هل سبق لك أن عانيت من التهاب الجيوب الأنفيّة أو حتى أي نوع آخر من العدوى البكتيريّ، وعند ذهابك للطبيب عادةً ما يصف لك نوعًا من المضادات الحيويّة للقضاء على تلك البكتيريا ومساعدتك للتحسن. لكن هل تساءلت يومّا من أين تأتي تلك المضادات الحيويّة أو ماذا يوجد في تلك الحبوب التي تكافح العدوى لأجلك؟ وبالرغم من وجود الكثير من المضادات الحيويّة التي تُوصق تبعًا لحالة كل مريض إلا أن هناك فئة معينة من المركبات العضويّة والتي تُعتبر جيدة بوجهٍ خاص في مكافحة الكائنات البكتيريّة. وهي عقاقير السَّلفا (بالإنجليزيَّة: Sulfonamides)
تُعتبر أدوية السَّلفا من المضادات الحيويّة الواسعة المدى ضد العديد من الكائنات الحية الدقيقة، مثل: البكتيريا، وبعض الأوليّات كالمقوسة (بالإنجليزيَّة: Toxoplasma) والمُتصوّرة (بالإنجليزيَّة: Plasmodia). وعلى الرغم من أن العلاج الأحادي بالسلفوناميد أصبح أقل سُميةً على البكتيريا كما أن مقاومتها له قد ازدادت إلا أنه حاليًّا يُعد الدواء الأكثر شيوعًا في علاج التهابات المسالك البوليّة الحادة. كما يُستخدم أيضًا مع أدوية أخرى مثل التريميثوبريم (بالإنجليزيَّة: Trimethoprim) والبيريميثامين (بالإنجليزيَّة: Pyrimethamine) لعلاج الأمراض الطفيليّة. [2،5]
فلنتعرف أولًا على:
تركيب جزيء السَّلفا
يتكوّن جزيء السَّلفا من ذرة كبريت تمتلك مجموعتين من الروابط المزدوجة لذرتين من الأكسجين، ومجموعة جانبية من الكربون، وذرة نيتروجين مرتبطة بذرّة الكبريت نفسه. في الكيمياء العضوية، الأميد (بالإنجليزيَّة: Amide) يتكوّن من مجموعة كاربونيل مرتبطة بذرة نيتروجين. والسَّلفا تتشابه معه فالتركيب لكن تُستبدل مجموعة الكاربونيل بمجموعة سلفون أو كِبْرِيتُون (بالإنجليزيَّة: Sulfone) وهي عبارة عن (ذرّة كبريت مع ذرّتي الأكسجين) ولهذا يظهر مصطلح الأميد في نهاية اسم مركبات السَّلفا. ترتبط ذرّة الكبريت أيضًا بمجموعة كربون جانبية والتي يمكن أن تكون أي شيء، حيث يمكن أن تكون مجموعة ميثيل، أو حلقة بنزين، أو حلقة ألكان، أو مجموعة كربون أخرى. كما أن السلفوناميد يكون أولي إذا ارتبطت ذرّة النيتروجين بذرّتي هيدروجين، أما إذا ارتبطت بذرّة هيدروجين واحدة فيكون سلفوناميد ثانوي، لكن إذا لم تمتلك ذرّة النيتروجين أي ذرّات هيدروجينية فيُدعى سلفوناميد ثلاثي. [5]
آليّة عمل أدوية السَّلفا
- يُعتبر السلفوناميد من أنواع المضادات الحيويّة التي تُوقّف النمو البكتيريّ؛ حيث تتعارض مع تخليق حمض الفوليك الموجود بالكتيريا. وغالبًا ما يُؤخد السلفوناميد مع التريميثوبريم لكي يمنع الخطوات المتتابعة لتخليق حمض الفوليك. وبهذا يعمل كلاهما بتآزر لوقف خطوتين متتاليتين لهما دور كبير في عملية التخليق الحيوي للبروتينات والحمض النوّوي اللازمين لنمو وانقسام الخلايا البكتيريّة. كما أن استخدامهما معًا يقلل من فرص مقاومة البكتيريا. [1]
- عادةً ما تكون مركبات السلفوناميد المنتشرة في السوق مشتقة من النواة الأم للسلفانيلاميد في الموقع بارا (بالإنجليزيَّة: Para-position). حيث غالبًا ما يُستبدل هيدروجين السلفامين(بالإنجليزيَّة: -SO2NH2) بحلقات غير متجانسة (R1) لكي تُكوّن أنواعًا أخرى من السفلوناميد وبزيادتها تقل السٌمية ويزداد تأثير الدواء، ومجموعة الأمين في الموقع بارا هي المسؤولة عن النشاط المضاد للبكيتريا حيث لو تم استبدالها؛ سيختفي ذلك التأثير. ويتم إضافة مجموعة كربون أخرى (R2) ترتبط بمجموعات الأمين لكي تُكون مركب أولي غير نشط (بالإنجليزيَّة: Prodrugs) حتى يزداد امتصاصه فالجسم ويمتد مفعوله، ثم عند دخولها الجسم تتحلل وتُحرر مجموعات الأمين. النواة الأم للسلفوناميد تكون شبيهه لحمض البارا امينوبنزويك (PABA) في تركيبها ووظيفتها، وبذلك ستتمكن من منافسة ال(PABA) بالكتيريا المسؤول عن تخليق انزيم ثنائي هيدرو الفولات (بالإنجليزيَّة: Dihydrofolic acid) وبالتالي تمنع تخليق حمض الفوليك وتمنع نمو وانقسام البكتيريا؛ حيث إن حمض الفوليك هو العامل الرئيسي لغذاء البكيتريا ونموها. بالإضافة لذلك، وبما أن الإنسان يحصل على ثنائي الهيدرو فولات بشكل مباشر من الطعام حتى يتمكن من تخليق حمض رباعي الهيدرو فولات (بالإنجليزيَّة: Tetrahydrofolic acid)؛ فإن السلفوناميد لن يؤثر على تخليق حمض الفوليك بالإنسان. [4]
أهم مشتقات السلفوناميد
كما ذكرنا مُسبقًا، فإن مركبات السلفوناميد تلعب دورًا هامًا في صناعة الأدوية والصيدلانيات. ومنها بعض العقاقير المضاد حيويّة وأخرى لها استخدامات أخرى.
السَّلفا المضاد حيوية
ومن أهم مشتقاتها هو:
-
- السلفانيلاميد(sulfanilamide):
هو عبارة عن سلفوناميد صناعي، تم تخليقه لأول مرة في بدايات القرن الماضي. وهو عبارة عن مضاد حيوي، اُستخدم في الحرب العالمية الثانية للمساعدة في مكافحة العدوى الناجمة عن جروح الحرب. حيث ساهم بشكل كبير في تقليل معدل الوفيات المتسبب بها تلك الجروح مقارنةً بالحروب السابقة. وبالرغم من أن السلفانيلاميد تم استبداله بشكل كبير بمضادات حيوية أخرى أكثر حداثة إلا أنه ما زال يُستخدم في حالات العدوى الشائعة مثل العدوى الفطرية المهبلية(yeast infections). (5)
- السلفانيلاميد(sulfanilamide):
- السَلفاميثوكسازول (بالإنجليزيَّة: Sulfamethoxazole)
- هو مشتق آخر من مشتقات السلفوناميد المضادة للبكيتريا، ويتشابه لحد كبير مع السلفانيلاميد في التركيب باستثناء أنه فقط يمتلك حلقة عضويّة إضافيّة تُسمى أوكسازول (بالإنجليزيَّة: Oxazole). ويٌستخدم بشكل شائع في علاج التهابات المسالك البوليّة، والتهابات الشعب الهوائيّة، والتهاب الأذن الوسطى عند الأطفال، والتهابات الأمعاء الناجمة عن عدوى الشيغيلا (بالإنجليزيَّة: Shigella)، وكوقاية وعلاج من مرض المتكيّسة الرئويّة الجؤجؤيّة (بالإنجليزيَّة: Pneumocystis jiroveci pneumonia)، وعلاج إسهال المسافرين الناجم عن التسمم المعوي. كما أنه يُستخدم في كندا كدواء إضافي لعلاج الكوليرا، والزحار العصوي (بالإنجليزيَّة: Bacillary dysentery)، وداء النوكارديات (بالإنجليزيَّة: Nocardiosis)، كما يُستخدم مع الجنتاميسن (بالإنجليزيَّة: Gentamicin) أو الريفامبيسين(بالإنجليزيَّة: Rifampicin) كخط ثاني لعلاج الحمى المتموّجة أو البروسيلات (بالإنجليزيَّة: Brucellosis)
- أنواع أخرى من السلفوناميد المضادة حيوية:
- مثل: السلفاديازين (Sulfadiazine)، والسلفادوكسين (بالإنجليزيَّة: Sulfadoxine)، والسلفالين (بالإنجليزيَّة: sulfalene)، والسلفاميرازين (بالإنجليزيَّة: Sulfamerazine)، والسلفاميثيزول (بالإنجليزيَّة: Sulfamethizole)، وبعض التركيبات الموضعية مثل: السلفاديازين الفضي (بالإنجليزيَّة: Silver sulfadiazine) الذي يستخدم في علاج الحروق، والسلفاسيتدميد (بالإنجليزيَّة: Sulfacetamide) المستخدم في علاج التهابات العين. [1،3]
أدوية سَّلفا ليست مضادات حيويّة
تحتوي عقاقير السَّلفا المضاد حيوية على مجموعة أمين N4 في تركيبها والذي يُعتقد أنه يزيد من فرصة حدوث حساسية لهذا الدواء، أما أدوية السلفا الأخرى غير المضادات الحيوية لا تحتوي على مجموعة الأمين في تركيبها مثل: بعض أدوية السكر كالغيبوريد (بالإنجليزيَّة: Glyburide) والغليبيزيد (بالإنجليزيَّة: Glipizide)، والسلفاسلازين (بالإنجليزيَّة: Sulfasalazine) المُستخدم في علاج التهاب المفاصل الروماتيزمية والتهاب القولون التقرحي، والدابسون (بالإنجليزيَّة: Dapsone) لعلاج التهابات الجلد وبعض أمراض الالتهاب الرئوي، والسوماتريبتان (بالإنجليزيَّة: Sumatriptan) لعلاج الصداع النصفي، وهناك أيضا بعض مُدرات البول التي تحتوى على السلفا مثل الهيدروكلوروثيازيد (بالإنجليزيَّة: Hydrochlorothiazide) والفوروسيميد (بالإنجليزيَّة: Furosemide)، وبعض الأدوية المضادة للالتهاب مثل السيليكوكسيب (بالإنجليزيَّة: Celecoxib).
الأعراض الجانبيّة لعقاقير السَّلفا
- يتعارض استخدام أدوية السَّلفا مع من لديهم حساسيّة مفرطة تجاه تلك المركبات، والرُضع أقل من شهرين، وأثناء الحمل، والأمهات المُرضعة. ويرتبط استخدام السلفوناميد بعدد من الأعراض الجانبيّة. أكثرها خطورة هي تفاعلات الحساسيّة المفرطة تجاه تلك المركبات وتأثيرها على مكونات الدم. وتلك التفاعلات عادةً ما تكون متنوّعة مثل الطفح الجلدي، والحُمامى العَقِدة أو التهاب الخلايا الدهنية تحت الجلد (بالإنجليزيَّة: Erythema nodosum)، والحمامى متعددة الأشكال (بالإنجليزيَّة: Erythema multiforme)، المرتبطة بمتلازمة ستيفنز-جونسون (بالإنجليزيَّة: Stevens-Johnson syndrome)، والتهاب الجلد التقشري (بالإنجليزيَّة: Exfoliative dermatitis)، والحساسية تجاه الضوء.
- يُمكن أيضًا لبعض أنواع السلفوناميد القديمة الممتدة المفعول أن تسبب تأثيرات أكثر شيوعًا على مكونات الدم مثل: فقر الدم الانحلالي (بالإنجليزيَّة: Hemolytic anemia)، وندرة المحببات وهو انخفاض عدد نوع من كرات الدم البيضاء (بالإنجليزيَّة: Agranulocytosis)، وفقر الدم اللاتنسجي وهو فشل نخاع العظام (بالإنجليزيَّة: Aplastic anemia)، ويمكن أيضًا أن تتسبب في حدوث بيلة البلورات وهي عبارة عن وجود كريستالات من تلك المواد في البول (بالإنجليزيَّة: Crystalluria)؛ وذلك لأنها مواد ضعيفة الذوبان في الماء على عكس عقاقير السَّلفا الأكثر حداثة والتي لها قدرة أعلى على الذوبان بالماء مثل السلفيسوكسازول (بالإنجليزيَّة: Sulfisoxazole)؛ لذلك يُنصح المرضى الذين يتناولون عقاقير السلفاوناميد بشرب كميات كبيرة من الماء. هناك أيضًا أعراضًا جانبية أخرى للسَّلفا مثل فقدان الشهية، والإحساس بالغثيان، والقئ، والصداع. [2]
متلازمة ستيفنز جونسون
هي من المضاعفات النادرة لحساسيّة السَّلفا، تكون عبارة عن تقرّحات مؤلمة تظهر على الجلد والأغشية المخاطية، بما في ذلك: الفم، والحلق، والعيون، والمنطقة التناسليّة. وهي تُعد أكثر شيوعًا في الرجال من النساء، وبعض الأشخاص يكون لديهم استعداد وراثي للإصابة بها. وتشمل أعراض متلازمة ستيفنز جونسون ما يلي: تقرحات غير طبيعية في الجلد، واحمرار الجلد، والتعب، والإسهال، والغثيان، والقئ، والحمى. [7]
المصادر:
- Sulfamethoxazole [Internet]. [cited 2020 Mar 23]. Available from: https://www.drugbank.ca/drugs/DB01015
- Scholar E. Sulfonamides. In: Enna SJ, Bylund DB, editors. xPharm: The Comprehensive Pharmacology Reference [Internet]. New York: Elsevier; 2007 [cited 2020 Mar 23]. p. 1–4. Available from: http://www.sciencedirect.com/science/article/pii/B978008055232361013X
- Anti-infective Agents – ScienceDirect [Internet]. [cited 2020 Mar 23]. Available from: https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/B978012408078200007X
- Jiang J, Wang G. Hazard of Sulfonamides and Detection Technology Research Progress. IOP Conf Ser: Earth Environ Sci [Internet]. 2017 [cited 2020 Mar 23];100:012040. Available from: http://stacks.iop.org/1755-1315/100/i=1/a=012040?key=crossref.0f56ab04704487ed1bab370461a2226d
- Sulfonamide: Chemical Structure & Derivatives [Internet]. Study.com. [cited 2020 Mar 23]. Available from: https://study.com/academy/lesson/sulfonamide-chemical-structure-derivatives.html
- List of Sulfonamides + Uses, Types & Side Effects [Internet]. Drugs.com. [cited 2020 Mar 23]. Available from: https://www.drugs.com/drug-class/sulfonamides.html
- Sulfa Allergy: Drug List, Symptoms, Treatment, and More [Internet]. Healthline. [cited 2020 Mar 23]. Available from: https://www.healthline.com/health/sulfa-allergy