مقدمة
أصبحت الحياة مليئة بالمشاغل والصراعات التي يمكن أن تُودي بالشخص إلى هوة الاكتئاب؛ لذلك يحاول البعض العثور على وسيلة تساعدهم على تخطي عقبات الحياة أو مواجهتها أو بالأحرى الهروب منها؛ فهناك من يلجأ إلى تنظيم الوقت وإدارته وهذه الطريقة أظهرت نجاحًا ساحقًا، وهناك من يذهب إلى طبيب مختص، وهناك من يريد فقط وقتًا مع نفسه، فيفصل نفسه عن العالم ليعيش على كوكبٍ آخر، فيلجأ البعض إلى جلسات التأمل والاسترخاء واليوغا، أما في هذا المقال سنتحدث عن طريقة مستحدثة، تجادل البعض حول فاعليتها، وهي: الاستجابة الزواليّة الحسيّة الذاتيّة.
ما هي الاستجابة الزواليّة الحسيّة الذاتيّة؟
الاستجابة الزوالية الحسية الذاتية (Autonomous Sensory Meridian Response) أو ما يطلق عليه «بالإيسمار» (ASMR)، هو تعبير جديد أُصيغ منذ عام 2010، ويعني حالة إدراك حسي وأحاسيس عميقة وداخلية نابعة من الاسترخاء، عادة ما تكون مصاحبة برعشات لطيفة في فروة الرأس والرقبة والظهر، ويُحَفَز هذا الشعور من خلال محفزات سمعيّة وبصريّة معينة إما أصوات لطيفة أو لمسات لطيفة أو همسات أو الإهتمام الشخصي من جهة شخص آخر، فالاهتمام الشخصي يمكن أن يكون من شخص في الحياة الواقعيّة أو من شخص تشاهده من خلال فيديو صُمِمَ خصيصًا لهذا الغرض، وهو ما يعرف بفيديوهات «الإيسمار».(1) (2)
ما تأثير الإيسمار على العقل؟
يحتوي الدماغ على خلايا تُسمى «الخلايا العصبية المرآتية» وهي توجد بمناطق العمليات العليا بالدماغ، تنشط الخلايا العصبيّة المرآتيّة عندما تشاهد شخص ما يقوم بحركة أو مهمة ما، ويُعتقد أنها تقلد الحركات التي يراها الشخص، كما لو كنت تؤدي هذه الحركات في ذهنك وليس بجسدك. ومما لا يثير الدهشة، تتصل أيضًا هذه الخلايا «بخريطة الجسم» وتُحرِك مناطق بالدماغ، فبالتالي تخلق الخلايا العصبيّة المرآتيّة للشخص الذي يشاهد فيديوهات الإيسمار تجربة عيش الحركات التي يفعلها الشخص الذي أمامه، فتجعله يدخل في حالة من الاسترخاء. (3)
علاقته بالصحة النفسيّة والجسديّة
يلجأ بعض الأشخاص إلى هذا النوع من الفيديوهات لتساعدهم على الاسترخاء والنوم والتعامل مع ضغوطات الحياة. وقد أثبتت الأبحاث والدراسات الاستقصائيّة أن ظاهرة الاستجابة الزواليّة الحسيّة الذاتيّة لها آثار إيجابية على صحة الإنسان النفسيّة والجسديّة.
الصحة النفسيّة
الاكتئاب والقلق
للأسف لم تُجرى أبحاث كافية في هذا المجال، بيد أن هناك دراسة أجرتها جامعة سوانسي (Swansea University) بالمملكة المتحدة، ووجدت أن هناك أربعة محفزات رئيسيّة وهي: الهمس والاهتمام الشخصي وأصوات القرمشة والحركات البطيئة، وقال أغلبية المشاركين (بنسبة 80 بالمئة) في هذه الدراسة إن هذه الظاهرة لها تأثير إيجابي على مزاجهم، في حين أن 69 بالمئة قالوا أنها خففت أعراض الاكتئاب: تصنيف متوسط إلى شديد.(4)
على الرغم من ذلك، فإن الخبراء مترددون في قول أنها علاج فعال للاكتئاب أو القلق.
يقول ستيفن سميث (Stephen Smith)، أستاذ علم نفس بجامعة وينيبيج (University of Winnipeg)، وهو درس الوصلات العصبيّة لأشخاص تعرضوا لهذه الظاهرة:
«الاستجابة الزواليّة الحسيّة الذاتيّة بالتأكيد ليست سر علاج الاكتئاب والقلق، بل يمكنها مساعدة بعض الأشخاص كنوع من المكملات للعلاج الحقيقي، ولكن لا يمكن استبدالها باستشارة متخصص.» (5)
الصحة الجسديّة
في دراسة تُعتبر الأولى من نوعها في الأسس الفسيولوجية لنظرية «الإيسمار»، وجد باحثون في جامعة شفيلد (University of Sheffield) أن من يتعرض لهذه الظاهرة ينخفض لديه معدل ضربات القلب حينما يشاهد فيديوهات «الإيسمار» (بمتوسط انخفاض 3.14 نبضة في الدقيقة) مقارنة بمن لا يتعرض لها، وأظهرت أيضًا ارتفاعًا حادًا في مشاعر إيجابية من بينهم الهدوء ومشاعر الاتصال الاجتماعي. تقول دكتور جوليا بوريو (Giulia Poerio) بجامعة شفيلد (University of Sheffield) بقسم علم النفس:
«روى بعض الناس تعرضهم لظاهرة «الإيسمار» منذ طفولتهم وارتفع وعيهم بأحاسيسهم ارتفاعًا شديدًا خلال العقد الأخير نتيجة لمواقع الإنترنت مثل منصتي اليوتيوب وريديت»(6)
مستقبل الإيسمار
على الرغم من قلة الأبحاث الحاليّة المعنية بظاهرة الاستجابة الزواليّة الحسيّة الذاتيّة، بدأ العديد من الباحثين في التوافد على هذه الظاهرة لفهمها، على سبيل المثال عكف كريج ريتشارد (Craig Richard)، أستاذ بقسم علوم الصيدلانية البيولوجية بجامعة شيناندواه (Shenandoah University) بولاية فيرجينيا، وهو مؤسس موقع «جامعة الإيسمار»، على المساعدة في حل لغز: أيًا من المواد الكيميائيّة بالدماغ تساعد في ظاهرة «الإيسمار»، ووظف العديد من الأشخاص لدراسة تأثيراتها.
يقول ريتشارد:
«تساعد دراسة بارات وديفيد على تعزيز الأمل في أنه من المُحتمل يومًا ما أن يوافَق عليها لتكون علاجًا طبيًا لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من الميسوفونيا (هي ردة فعل سلبية ونوبات غضب تجاه بعض الأصوات المهموسة)(7) والقلق والاكتئاب و/ أو الألم المزمن، ولكن هناك الكثير من البحث والاختبارات السريرية التي يجب القيام بها»(3)
نتوصل من خلال هذا المقال أنه لا يمكن الاعتماد فقط على ظاهرة الاستجابة الزواليّة الحسيّة الذاتيّة لعلاج الاكتئاب، فهي ليست الحل لاستئصال الاكتئاب من جذوره بل هي قادرة فقط على إرخاء الجسد ومساعدته على نسيان كل شيء لفترة وجيزة من الزمن وبعدها يذهب تأثيرها بمرور الوقت، فلماذا لا يمكن الاستغناء على الأطباء المختصين والأدوية؟ ببساطة، لأنها لم تحل المشكلة التي تسببت في الاكتئاب، فبالتالي ستظل في دوامة وستسأل نفسك دومًا: لماذا لا ينتهي هذا الاكتئاب؟ «الإيسمار» يمكنه فقط جعلك أكثر هدوءًا لتفكر بأريحية في مشاكلك وتحاول الوصول إلى حل لها؛ لأنك إذا فكرت في حياتك وأنت مشدود الأعصاب سيكون تركيزك الكلي على الجانب السلبي من حياتك.
المراجع
- Lochte BC, Guillory SA, Richard CAH, Kelley WM. An fMRI investigation of the neural correlates underlying the autonomous sensory meridian response (ASMR). Bioimpacts [Internet]. 2018 [cited 2019 Dec 16];8(4):295–304. Available from: https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC6209833/
- Smith SD, Fredborg BK, Kornelsen J. An examination of the default mode network in individuals with autonomous sensory meridian response (ASMR). Social Neuroscience [Internet]. 2017 Jul 4 [cited 2019 Dec 16];12(4):361–5. Available from: https://doi.org/10.1080/17470919.2016.1188851
-
Richard D. Can you actually experience “touch” while watching an ASMR video? [Internet]. ASMR University. 2015 [cited 2020 Jan 18]. Available from: https://asmruniversity.com/2015/03/01/asmr-synesthesia-mirror-touch/
-
Barratt EL, Davis NJ. Autonomous Sensory Meridian Response (ASMR): a flow-like mental state. PeerJ [Internet]. 2015 Mar 26 [cited 2020 Jan 17];3:e851. Available from: https://peerj.com/articles/851
-
Is ASMR an effective way to treat anxiety and depression? [Internet]. Global News. [cited 2019 Dec 18]. Available from: https://globalnews.ca/news/4355069/asmr-anxiety-depression/
- Poerio GL, Blakey E, Hostler TJ, Veltri T. More than a feeling: Autonomous sensory meridian response (ASMR) is characterized by reliable changes in affect and physiology. PLOS ONE [Internet]. 2018 Jun 20 [cited 2020 Jan 17];13(6):e0196645. Available from: https://journals.plos.org/plosone/article?id=10.1371/journal.pone.0196645
- Barratt EL, Spence C, Davis NJ. Sensory determinants of the autonomous sensory meridian response (ASMR): understanding the triggers. PeerJ [Internet]. 2017 Oct 6 [cited 2019 Dec 22];5:e3846. Available from: https://peerj.com/articles/3846