شعراء الميا: كيف ألهم محمود درويش حركة شعرية جديدة في الهند

شعراء المِيا: كيف ألهم محمود درويش حركة شعرية جديدة في (الهند)

كان من المقرر أن يشارك سليم م. حسين (بالإنجليزية: Shalim M. Hussain) مع آخرين في معرض (لندن) للكتاب في ندوة تحت عنوان «أصوات مهاجرة: عن ترجمة كتابات اللاجئين والمنفيين» (بالإنجليزية: Displaced Voices: Translating Writing by Refugee and Exiled Authors)، والتي كانت لتنعقد يوم ١٠ مارس. للأسف، ألغيت الفعالية في ظل مجريات الوضع الراهن. لكن، لحسن الحظ، وبفضل مساعدة مؤسسة «أدب عبر الحدود» البريطانية (بالإنجليزية: Literature Across Frontiers) المسؤولة عن تنظيم المعرض، تمكن سليم م. حسين ومارشا لينكس كوايلي (بالإنجليزية: Marcia Lynx Qualey) من إجراء حوار يتناول أعماله.

يتناول هذا الموضوع حركة المِيا الشعرية (بالإنجليزية: Miya poetry movement) التي ظهرت على الساحة في أبريل ٢٠١٦ بعدما نشر الشاعر الهندي حافظ أحمد (بالإنجليزية: Hafiz Ahmed) قصيدة «سَجِّلْ، أنا مِيا» (بالإنجليزية: “Write, I am Miya”) على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وقد استلهم تلك القصيدة جزئيًا من قصيدة «بطاقة هوية» للشاعر الفلسطيني محمود درويش.

مشى حسين على نفس النسق الشعري الذي اتبعه أحمد وقام بالرد عليه في قصيدة «سجلت، يا جدتي» (بالإنجليزية: “Nana, I wrote”). ومن ثم توالت القصائد واحدة تلو الأخرى بانضمام المزيد من الشعراء إلى هذا التسلسل الشعري الجديد، بحيث بلغ عدد شعراء تلك الحركة حتى الآن حوالي ثلاثين شاعرًا.

يعمل حسين حاليًا على تجميع مجموعة شعرية ثنائية اللغة (إنجليزية-آسامية)، والتي سوف تصدر إما في أواخر العام الجاري أو في أوائل عام ٢٠٢١.

الحوار:

 سليم حسين: كتب هذه القصيدة الشاعر الهندي حافظ أحمد باللغة الآسامية -وهي واحدة من اللغات الرسمية في ولاية (آسام) الهندية- وعنوانها «سجل، أنا مِيا». سأقرأ أولًا النص الأصلي باللغة الآسامية ثم سأقرأ الترجمة الإنجليزية.

 

سَجِّلْ

أنا مِيا

ورقمي المتسلسل في السجل المدني للمواطنين ٢٠٠٥٤٣

وأطفالي إثنان

وآخر سيأتي

بعد صيف

فهل ستكرهه

كما تكرهني؟

سَجِّلْ

أنا مِيا

أفلح من يباب المستنقعات

إخضرار ترعرع النبت

لإطعامك

وعلى عاتقي أحمل الصخر

لإيوائك

وأقود عرباتك

لراحتك

وأنظف مجارير الصرف

لصحتك

لطالما

خدمتك

وبعدك

لا ترضى!

سَجِّلّ

أنا مِيا

مواطن جمهورية علمانية ديمقراطية

بلا حقوق

وأمي صوت انتخابي من الدرجة الرابعة  

على الرغم من أن والديها هنديان

إن ترد قتلي، فلتقتلعني من قريتي 

فلتنزع عني حقولي الخضراء

فلتدهسني

جراراتك

فليفتت رصاص بنادقك

قفصي الصدري

بلا ذنب أو جرم

سجل

أنا ميا،

من ضفاف (البراهمابوترا).

إسْود ظهري

تحت سياطك

أنا الآن أرى بعيون غضبي

حذار

من غضبي فليس لدى سواه

فابتعد

أو

فلتحترق (١)

مارشا لينكس كوايلي: هذا مدهش، شكرًا لك. أنا مارشا لينكس كوايلي وأنا هنا مع سالم م. حسين على هامش معرض (لندن) للكتاب. حسين، أرى أنك لازلت في (لندن) على الرغم من إلغاء المعرض. كان من المقرر أن أجري حوار معك في ندوة تحت رعاية مؤسسة «أدب عبر الحدود». سالم شاعر، ومترجم، وباحث، وناشط حقوقي من (آسام). لمن لا يعرف، (آسام) هي ولاية في شمال شرق (الهند) على الحدود مع (بنغلاديش). حصل سالم على زمالة «تشارلز والاس للهنود في الترجمة الأدبية والكتابة الإبداعية» (بالإنجليزية: Charles Wallace India Trust Fellowship for Creative Writing and Literary Translation) من جامعة «وايلز ترينيتي – ساينت دايفيد» (بالإنجليزية: Wales Trinity, St David) لعام ٢٠٢٠ برعاية مؤسسة «أدب عبر الحدود»، وهو يعمل حاليًا على مشروع تجميع وترجمة مقتطفات أدبية مختارة لشعراء المِيا، وهم مسلمون من أصل بنغالي يعيشون في (آسام). القصيدة التي قرأها حسين لحافظ أحمد منذ قليل هي واحدة من قصائد المِيا. حسب ما قرأت على الإنترنت، تسببت تلك القصيدة في بزوغ حركة شعرية كاملة، تحت اسم «شعر المِيا» في عام ٢٠١٦. إلى جانب هذا، كانت هذه القصيدة ناتج تاريخ طويل من الانقسامات وأمور أخرى. فهل لك أن تحدثنا قليلًا عن معنى لفظ «مِيا»، وعن نشأة شعر المِيا، وعن أهميته الثقافية؟

سليم حسين: يستند شعر المِيا إلى تاريخ طويل جدًا لكني سأحاول أن أتكلم عن الأمر باقتضاب قدر المستطاع. مرت (الهند) بموجات هجرة عديدة، كانت أغلبها هجرة داخلية، أي هجرة من منطقة معينة إلى أخرى داخل نفس البلد. حدثت اثنتان من أكبر موجات النزوح تلك في ولاية (آسام) بشمال شرق (الهند) في القرن التاسع عشر، حينما قدم إليها الفلاحون من الشرق للعمل في حقول الأرز، ومن الجنوب للعمل في حقول الشاي. تم تقسيم الهند بعد ذلك في عام ١٩٤٧ ومجددًا في عام ١٩٧١، بحيث أصبح الفلاحون الذين قدموا من الشرق من أصول باكستانية، والآخرون الذين أتوا من الجنوب من أصول بنغلاديشية. وإذ فجأةً أضحت العمالة التي كانت تتنقل بحرية داخل (الهند البريطانية) سابقًا عمالة أجنبية مغتربة. حتى قبل تقسيم الهند، كان ثمة اعتراضات على استقبال (آسام) لتلك العمالة؛ فلم تكن (آسام) ذات كثافة سكانية عالية في هذا الوقت، وكان معظم سكانها من الطبقة المتوسطة، لذلك كان هناك قلق حيال احتمالية تغيير العمالة المهاجرة من ديمغرافيا وثقافة (آسام)، خاصةً مع كون هؤلاء المهاجرين من المسلمين. بذلك كان الاعتقاد السائد -قبل وبعد تقسيم الهند على حد سواء- أن هؤلاء المهاجرين دخلاء. في ضوء تلك الخلفية التاريخية، نلاحظ وجود العديد من المصطلحات المسيئة التي تستخدم للإشارة لتلك الجماعة من المهاجرين، من بينها مصطلح «مِيا». 

مارشا لينكس كوايلي: آه، فهمت الآن.

سليم حسين: يرجع أصل كلمة «مِيا» اللُغويّ إلى الأردو واللغة الفارسية، حيث تعني «سيد». كذلك تستخدم تلك الكلمة كلاحقة لاسم الشخص؛ فنقول مثلا «سليم مِيا»، أي «السيد سليم». لكن في شوارع (آسام)، اكتسبت تلك الكلمة معنى مختلف كليًا؛ فأصبح لفظ «مِيا» بمثابة وصمة عار توصم بها تلك الفئة من المهاجرين كفئة دخيلة أو غير شرعية. من ثم ارتبط بهذا اللفظ كل ما يحيط بكلمة «دخيل» من مشاعر سلبية وأحكام مسبقة، ككون الدخلاء بالضرورة همجيين أو أقل تحضرًا، إلخ. في عام ٢٠١٦، كان الهدف الأساسي من نشأة شعر المِيا هو استرداد وإعادة تعريف ذلك اللفظ – اللفظ الذي تكمن فيه معظم مشاكلنا كما اعتقد الكثير من شعراء المِيا. فكانت بداية شعر المِيا مع قصيدة حافظ أحمد، والتي قرأتها منذ قليل. منذ ذلك الحين، بدأ الكثير من المؤلفين بكتابة شعر المِيا؛ حسبما أتذكر هناك الآن حوالي ٣٣ من شعراء المِيا، ويبلغ مجموع تلك نصوص أكثر من ٢٠٠ قصيدة.

مارشا لينكس كوايلي: ما أثار اهتمامي فعلًا عندما رأيت ذلك النص بالتحديد هو مدى تأثر الشاعر بقصيدة «بطاقة هوية» لمحمود درويش – ومطلعها «سجل، أنا عربي». هل هذا صحيح؟

سليم حسين: نعم، نعم.

مارشا لينكس كوايلي: حسنًا. إذًا، كان اقتباس محمود درويش ووضعه في خضم ذلك الإطار التاريخي فعل متعمد. حسنًا. قلت لي أنك قرأت قصيدة «سجل، أنا ميا» قبل أن تُنشر على (فايسبوك) لأنك كنت على معرفة شخصية بالشاعر حافظ أحمد. ثم قمت أنت، مثلك مثل العديد من الشعراء الآخرين في تلك الحركة، بكتابة قصيدتك الخاصة كرد على تلك القصيدة. هل يمكنني أن أسألك أولًا عن السبب وراء ردك على تلك القصيدة بكتابة قصيدة أخرى، وأن تحدثني أكثر عن تلك القصيدة؟

سليم حسين: نعم. لطالما كان للترجمة دور محوري في حركة شعر المِيا. كنا نحاول عن طريق الترجمة الاستعارة من حركات مشابهة من آداب المقاومة والرثاء في الحضارات الأخرى. كان من الجليّ فور نشر حافظ أحمد لقصيدته على مواقع التواصل الاجتماعي مدى تأثره بمحمود درويش، حتى أن للقصيدتين نفس المطلع تقريبًا: «سجل، أنا عربي» و«سجل، أنا ميا». فتح نشر تلك القصيدة على مواقع التواصل الاجتماعي الباب أمام كل من كان يود كتابة قصائد شعرية عما يحدث لجماعتنا في (آسام)، خاصة وأن حافظ أحمد من الشعراء المخضرمين. شعراء المِيا -بلا شك- هم جيل جديد مَعنِْيّ بكتابة شعر المقاومة. مع ذلك، سبق وأن كتبت قلة قليلة من شعراء الجيل السابق عن تجاربهم الخاصة في الثمانينيات من القرن العشرين. كان لهذا النوع من الشعر اسم آخر بالطبع؛ كان اسمه «شعر تشار-تشابوري». (تشار) و(تشابوري) هما منقطتان يقعان على ضفاف نهر (براهمابوترا)، أكبر نهر في شمال شرق (الهند)، حيث تسكن معظم الجماعة البنغالية المسلمة. بذلك يمكننا القول بأن الجيل الأول من شعراء المِيا هم الجيل الثاني من شعراء (تشار-تشابوري) إلى حد ما. فكان ظهور تلك القصيدة -قصيدة حافظ أحمد- مصدر إلهام كبير، مما دفعني لكتابة قصيدتي الخاصة فور قيامه بنشر قصيدته، ثم قام شاعر آخر بالرد على قصيدتي بقصيدة أخرى، وتلاه آخرون، فنتج عن هذا -في غضون يومين أو ثلاثة فقط- سلسلة شعرية مكونة من حوالي عشر قصائد. كان هذا الفعل عفوي تمامًا، فلم يعرف أحدنا الآخر مسبقًا. كل ما يجمعنا هو موقع التواصل الاجتماعي ذاك. بذلك أصبحنا أمام هذا الإنتاج المشترك، سلسلة مطولة من القصائد الشعرية، وأصبح من واجبي بصفتي مترجمًا أن أقوم بترجمة جميع تلك القصائد إلى اللغة الإنجليزية، حيث كانت أول قصيدتين –«سجل، أنا ميا» وقصيدتي أنا- مكتوبتين باللغتين الآسامية والإنجليزية معًا. كانت بقية القصائد مكتوبة إما باللغة الآسامية أو بواحدة من اللهجات المحلية التي نتحدث بها. فأصبحت الترجمة واحدة من مهامي؛ ومنذ ذلك الحين أقوم بترجمة ونقل القصائد من اللهجات العامية إلى لغات رسمية، كالإنجليزية مثلًا.

مارشا لينكس كوايلي: وهذا واحد من تأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي: حرية استخدام اللهجات المحلية في اللغة الشعرية.

سليم حسين: نعم، أعتقد ذلك. فعلى عكس الطرق التقليدية للنشر، لا يتدخل محررون بإجراء تعديلات على النصوص الأصلية، أو بجعل النصوص تميل أكثر تجاه ما هو سائد من الأنواع الأدبية، ولا يقيدنا إطار زمني محدد. بفضل مواقع التواصل الاجتماعي، يمكننا الحفاظ على النص الأصلي كما هو، والإفصاح عما نريد قوله دون رقابة أو تعديل. من هذا المنطلق، ساعدتنا مواقع التواصل الاجتماعي على الاحتفاظ بجماليات الكلام المنطوق الخام الذي يميز النصوص الأصلية.

مارشا لينكس كوايلي: هل بإمكانك أن تقرأ لنا  قصيدتك الآن؟

سليم حسين: بالطبع. هي طويلة بعض الشيء فأرجو [يضحك] أن تتحلي ببعض الصبر.

مارشا لينكس كوايلي: [تضحك] بالتأكيد سأتحلى ببعض الصبر.

سليم حسين: توجد في هذه القصيدة عدة إشارات لأماكن في (الهند). ولمن لا يعرفهم، تحمل أسماء تلك الأماكن معاني ضمنية كثيرة سأحاول شرحها قدر المستطاع. تتعدى تلك الأماكن مجرد محليتها لتعبر عن (الهند) بكاملها. قمت أيضًا باستخدام كلمة «لونجي»، وهو نوع (سارونج) فضفاض. في (آسام)، (اللونجي) هو واحد من العلامات الدالة على أن من يرتديه من المِيا. يرتدي رجال المِيا -وغالبيتهم من العمال والمزارعين- هذا الزي الفضفاض الذي يشبه التنورة. بذلك يصبح في لفظ (لونجي) إشارة ضمنية إلى جماعة المِيا، مثلما يشير لفظ «الحجاب» ضمنيًا إلى المسلمين.

لقد سجلت يا جدة

وشهدت

ومضيت

وأشهدت الشهود

في دفتر الإسناد الرسمي

أني مِيا.

فلتشهدي الآن ارتقائي

عن مياه الفيضان

وطوافي

فوق التلال والسهول

واختراق خُطايا

الرمال والمستنقعات والأفاعي

وخرقي لعزم الأرض التي حفرت لي قبر من قبل موتي

وانسلالي

من حقول الأرز والإسهال

وقصب السكر والجهل المدقع

فلتشهدي كيف أنفض كتفي

وأرتب شعري، وأقرأ سطرين من الشعر

وعملية حسابية

قبل أن يركع أمامي من نعتني بالنغلاديشي تحت وطأة الحيرة واعتلال الفكر

أمام قلبي الثوري عندما يُصَرِّح:

«لا، أنا مِيا»

فلتشهدي كيف أحمل الدستور بيميني

وأشير بسبابتي نحو (ديلهي)

وأمشي واثقَ الخُطى نحو برلماني ومجلسي للقضاء الأعلى وساحة (كونوت)، ساحتي

وأقول لأعضاء البرلمان والقضاة الموقرين 

والسيدة التي تبيع الحُلى وتفتننا بجمالها في (جانباث – شارع الشعب)

«أنا مِيا»

فلتشهدي كيف أسافر على متن طائرة،

وأحصل على تأشيرة سفر

وأستقل القطار السريع

وأملك زمام أمري

وأسافر إلى الفضاء الخارجي

مرتديًا (لونجي)

وعندما أصير أبعد وأعلى من أن يسمعني أحد، سأصرخ وسيهز صدى صوتي الأرجاء كالرعد

«أنا مِيا وأنا فخور بذلك» (٢)

مارشا لينكس كوايلي: رائع. أحببت صورة [تضحك] ارتداء (لونجي) في الفضاء الخارجي على وجه الخصوص.

سليم حسين: [يضحك] شكرًا لك.

مارشا لينكس كوايلي: واجه بعض شعراء المِيا متاعب قضائية بسبب شعرهم كما قرأت، هل هذا صحيح؟ 

سليم حسين: نعم، وكنت واحد منهم. في العام الماضي، في العاشر من شهر يونيو، أو ربما يوليو، نسيت أي شهر كان، رُفِعَت عدة دعاوي قضائية ضدنا بتهم تتعلق بتشويه صورة ولاية (آسام) أمام العالم [يضحك] وتكدير السلم العام، إلخ. خلق هذا الأمر مسرحية هزلية كبيرة في الإعلام؛ حيث تكرر دعوتنا لحلقات بث مباشر على التلفزيون لإرباكنا وتأنيبنا أمام حشود المشاهدين. كان هذا واحد من المواقف العسيرة التي مررنا بها. 

مارشا لينكس كوايلي: وهل انتهت تلك الدعاوى القضائية أم لا زالت قيد التحقيق؟

سليم حسين: لا، انتهت.

مارشا لينكس كوايلي: هل تلقيت… أقصد، ماذا ترتب على تلك الدعاوى القضائية؟ هل تلقيت تهديدات أو شيء من هذا القبيل؟ 

سليم حسين:  لم يتعدى الأمر سوى ظهور بعض النقاشات المتعلقة بالموضوع على مواقع التواصل الاجتماعي لحسن الحظ.

مارشا لينكس كوايلي: هذا… [تضحك] الحمدلله. رائع.

سليم حسين: [يضحك] نعم.

مارشا لينكس كوايلي: من هم قراء تلك القصائد إذًا؟ حسبما فهمت هناك ازدهار في شعر اللغة الآسامية. أعتقد أنك كتبت في مرة:

«هذا أفضل وقت لكي تكون شاعرًا آساميًا. ترحب كثير من المجلات العلمية الأدبية المشهورة، إلى جانب بعض المجلات الصغيرة، بنشر شعر اللغة الآسامية. بالإضافة إلى ذلك، شهدت الساحة مؤخرًا ازدهارًا غير مسبوق في تجميع ونشر مختارات من الشعر الآسامي، على عكس شعر اللغة الإنجليزية. أرقام المبيعات المرتفعة والانصباب الأكاديمي على هذا الموضوع يدلان على هذا.»

فمن هم قراء هذا النوع من الشعر؟

سليم حسين: من أهم ما يميز شعر المِيا أننا لا نحصر أنفسنا في الكتابة بلغة واحدة عن غيرها. فبإمكاننا الكتابة بأي لغة نرتاح في التعبير بها؛ نحن نكتب بلغات عدة، مثلنا مثل (الهند) في تعدد لغاتها ولهجاتها. من بين تلك اللغات: اللغة الآسامية – وهي واحدة من اللغات الرسمية في (آسام)، وبعض اللهجات المحلية، بالإضافة إلى الهندية والإنجليزية. وبذلك استطعنا أن نجتذب قراء من جميع الأقطار واللغات. لو كنا اكتفينا بالكتابة باللهجات المحلية وحسب لكان جمهورنا محدودًا جدًا. بالإضافة إلى ذلك، تعزز مواقع التواصل الاجتماعي من حجم عدد القراء بتعزيز نشر الأعمال في كل حدب وصوب. لذلك اعتمدنا بشكل أساسي على مواقع التواصل الاجتماعي في نشر شعرنا، إلى جانب اللجوء إلى الطباعة المقروءة. وبسبب أن معظم ما تنشره دور النشر في (آسام) مكتوب باللغة الآسامية، توجب علينا أيضًا ترجمة شعرنا المكتوب بلغة غير الآسامية إلى اللغة الآسامية حتى يقرأه الناس في (آسام)، وأقوم أنا بالقدر الأكبر من ترجمة قصائدنا إلى اللغة الإنجليزية. كذلك تنشر بعض تلك القصائد في مجلات صغيرة. بدأنا في نشر أعمالنا منذ عام ٢٠١٦. ومنذ ذلك الحين نشر بعضها على مواقع إنترنت وفي مجلات صغيرة. ونحن الآن بصدد طباعة ونشر بعض المختارات الشعرية في نهاية العام الحالي. 

مارشا لينكس كوايلي: هذا رائع. هل لك أن تشرح لي ما تمثله الترجمة من أهمية لهذا المشروع الشعري؟

سليم حسين: هي غاية في الأهمية. كما قلت سابقًا، يؤدي معظمنا دور المترجم. فلو كتب أحدنا قصيدة بلهجة محلية، يتوجب عليه ترجمتها إلى لغة رسمية ما. لذلك تجدين أن معظم شعراء المِيا يتحدثون إما لغتين أو ثلاثة. بعدما يقومون بهذا أقوم أنا بترجمة تلك القصائد إلى اللغة الإنجليزية؛ لو لم نقم بهذا – لو لم نستخدم الإنجليزية كلغة وسيطة، لما استطعنا التواصل مع باقي (الهند) والعالم. تكمن الصعوبة في أنني أقوم بترجمة قصائد شعراء المِيا بينما أنا نفسي واحد منهم ولي قصائدي الخاصة في نفس الحركة الشعرية، فأجد في بعض الأحيان أن ترجمتي لا تعطي النص الأصلي حقه. على سبيل المثال، أحيانًا أنظر إلى ترجمة أنهيتها للتو وأقول لنفسي: «رائع، هذه ترجمة جيدة»، قبل أن ألحظ أنني قد غيرت من روح النص الأصلي دون قصد وأضفيت عليها بعض من أسلوبي أنا الشعري، ومن ثم أعيد محاولة ترجمة النص الأصلي. هي مهمة صعبة بلا شك، لكني أبذل قصارى جهدي. هناك أيضًا من قام بترجمة بعض القصائد إلى اللغة الإنجليزية غيري، لكنهم لم يترجموا إلا القليل. أنا الآن بصدد محاولة تجميع كل تلك القصائد في كتاب واحد. سيكون هذا الكتاب ثنائي اللغة، حيث سترد فيه القصائد الأصلية جنبًا إلى جنب مع ترجمتها الإنجليزية.

مارشا لينكس كوايلي: هل تعرف من سيكون الناشر؟

سليم حسين: نعم، سيكون «سبيكينج تايجر» (بالإنجليزية: Speaking Tiger).

مارشا لينكس كوايلي: آه، هذا رائع. وهل سيصدر الكتاب أواخر العام الجاري؟

سليم حسين: أتمنى ذلك؛ فأنا في صراع مع الوقت من أجل الاستيفاء بموعد التسليم. سوف نرى. سوف يصدر إما أواخر العام الحالي أو أوائل العام المقبل.

مارشا لينكس كوايلي: بشكل عام، ما هو حجم الأدب الآسامي المترجم إلى الهندية أو الإنجليزية أو اللغات الهندية الأخرى؟

سليم حسين: يوجد بعض الأعمال المترجمة، لكنها ليست كثيرة. يرجع ذلك إلى كثرة اللغات المستخدمة في (الهند) وقلة المترجمين، ويقوم معظمهم بالعمل لساعات إضافية في محاولة منهم للقيام بأكبر قدر مستطاع من الترجمة. يوجد ٢٢ لغة رسمية في (الهند)، وتحتاج كل لغة منها لمترجميها حتى يتسنى على الأقل ترجمة بعض الأعمال المكتوبة بتلك اللغة إلى اللغة الإنجليزية، لكنه أمر صعب. على سبيل المثال، مشروع الدكتوراة الخاص بي كان عن الترجمة من اللغة الآسامية إلى اللغة الإنجليزية ومن اللغات الأخرى إلى اللغة السامية. وقد لاحظت وجود الكثير من الترجمات من لغات أخرى إلى اللغة الآسامية. نحن إذًا على اطلاع وعلم بالكثير من الآداب العالمية، في حين لا تصل إلا القلة القليلة من أدب اللغة الآسامية إلى العالم. لهذا السبب، ترعى «أكاديمية ساهيتيا» (بالإنجليزية: Sahitya Akademi) -الأكاديمية القومية الهندية للأدب- حفنة من الترجمات، لكنها في معظمها ترجمات لأعمال أكاديمية بشكل أساسي، فيخدم هذا الصفوة الأكاديمية فقط ولا يصل للحشود. على الرغم من هذا، آمل أن نشهد ازدهارًا لنشاطات الترجمة حتى نقدر على إظهار مدى تنوع الأجناس الأدبية في الأدب الآسامي؛ حيث يتميز الأدب الآسامي بكثرة الأنواع الأدبية المستخدمة فيه والتي لا تقتصر على الأجناس الأدبية الغربية وحسب. 

مارشا لينكس كوايلي: وهل يعتبر الشعر نوع من الأنواع الأدبية المحورية في أدب اللغة الآسامية؟ ما هي أكثر الأنواع الأدبية استقطابًا للكتاب والقراء في الأدب الآسامي؟

سليم حسين: الشعر من أكثر الأنواع الأدبية ذيوعًا بكل تأكيد. على سبيل المثال، واحدة من الطرق التي يمكننا من خلالها معرفة مدى شهرة الشعر هي أن ننظر لأرقام مبيعات الأعمال الشعرية في معارض الكتب ومهرجانات الأدب؛ ودائمًا ما يتصدر الشعر قوائم المبيعات مقارنةً بالأنواع الأدبية الأخرى. بشكل عام، الشعر من الأنواع الفنية المستحبة في (الهند)؛ فلدينا تاريخ شعري طويل في الأدب الهندي الكلاسيكي، كما أدخل مترجمي الآداب الغربية أجناس شعرية أجنبية على شعر اللغة الآسامية، سواء كان ذلك عن طريق الترجمة أو التقليد. بذلك يمكننا القول بأن شعر اللغة الآسامية غاية في التنوع؛ فقد مررنا بمراحل الحداثة، ومابعد الحداثة، والرومانسية، إلى جانب وجود الأنواع الشعرية الشعبية الخاصة بالشعر الآسامي. الشعر الآسامي مُلم بكل تلك الأنواع الشعرية. 

مارشا لينكس كوايلي: وهل تمت ترجمة شعر محمود درويش إلى اللغة الآسامية؟

سليم حسين: نعم، عدة مرات.

مارشا لينكس كوايلي: أوه، عدة مرات!

سليم حسين: نعم.

مارشا لينكس كوايلي: إذًا هناك نسخ مختلفة من تلك القصيدة، قصيدة «بطاقة هوية»، إلى جانب  قصائد أخرى لدرويش باللغة الآسامية؟

سليم حسين: نعم، إلى جانب قصائد أخرى له، نعم.

مارشا لينكس كوايلي: هل نشرت تلك الترجمات في وسائط مطبوعة أم على الإنترنت؟

سليم حسين: تنشر معظم الترجمات إلى اللغة الآسامية في مجلات صغيرة أو دوريات أكاديمية كما قلت سابقًا، لكني صادفت ترجمات عديدة لشعر درويش في كتب مطبوعة أيضًا. 

مارشا لينكس كوايلي: هذا مدهش! هل هو شاعر مشهور في (آسام) إذًا؟

سليم حسين: نعم، مشهور جداً. من بين الشعراء المشهورين في (آسام) كذلك (لوركا)، ومن أيضًا؟… (إليوت). (إليوت) مشهور جدًا في الحقيقة، حيث تمت ترجمة أشعاره مرات عديدة. لكن درويش على وجه الخصوص ذائع الصيت في (آسام).  

مارشا لينكس كوايلي: هذا رائع. أعتقد أنه كان ليفتخر بهذه الحركة الشعرية، حركة شعراء المِيا.

سليم حسين: [يضحك] أنا على ثقة بذلك.

مارشا لينكس كوايلي: شكرًا جزيلًا لوقتك. تشرفت جدًا بهذا الحديث على هامش معرض (لندن) للكتاب.

سليم حسين: كان الشرف لي.

مارشا لينكس كوايلي: شكرًا جزيلًا لك.

سليم حسين: شكرًا لكِ.

 

 


ملحوظات:

(١) القصيدة لحافظ أحمد، ترجمها من الآسامية إلى الإنجليزية سليم حسين، وترجمتها من الإنجليزية إلى العربية سلمى هارلند.

(٢) القصيدة لسليم حسين، وترجمتها من الإنجليزية إلى العربية سلمى هارلند.


 

شارك المقال:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي