تحويل شبكة كابلات الألياف الضوئية إلى مستشعرات عملاقة للزلازل

Fiber_optic_illuminated
|

تستطيع الألياف الضوئيّة أن تفعل الكثير من الأشياء إلى جانب عملها الأساسيّ في نقل البيانات، ففي الواقع، بإمكانها الإحساس بكلّ ما يجري من حولها بما في ذلك الهزّات الأرضيّة وقرب وقوع الزلازل. حيث قام البروفيسور (بيوندو بيوندي) أستاذ فيزياء الأرض بجامعة ستانفورد بالولايات المتّحدة الأمريكيّة على مدار عام 2016م باستخدام حلقة اختبار طولها 4.8 كيلومتر (أي ما يعادل 3 أميال) من الألياف الضوئيّة المثبّتة في حرم جامعة ستانفورد لتسجيل الاهتزازات الناتجة عن الزلازل، وتمييزها عن الاهتزازات الناشئة عن المصادر الأخرى مثل مرور السيّارات.

ولقد سجّل فريقه 800 حدث زلزاليّ باستخدام مرصد زلازل الألياف الضوئيّة هذا منذ سبتمبر 2016م، بما في ذلك إشارات من زلزال المكسيك الأخير، كما سجّل الاهتزازات الناجمة عن انفجارات المحاجر بالمنطقة.
تستطيع الألياف الضوئيّة التمييز بين نوعين من الموجات الزلزاليّة، الموجات المرنة والموجات السطحيّة، وهذا يمثّل أهميّة كبيرة بالنسبة لأنظمة التحذير من الزلازل، حيث أنّ الموجات المرنة تنتقل بشكل أسرع، بينما تسبّب الموجات الزلزاليّة السطحيّة أضرارًا أكثر.

ولا يعدّ استخدام الألياف الضوئيّة لمراقبة نشاط الزلازل تقنية حديثةَ العهد؛ لأنه إجراء قياسيّ تقوم به شركات النفط والغاز، إلّا أنّهم يقومون أوّلًا بتثبيت الألياف الضوئيّة عن طريق ربطها بسطح الأرض مثل خط الأنابيب، أو تغليفها بالأسمنت، بينما يعتمد مشروع (بيوندي) على كابلات الألياف الضوئيّة الموضوعة داخل أنابيب بلاستيكيّة كالتي تستخدم لأغراض الاتصالات.

تقول (إيلين مارتن) وهي طالبة دراسات عليا تعمل على المشروع في بيان معدّ: «الناس لم يصدّقوا أبدًا أنّها ستنجح، إنّهم يفترضون أنّ الألياف الضوئيّة غير المترابطة ستولّد الكثير من الإشارات العشوائيّة التي لا فائدة منها».

وتعمل كلّ من أنظمة رصد الزلازل بالألياف الضوئيّة المثبّتة والمنفصلة من خلال استخدام الشوائب الموجودة بالألياف الضوئيّة بشكل طبيعيّ كمستشعرات افتراضيّة، يرسل المحقّق المثبّت في أحد طرفي الخطّ نبضات من ضوء الليزر خلال الكابل، ثمّ يراقب شعاع الضوء المرتدّ، ويحدث التغيّر في زمن ارتداد الضوء عندما تتقلّص الألياف الضوئيّة وتتمدّد وهو ما يتمّ خلال حدوث الزلازل.

يقول (بيوندي) أنّ محقّق واحد يستطيع تغطية مسافة طولها 40 كيلومترًا من الألياف، ومراقبة مستشعر افتراضيّ في كل مترين. وأنّ دقة هذا النظام في تحسّن مستمرّ، كما يقول (بيوندي) وفقًا لمشروعه فإن شبكة من ملايين بل مليارات المستشعرات موجودة بالفعل في أنظمة وخطوط الاتّصالات وأنّ علينا فقط الاستفادة منها.

كان (بيوندي) الذي تركزّت اهتماماته البحثيّة الرئيسيّة حول تحويل البيانات الزلزاليّة التي تجمعها شركات استكشاف الغاز والنفط إلى صور للبنية الجيولوجيّة، قد بدأ يفكّر في الاستعانة بالألياف الضوئيّة منذ 5 سنوات حين تمّ توصيل منزله كجزء من تجربة مبكّرة لمشروع ألياف جوجل، يقول: «بدا تركيب الألياف أمر بسيط للغاية، ثمّ أخبرتني (مارتن) خلال مهمّة بحث صيفيّة في المختبر الوطنيّ عن الباحثين الذين قابلتهم وكانوا يخطّطون لاستخدام كابلات الألياف الضوئيّة لرصد عمليّة إذابة الطبقة الأرضيّة دائمة التجمّد في ألاسكا».  

وقد بدأت الصورة تكتمل حين اكتشف (بيوندي) أنّ أحد أعضاء فريقه البحثيّ كان قد عمل من قبل مع إحدى الشركات التي تصنّع برمجيّات مراقبة ارتداد الأشعّة في كابلات الألياف الضوئيّة. وفي صيف 2015م كان (بيوندي) قد أطلق مشروعه الذي أسماه «مرصد المليار مستشعر زلزاليّ».

يشير (بيوندي) إلى أنّ المستشعرات الافتراضيّة المعتمدة على الألياف الضوئيّة ستظلّ قليلة الجودة مقارنةً بمستشعرات الزلازل القياسيّة التي يستخدمها علماء الزلازل بالفعل، إلّا أنّ المستشعرات القياسيّة باهظة الثمن جدًّا بحيث لا يمكن لشبكات رصد الزلازل أن تتحمّل وضع أكثر من مستشعر واحد في مسافةٍ لا تقلّ عن 20 كيلومتر أو ما يقرب من ذلك، بينما باستخدام الألياف الضوئيّة فإنّنا نتحدّث عن وجود مستشعر كلّ بضعة أمتار، وبالتالي فمن الممكن أن تكون تلك المجموعة من المستشعرات أكثر حساسيّة من المستشعر القياسيّ الوحيد. وقد تمكّننا من ملاحظة الهزّات الزلزاليّة الخفيفة التي لا يمكن التعرّف إليها بواسطة المستشعرات العاديّة.

خطّط (بيوندي) وفريقه البحثيّ لتثبيت مجموعة اختبار أخرى على مساحة أوسع بدءًا من عام 2018م، وهذا –حسبما يأمل- سيسمح لفريقه بالتعرّف إلى الزلازل التي تفشل شبكات الرصد التقليديّة في اكتشافها، وهذه ستكون خطوة كبيرة للأمام في سبيل جذب الاهتمام الحكوميّ والمجتمعيّ.

الشيء الأهمّ بخصوص هذه التقنية الجديدة لرصد الزلازل كما يقول (بيوندي) هو التحدّي الهائل المتمثل في قضيّة إقناع شركات الاتّصالات بإتاحة خطوط الاتّصالات الموجودة وإخضاعها لخدمة أهداف المشروع. [1]

وفي دراسة أخرى أجراها كلّ من (فيليب جوسيت) و(توماس راينش) من المركز الألمانيّ لأبحاث علوم الأرض (GFZ) وفريق من الباحثين من الولايات المتّحدة وألمانيا، ونشرت في مجلّة (ناتشر كوميونيكيشنز – nature communications) في الثالث من يوليو 2018م [2]، أرسل العلماء نبضات من أشعّة الليزر خلال ألياف ضوئيّة هي جزء من كابل طوله 15 كيلومتر مركّب منذ عام 1994م ضمن شبكة اتّصالات في شبه جزيرة ريكيانيس بأيسلندا، ويمرّ بمنطقة تصدّع جيولوجيّة معروفة في الصدع ما بين الصفائح التكتونيّة لأمريكا وأوراسيا، وبتحليل الإشارات الضوئيّة الناتجة ومقارنتها بنتائج السيزموجراف وشبكات رصد الزلازل التقليديّة، وجدوا النتائج أكثر كثافة ودقّة من شبكات الرصد الأخرى. فقد مكّنت فريق الباحثين من قياس التشوّهات التي تحدث تحت سطح الأرض على مدى عدّة دقائق فقط، والهزّات الأرضيّة المحلّيّة الصغيرة، والأمواج الناشئة عن الزلازل الكبيرة البعيدة، كما سجّلوا الهزات الأرضيّة الضئيلة الحادثة في قاع المحيط.

إن مزايا الطريقة الجديدة لرصد الزلازل هائلة، فهناك عدد لا حصر له من كابلات الألياف الضوئيّة موجودة بالفعل في شبكات الاتّصالات المنتشرة بكثافة حول العالم وأسفل المدن الكبرى الأكثر تعرّضًا لأخطار الزلازل (مثل: سان فرانسيسكو، ومكسيكو سيتي، وطوكيو، واسطنبول، وغيرها). يمكن أن توفّر هذه الكابلات إضافة فعّالة ومنخفضة التكلفة لشبكات وأجهزة الرصد والقياس الزلزاليّ الحاليّة، ومن المخطّط إجراء دراسات مستقبليّة لمعرفة مدى إمكانيّة استخدام الكابلات الموجودة في قاع البحار والمحيطات في القياسات الزلزاليّة. [3]  

تستخدم كابلات الألياف الضوئيّة الحاليّة في نقل الطاقة، وفي شبكات الاتصالات، وأنظمة الاستشعار، وأنظمة التحكّم الصناعيّة، وأنظمة الطيران، بالإضافة إلى استخدامها في الأغراض العسكريّة، و هي عبارة عن حزم من ألياف رقيقة جدًّا مصنوعة من الزجاج أو البلاستيك لا يزيد قطر الواحدة منها في الأغلب عن قطر شعرة رأس الإنسان، بينما طولها قد يصل إلى عدّة أميال،  وينتقل الضوء عبر الليفة الواحدة من مركز طرف إلى الطرف الآخر اعتمادًا على حدوث ظاهرة الانعكاس الكلّيّ للضوء، حيث ينعكس شعاع الضوء انعكاسًا كلّيًّا حين ينتقل بين وسطين مختلفين في معامل انكسار الضوء، ويكون الشعاع ساقطا بزاوية سقوط قيمتها أكبر من الزاوية الحرجة لهذا الوسط وأقلّ من 90 درجة. وتتميّز بخفّة حجمها، وقلّة الفقد في الطاقة المنقولة من خلالها، كما أنّها تبقي كلّ من المرسل والمستقبل معزولين كهربيًّا عن بعضهما البعض مما يجعل الشبكة غير معرّضة لأخطار حدوث الشرر والصدمات الكهربائيّة، وغير معرّضة لحدوث التداخل المغناطيسيّ. [4]

المصادر:

  1. Turning The Optical Fiber Network Into A Giant Earthquake Sensor IEEE Spectrum – IEEE Spectrum [Internet]. IEEE Spectrum: Technology, Engineering, and Science News. [cited 2019 Sep 24]. Available from: https://spectrum.ieee.org/view-from-the-valley/at-work/test-and-measurement/turning-the-optical-fiber-network-into-a-giant-earthquake-sensor
  2. Jousset P, Reinsch T, Ryberg T, Blanck H, Clarke A, Aghayev R, et al. Dynamic strain determination using fibre-optic cables allows imaging of seismological and structural features. Nat Commun [Internet]. 2018 Jul 3 [cited 2019 Sep 27];9(1):1–11. Available from: https://www.nature.com/articles/s41467-018-04860-y
  3. Using fibre-optic cables to detect earthquakes [Internet]. [cited 2019 Sep 27]. Available from: https://phys.org/news/2018-07-fibre-optic-cables-earthquakes.html
  4. Fiber Optics: Understanding the Basics:_https://www.photonics.com/Articles/Fiber_Optics_Understanding_the_Basics/a25151

إعداد:يارا فاروق
مراجعة علمية: محمد رضا
تدقيق لغوي: مريم سمير
تحرير: هاجر عبدالعزيز

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي