المسكنات للكُلى: لن أموت وحدي.
عزيزي الطبيب، عزيزي الصيدلي، دعنا نعودُ قليلًا إلى الخلف لسنوات الدراسة الغصَّة، تلك التي درسنا فيها مسكنات الألم وآلية حركتها داخل الجسد. بالتأكيد نعرف مدى أهمية تلك المستحضرات الطبية، لكنَّنا لا يجب أن نغفل أبدًا عن أعراضها الجانبية! ربما نسينا؛ فكانت النتيجة مجتمعًا مليئًا بمُدمني المسكنات ومرضى الفشل الكُلوي صغار السن، فهل نحتسبها خطأً طبيًا؟ أم مصيبةً حلَّت بنا؟
لا أجزم أنَّنا -القطاعَ الطبيَّ- مسؤولون عن هذا وحدنا، بل إنَّ المريض له نصيب فيه؛ ما يعني أن النصيب الأكبر والحساب الأكبر علينا أعزائي، نحن من درسنا أسرار تلك المواد وطورناها، فنحن حكماء المجتمع في نظر المرضى، ولسنا هنا في جدالٍ عن هذا الوتر الحساس؛ لكنَّنا سنلعب على وتر الضمير الواعي في أزمة تفاقمت كثيرًا، ولك في تلك السلسة مع الباحثين بدايتها ونهايتها التي إما نخضعها لنا، أو تخضعنا لها.
المسكنات أو قاتلات الألم (Analgesics Or Painkillers)
مسكنات الألم هي عبارة عن مواد كيميائية تدخل الجسم بأي طريق ممكن (عن طريق الفم، أو الحقن، أو حتى الدهان الموضعي، أوغيره…)؛ وذلك من أجل القضاء على الألم الجسدي سواء كان ألمًا عابرًا وطارئًا نتيجة لجُرح أو لكسر أو لأي سبب آخر اعتمادًا على رؤية الطبيب المعالج، أو من أجل القضاء على الألم على المدى البعيد والذي يكون غالبًا مصاحبًا للأمراض المزمنة التي يقضي المريض حياته يعاني منها. ومن أشهر المسكنات التي تستخدم بشكل يومي: الأسبرين، والباراسيتامول، وفئة تسمي (مسكنات الاَلم غير السترويديةNon-Steroidal anti-inflammatory drugs (NSAIDs) ) أمثال: الإيببروفين، والديكلوفين، والنابروكسين.
ولحسن حظ المرضى أنَّ تلك المسكنات متوفرة في الصيدليات العامة دون وصفة طبية، وذلك لأنها لا تسبب ضررًا لمعظمهم مادامت تؤخذ بجرعات محددة ولفترات محددة، ولن نكذب فهذا لا يحدث، وبخاصة في حالة المريض المصري؛ حيث ينسي الطبيب أو الصيدلي أن يخبره بأن هذا النوع من الأدوية لا يجب أن يتم استخدامه بهذه الصورة الشرهة، وإلّا سيكون مصيره أن يقف فردًا بطابور الغسيل الكُلوي يومًا ما- نتحدث غالبًا عن المسرفين في هذا-!
ما الضرر الذي تسببه المسكنات؟ وكيف يحدث؟
لا تختلف اَلية حدوث الضرر كثيرًا عن كيفية عمل هذه المواد كمُسكنات. يمكننا القول أن هذا الضرر هو جزء من اَلية عمل المسكنات، وأمر لا بد منه، وضريبة مفروضة من أجل الحصول على التأثير المطلوب؛ حيث تقوم -علي سبيل المثال- المضادات غير السترويدية بمنع تصنيع (البروستاغلاندين(prostaglandin- من (حمض الأراكيدونيك(Arachidonic acid- عن طريق منع عمل إنزيم )سيكلواوكسيجيناز (Cox-معطية الأثر المسكن بالإضافة إلى الجزء غير المرغوب، أي اَثاره السيئة على المعدة وعلى الكلى. تؤدي هذه المسكنات إلى منع تكوين البروستاغلاندين، مما يؤدي إلى انقباض الكُلية وقلة تدفق الدم الكلوي، مما يؤدي إلى وجود قصور في عملها بشكل مؤقت في حالتها المنقبضة تلك، وفي حالة عدم التوقف عن استخدام هذه المسكنات بتلك الصورة الخاطئة يوميًا، يمكن أن يصل الحال بالمريض إلى ما يسمى ) النخر الأنبوبي الحاد (Acute tubular necrosis-أي موت بعض المناطق بالنسيج الكُلوي مما يتسبب في (الفشل الكلوي الحاد (Acute renal failure-.
تتمثل أهم صور قصور الكُلي بسبب المسكنات في نوعين من أمراضها، أولهما: )الفشل الكلوي الحاد (Acute renal failure- الذي يحدث دون سابق إنذار. وقد تحدثنا عن ذلك في الجزء الثالث من السلسلة. وثانيهما: نوع من أنواع الفشل الكلوي المزمن والذي يسمى «Analgesic Nephropathy» أي أن العامل الأول والأخير فيه هو المسكن. وقد تحدثنا عنه في الجزء الرابع من السلسلة. أما عن الباقي فما هي إلا مراحل متباينة الخطورة بين النوعين السابقين.
هل نستطيع كجيل واعٍ أن ننقذ ما يمكن إنقاذه؟َ!
فإن كنا لا نرضى بأن يفقد مرضانا كُلاهم، فعلينا أن نعمل على تغيير آلية الوعي لديهم تجاه المسكنات وأن ندعوهم أن يتحملوا ما يمكن تحمله فلا يلقوا بأنفسهم إلى التهلكة، فيندموا ونندم معهم يومًا ما.
نعم أنت أيها الطبيب، لن تخسر أي شئ إن أخبرت مريضك بمدة محددة للعلاج، ولن تخسر كصيدلي عند نصحه ألّا يفرط في ذلك ويتبع إرشادات السلامة فيما يخص العلاج، بدلًا من أن نتركهم يتخبطون في طريق الألم!
إعداد: أمل البنا
مراجعة علمية: Mahmoud Ahmed
مراجعة لغوية: خالد نصر