صبغة النيلة

9-1

 

جميعُنا يرتدي الجينز، ولكن هل فكَّرنا من أين أتى هذا اللون المميز له؟ «صبغة النِيلة».

النِيلة هي مركب عضوي يتميز بلونه الأزرق القاتم، وهي عبارة عن صبغة طبيعية يتم استخراجها من النباتات. وكان لهذه العملية أهميةً كبيرة بسبب ندرة الصبغات الزرقاء. يُنتج الآن كميات كبيرة من صبغات النيلة -آلاف الأطنان في العام- وهي صبغات مُصنَّعة.

تُستخرج صبغة النيلة من أصناف نباتات النيلة والنيلج (يُسمَّى أيضًا بالوَسْمَة أو ورق النيل). عُرفت النيلة قديمًا بقدرتها على صبغ الأقمشة باللون الأزرق القاتم، وقد أظهرت التُحف المصرية القديمة أن النيلة كانت مستخدمة قرابة عام 1600 قبل الميلاد، وقد وُجدت في إفريقيا والهند وإندونيسيا والصين.

جاء مُسمى (النيلة –indigo) من المصطلح الروماني (indicum) والذي يعني (إنتاج الهند)، وهذه تسميةٌ خاطئة إلى حدٍ ما؛ لأن هذا النبات الذي اُستخرجت منه الصبغة كان يُزرع في العديد من المناطق، بما فيها آسيا، اليابان، وأمريكا، هناك مصطلحٌ قديمٌ أيضًا للصبغة وهو (nil) وهو مصطلحٌ عربي يعود إلى (النيل)؛ فلذلك تُسمَّى هذه الصبغة بالنِيلة، الكلمة الإنجليزية (الأنيلين–aniline) اُشتقَّت أيضًا من نفس المصدر.

توجد مجموعة متنوعة من النباتات التي تعطي صبغة النيلة، ولكن أهم هذه المصادر هي تلك التي من فصيلة (الإنديغوفيرا–indigofera) التي تعود أصولها إلى المناطق المدارية. أولى أنواع النيلة التي انتشرت تجاريًا في آسيا هي النيلة الحقيقية أو النيلة الزرقاء والتي تُعرف أيضًا باسم (سوماترانا –sumatrana)، وثمَّة بديل أكثر شيوعًا في المناطق المدارية الباردة نسبيًا مثل جزر ريوكيو اليابانية وتايوان وهو (Strobilanthes cusia)، وفي أمريكا الوسطى والجنوبية، نمت فصيلتان وهما (suffruticosa) و(Polygonum tinctorum)، على الرغم من ذلك، فإن فصائل الإنديغوفيرا تُجني المزيد من الصبغة.

الاستخدام الرئيسي للنيلة هو الاستخدام كصبغة للخيوط القطنية، والتي تُستخدم بشكلٍ أساسي لإنتاج قماش الجينز الأزرق، في المتوسط زوج البنطال الجينز الأزرق يتطلب من 3-12 جرام من النيلة، وتستخدم كميات صغيرة لصبغ الصوف والحرير.

نيلة اللون القرمزي، هي من مشتقات النيلة وتُستخدم كملون كذلك، يتم إنتاج حوالي 20 كيلوجرام سنويًا، وهي أيضًا أساسية للجينز الأزرق، أيضًا تُستخدم كملونٍ للطعام.

بالنسبة للخصائص الكيميائية لصبغة النيلة، فهي مسحوق بللوري أزرق داكن، يتبخر عند 390-392 درجة مئوية (734-738 درجة فهرنهايت)، غير قابل للذوبان في الماء أو الكحول أو الإيثر، ولكن قابل للذوبان في الـ DMSO (dimethyl sulfide)، والكلوروفورم، ونترات البنزين، وحمض الكبريتيك المركز، الصيغة الكيميائية للنيلة هي C16H10N2O2. الجزيء منه يمتص الضوء في الجزء البرتقالي من الطيف، يملك المركب لونًا داكنًا نتيجةً للروابط الثنائية به.

أما عملية التصنيع تعتمد على جزئين، الأول هو الاستخراج الطبيعي:

استخراج النيلة من النبات يتطلب عدة خطوات لأن الصبغة نفسها غير موجودة في الطبيعة، المادة الكيميائية الموجودة في الأوراق هي الإنديكان وهي المادة الممهِّدة للنيلة، وعملية استخراج الإنديكان من أوراق النبات وتحويله إلى نيلة هي عملية قديمة لم تتغير منذ آلاف السنين. في هذه العملية، يتم ترتيب مجموعة من الخزانات لتكون جاهزة للاستخدام، حيث أن الجزء العلوي من الخزان هو وعاء التخمير، حيث يتم وضع قطع النباتات الطازجة فيه ثم يتم إضافة الإنزيم المعروف باسم (indimulsin) ليحلل ويكسر الإنديكان إلى إندوكسيْل وجلوكوز، في هذه العملية يتم طرد ثاني أكسيد الكربون، والمرق الأخضر في الخزان يتحول إلى أصفر قاتم.

بعد حوالي 14 ساعة، يتم تصريف السائل الناتج في خزان آخر، وهنا يتم تحريك الخليط الغني بالإندوكسيل مع المجاديف لمزجه مع الهواء، وهذا يسمح للأكسجين بأكسدة الإندوكسيل إلى الإنديغوتين (النيلة) والتي تستقر في قاع الخزان، الطبقة العليا من السائل تُسحب بعيدًا، حيث تبقى الصبغة في الخزان الثالث ليتم تسخينها لوقف عملية التخمر، يتم تصفية الخليط الناتج لإزالة الشوائب وتجفيفه ليُشكِّل عجينة سميكة.

أما الجزء الثاني وهو خاص بالتصنيع، فقد اُستخدمت مجموعة من العمليات الكيميائية الاصطناعية لإنتاج النيلة، تتضمن هذه العمليات الجمع بين سلسلة من الكواشف الكيميائية تحت ظروف خاضعة للرقابة، تخضع المواد المتفاعلة لسلسة من التفاعلات التي تؤدي إلى تشكيل جزيء النيلة.

بعد انتهاء عملية التفاعل الكيميائي، يجب غسل الصبغة النهائية لإزالة الشوائب ومن ثم تجفيفها.

 

المصادر:

إعداد وتصميم : Amira Esmail

مراجعة علمية:Esraa Adel

مراجعة لغوية : Mohamed Sayed Elgohary

 

#الباحثون_المصريون

 

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي