شرطة مكافحة تلوث الفضاء

71C774FE-4AEF-4F92-B00AD329BF307DB9

تلوث الفضاء

لا يوجد أي شك بأن الفضاء أصبح مكانٌ مزدحمًا، ولهذا، قامت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا بتعزيز شرطة لمنع تلوث الفضاء فسيتم قريبًا رؤية ضابط الحماية الكوكبية الجديد التابع للوكالة حاملًا معه القوانين، وذلك بمناوبات رئيسية في مهمات فضائية عامة أو تابعة للقطاع الخاص.

قالت (ليزا برات – Lisa Pratt) عالمة أحياء فضائية بجامعة إنديانا وأحدث شرطي للفضاء:

سيوجد لدينا مأمور شرطة ولكن في الفضاء.

وبما أن الفضاء ليس فوضويًا وعنيفًا -كالبلدان الخارجة عن القانون مثلًا- فإن البحث عن حياة خارج الأرض يجعل من القوانين التي تحمل معنً، قليلة وغير منطقية قليلًا.

ولكن يوجد من ذلك استثناء واحد، وهو قانون يسمى ب(Proviso)، وهو جزء من وثيقة قانونية –عالمية- تنص على وجوب القيام بشيء ما. ولقد تم تطبيقه في الفضاء لتجنب احتمالية الإضرار بالكواكب الداخلية عن طريق تبادل المواد البيولوجية بين بعضها البعض، والذي قد يسبب عدد من الأوبئة الخبيثة على الأرض أو يمحو البيئات الحيوية الغريبة.

وقد يؤدي هذا القانون أيضًا إلى تجنب التلوث الخاص بالعوالم الأخرى، والذي يذهب إليهم عن طريق الكائنات الحية الأرضية المحمولة على متن المركبات الفضائية، وذلك في مقابل تلوث الأرض عن طريق الجزيئات النشطة بيولوجيًا الغريبة.

وتعتبر ليزا برات –بالنسبة لوكالة ناسا- الشخص الذي يضمن أن المهمات التي تطلقها الولايات المتحدة تتبع تلك البروتوكولات الاحترازية؛ فقد قامت بالظهور لأول مرة بالعمل في مكتب ناسا الخاص بحماية الكواكب، والذي يمر نفسه بمرحلة انتقالية كبيرة. فقد أعلنت ناسا في يوليو 2017 بأن المكتب قد تم نقله من قسم إدارة البعثات العلمية إلى قسم البعثات المؤكدة بواشنطن.

وقد صرحت الوكالة رسميًا أن نقل ذلك القسم سوف يؤدي إلى تضمين دقة هندسية أكثر، لمكافحة التلوث البيولوجي القادم من المركبات الفضائية القادمة إلينا، أو الملوثات الخارجة من الكوكب.

أما بالنسبة للوكالة، فقد قام التقرير الجديد الخاص بالأكاديميات الوطنية بإعادة شكر ناسا على المنهج الذي تتبعه لحماية الكواكب، وخصوصًا في ضوء جهود القطاع الخاص لاكتشاف الفضاء، بالإضافة إلى خطط الوكالة التي تهدف إلى استرجاع عينات من كوكب المريخ.

وقد أضافت برات:

سنقوم أيضًا بالذهاب إلى الأماكن التي أعتقد أننا سنذهب إليها، وذلك في غضون العقد القادم، وذلك عندما نقابل شكلًا آخرًا من الحياة في نظامنا الشمسي.

الحاجة لشعار جديد

وبمرور الأعوام، اعتاد أن يكون الشعار الخاص بالمكتب هو (protecting all of the planets, all of the time)، ولكن صرّحت برات بأنه شعار جذاب ومرح حتى إنه يصلح وضعه على الملصقات، لكنه لا يعبر عما يفعلونه بالضبط قائلة:

في البداية، نحن لا نحمي كل مكان، بل نحاول تحديد أكثر الأماكن الغير محصنة وأكثرها صلاحًا للسكن، ومن ثم نحتاج بعدها للقلق على العلم الذي نمارسه.

ويظهر بوضوح أن اختصاص برات هو التأكد من تجنب الملوثات القادمة من العوالم الأخرى، والتي تأمل وكالة الفضاء أن تجد فيها دليلًا على الحياة.

وقالت:

ليس فقط المركبات الفضائية من تملك متطلبات للحماية الكوكبية، بل (flybys) و(orbiters) بسبب إمكانية قدرتهم على الإتيان على السطح. لكننا نقلق كثيرًا بخصوص هبوط (non-nominal) والذي يعني بوضوح (التحطم). وفي الواقع، أحببت ذلك المصطلح كثيرًا وقد بدأت أعتاد عليه.

وبالتحدث إلى جمهور يتكون معظمه من مهندسي الفضاء الجدد، قامت برات بمناشدتهم بألا يروا الحماية الكوكبية كعبء، بل من المفترض رؤية ذلك كطريقة لحل مجموعة من التحديات الصعبة جماعيًا.

تسلق منحنى العلم

وبجانب المريخ، فإن الأقمار الجليدية التابعة للكواكب الخارجية والتي تتحكم المحيطات باتجاهها كقمر المشترى (Europa) وقمر زحل (Enceladus)، أو حتى النقاط الساخنة الأخرى البيولوجية الموجودة في النظام الشمسي، فإن العلماء مازالوا يعانون من قلة الفهم الكامل لقدرات عملية الأيض والعمليات الأخرى الاي يؤكد بأن الكائنات الدقيقة في الأرض قد تقود إلى النماء والازدهار في مختلف الأماكن.

ولكن تعتبر برات أن استخدام المريخ كـ(بوتقة) لخدمة السياسات المستقبلية للحماية الكوكبية لناسا، قد أصبح أمرٌ مزيفًا. فقد استعرضت تحديثات الوكالة لمتجول المريخ 2020 باعتباره حسب قولها: «منحنى مهمًا جدًّا في العلم» بسبب أن تلك المهمة تم إعدادها لتحمل عينات إلى العودة اللاحقة للأرض، والتي يمكن أن يكون لبعض منها إمكانية استضافة معلومات بيولوجية من الماضي حتى اليوم الحاضر.

المريخ، كحالةٍ خاصة

يتمتع كوكب المريخ بقائمة مستمرة في الازدياد من (المناطق المميزة)، وخصوصًا تلك التي يتوقع علماء البيولوجيا الفلكية أنها تدعم سكان المريخ الأصليين، أو بالتأكيد الميكروبات القوية التي تم إدخالها إلى المريخ من الأرض دون قصد.

ولقد كافحت برات مجاهدة في إدعاء بأنه حتى إن بدأت الحياة على المريخ، فإن التكيف التطوري يجب أن يسمح بالمحافظة على السرعة مع التغيرات المناخية الخاصة بالكوكب، مما يعزز احتمالية بقاء تلك الميكروبات المريخية.

أما بالنسبة للنجاة هناك في الوقت الحاضر، فقد قالت برات:

لقد ابتعدنا عن تلك المناطق المميزة، ولكن نعرف الآن أننا نعيش في وقت انخفاض الأحمال تحسبًا لظهور البشر وذلك في غضون 10 إلى 15 عامًا، وربما 30 عامًا بالنسبة إلى (البعثات البشرية). فيجب أن نبدأ البحث في هذه الأماكن ونفكر بطريقة أفضل بالطقس فيما إذا كان لدينا أم لا، بل ويفضل في يومنا هذا البحث بشكل منهجي عن وجود الحياة على المريخ.

وفي الواقع، فإن اهتمامات برات المتمركزة على المريخ تمتد إلى ما وراء سطحه وتصل إلى (Phobos) أحد أقمار المريخ، ويعد الهدف من ذلك هو العودة بعينة منه (وهي رحلة ناسا مع وكالة الفضاء اليابانية JAXA).

لكن لاحظت برات بأن العديد من الخبراء المستقلين يشعرون بالقلق منه، فهم يرون أنه قد يكون مستودع لمستلزمات الحياة المريخية، وقد قاموا على متنه بنقل مواد تم قذفها إلى المدار بواسطة آثار نيزكية على سطح الكوكب. لكن ما هي المخاطر التي قد تواجهها مثل هذه المخلفات؟ فلا أحد يعرف الإجابة إلى الآن.

حماية القطاع الخاص

وقد بدأت برات أيضًا العمل مع سلالة جديدة من المشاريع الفضائية التجارية مثل (SpaceX)، و(Blue Origin) وغيرها من المشاريع التي تقوم بتطوير الصواريخ والمركبات الفضائية لنقل البضائع بل حتى أفراد الطواقم إلى ما وراء القمر كالمريخ والوجهات الأخرى.

وفي شهر فبراير/شباط الماضي، أدى إلقاء صاروخ (Falcon) الثقيل الحامل لسيارة (Tesla Roadster) باتجاه المريخ من (SpaceX) إلى حدوث أزمة طفيفة في حماية الكواكب، فلم يكن تم تعقيم السيارة من أجل تجهيزها لتأثير سيئ من غير المرجح حدوثه –ولكن محتمل- مع الكوكب الأحمر.

وقد أوضحت برات خلال كلمتها الرئيسية في ورشة العمل أنها لم تكن سعيدة بهذه النتيجة، وصرحت بأن المحادثات جارية بين الوكالات على مستويات عالية من الحكومة الفيدرالية، قائلة:

نحاول التأكد أننا نعرف كيفية الحصول على هذا الحق، وذلك لنضمن أن متطلبات الحماية الكوكبية واضحة، وموضحة بطريقة نعرفها لمن لديه السلطة التنظيمية.

وتعمل المركبة الفضائية (CubeSats) -التي يبلغ كلًا من حجمها وشكلها الصندوق- وغيرها من الأقمار الصناعية الصغيرة، على استقطاب العديد من المخططين من كلا القطاعين العام والخاص بشكل متزايد، وذلك للبعثات بين الكواكب.

وفي هذا المجال خصيصًا، تعتبر برات حريصة على كيفية ضمان النظافة، نظرًا لأن تلك المركبات الفضائية عادة ما تحتوي على أجزاء جاهزة رخيصة قد لا تتحمل صرامة المعالجة بمواد كيميائية قاسية، أو التحميص في الأفران لتحقيق مستويات إلزامية من التعقيم.

لكن تتجلى مخاوف برات بشكل واضح من صدى صانعي السياسة الرئيسيين في الولايات المتحدة، وذلك مثل(John Culberson -جون كولبريسن) نائب لمقاطعة تكساس ورئيس لجنة المخصصات في مجلس النواب والذي يمول وكالة ناسا.

وفي اجتماع تم عقده في يونيو/حزيران باللجنة الاستشارية للنقل التجاري في الفضاء والتابعة لإدارة الطيران الفيدرالي، قام النائب بالتصريح قائلًا:

إن القطاع الخاص بحاجة للتأكد من أننا نقوم بحماية كوكبية فعلية، فأنا لم أسمع ما يكفي عن حماية الطبيعة الأم للعوالم الأخرى مثل قمر المشترى (Europa) من كائنات الأرض المنتقلة إليه.

وقد أضاف:

إن ذلك أمرًا مهمًا للغاية حيث يتوسع القطاع الخاص بادئًا في إطلاق بعثات إلى عوالم أخرى وبنفس المستويات العالية من الحماية الكوكبية، وتعقيم المركبة الفضائية التي تم بناؤها بطريقة تجارية خاصة لخد لمركبات الفضاء التابعة لوكالة ناسا.

الخطوات التالية

وقد أشارت برات إلى أن استكشاف الفضاء التجاري ومثلها من القضايا الأخرى ستكون موضوعات رئيسية في الاجتماع القادم للجنة أبحاث الفضاء (COSPAR) الذي يتم عقده في الفترة من 14 إلى 22 يوليو في باسادينا بولاية كاليفورنيا، وسيناقش خبراء دوليون في مجال الفضاء خلال الاجتماع سياسات الحماية الكوكبية الحالية وإرشادات التنفيذ.

ومن المقرر أن تتحدث عن جميع التغييرات الأخيرة في مكتب حماية الكواكب بوكالة ناسا بصفتها نائبة لتنظيم تلك الدورة.

كما أن أحد أسلاف شركة برات للحماية من الكواكب في وكالة ناسا، عالم الفضاء الفلكي (John Rummel -جون رومل) والذي كان أيضًا رئيسًا سابقًا في (COSPAR).

ومن المحتمل أن تناقش برات وأقرانها تغييرات (COSPAR) الأخيرة في مبادئها التوجيهية في الاجتماع المقبل، والتي تم اتخاذها لضمان إجراء دراسة صريحة للمشغلين التجاريين وغير الحكوميين وشواغلهم.

وبالنسبة إلى مكتب الحماية الكوكبية التابع لناسا والذي تحول إلى مكتب السلامة والمهمات، فإن روميل يعتقد بأن الحركة البيروقراطية الصعبة هي فكرة جيدة للحماية الكوكبية في هذا الوقت، بالنظر إلى زيادة سرعة الاستكشاف الآلي المرتبط بفلك الأحياء الفضائية وآفاق ناسا للتنقيب عن اكتشافات الانسان إلى القمر استعدادًا للمريخ.

وقد انتقد عدد من علماء البيولوجيا الفلكية الآخرين مثل (Dirk Schulze-Makuch -ديرك شولز ماكوش) الأستاذ في جامعة برلين التقنية وأستاذ مساعد في جامعتي ولاية أريزونا وجامعة ولاية واشنطن، سياسات الحماية الكوكبية في وكالة ناسا، حيث اعتبروها شديدة القسوة.

ومع ذلك، فإن ماكوش متفائل بأن برات ستقوم بتوفير مساعدات بناءة لضمان مستقبل مثير لعلماء صيد الأجسام الغريبة، وذلك مع ضمان سلامة كوكبنا وتجنب التلوث غير الضروري للمريخ والكواكب والأقمار الأخرى.

وقد صرّح بأن التحول المستمر في مكتب حماية الكوكب التابع لناسا يجعله متفائلًا بأن برات لن تقوم بوضع أي عوائق غير منطقية عند اقتراح بعثات جديدة.

المصدر

http://sc.egyres.com/iBwKJ


ترجمة وإعداد: دينا الخطيب
مراجعة: آية غانم
مراجعة لغوية: إسراء عادل
تحرير: زياد الشامي

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي