فيزياء الصالحين: 10 علماء في حوار بين العلم والدين

فيزياء الصالحين: 10 علماء في حوار بين العلم والدين

لماذا يؤمن بعض الفيزيائيين بالله بينما يصر آخرون على أن الدين والعلم غير متوافقين؟

التفاعل بين العلم والدين له تاريخ طويل، وقد شغل العديد من علماء العصور الوسطى مناصب في الكنيسة، ومن المعروف أن أينشتاين قال إن الله لا «يلعب النرد» بالكون. بينما كان الصراع بين جاليليو والبابا بيوس الخامس أحد الأحداث الرئيسية في تاريخ العلم.

استمر هذا التقليد في التسعينيات؛ عندما قدم عالم الفيزياء الفلكية جورج سموت النتائج الأولى للقمر الصناعي مستكشف الخلفية الكونية (COBE) الذي أظهر أن إشعاع الخلفية الكونية لم يكن موحدًا في جميع الاتجاهات، وهي إحدى النتائج العلمية الرئيسية للعقد، حيث قال إن ذلك يشبه «النظر إلى وجه الله». ويدعو الدالاي لاما -الزعيم الروحي للبوذيين التبتيين في العالم- العلماء بانتظام إلى دارامسالا لمناقشة الروابط بين العلم والبوذية. ومع ذلك، فإن العلاقات ليست دائما بهذا الود. في وقت سابق من هذا العام، أقنعت الجماعات المسيحية في كانساس مجلس التعليم بالولاية بإزالة نظرية التطور وكل ذكر للانفجار العظيم من مناهج تعليم العلوم.

يتحدث إدوين كارتليدج إلى كلا الجانبين.

خلق اﻷرض كما هو موضح من الكتاب المقدس (Wikipedia)

العلم والله

العديد من العلماء لديهم معتقدات دينية قوية؛ في عام 1996 على سبيل المثال كشف مسح لعلماء أمريكيين تم اختيارهم عشوائيًا أن 40٪ يؤمنون بالله و 40٪ يؤمنون بالحياة الآخرة. كانت النتائج مشابهة بشكل ملحوظ للاستطلاعات السابقة التي أجريت في عامي 1914 و 1933. ومع ذلك عندما طُرحت على أعضاء الأكاديمية الوطنية للعلوم -النخبة العلمية الأمريكية- نفس الأسئلة، قال أكثر من 90٪ إنهم لا يؤمنون بالله.

يقول عالم الفيزياء النظرية الروسي فيتالي جينزبورغ:

«كلما كان الشخص أكثر تعليمًا قل احتمال إيمانه بالله، يبدو لي أن الإيمان بإله يتدخل في الشؤون الأرضية، ويصنع المعجزات، والإيمان بالحياة الآخرة وقداسة الكتاب المقدس قد نجا ببساطة من العصور القديمة والعصور الوسطى، وإنه من العجب كيف يمكن أن يوجد مثل هذا الإيمان في نهاية القرن العشرين!»

ويضيف:

«إن وجود العديد من المؤمنين لا يزال يرجع في المقام الأول إلى حقيقة أن الغالبية العظمى من ستة مليارات شخص في العالم غير متعلمين وبعيدون عن العلم.»

لكن علماء آخرين لا يتفقون. فمثلا تشارلز تاونز -الذي تقاسم جائزة نوبل عام 1964 عن عمله في الليزر- شديد التدين. وهو يقول:

«أعتقد أن هناك إلهًا له جوانب كونية وشخصية، ولكن شكله لا يوصف»

ويرحب تاونز بالتفاعلات بين العلم والدين، حيث إذا قمنا بزيادة فهمنا للعلم والدين، يعتقد هو أنهما سوف يتقاربان ويتحدان. ومع ذلك فهذا لا يعني بالنسبة له أن بإمكاننا في النهاية فهم كل شيء.

لا يحتاج العلم إلى الله لشرح الكون. هكذا عقّب عالم فيزياء الجسيمات ليون ليدرمان اﻷمريكي الحائز على جائزة نوبل، وأضاف:

«انظر إلى العالم الخارجي وتأكد من مدى انتظامه. ما هو دور الخالق في هذا؟»

ويعتقد ليدرمان أن المساحة المتاحة للإله تتقلص. فقبل الفيزياء النووية لم تكن لدينا أي فكرة عما كان بداخل النواة. الآن بعد أن علمنا بالبروتونات والنيوترونات والكواركات، يبدو هذا المجال خاضعًا لقوانين الفيزياء [وليس لله]. وبصورة مماثلة كان بإمكان الإله أن يختبئ في أسئلة قديمة مثل «أين مركز الكون؟» و «كم عمره؟»، ولكن ليس بعد الآن.

ولكن تاونز يعترض قائلا:

«لا أعتقد أن المساحة المتاحة للإله تتضاءل، فهمنا هو الذي يتغير. ومع توسع العلم، من المحتمل أن يعطينا فهمًا أفضل للإله.»

راسل ستانارد أستاذ الفيزياء في الجامعة المفتوحة في المملكة المتحدة والقارئ في كنيسة إنجلترا ليست لديه مشكلة في كون يعمل وفقًا لقوانين الفيزياء فيقول:

«يحتاج المرء إلى التمييز بوضوح بين «الأصول» و«الخلق». فكيف بدأ العالم؟ هو سؤال يتعلق بالأصول. وللحصول على إجابة، تجب عليك استشارة أحد العلماء. أما الإجابة على سؤال الخلق؛ أي لماذا يوجد شيء بدلًا من لا شيء؟ هو أن الله خلق الكون.»

يرفض بيتر أتكنز الكيميائي الفيزيائي بجامعة أكسفورد والناقد الصريح للدين هذه الحجة حيث يقول:

«السؤال ليس «لماذا» يوجد شيء بدلًا من لا شيء ولكن السؤال هو «كيف» يمكن أن يظهر شيء ما على ما يبدو دون تدخل من أي شيء على الإطلاق.»

يشير أتكينز إلى أن المحصلة الكلية للشحنة، والمحصلة الكلية للزخم الزاوي، وكذلك للطاقة في الكون، هي صفر. ويتكهن بأن الكون اليوم ببساطة ليس إلا «لا شئ» معاد تنظيمه كـ«شيء». فيصبح السؤال الآن: كيف تمت عملية إعادة التنظيم هذه؟ ولا يستطيع العلم الإجابة على هذا السؤال حتى الآن، لكن المتشائمين فقط، بمن فيهم الفلاسفة وعلماء الدين، يصرون على أنه لا يمكن أبدًا الإجابة عليه. ويؤكد أتكينز أن الغاية وراء الكون هي اختراع لاهوتي، وهو مثل جينزبورغ، لا يمكنه فهم كيف يمكن للعلماء أن يكونوا متدينين.

«يمكنني أن أفهم سبب كون الناس متدينين بشكل عام لأن المجتمع والإعلام والروح العامة لبيئتهم يشكلونهم على هذا. ومع ذلك، فإن اكتساب المعرفة من خلال المشاعر والاستبطان والإيمان -كما يفعل الدينيون- لا يمكن اعتباره طريقة صالحة للحصول على المعلومات مثل العلم. العلم مفتوح وقابل للمشاركة ويستند إلى الملاحظة ومتعدد الجنسيات والثقافات.»

نطاق الفيزياء والعلم

يشير العديد من المؤمنين الدينيين إلى أن الكون يبدو مضبوطًا جيدًا بشكل ملحوظ لإنتاج الحياة الواعية. في الواقع، إن من المتفق عليه على نطاق واسع أن الحياة لن تكون ممكنة إذا كانت العديد من الثوابت الفيزيائية، مثل ثابت الجاذبية وكتلة الإلكترون، مختلفة بعض الشيء. لذلك فإن احتمال وجود الحياة في الكون عن طريق الصدفة ضئيل للغاية.

يقول أتكينز إن هناك تفسيران محتملان لذلك؛ إما أن ظهور الوعي ليس بتلك الصعوبة، أو أن هناك العديد من الأكوان، كل منها بقيم مختلفة قليلًا للثوابت الفيزيائية. وفي هذه الحال سنتواجد بالضرورة في كون تسمح ثوابته بوجودنا.

لا تعجب هذه الحجة جورج إليس عالم الكونيات بجامعة كيب تاون في جنوب إفريقيا. حيث يقول إما أن هذه «الأكوان» متصلة بطريقة ما بعالمنا، وفي هذه الحالة تكون جميعها جزءًا من كون أكبر. أو أننا لا يمكننا رصدها، وهذا يعني أننا لا نملك أي طريقة لمعرفة خصائصها. في حين أن النجاح العظيم للعلم يُعزى على وجه التحديد إلى أنه يضيق تركيزه وينأى عن النظر في الأسئلة النهائية لعلم الكونيات والحياة البشرية، ولا توجد تجربة علمية يمكنها اختبار أي من أسئلة «لماذا» ومن ثم فهي ليست أسئلة علمية.

ويختلف إليس مع الملحدين مثل أتكينز الذين يؤكدون أن الأسئلة ذات المعنى هي تلك التي يمكن أن يجيب عليها العلم وحسب، وأن أسئلة «لماذا» لا معنى لها (اعتقاد يعرف باسم العلموية). ويقول إليس:

«هذه الأسئلة لا معنى لها لأولئك الذين تكون خبرتهم في العالم محدودة نوعًا ما أو لأولئك الذين لديهم تقدير مبالغ فيه للغاية لتأثيرات ونطاق النماذج العلمية المبسطة للغاية التي نتمكن من خلالها من التقاط بعض الجوانب المحددة من الطبيعة المعقدة للواقع.»

هذا الرأي يشاركه جون بولكينهورن، عالم الفيزياء النظرية وكاهن مسيحي معين:

«يمكن للناس استخدام العلموية كبديل للدين، ولكن يبدو لي أنه نهج غير ملائم وغير مرضٍ لما نختبره من تجربة ثرية للواقع»

يقول بولكينهورن إنه يحتاج إلى رؤى العلم والدين لفهم العالم من حوله، ويؤكد كيف أن الله أكثر من مجرد إله كوني.

«كمسيحي، أؤمن بإله شخصي هو إله وأب ربنا يسوع المسيح.»

مثل بولكينهورن يرى ستانارد أن الله شخصية أكثر من كونه قوة جامدة. إنه يعتقد أن هناك تشابهًا وثيقًا بين ثنائية الموجة والجسيم لميكانيكا الكم وثنائية الله والإنسان ليسوع المسيح. فيشرح قائلًا:

«قال نيلز بور إنه يتعين علينا التوقف عن التساؤل عن ماهية الإلكترون. لا يمكننا التحدث إلا عما يحدث عندما نتفاعل مع إلكترون. هذا القيد الأساسي للغة يعيق الطريق أيضًا عندما نحاول وصف الله، فيمكنني أن أصف تفاعلاتي مع الله، ولكن تظهر المفارقات إذا حاولت تجاوز هذه التفاعلات.»

يقر ستانارد بأنه لا يوجد دليل واحد على وجود الله. ويقول إن إيمانه مبني على «النظر إلى الحياة وكل جوانبها ثم التساؤل عن وجود الله». يقول إن أقوى أساس لإيمانه هو التجربة الشخصية، ولا سيما إجابة الدعاء. ثم هناك الحجج الكونية التي نوقشت بالفعل.

«أنا أؤمن بالله لنفس السبب الذي يؤمن له الفيزيائيون بالانفجار العظيم. نظرية الانفجار العظيم اقتصادية لأنها تشرح عدة ملاحظات مستقلة. كذلك اﻷمر مع الله.»

إسحق نيوتن يقدر الكون، كما صوره ويليام بليك (Blake Archive)

حوار بين العلم والدين

يميل الفيزيائيون إلى أن يكونوا أكثر تدينًا من علماء الأحياء، حيث صنف 95٪ من علماء الاحياء أنفسهم على أنهم ملحدون أو لا أدريون عند سؤالهم من قبل الأكاديمية الوطنية للعلوم.

يقول لويس وولبرت عالم الأحياء بجامعة لندن:

«يعتقد عالم الأحياء الحديث حقًا أننا إذا نزلنا إلى مستوى الحمض النووي، فإننا نفهم الأشياء. أما إذا كنت فيزيائيًا في عالم ميكانيكا الكم والانفجار العظيم، فمن الغريب والمضحك أن يختفي لديك مفهوم الفهم تقريبًا.»

أما بول ديفيز، عالم الفيزياء النظرية والكاتب في مجال تبسيط العلوم، فلا يؤمن بالله كشخص، وإنما كمبدأ خارج حدود الزمان. وقد حاز على جائز تمبلتون لتحقيق التقدم في المجال الديني عن عمله على النموذج الكوني القائم على فكرة الإله. وقد علق عند استلامه للجائزة قائلا:

«التأويل الذي أقترحه عن الطبيعة هو نموذج بعيد تماما عن الرؤية الدينية التقليدية التي تضع فصيلة الإنسان العاقل (Homo Sapiens) على قمة تاج الخلق، تحت عين الخالق الحارسة. ولكنه يتحدى أولئك الذين يعتقدون أن الحياة البشرية في نهاية المطاف لا طائل من ورائها لأننا نعيش في عالم لا معنى له.»

ويؤكد ديفيز أن العلم نفسه تأسس على فعل إيماني؛ الافتراض بأن الكون مفهوم:

«العديد من العلماء راضون بقبول النظام في الطبيعة كحزمة من الأعاجيب التي تصادف وجودها، لكني أجد صعوبة في قبول أن شيئًا ذكيًا للغاية كهذا موجود بدون هدف أعمق.»

ميدالية جائزة تمبلتون (Templetonprize)

تم إنشاء جائزة تمبلتون، التي تبلغ قيمتها الآن 750 ألف جنيه إسترليني، لتحفيز المتعلمين لينتبهوا للدين. وهي تُمنح كل عام للفرد الذي -من وجهة نظر المؤسسة- ساعد في تعزيز فهم العالم لله و/أو الروحانية. إنها جزء من حوار متزايد بين العلم والدين، شهد في السنوات القليلة الماضية ظهور العديد من المؤتمرات والدورات والمحاضرات، لا سيما في الولايات المتحدة. والمزيد والمزيد من العلماء يعبرون الآن عن آرائهم الدينية علنًا. وقبل ثلاث سنوات أخبر البابا يوحنا بولس الثاني العالم باحترامه للعلم. واعترف بأن التطور كان «أكثر من مجرد فرضية» بعد أن كان قد برأ جاليليو في وقت سابق.

يأمل راسل ستانارد أن يستمر الحوار البناء بين معسكري العلم والدين، ويشير إلى تغيير جذري مؤخرًا في موقف العلماء ناتج عن جمهور أكثر تشككًا. يدرك العلماء أنهم بحاجة إلى مزيد من التعاون مع أعضاء آخرين في المجتمع، بما في ذلك أفراد المجتمع الديني. كما أصبح الحديث عن العلم والدين محترمًا.

وبالطبع لا يتشارك الجميع هذه الرؤية. فيقول ستيفن واينبيرج من جامعة تكساس الذي تشارك في جائزة نوبل عام 1979 عن عمله على نظرية موحدة للقوتين الكهرومغناطيسية والنووية الضعيفة:

«أنا أؤيد الحوار بين العلم والدين، لكن لا أريده حوارًا بناءً. فأحد الإنجازات العظيمة للعلم، إن لم يكن جعل التدين مستحيلًا على الأذكياء، فهو على اﻷقل جعل عدم التدين ممكنًا، ولا يجب التراجع عن هذا الإنجاز.»

في المقابل ، يشير ستانارد إلى الروح المتغيرة لواحدة من أقدم المنظمات العلمية في العالم، وهي الجمعية الملكية في لندن.

«في الأيام الأولى للجمعية الملكية، قال روبرت هوك إن الجمعية يجب أن تتعامل مع العلم فقط، ولا ينبغي أن تهتم بالمسائل الفلسفية أو الدينية. أما الآن فقد تغيرت الأمور.»

يقر ستانارد، الذي ألقى خطابًا إلى الجمعية بعنوان «علم الكونيات: مساحة لخالق؟» ، بأن عضوًا أو اثنين صُدموا بسبب التغير الطارئ على الجمعية، لكنه يضيف أن:

«قبل عشرين عامًا، كان من المستحيل أن يلقي أحد مثل هذا الخطاب.»

النقاش في المستقبل

في الوقت الذي توجد فيه العديد من المشكلات التي لم يتم حلها في الفيزياء، والكثير من المعاناة وعدم المساواة في العالم، فإن تأملات العلماء حول وجود الله أو عدم وجوده قد تبدو كمناقشات أكاديمية بحتة. ومع ذلك فإن مثل هذه المناقشات لها تاريخ طويل ومن المرجح أن تستمر في المستقبل. ومثلما تكون حجج علماء الدين بشكل عام أعمق وأكثر دقة مما يرى فيها غير المؤمنين، فإن علماء الفيزياء الذين يعملون على نظرية كل شيء ليسوا متعجرفين كما يتم اتهامهم في كثير من الأحيان.

وغالبًا ما يتم انتقاد ستيفن هوكينج بسبب مساواته لنظرية كاملة في الفيزياء بمعرفة عقل الله في كتابه الأكثر مبيعًا «تاريخ موجز للزمن». لكن هوكينج لم يدع ذلك. فما قاله في الواقع هو:

«إذا اكتشفنا نظرية كل شيء… فسنكون جميعًا؛ فلاسفة وعلماء وعوام، قادرين على مناقشة مسألة  السبب في وجودنا ووجود الكون. إذا وجدنا الإجابة على ذلك، فسيكون هذا هو الانتصار النهائي للعقل البشري، حيث سنعرف حينها عقل الله.»

وعلى الرغم من أن هوكينغ اختار إنهاء كتابه بهذه الفقرة فإن النقاش بالتأكيد لم ينته بعد.

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي