تحديث: تم الإعلان يوم 3 أكتوبر 2017 عن فوز كلٍّ من: راينر فايس (نصف الجائزة)، وكيب ثورن وباري باريش (نصف الجائزة الآخر) بجائزةِ نوبل للفيزياء هذا العام لإسهاماتهم الجليّة في رصد موجات الجاذبية من خلال مرصد LIGO.
الموجات الثقالية، هي من أكثر الظواهر الفيزيائية التي يصعب رصدها -تتخطى صعوبتها صعوبة إيجاد دلائل على وجود جسيم الهيجز- فمنذ ظهور النظرية النسبية العامة في أوائل القرن الماضي على يد العالم ألبرت أينشتاين وتفسيره للجاذبية على أنها عبارة عن انحناء في نسيج الزمكان، وتعد الموجات الثقالية من أهم نتائج النظرية النسبية العامة، ورُصِدَت لأول مرة سنة 2015 من خلال مرصد ليجو (LIGO) الذي سنتحدث عنه في المقال.
ولكن في البداية، لنتعرف بشكلٍ سريعٍ على الموجات الثقالية:
هي تموجاتٌ تحدث في الزمكان وتتحرك بسرعة الضوء، وهي المسؤولة عن انتقال الطاقة الناتجة من جاذبية أي جسم، ولكن كما قلنا فإن ضعف هذه الموجات يجعلها صعبة الرصد بشكلٍ مباشر، ربما تكون شاهدت فيديو يتحدث عن تأثير جاذبية الشمس على الأرض وأنه إذا اختفت الشمس فجأةً فإن المُشاهد على الأرض سيحتاج حوالي 8 دقائق ليشعر بغياب الجاذبية الشمسية، يعود هذا السبب إلى أن سرعة انتقال الموجات الثقالية الصادرة عن الشمس تساوي سرعة الضوء، وستحتاج إلى 8 دقائق لتصل إلى الأرض، وبالتالي فإن غياب الموجات الناتج عن اختفاء الشمس لن نشعر به هنا على الأرض إلا بعد 8 دقائق.
ولكي يتم رصد الموجات الثقالية يحتاج العلماء لرصد موجاتٍ قويةٍ صادرةٍ عن أحداثٍ فلكيةٍ عظيمة، كاندماج ثقبين أسودين، أو انفجار «سوبر نوفا» أو دوران نجمين نيوترونيين حول بعضهم، وكما قلنا فلا يوجد حتى الآن رصدٌ مباشر لهذه الموجات، ولكن هناك دليلٌ غير مباشر على وجودها.
هذا الدليل ظهر بعد وفاة أينشتاين بحوالي 20 عام، حيث قام عالِمَا الفلك راسل هالس (Russell Hulse) وجوزيف تايلور (Joseph Taylor) عام 1974 باكتشاف نجمين نابضين (Pulsar) يدوران حول بعضهم، وبدآ في دراسة مداراتهما حول بعض، ووجدا أنهما -نتيجة فقدان طاقة الجاذبية نتيجة إشعاع الموجات الثقالية- بدآ بالاقتراب من بعضهم بعضًا بنفس المعدل المتوقع من نظرية أينشتاين، لذا ونتيجةَ هذا الكشف حصلا على نوبل سنة 1993 لاكتشافهم دليلًا جزئيًّا على وجود الموجات الثقالية.
ولكن محاولات الرصد المباشر لهذه الموجات لم تتوقف منذ القرن الماضي، وأهم وأكبر هذه التجارب هي تجربة LIGO؛ اختصارًا لـ(Laser Interferometer Gravitational-wave Observatory).
تجربة LIGO:
هي عبارة عن ممرين (ذراعين) مُفرَّغين من الضغط (الضغط داخلهم حوالي 1 على تريليون من الضغط الجوي) متعامدين، طول الواحد منهم 4 كيلومتر، انتهى تشييدها سنة 1999، وبدأ العمل في التجربة سنة 2002 وحتى 2010، وطول هذه المدة لم يعثر العلماء على أيِّ إشارةٍ تدل على وجود الموجات الثقالية. وجرت تحديثاتٌ على التجربة انتهى العمل فيها سنة 2014، وأدَّت هذه التحديثات إلى رفع دقة أجهزة الكشف لعشر مرات. نظرية عمل التجربة بسيطة ولكن تنفيذها معقدٌ للغاية وتحليل البيانات يتطلب تكاتف 80 معهد علمي حول العالم، وتتم التجربة أيضًا تحت إشراف جامعة Caltech والMIT وهما من أعرق وأكبر الجامعات العلمية في العالم.
تقوم نظرية عمل التجربة على قياس التداخل (Interferometry) بين شعاعي ليزر -التداخل الضوئي هو عبارة عن تراكب بين موجتين ضوئيتين وينقسم لنوعين: تداخلٌ بَنَّاء، وفيه تزداد شدة الموجة الناتجة، وتداخلٌ هدَّام، وفيه تقل شدة الموجة الناتجة ويُمكن أن تنعدم الشدة نهائيًّا، يُرسل الشعاعين ذهابًا وإيابًا (400 مرة قبل أن يتحد الشعاع مرةً أخرى) داخل الممرين عن طريق مرايا عاكسة، مما يجعل المسافة الكلية التي سافرها الشعاع 1600 كيلومتر. في الطبيعي عند اندماج الشعاعين مرة أخرى سيحدث بينهما تداخلٌ هدَّام (سيلغي كلِّ شعاعٍ الآخر ولا يلتقط الكاشف الضوئي أيَّ ضوء)، أما عند مرور الموجات الثقالية، فهي تقوم بتشويه الزمكان بحيث يزداد طول الذراع الأول ويقل طول الآخر، وبعد فترة (الزمن الدوري للموجات الثقالية) يتبدَّل الوضع فيقصر طول الذراع الأول ويزداد طول الآخر، وهكذا حتى مرور الموجة. هذا التغير يقوم بإزاحة الطور (يغير المسافة بين القمم والقيعان المتقابلة) فلا يحدث تداخل هدَّام، ويلتقط الكاشف ضوءًا تتغير شدته مع مرور الموجة، وهذا ما سيمكن العلماء من رصد الموجات الثقالية، التجربة مصممة بحيث يمكنها التغيير في طول الذراع بدقة تصل إلى 1/10000 من عرض البروتون! إذا لم تستطع تخيُّل الأمر يمكنك مشاهدة الفيديو للتوضيح.
بناء منشأةٍ كهذه وبدقةٍ مثل تلك الدقة يتطلَّب التغلب على الكثير من التحديات، تجربة LIGO تقوم في الأساس على قياس أيِّ اهتزاز، ولكن الطبيعة مليئة بالعديد من الاهتزازات، فجهازٌ مثل هذا يُمكنه التقاط موجات الزلازل التي تحدث على بُعد أميالٍ منه وهذا بالطبع سيجعل الكشف عن الموجات الثقالية الضعيفة مستحيل، ولكن العلماء والمهندسين قاموا بتصميم العديد من الوسائل الدفاعية.
أحد هذه الوسائل هي جهاز مولد موجات اهتزازية يقوم بتوليد موجات اهتزازية تشبه الموجات الزلزالية ليلغي تأثيرها -عن طريق التداخل الهدام- كما هو الحال مع السماعات التي تلغي الضوضاء، وأيضًا هناك نظامٌ آخر حيث يتم تعليق المرايا في أربعة بندولات لتقوم بتثبيت المرايا بشكلٍ كبير وتكون وسيلةً دفاعية ضد الاهتزازات لتضمن ثبات المرايا امام الاهتزازات.
تم تصميم جميع أجهزة التجربة بدقة وجودة عالية لضمان خروج نتائج علمية صحيحة وتقليل معدلات الخطأ، فنظام البصريات (الليزر والمرايا والكاشف الضوئي) مصمم بدقةٍ لا مثيلَ لها في أيِّ تجربةٍ أخرى، وأيضًا قدرات حاسوبية ضخمة لتخزين ومعالجة البيانات التي يتم جمعها.
كل هذا الجهد العلمي والتمويل لهدفٍ وحيد -تجربة LIGO ليست الوحيدة فهناك العديد من التجارب الأخرى- هو الكشف عن الموجات الثقالية، وهو من أهم الاكتشافات العلمية في تاريخ الفيزياء لأنه دليلٌ آخر على صحة النسبية العامة -بعد حوالي قرن من وضعها- وأيضًا سيفتح الباب أمام تقنيات رصدٍ جديدة (بديلة عن الرصد الضوئي التقليدي) لدراسة الأجسام الفلكية الأكثر غموضًا في الكون كالثقوب السوداء لتفتح الباب أمام فهمٍ أكبر لهذه الأجسام.
يمكنك أخذ جولة افتراضية داخل المختبر من خلال هذا الرابط: http://sc.egyres.com/nMwFB
الجدير بالذكر أنه في 2014 أعلن علماء من جامعة هارفارد عن اكتشافهم موجات ثقالية بدائية نتجت من تضخم الكون بعد الانفجار العظيم، ولكن سريعًا ما تراجع الفريق عن الكشف وأرجع الإشارات إلى الغبار الموجود في المجرة.
إليك فيديو (باللغة العربية) يشرح لك ببساطة بالغة كيف نشأت الموجات الثقالية التي رصدناها من الفضاء مؤخرًا.
إعداد: Ahmed M.Saeed
مراجعة: Ahmed Hasanin
المصادر:
http://sc.egyres.com/YVtzF
http://sc.egyres.com/d7HRl
http://sc.egyres.com/JoV9K
http://sc.egyres.com/vE2ox
http://sc.egyres.com/UVgz7
http://sc.egyres.com/q8gSE
http://sc.egyres.com/gdQH9