تأثير الحجر المنزليّ والبعد المجتمعيّ على البيئة

https://www.esa.int/var/esa/storage/images/esa_multimedia/images/2017/07/bringing_air_pollution_into_focus/17076098-1-eng-GB/Bringing_air_pollution_into_focus_article.png

يتسبب فيروس (COVID-19)، أو ما يُعرف بكورونا في خسائر فادحة في الأرواح، والتي هي من تداعياته السلبيّة. أما عن البيئة؟! فهل تأتي جهودنا في البعد المجتمعيّ مع فوائد بيئيّة مشتركة؟

ما هو فيروس (COVID-19)، وكيف ينتشر؟

فيروس (COVID-19) هو مرضٌ مُعدٍ، ويعاني معظم الأشخاص المصابين بالفيروس من أمراض تنفُّسيَّة خفيفة إلى متوسطة، وأكثر من هم عرضة لهذا الفيروس كبار السن، وأولئك الذين يعانون من مشاكلَ طبّيّة، مثل: أمراض القلب والأوعية الدموية، مرضى السكري، أمراض الجهاز التنفسي المزمن والسرطان.

وينتشر هذا الفيروس من خلال قطرات اللعاب والإفرازات من الأنف عند السعال أو العطس. [1]

فيروس (COVID-19)
فيروس (COVID-19)

تدابير الصّحّة العامة الوقائيّة المُتَّخذة للحدّ من انتشار الفيروس

في هذا الوقت لا تُوجد لقاحاتٌ أو علاجات مُحدَّدة لـ (COVID-19)، ونظرًا لانتشار هذا الفيروس، والذي ظهر في مدينة ووهان في الصين في ديسمبر 2019 بشكلٍ كبيرٍ جدًّا، حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية بتاريخ 7 أبريل؛ حيث تبلغ الإحصائيّات عالميًّا 722 1279 حالة مؤكّدة و 614 72 حالة وفاة.

لذا، نحن بحاجة إلى الاعتماد على تدابير الصحة العامة التقليدية والوقائية، التي نصحت بها منظمة الصحة العالمية للحد من انتشار هذا الوباء، وهي:

أولًا: العزل

أي فصل الذين يعانون من أمراض معدية عن غير المصابين لوقف انتقال هذه الأمراض إليهم.

ثانيًا: الحجر الصحي

وهو تقييد الأشخاص الذين تعرّضوا لمرضٍ مُعدٍ ولكنهم ليسوا مرضى، لأنهم قد يُصابون بالعدوى أو لأنهم ما زالوا في فترة الحضانة.

ثالثًا: احتواء المجتمع

وهو تقليل التفاعلات والحركات الشخصية، وتتراوح من التباعُد الاجتماعي، مثل إلغاء التجمعات العامة، وإغلاق المدارس والعمل من المنزل إلى استخدام المجتمع لأقنعة الوجه إلى إغلاق مدنٍ أو مناطق بأكملها.

وهذه التدابير الوقائية المتخذة لها تأثيرٌ على البيئة، حيث تشير النتائج إلى دور إيجابي وكبير للبعد المجتمعي، ليس فقط من حيث احتواء ‏(COVID-19)، ولكن أيضًا من حيث حجم انبعاثات التلوُّث نتيجة النشاط الإنسانيّ، وجودة الهواء والمناخ. [5]،[1]

كيف يمكن أن تؤثّر التدابير الوقائيّة المُتَّخذَة على البيئة؟

المطوّر الرئيسي في شبكة (cool climate) كريستوفر جونز يقول: “إن كل هذه الاحتياطات التي تتخذها المدارس والشركات لإبقاء الناس في منازلهم تنقذ أرواحهم بالتأكيد” وأضاف قائلًا: “الإجراءات التي يتخذها الناس استجابة لهذا الفيروس يمكن أن يكون لها فائدة في انخفاض انبعاثات الكربون”.

كما أخبر كمبرلي نيكولاس، الباحث في مركز جامعة لوند لدراسات الاستدامة في السويد، صحيفة نيويورك تايمز أن ثلاثة أنشطة مُشتركة تُمثّل أكبر مصادر انبعاثات الكربون لدينا.

ففي أيّ وقت يمكنك فيه تجنُّب ركوب الطائرة أو ركوب السيارة أو تناول المنتجات الحيوانيّة فهذا يُمثّل حفاظًا كبيرًا على المناخ.

أيضًا أشارت E&E News أن هناك انخفاضًا كبيرًا في النشاط الصناعيّ والطلب على النفط، حيث يُقدّر الخبراء أن انبعاثات الكربون قد انخفضت بنحو الربع في الصين، والتي تُعدُّ أكبر مصدر لانبعاثات الكربون في العالم. [4]

الأقمار الصناعيّة تُقدّم نقطة تغطية فريدة لمُراقبَة صحّة كوكبنا

نتيجة لتباطؤ الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، بدأ التلوث في الانكماش، حيث كشفت الملاحظات المستنِدة إلى الأقمار الصناعية عن تقلُّص بنسبة 10-30% في نسب NO2 و PM2.5.

اكتشفت أقمار رصد التلوّث في وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية (ESA) انخفاضًا كبيرًا في ثاني أكسيد النيتروجين (NO2) (غاز ضار ينبعث من السيارات ومحطات الطاقة والمُنشآت الصناعية) فوق الصين وهناك أدلةٌ على أن التغيير مرتبطٌ على الأقل جزئيًّا بالتباطؤ الاقتصادي بعد انتشار الوباء العالمي، كورونا.

 

تظهر الخرائط قيم NO2 عبر الصين من 1 إلى 20 يناير 2020 (قبل الحجر الصحي) ومن 10 إلى 25 فبراير (أثناء الحجر).
تظهر الخرائط قيم NO2 عبر الصين من 1 إلى 20 يناير 2020 (قبل الحجر الصحي) ومن 10 إلى 25 فبراير (أثناء الحجر).

وتم جمع البيانات بواسطة أداة مراقبة التروبوسفير (TROPOMI) على القمر الصناعي Sentinel satellite التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، وفي الوقت نفسه تقوم أداة تتبُّع الأوزون (OMI) على القمر الصناعي Aura التابع لناسا بإجراء قياسات مماثلة. [2]

العواقب البيئيّة للبعد المُجتمعيّ الطوعيّ والمفروض

تم تحليل 151 محطة مراقبة تقع عبر المدن الصينيّة الكبرى في 31 مقاطعة لتتبُّع تركيزات PM2.5 و PM10 و O3 NO2 و SO2 و CO، من أجل جمع وتحليل البيانات قبل وبعد انتشار ‏(COVID-19).

وكانت النتائج كالتالى:

انخفاض قيم ثاني أكسيد النيتروجين (NO2)

كان انخفاض تلوث NO2 ظاهرًا لأول مرة بالقرب من مدينة ووهان في الصين، ولكنه انتشر في نهاية المطاف عبر البلاد بعد عزل ملايين الأشخاص.

وتزامن أيضًا انخفاض ثاني أكسيد النيتروجين في عام 2020 مع احتفالات العام القمري الجديد في الصين ومعظم آسيا، وقد أظهرت الملاحظات السابقة أن تلوث الهواء ينخفض عادةً خلال هذه الفترة ثم يزداد بمجرد انتهاء الاحتفال.

لذا تم مقارنة قيم NO2 على مدى ثلاث فترات:

من 1 إلى 20 يناير 2020 (قبل السنة القمرية الجديدة)، ومن 28 يناير إلى 9  فبراير (حول احتفالات العام الجديد)، ومن 10 إلى 25 فبراير (بعد الحدث).

تمت مقارنة قيم عام 2020 بنفس الفترات في عام 2019 كمرجع، وأُشير إلى أن القيم الإجمالية في عام 2020 أقل من 2019، وهو ما مُوضَّح في الخرائط.

انخفاض الملوثات في مدينة ووهان
على عكس عام 2019، لم ترتفع قيم NO2 في 2020 بعد انتهاء الاحتفالات في الصين

في ووهان، تم الحد من انبعاثات PM10 وO3 وNO2 بمقدار  6.55, 5.86 و 6.58 μ/??3 على الترتيب. وتجدر الإشارة أيضًا أن التقديرات تشير إلى زيادة في تركيز CO بمقدار 3.6 μ/??3. علاوةً على ذلك، وفقًا للبيانات المتعلقة بالملوّثات الأولية في ووهان، فإن مستويات انبعاثات PM10 و NO2 لا يزالان أقل بنسبة 10% و 7% من المُعدّلات الشهريّة على التوالي.[6]، لذا يمكننا بالتأكيد أن نعزو جزءًا من تقليل تركيز NO2 إلى تأثير الوباء العالمي، كورونا. [2]

هناك أيضًا مجموعة من الخرائط المأخوذة من القمر الصناعي Sentinel-5 precursor لمدن ووهان وسوول وطوكيو للمقارنة بين حجم التلوث في يناير وفبراير ومارس 2020 بحجمه في يناير وفبراير ومارس 2019، والتي أظهرت انخفاضًا كبيرًا في حجم التلوث.

انخفاض حجم التلوث
انخفاض حجم التلوث

وأيضًا أظهرت البيانات الأخيرة انخفاضًا كبيرًا فوق شمال إيطاليا بالتزامن مع إغلاقها على الصعيد الوطني لمنع انتشار (COVID-19).

انخفاض في الجسيمات الدقيقة PM2.5 و PM10 أحد أهم ملوثات الهواء

لاحظت خدمة كوبرنيكوس لرصد الغلاف الجوي (CAMS) انخفاضًا في الجسيمات الدقيقة PM2.5 و PM10 – أحد أهم ملوثات الهواء – في فبراير 2020 مقارنة بالسنوات الثلاث السابقة.

وأشارت الدراسات من خلال الجمع بين نماذج الكمبيوتر التفصيلية للغلاف الجوي ورصد الأقمار الصناعية إلى انخفاض حوالي 20-30% في الجسيمات السطحية في أجزاء كبيرة من الصين. [3]

على مستوى البيئة، التأثير إيجابي حاليًا، ولكن ماذا بعد؟

في النهاية، على الرغم أن هناك تأثيرًا إيجابيًّا للبعد المجتمعي على البيئة وانخفاض انبعاثات التلوث نتيجة توقُّف الاقتصاد ووفاة عدد من البشر، لكن هذا ليس تشبيهًا للكيفيّة التي نريد بها خفض وتقليل الانبعاثات والحفاظ على المناخ.

علاوةً على ذلك أخبرت Helen Mountford، من معهد الموارد العالمية POLITICO، أن اقتصاديّات ما بعد الركود يمكن أن تشهد زيادة في الانبعاثات.

على سبيل المثال، بعد الأزمة المالية العالمية لعام 2008 زادت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 5.9% في عام 2010، أكثر من تعويض الانخفاض بنسبة  1.4% في عام 2009. [7]

 

 

إعداد وترجمة: نورهان خالد/لؤي حسن

المصادر

  1. https://www.who.int/health-topics/coronavirus#tab=tab_1
  2. https://earthobservatory.nasa.gov/images/146362/airborne-nitrogen-dioxide-plummets-over-china?fbclid=IwAR01HOEyIHyQ0Jde7dZhbHIuL0OUt0r-InnZXw-V_uzX1V0WoVuics2c6YU
  3. https://www.esa.int/Applications/Observing_the_Earth/Copernicus/Sentinel-5P/COVID-19_nitrogen_dioxide_over_China?fbclid=IwAR2pm1d9-Yw6M_fPJirEjTwe0CzZoqrCSIU_O8VGgMTU-VsDrrluMUO0s7w
  4. https://www.nytimes.com/2020/03/13/climate/coronavirus-habits-carbon-footprint.html
  5. https://academic.oup.com/jtm/article/27/2/taaa020/5735321
  6. https://marcopercoco.files.wordpress.com/2020/03/combinepdf-1.pdf
  7. https://www.ecowatch.com/social-distancing-climate-crisis-2645499666.html?rebelltitem=6#rebelltitem6

 

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي