يحظى بها الرجل على المرأة، تلك الكتابات التي منعت النساء من التدريس وحثتهن على الالتزام بالصمت. ومع ذلك، كانت العذراء مريم على النقيض من هذه الصورة السلبية في الأذهان: كونها أم المسيح، كانت هي القناة التي من خلالها يمكن إنقاذ المسيحيين، فهي التي جاءت لتطهير خطايا حواء فسميت «حواء الثانية». وعلى مر العصور الوسطى كان ينظر إلى مريم العذراء على أنها أطهر القديسين وأعظمهم شأنًا، وكذلك رمز لا مثيل له للعفة والأمومة، الأمر الذي يراه البعض متناقضًا.

المرأة والسلطة

بالطبع يمكن أن تظن الآن أن مفهوم السلطة كان يمارس فقط على المرأة فترضخ في قلة حيلة للمجتمع الأوروبي الذكوري في القرون الوسطى. لكن في الحقيقة هنالك أيضًا من النساء من مارسن السلطة في شكل مناصب دينية أو سياسية، مما شكل حجةً مضادة للصورة النمطية لنساء القرون الوسطى باعتبارهن مضطهدات وخاضعات على الدوام. ففي الكنيسة مثلًا، كان ممكنًا للمرأة عقد مناصب ذات مسؤولية كبيرة مثل أن تكون رئيسة الراهبات والتي في بعض الأحيان وبالأخص في الأديرة التي تضم مجتمعات من الرهبان والراهبات كانت لها سلطة أكبر من الرهبان. أما خارج الجدران الرهبانية، سنح للمرأة أن تمارس السلطة السياسية كذلك، فالأمثلة التاريخية لملكات مارسن السلطة الملكية نيابة عن الأزواج الغائبين أو الأبناء القاصرين عديدة. ففي التاريخ الإنجليزي، على سبيل المثال لا الحصر نجد الملكة الأكثر روعة إيزابيلا (1295 – 1358)، التي قامت، بالتعاون مع حبيبها، السير روبرت مورتيمر، بنهاية حكم زوجها إدوارد الثاني (1284 – 1327).

الزوجات والراهبات

بالرغم من ذلك كله لا يمكننا القول بأن الأغلبية الساحقة كانت من القويات المحظوظات بالسلطة. معظم النساء، حتى اللاتي عشن في ظروف حياتية كريمة، لم يكن لهن رأي يذكر في الاتجاه الذي سلكته حياتهن وعادة ما يتم ترتيب زواج الشابات الأرستقراطيات من قبل عائلاتهن لأزواج لم يكن لديهم كذلك خيار كبير في شركائه. أما الحصول على الاستقلالية القانونية التامة والحكم الذاتي على الموارد المالية، فكان أمرًا نادرًا جدًّا على المرأة المسكينة، لن يتحقق إلا إذا انضم الزوج لعداد الموتى!
في القرون الوسطى في أوروبا، لم يكن لدى السيدة دروب حياتية كثيرة لتختار بينهم، في الحقيقة لم يكن لديها إلا بديلين وحيدين؛ إما أن تتزوج أو تترهبن، وقد فضلت معظم النساء الزواج بطبيعة الحال، فتتزوج السيدة وعادة ما تكون في سن المراهقة فيلقى على عاتقها مسؤولية إدارة الأسرة وإدارة البيت سواء كان قلعةً رائعةً أو كان كوخ فلاح صغيرًا. كانت لدى الأكثر حظًا من النساء خادمات تساعدنهن في الطهي والتنظيف ورعاية الأطفال، فكان لدى المرأة الأرستقراطية متسع من الوقت لهوايات أخرى مثل الأنشطة الدينية والصيد والرقص واللعب وغيرها.

أما من آثرن العيش في الأديرة كراهبات، عشن حياة التأمل والصلاة والعمل خلف جدران الدير أو داخل خلية فردية، كما نصت عليهم الأحكام الخاصة بالراهبات. على الرغم من أن تفضيل نمط الحياة الممل هذا قد يكون من الصعب فهمه اليوم، إلا أنه كان، بالنسبة إلى امرأة من القرون الوسطى، بالطبع له مميزات، واحدة منهم ربما كانت تجنب مخاطر الحمل والإنجاب مثلًا.

الحمل والولادة

المرأة
دور القابلة في عملية الولادة

كان الحمل والولادة محفوفين بالمخاطر: فالمضاعفات التي يمكن اعتبارها اليوم بسيطة نسبيًا، مثل عرض المجيء المقعدي للطفل، كان يمكن أن يكون قاتلًا للأم والطفل. أما العملية القيصرية، المعروفة منذ العصور القديمة، كانت تجرى فقط إذا كانت الأم ميتة أو على وشك الموت لأن تلك العملية كانت تودي إلى موتًا محتمًا للأم.
في غالب الأمر، كانت القابلة، أو ما يطلق عليها الآن لقب الداية، هي من تقوم بعملية توليد المرأة، الأمر الذي كان محفوفًا بالمخاطر حيث أن القابلات فهمن عمليات الولادة من الخبرة الشخصية العملية ليس من خلال تدريب أو دراسة رسمية، على الرغم من ذلك ففي أواخر العصور الوسطى، بدأت المهنة تُعتمد رسميًا.

ومن أدوار الداية كذلك، بجانب رعاية الأم، أداء طقوس التعميد في الحالات الطارئة التي تكون فيها حياة الرضيع في خطر.

على الرغم من أن المصادر التاريخية حول حياة النساء في العصور الوسطى ليست بالعديدة مقارنةً بتلك التي تختص بالرجال، إلا أنها أكثر ثراءًا مما كان متوقعًا. من خلال الوثائق التي نجح الباحثون في استخلاصها والنصوص والصور الأدبية الكثيرة، يمكننا الآن أن نرسم صورة واضحة وشيقة للمرأة في العصور الوسطى، التي كما جرت العادة مع سائر السيدات على مر العصور، تمت بالمرونة والحيوية والمهارة وفي حالات استثنائية كانت قادرة على ممارسة السلطة السياسية والتعلم والإبداع خارج المجال المحلي.
في النهاية، لا يسعنا سوى أن نحذر التعميم وأخذ نمط معين للوضع والتجربة الحياتية للنساء آنذاك كصورة حتمية للعامة. فكما هو الحال اليوم، تلعب الظروف و الاعتبارات المختلفة دورًا محوريًا وتشكل لكل فرد تجربته الفريدة من نوعها والخاصة جدًا التي لا تشبه نظيراتها من تجارب الآخرين. نظرتنا للمرأة الأوروبية في تلك العصور تتراوح في تجانس تام وتوازن بين تجربة الاستثنائيات القليلات، اللواتي غالباً ما تكون سيرتهن موثقة جيدًا من خلال ثرواتهن ومكانتهن، وتجربة العاديات من النساء اللواتي لم يحدث في طور حياتهن ما يترك أثرًا ولو ضئيلًا في سجلات التاريخ.

المصدر

http://sc.egyres.com/20TGi


ترجمة: زهرة المنصوري
مراجعة لُغويَّة: إسراء عادل
تحرير: زياد الشامي

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي