تاريخ الطيران || كيف استطاع الإنسان الطيران كالطيور؟
قديمًا، وعلى مر التاريخ.. لطالما حلمَ الانسان بالطيران والوصول إلى السماء، بل إنّ هناك من بذل حياته وروحه ثمنًا لتحقيق هذا الحُلم، الذي تحقق حديثًا بفضل الثورة الصناعية والتقدم التكنولوجي الذي يعيشه البشر في هذه الحقبة من الزمن.
وتقديرًا لكل من أفنى حياته محاولًا الوصول إلى السماء، سنبدأ رحلتنا بتاريخ الطيران.
أساطير الطيران
الأسطورة الأولى : بيجاسوس – Pegasus
تتحدث هذه الأسطورة الإغريقية عن البطل (بيليرفون – Bellerophon) ابن ملك (كورينث)، الذي استطاع اصطياد مخلوقٍ عجيب، عبارة عن حصانٍ مُجنّحٍ قادرٍ على الطيران. وقد قام بيليرفون برحلة على ظهر هذا الحصان المُجنح (بيجاسوس) لمحاربة الوحش الأسطوري (كمير – Chimera) ذي الرؤوس الثلاثة!
الأسطورة الثانية : أسطورة إيكاروس ودايدالوس الإغريقية – Icarus and Daedalus
كان (ديدالوس) من أمهر المهندسين والنحاتين اليونانيين في الأساطير القديمة. وذاتَ مرة، غضب منه الملك اليوناني (مينوس) وأَمَر باعتقاله. عندها قام (ديدالوس) بمساعدة ابنه (إيكاروس) بتصميم أجنحة من الريش ولصْقِها على جسديهما بالشمع ليهربا بالطيران. وبالفعل نجح (ديدالوس) في الطيران من جزيرة كريت إلى نابولي، ولكن لسوء الحظ وبالرغم من تحذيرات (ديدالوس) لابنه، ارتفع (إيكاروس) وطار قريبًا من الشمس، فذاب الشمع، وسقطت الأجنحة، ولقي (إيكاروس) حتفه في المحيط.
الأسطورة الثالثة : أسطورة الملك الفارسي كاج كاووس–King Kaj Kaoos of Persia
يُحكى أن الملك الفارسيّ (كاج كاووس)، كان يقوم بربط نسورٍ ضخمةٍ بالعرش الخاص به، ليتمكن من التحليق حول مملكته جالسًا على العرش.
الأسطورة الرابعة : أسطورة الإسكندر الأكبر
كان الإسكندر الأكبر يقوم بتسخير أربعةٍ من حيوانات الجريفين الأسطورية المُجنّحة (Griffins) لحمْل قفصٍ يجلس بداخله للتحليق حول مملكته.
المحاولات الأولى والجهود التي بُذلت للطيران
الطائرات الورقية الصينية:
مُنذ 400 عامٍ قبل الميلاد، قام الصينيون باختراع الطائرات الورقية التي تُحلّق بقوة الرياح، وهذا ما جعل الانسانَ يبدأ بالتفكير في الطيران وصناعة الطائرات. كان الصينيون يستخدمون الطائرات الورقية في احتفالاتهم الدينية. وقد صَمّموا الكثير من هذه الطائرات الورقية بأشكال فنية ملوَّنة للاستمتاع بها. وأيضًا بعض التصميمات المعقدة لهذه الطائرات كانت تُستخدم لبعض الأغراض المناخية والاستدلال على حالة الطقس. هذه الطائرات الورقية تُعتبر من أهم الاختراعات التي قادت الانسان إلى الطيران، فهي تُعد من إرهاصات ظهور الطائرات الشراعية والمناطيد.
محاولات الإنسان للطيران كالطيور!
بالتأكيد ليس هناك ما يُلهم الإنسانَ للطيران أفضلُ من الطيور. فقد حاول الإنسان قديمًا على مر العصور صناعة أجنحة من الريش ولصْقها على ذراعيه للطيران، ولكن للأسف كانت النتائج كارثية؛ ذلك أنّ عضلات الذراعين عند الإنسان ليست مصمَّمةً لتحمل هذا الجسد الثقيل ولا تتحرك بنفس قوة العضلات في الطيور.
هيرو والإيوليبايل–Hero and the Aeolipile
هو المهندس الإغريقي القديم هيرو السكندري (Hero of Alexandria)، الذي كان يعمل على الضغط الهوائي والبخار للحصول على مصادر للطاقة. في أحد تجاربه في القرن الأول الميلادي، قام بتطوير جهاز أسماه (الإيوليبايل) أو (كرة إيولوس)، الذي يَستغل طاقة اندفاع تيارات البخار الساخن من فتحتين نفاثتين لإحداث حركة دورانية.
الجهاز عبارة عن كرة مُجوفة مُثبَّتة على وعاء مائي، وعندما تُشعَل النيران من أسفل الوعاء يبدأ البخار في التصاعد ويتم تمريره في أنابيب إلى أن يملأ تجويف الكرة. وعلى جانبي الكرة، تتصل أنبوبتان على شكل حرف ( (Lبكل جانب، لتُشكل فتحتين نفاثتين ليخرج البخار من الكرة في اتجاهين متضادين مما يؤدي إلى إنتاج عزم دوران يُسبب دوران الكرة حول محورها. لذلك يُعد هذا الجهاز من بوادر الدفع النفاث في التاريخ.
ليوناردو دافنشي – الأورنيثوبتر عام 1485 ميلادية
بدأ الفنان والمهندس الإيطالي، (ليوناردو دافنشي) بدراساته وتصميماته للطائرات في ثمانينيَّات القرن الخامس عشر الميلادي، وقد أنهى أكثر من 100 لوحةٍ تُبيّن نظرياته المقترَحة لصناعة الطائرات. وفي الواقع، لم يقُم (دافنشي) ببناء (الأورنيثوبتر)، فقد اكتفى فقط بالتصميم الذي يُبين للناس كيف يُمكن للإنسان أن يطير. وتُعد المروحيات هذه الأيام تطبيقًا لهذا التصميم.
الأخَوان جوزيف وجاك مونجولفييه – منطاد الهواء الساخن
الأخَوان (مونجولفييه) مُخترِعا منطاد الهواء الساخن، استخدما الدخان المتصاعد من إشعال النار في دفْع هواء ساخن بداخل حقيبة من الحرير (البالون) مثبّتة بالسلة التي تستقبل الركاب. هذا الهواء الساخن يسبب ارتفاع المنطاد وذلك لأنّ وزنه يُصبح أخف من وزن الهواء.
في عام 1783 ميلادية، كان أول الركاب في هذا المنطاد الملوَّن خروفًا، وديكًا و بطة، لإجراء أول رحلة تجريبية للمنطاد. وقد استطاع المنطاد في هذه الرحلة الارتفاع إلى ما يقارب 2 كيلومتر والتحرك لمسافة كيلومتر ونصف تقريبًا.
بعد هذا النجاح، قرر الأخَوان البدء في تجربة المنطاد للطيران بالبشر. وفي الواحد والعشرين من نوفمبر عام 1783 ميلادية، حمل المنطاد كلًا من (جان فرانسوا بيلاتر دي روزييه – فرانسوا لوران) لتكون أول رحلة طيران مأهولة بالبشر لمنطاد الأخَوان (مونجولفييه).
جورج كايلي
كان المهندس الإنجليزي (جورج كايلي) يعمل على تطوير واكتشاف الطريقة التي تُمكّن الإنسان من الطيران. وقد قام بتصميم العديد من النُّسَخ المختلفة للطائرات الشراعية، التي كان يتم التحكم بها عن طريق حركة الجسم. كان أول من قام بتجربةِ واحدةٍ من هذه الطائرات الشراعية شابًّا صغيرًا، ولكن اسمه غير معروف.
على مدار خمسين عامًا (1799م-1850م)، ظَل (جورج كايلي) يضيف الكثير من التطويرات إلى طائراته الشراعية. فقد قام بإحداث تغييراتٍ في الشكل والأجنحة مما يَسمح للهواء بالتدفق بطريقة صحيحة على الأجنحة أثناء الطيران. وقام أيضًا بإضافة ذيلٍ للطائرة ليساعد على الثبات أثناء الطيران. وظهر في تصميماته أيضًا تصميم الطائرة ذات المستوييْن، وذلك ليضيف مزيدًا من القوة للطائرة الشراعية. ولكنه أدرك أنه لابد من وجود مصدرٍ للقوة، لتظل الطائرة في السماء مدةً أطول.
وأوضح (كايلي) أنه لابد من إمداد الطائرة ذات الأجنحة الثابتة بمصدر للقوة لتزويدها بقوة الدفع اللازمة، وذيلٍ ليساعد في عملية التحكم في الطائرة، وأن هذه هي الطريقة المُثلى التي ستُمكّن الإنسان من الطيران.
الجهود المبذولة للطيران خلال القرن التاسع عشر والقرن العشرين
أوتو ليلينتال 1891م
المهندس الألماني (أوتو ليلينتال). درس الديناميكا الهوائية وعمل على تصميم طائرة شراعية للطيران. وقام بصناعة أول طائرة شراعية بإمكانها الطيران لمسافاتٍ طويلة.
لقد كان مفتونًا بفكرة الطيران لدرجة دراسته للطيور وكيفية طيرانها. وبناءً على هذه الدراسات، قام بتأليف كتاب في الديناميكا الهوائية ، وأصدره عام 1889 ميلادية. وقد اتخذ الأخَوان (رايت) الأساسيات من هذا الكتاب أثناء تنفيذ التصميمات الخاصة بطائرتهم.
بعد القيام بأكثر من 2500 رحلةٍ ناجحة بهذه الطائرة، لقي (ليلينتال) حتفه بعد أن فقد السيطرة على الطائرة بسبب الرياح القوية، مما أدى إلى ارتطام الطائرة بالأرض.
صموئيل لانجلي 1891م
عالمُ فلكٍ أمريكيٌّ، أدرك أنه لابد من تزويد الطائرة بمُحرك حتى تتمكن من الطيران. وبالفعل قام ببناء نموذج طائرة مزوّدة بمُحرك بُخاريّ. استطاع هذا النموذج التحليق لمسافة 1,2 كيلومتر تقريبًا إلى أن نَفَدَ الوقود من المحرك.
حصل (لانجلي) على خمسين ألف دولار أمريكي، كمنحة ليتمكن من بناء طائرته. ولكنها كانت ثقيلةً جدًا فتحطّمت، عندها أُصيب بالإحباط وقرر عدم المحاولة مرة أخرى. وتَكمُن أهمية ما قام به (لانجلي) في عالم الطيران في أنه أَدخلَ فكرة تزويد الطائرة الشراعية بالمُحركات. وكان (لانجلي) مدير معهد (سميثونيان) بولاية (واشنطون).
أوكتاف تشانوت 1894م
مهندسٌ مدنيٌّ أمريكي، قام بنشر كتابه عام 1894م بعنوان ( التقدم في آلات الطيران). وقد قام بتجميع وتحليل كافة المعلومات التقنية التي توصل إليها في علوم الطيران، ووضعها في هذا الكتاب. وقد اعتمد الأخَوان (رايت) على هذا الكتاب في أُسس الكثير من التجارب التي قاما بها. وكان (تشانوت) أيضًا على اتصالٍ بالأخَوان (رايت) ، وكان دائمًا يُبدي رأيه في التطورات الخاصة بطائرتهم.
الأخَوان (أورفيل) و (ويلبر) رايت – أول طائرة ناجحة في العالم
كان الأخَوان (رايت) يحلُمان بالطيران. في البداية، قاما بقراءة ومتابعة كل ما هو جديدٌ في عالم الطيران، ثم قرّرا المساهمة في هذه الدراسات. بدأ الأخَوان بدراسة كيفية التحكم في الطائرة وذلك عن طريق ليّ الأجنحة أثناء الطيران، وقد قاما بهذه التجارب على الطائرات الورقية. وتوصّل الأخَوان إلى أنّ للرياح دورًا مهمًا في المساعدة على الطيران، والتحكم بالطائرة.
الخُطوة الثانية التي قام بها الأخَوان هي اختبار ودراسة أشكال وتصميمات الطائرة المختلفة كما كان يفعل (جورج كايلي).
وقد أمضى الأخَوان ثلاث سنواتٍ في هذه التجارب وفي اختبارات كيفية التحكم بالطائرة، وذلك في بلدة (كيتي هوك) بولاية (كارولاينا الشمالية).
وقام الأخوان بتصميم نفقِ رياحٍ – أنبوب تُمرّر فيه التيارات الهوائية للقيام ببعض التجارب الايروديناميكية ــ وباستخدام هذا النفق استطاع الأخوان اختبار أشكال الأجنحة والذيل الخاص بالطائرة الشراعية. وبعدما توصّلا لأفضل التصميمات الخاصة بالطائرة، بدأ الأخوان في التركيز على نظام الدفع أو المحرك الذي سيعمل على إمداد الطائرة بقوة الدفع اللازمة للطيران. المحرك الذي انتهى الأخوان من تصميمه آنذاك كان يولّد قوةً مقدارها 12 حصان ، والجدير بالذكر أنها نفس قوة محرك آلة جز العشب!
في الساعة العاشرة وخمسٍ وثلاثين دقيقة من صباح السابع عشر من ديسمبر عام 1903، استطاعت طائرة (رايت) أن ترتفع عن الأرض وتطير بقيادة (أوريفل رايت)، وكان وزن الطائرة أثناء الطيران 272 كيلوجرام تقريبًا.
تُعدّ طائرة (رايت) أول طائرةٍ أثقل من الهواء، وقد كانت تتحرك مسافة 35 مترًا خلال 12 ثانية، وكان الأخوان يقودان الطائرة بالتناوب. في الرحلة الرابعة والأخيرة في ذلك اليوم، كانت الطائرة قد طارت لمسافة 260 مترًا تقريبًا خلال 59 ثانية. ولكنّ الطائرة كانت غير ثابتة وكان يَصعُب التحكم بها.
ذهب الأخوان إلى مدينة (دايتون) بولاية (أوهايو)، حيث قضيا فيها أكثر من سنتين للعمل على تطوير تصميمات الطائرة. وأخيرًا في الخامس من أكتوبر عام 1905، استطاع (ويلبر رايت) الطيران بالإصدار المُطوَّر من الطائرة ((Flyer III مُدة 39 دقيقة إلى أن نفد الوقود، كرحلة تجريبية قَطَع خلالها 38 كيلومترًا مُحلقًا في دوائر حول (مرعى هوفمان) ، وهو المكان الذي كان الأخوان (رايت) يقومان فيه بتجاربهم للطيران.
والآن، يستطيع البشر الطيران!
خلال القرن العشرين، تطورت الكثير من الطائرات والمحركات إلى أن أصبحت الطائرات قادرةً على حمْل البشر والأمتعة والبضائع والجنود والأسلحة. هذا التقدم الهائل في الطيران استند على مُحاولات الأخَوان (رايت) الأولى بولاية (أوهايو).
اعداد: Mohammed Sherif
تدقيق لغوي: عمر المختار
المصادر
http://sc.egyres.com/wNbZx