في حين قد يظن البعض أن الموت من البرد معناه أن الشخص يتجمد ببطء، فإن أجسادنا البشرية تفعل أشياءً غريبة قبل أن تقابل النهاية. إليك ما يحدث عندما نواجه بردًا قارسًا ويحاول جسدنا حمايتنا منه.
لا يتخطى الجو البارد كونه مزعجًا، ولكن إذا واجه أحدنا بردًا قارسًا بدون أن يرتدي ما يحميه منه أو يتعرض لهذا البرد لفترة من الوقت، تبدأ درجة الحرارة في تَخطِّي كونها مُجرَّد عذر لإلغاء المدرسة. للأسف لا يوجد درجة حرارة معينة يُمكننا اعتبارها الدرجة الحرجة التي تبدأ عندها المتاعب. وذلك لأن هناك العديد من العوامل التي تُحدد سرعة إصابة الشخص بانخفاض في درجة الحرارة (Hypothermia). على سبيل المثال: يُصاب كبار السن بانخفاض حرارة الجسم في الظروف التي يعتبرها صغار السن ظروفًا عادية، كما يميل مستهلكو الكحول ( عندما لا يزال الكحول في أجسامهم ) إلى الأصابة بالـ (hypothermia) قبل أقرانهم الفائقين.
يتسبب انخفاض درجة حرارة الجسم Hypothermia (عندما تصل لحوالي 35 درجة مئوية ) في اختلال وظائف القلب والنظام العصبي وأعضاء أخرى. وبدون علاج قد تؤدي الظروف إلى موقفٍ صعب يشمل فشل الجهاز التنفسي والموت.
يقول دكتور جو ألتون: «يُنتج القلب والكبد معظم حرارة الجسم في تناسق مع حرارة مركز المخ ( تحت المهاد-Hypothalamus)»، الجدير بالذكر أن دكتور جو هو مؤلف كتاب طب البقاء Survival Medicine، ويتابع: «وبانخفاض درجة الحرارة تنتج هذه الأعضاء حرارة أقل».
وعندما تبدأ درجة الحرارة في الانخفاض يبدأ جسدنا بالارتعاش كرد فعل لإبقائنا دافئين، حيث يعمل الانقباض والانبساط المتسارع لعضلات أجسامنا على إنتاج الحرارة. يعمد جسدنا أيضًا إلى تضييق الأوعية الدموية فيما يُسمَّى بـ (vasoconstriction) وذلك لإعادة توجيه الدم إلى الأنسجة الأعمق والأكثر أهمية. هذا يُساعد في تقليل كمية الحرارة المفقودة للبيئة الخارجية ولهذا السبب تُشكِّل المشروبات الكحولية خطرًا لإصابتنا بالـhypothermia حيث تعمد إلى انبساط الأوعية الدموية.
وبجانب هذه الدفاعات تمتلك الـHypothermia المعتدلة أعراضًا أخرى مثل الدوار وسرعة التنفس وضعف الضغط. كما تجدر الإشارة إلى أن الانخفاض الحاد في درجة الحرارة لا يمتلك فقط تأثيرات فسيولوجية ولكن تزداد الأمور خطورة عندما يبدأ انخفاض درجة الحرارة في العبث بأدمغتنا.
ما إن تصل درجة حرارة أجسامنا إلى 32 درجة مئوية يبقى معدل تنفسنا وضربات قلبنا في الانخفاض إلى درجات خطرة. سيؤدي هذا في النهاية إلى فقدان الوعي، ولكن قبل أن يحدث هذا يبدأ الشخص بالشعور بالارتباك، بالتحدث والتفكير بخمول، بل إن البعض يختبر فقدان متقدم للذاكرة. فقدان التفكير المنطقي هو أيضًا عرض من أعراض الـHypothermia الحادة والذي قد يؤدي إلى سلوك يتسبب في المشاكل.
بقضاء وقتٍ في الجو القارس، تُجهَد العضلات المسؤولة عن إبقاء أوعيتنا الدموية منقبضة وتبدأ في الفشل في آداء مهمتها، مما يعني أن كل الدم الدافئ المسحوب من أطراف الجسم يرجع فجأةً إليه. هذا يُسبِّب ما يُسمَّى بـ (Hot Flash) وهو جعل الشخص المعاني من Hypothermia حادة يشعر بالاشتعال و كأنه يحترق للحظة. ورغم أن هذا العَرَض يدل على تقدم الـ Hypothermia إلّا أن دماغ الشخص المُشوَّش بالـ Hypothermia يتعامل معها بسطحية، هم يشعرون بالحرارة إذًا عليهم خلع ملابسهم. هذا التصرف الغريب – والذي يُسمَّى ب(التعري المتناقض Paradoxical Undressing)– وُجِد أنه سبق موت 25 بالمائة من حالات الـ Hypothermia بالدراسة.
و كما لو أن التعري ليس برد فعلٍ غريب بشكل كافٍ، فإن الدماغ يمتلكُ سهمًا أخيرًا في جعبته لحمايتنا من التجمد. توصف بالغريزة البدائية لنخاع المخ، وُجِد أن كُلًّا من الحيوان والإنسان المُعاني من الـ Hypothermia يبدأون في الحفر النهائي. الحفر النهائي هو سلوك غريزي يدفعنا للوصول لمكانٍ آمن بالحفر في الثلج أو الاندفان تحت شيءٍ ما إشارة إلى آلية أخيرة للحماية.
التعري المتناقض والدفن النهائي غالبًا ما يُصاحبان بعضهما البعض وغالبًا ما يتبعهما أيضًا الموت. وبدرجة حرارة داخلية تتراوح بين 21 و29 مئوية يدخل الشخص في غيبوبة نتيجة عدم القدرة على الحركة وضغط الدم المنخفض وما إن تنخفض درجة الحرارة عن 21 تبدأ العضلات في التصلب و القلب ويزداد معدل انخفاض التنفس حتى يصل الشخص إلى الموت.
ورغم أن الحد العام لنجاة الإنسان يقع فوق هذه الدرجة هناك حالات تعافٍ لا تُصدَّق والتي تغلب هذا الحد. وأكثر الأمثلة ملاحظةً هي المتزلجة التي نجت بعد أن وقعت في مياه متجمدة وبقيت مغمورة لحوالي 40 دقيقة بكمية هواء محدودة تحت الجليد لتتنفس. وعند وصول النجدة خلت المسكينة من النبض وانعدمت دورتها الدموية. بذل الأطباء جهدهم لتسع ساعات ليستعيدوها واضطرت للبقاء في العناية المركزة حتى تستعيد قدرتها على استعمال أعضاءها وأطرافها. وبشكلٍ عام فقد نجت بعد أن انخفضت درجة حرارة جسدها الداخلية إلى حوالي 13 درجة مئوية وهي أقل درجة مسجلة تم النجاة منها. لذا فإن كنت تنوي مواجهة سقيع هذا العام فاحتشم جيدًا واستعد وابقَ آمنًا لأنه ليس بإمكاننا جميعًا أن نتخطى هذا الرقم القياسي.
إعداد : Muhammad Sadeq
مراجعة علمية: Hosny Ayman
مراجعة لغوية: Mohamed Sayed Elgohary
تصميم : Bothaina mahmoud
المصدر : http://sc.egyres.com/Ndv9y
#الباحثون_المصريون