تحديثٌ جديدٌ كبير لخريطة الدماغ البشري

HumanBrainMap

يجمع أطلس آلين الجديد للدماغ (Allen Brain Atlas) بين كلٍ مِن: التصوير العصبي وصَبْغ الأنسجة، لتقديم مستوى لا مثيل له من الدقة.

يفكر أغلبنا في القليل من التنقُّل بين خرائط جوجل لننظر إلى كل شيء، بدءًا من منظور عين الطائر لقارةٍ كاملة، حتى المنظور الأرضي (on-the-ground view) لشارعٍ بعينه. وفي كل الأحوال يظهر كل شيء مصنَّفًا ومُعرَّفًا بحرصٍ شديد. ويُمكن الآن فعل المثل بداخل الدماغ البشري بفضل الأطلس الرقمي الذي نُشر هذا الأسبوع.

قام (Ed Lein) وزملاؤه في معهد آلين لعلوم الدماغ (Allen Institute for Brain Science) في مدينة سياتل بصُنع واستحداث أطلسٍ رقميٍّ شامل، مفتوح الوصول للدماغ البشري، وقد نُشر هذا الأسبوع في مجلة طب الأعصاب المقارَن (The Journal of Comparative Neurology).

يقول (Lein) الباحث الرئيس في المشروع: «ما كنا نحاول فعله بالأساس هو صُنع مَرجعٍ أساسيّ لخريطة التفاصيل التشريحية الدقيقة جدًا للدماغ البشري كاملًا. قد يبدو ذلك غريبًا نوعًا ما، ولكنْ في الواقع نحن نفتقر قليلًا إلى وجود المراجع الأساسية لخرائط الدماغ البشري، التي نملكها في كائنات أخرى كالفئران والقردة، ويرجع هذا لضخامة حجم الدماغ البشري وتعقيده».

المشروع الذي استغرق خمس سنوات ركّز على دماغٍ سليمٍ واحدٍ فقط لامرأة في الرابعة والثلاثين مِن عُمرها، تم الحصول عليه بعد وفاتها. بدأ الباحثون بالصورة الكبيرة: قاموا بعمل مسح كامل للدماغ مستخدمين طريقتين للتصوير؛ التصوير بالرنين المغناطيسي، والتصوير ذي الثقل بالانتشار (diffusion weighted imaging)، وهو ما سَمح لهم بالتقاط صور للتركيب الكلي للدماغ وصور للتوصيل بين الألياف العصبية في الدماغ.

بعد ذلك قام الباحثون بتقطيع الدماغ إلى 2,716 جزءًا رفيعًا جدًا من أجل التحليل الخلوي دقيق المقياس. وقد قاموا بصَبْغ قسم من الأجزاء التي تمّ تقطيعها باستخدام صِبغة نيسل التقليدية (Nissl stain) لجمع معلومات حول البناء العام للخلايا. بعد ذلك استخدموا صبغتين أخريين لتمييز جوانب معينة من الدماغ بشكل انتقائي، منها المكوِّنات البنائية للخلية، والألياف في المادة الدماغية البيضاء، وأنواع مُحدّدة من الخلايا العصبية.

قام أيضًا الباحثون بأخذ جزء من الشرائح المصبوغة باستخدام صبغة نيسل واستخدموها لتبيين 862 جزءًا مختلفًا من الدماغ، منها الأجزاء الفرعية الجديدة من المهاد (thalamus) واللوزة (amygdala)، وجزأين آخريْن كان قد تمّ وصفهما سابقًا في الرئيسيات الثدييّة غير البشرية (non-human primates).

الخطوة الأساسية في صُنع أطلسٍ كاملٍ للمخ البشريّ كانت الجمع بين بيانات التصوير الدماغية واسعة المدى وعالية الدقة وبين الخرائط التفصيلية على المستوى الخلوي، التي شرحها الباحثون لاحقًا مع الأجزاء الدماغية التي حددوها. هذه الخريطة الجديدة متوفرة على شبكة الانترنت. ويوضح (Lein) أنه يُمكن الولوج لهذا الأطلس عن طريق بوابة إلكترونية، حيث يمكن للناس تصفحها والتنقل من المستوى الكبير الكلي وصولًا إلى المستوى الخلوي. ويعتقد (Lein) أنّ هذا الأطلس قد يكون قيّمًا بالنسبة لعلماء الأعصاب بالتحديد، حيث يُمكنهم استخدامه كنقطة بداية مشتركة وإضافة طبقات من الشرح والتوضيح بناءً على المعايير الخاصة لكل منهم في تقسيم الدماغ البشري.

إنّ صُنع خرائط للدماغ البشري كان دائمًا هدفًا لعلماء الأعصاب، فهُم متحمّسون لاكتشاف كيفية تقسيم هذه الكتلة الهامة من الأنسجة الموجودة بداخل جمجمة كلٍّ منّا، وتحديد وظيفة الأجزاء المختلفة من الدماغ البشري. في عام 1909قام عالم التشريح الألماني (Korbinian Brodmann) باستخدام نفس طريقة نيسل لصَبْغ الأنسجة الحية من أجل إنشاء خريطة دماغية على المستوى الخلوي، كوّنت الأساس للعديد من جهود إنشاء خرائط للدماغ البشري التي لحِقتها.

وقد قام الباحثون في مشروع (Human Connectome Project) بنشْر الخريطة الدماغية المفصّلة الخاصة بهم في وقتٍ سابق من هذا العام. وقد تمكنوا مِن تجميع العديد من قياسات التصوير بالرنين المغناطيسي التي أجروها على 210 عيناتٍ بالغة سليمة.

ولكنْ على أيّة حال بالنسبة لـ(Lein) وزملائه، فإنّ التركيز على دماغ واحد فقط مكّنهم من التوغل في تفاصيل أعمق في عملهم. يقول (Lein): «بسبب الجهد المكثّف المطلوب لفِعل هذا، فإنّ العمل يبقى دائمًا مُرَكزًا على نطاق دماغ واحد فقط.. وتقوم بفعل هذا بكل دقة وحماس في محاولة منك لفهم كل شيء تستطيع فهمه عن هذا الشخص الواحد».

يصف (Matthew Glasser) من كلية الطب بجامعة واشنطن -الذي كان جزءًا من مشروع (Human Connectome Project) ولكن ليس الدراسة الحالية- هذا الأطلس الجديد للمخ بأنّه «مثير للإعجاب» خصوصًا على المستوى التشريحي العصبي، ولكنّه يُشير في نفس الوقت إلى أنه قد يكون من الصعب تعميم المعلومات القائمة على شخصٍ واحد فقط، قائلًا: «إنّ ما يمثل تحديًا هو ربط دماغ وحيد تم دراسته بشكل مكثف جدًا بالأدمغة الأخرى».

مع ذلك فإن هذا الجهد يُمثّل تقدمًا جوهريًا في فهمنا لتشريح الدماغ. يقول (Lein): «‌لم يكُن هناك بكل بساطة خريطةٌ كاملةٌ للدماغ البشري كمرجعٍ أساسيّ لأيّ شخص يدرس أيّ جزء من الدماغ، ويُعد هذا -بكل معنى الكلمة- جزءًا رئيسيًّا في إجراء الأبحاث».
_______________________________________________________
المصدر: http://sc.egyres.com/7NFyh

ترجمة: أحمد شلبي

تصميم: Reham Hafez

مراجعة لُغوية: عمر المختار

تحرير: ندى المليجي

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي