جائزة نوبل 2018 للأدب: أولغا توكارتشوك واختراق الحواجز بالعاطفة

نوبل-1

مُنِحَت جائزة نوبل في الأدب لعام 2018 للمؤلفة البولندية أولغا توكشوك، وذلك عن مؤلفاتها القصصية ذات الخيال السرديّ المتمثل في اختراق جميع الحدود كأحد سُبُل الحياة، من خلال التجسيد الشامل للعاطفة الإنسانية.

ولدت أولغا عام 1962 في (سولتشوف – Sulechów) في بولندا، وتعيش اليوم في (فروتسواف – Wrocław). كان والداها مُعلمين وكان والدها يعمل أيضًا أمين مكتبة بالمدرسة. قرأت في المكتبة كل شيء يمكن أن تتشبَّث به، وقد طورت هنا شهيتها الأدبية.

وبعد دراسات في علم النفس بجامعة وارسو، ظهرت لأول مرة ككاتب خيالي في عام 1993 كتاب: “Podróz ludzi Księgi – Journey of the book-people”، الذي نُشر في فرنسا وإسبانيا في القرن السابع عشر، حيث تبحث الشخصيات عن كتابٍ غامض في جبال البرانس. قُوبِلَ الكتاب بقبولٍ حَسنٍ، وحصل على جائزة الناشر البولندي لأفضل ظهور له في الفترة 1993-1994.

ومع ذلك فإن انطلاقتها الحقيقية جاءت مع روايتها الثالثة: “1996 Prawiek i inne czasy – Primeval and Other Times 2010”.
وقد تمَّ إنتاج هذه القصة العائلية المبنيّة بمهارة في العديد من الأجيال اللاحقة في مكانٍ أسطوريّ مع تأثير رمزي قوي، وفي الوقت نفسه مليئة بتفاصيل واقعية وحيوية؛ حيثُ تبدأ الرواية في عام 1914 بتناول تاريخ بولندا في القرن العشرين، وقد صرَّحت أولغا أن السرد كان مُحاولة شخصية منها للتوافق مع الصورة الوطنية للماضي. والرواية هي مثال ممتاز للأدب البولندي الجديد بعد عام 1989؛ حيثُ تقاوم الحكم الأخلاقي وعدم الرغبة في تمثيل ضمير الأمة. وإلى جانب ذلك، تظهر موهبة رائعة من الخيال مع درجة عالية من الحذلقة الفنيّة.

لكن اتّباع أسلوب الخرافة والتيار الميتافيزيقي قد تُخلِّيَ عنه في الرواية المدهشة عام 1998: “Dom dzienny, dom nocny – House of Day, House of Night, 2002″، في هذا المزيج الغنيّ من الصور الجميلة والمدهشة يجد المرء نيّةً لتصوير منطقة بأكملها مع العديد من الثقافات المتضاربة، والمصائر الفردية، ووجهات النظر.

«العصور الظلمة هي قرية تنتصف الكون» – رواية العصورالوسطى وأوقات أخرى.
لطالما كانت أولغا مولعةً بالوصف الخرائطي والحكي من منظور جغرافي أفقي، مما أدى إلى خلق صورة مصغرة من العالم الأكبر بطريقة غير مباشرة. وتعتبر أولغا أيضًا من الكتاب الذين يهتمون بجميع التفاصيل على نحو متساوٍ، ففي رواية «بيت الصباح وبيت المساء» يحظى التوت البري والمشروم بنفس الاهتمام الذي يحظى به بطلة القصة، كما نجد في تلك الرواية أن البطل هو المكان وليس الأشخاص، مما يجعل الرواية لوحة من الفسيفساء غنية بعدد معين من القطع لم تستخدم بنفس الكثافة من قبل.

وتُعَد أولغا من مدارس المحافظين، يبدو تأصلها هذا جليًا في رواية الهاربون -والتي تُرجمت للإنجليزية في عام 2017 وحصدت جائزة البوكر-، في تلك الرواية يتجلى عنصر آخر مهم ومميز للكاتبة، وهو ميلها إلى تقسيم الرواية إلى عدد من القصص القصيرة غير المتشابهة التي بشكل ما تندمج بشكل سلس، فتلك الرواية مثلا تنقسم إلى مائة وستة عشر جزءًا، منها ما لا يطول عن جملة واحدة طويلة، و فصول أخرى قد تصل إلى واحد وثلاثين صفحة.

أكثر ما يميز أولغا ككاتبة هو نظرتها للواقع على أنه عنصر غير ثابت في روايتها، بمعنى آخر، هي تبرز التوتر بين الأضداد في المجتمعات لينشئ إحساسًا مُعظَّم عند القارئ.

في روايتها البوليسية المبتكرة ذات الطابع التقليدي «قد محراثك فوق عظام الموتى» تبدو البطلة في حرب مستمرة مع الجنس الآخر، وفي مرحلة ما، لا يستطيع القارئ أن يحدد مصدر الجنون في الرواية ولا أين يستثمر عاطفته، مما يعطي الواقع شكله المتغير الحقيقي.

كل تلك العناصر اجتمعت في عمل أولغا المميز «كتب يعقوب» بالإضافة إلى أعوام من البحث الأكاديمي والتاريخي في أرشيف المكتبات لجعل هذا العمل ممكنًا. هذا العمل هو نوع مختلف من القصص التاريخي قدمته الكاتبة لأول مرة، وقدمته بشكل مميز، فعلى امتداد الألف صفحة تقدم لنا الكاتبة صورة تفصيلية لبطل الكتاب من وصفه الخارجي لنفسه فقط؛ فبدا واضحًا مما يكون بطلنا، وبذلك لم تقدم أولغا كتابًا ممتعًا فحسْب، بل ساهمت بالكشف عن فصل غامض في تاريخ أوروبا في القرن الثامن عشر بشكل محترف مليء بالصور البانورامية الغنية.

ترجمة وإعداد: هبة خميس / زياد جمال

المصادر:

1

2

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي