كيمياء الأحاسيس:الجوع والألم والحكة

peptide-immune-supplement

دائمًا ما تشعر بأحاسيس مختلفة، على سبيل المثال: عندما لا تأكل لفترة طويلة تشعر بالجوع، وعندما تصطدم بشيء تشعر بالألم، وعندما تتعرض لقرصة بعوضة تشعر بالحكّة. فما تفسير كل تلك الأحاسيس وما علاقتها بالكيمياء؟

الجوع(1)

إن الحاجة إلى إيجاد وقود لتوليد الطاقة هي غريزة عميقة داخل بيولوجيا جميع الكائنات الحية، فنحن جميعًا بحاجة إلى الغذاء من أجل البقاء. لذلك ليس من الغريب أن أجسامنا لديها مثل هذا النظام المعقد للتحكم في تناول الطعام، مدفوعًا بالهرمونات.

يتم التنسيق لتنظيم تناول الطعام مع تحت المهاد (hypothalamus)، الذي يقع تحت خط الوسط في الدماغ، خلف العينين.

شكل توضيحى لموقع تحت المهاد داخل الدماغ. (المصدر: shutterstuck.com)

داخل منطقة ما تحت المهاد توجد خلايا عصبية، عند تنشيطها تُنتِج الإحساس بالجوع عن طريق إنتاج بروتينين يسببان الجوع: الببتيد العصبي Y (NPY) والببتيد المرتبط بالأغوتي (AgRP).

على النقيض، توجد مجموعة أخرى من هذه الخلايا العصبية والتي تمنع الجوع بقوة، من خلال إنتاج بروتينين مختلفين يمنعان الجوع: المستنسخ المنتظم للكوكايين والأمفيتامين (CART) وهرمون محفز للخلايا الصباغية (αMSH).

تبدأ هاتان المجموعتان من الخلايا العصبية بإرسال إشارات الجوع إلى مناطق أخرى من منطقة ما تحت المهاد. لذا، سواء كنت تشعر بأنك تميل إلى تناول الطعام أم لا، فهذا يعتمد على توازن النشاط بين هاتين المجموعتين من الخلايا العصبية.

ولكن ما الذي يحدد هيمنة أي من المجموعتين في أى وقت؟

يتم التحكم في النشاط بشكل رئيسي عن طريق الهرمونات التي تسير في الدم. تأتي هذه الهرمونات من أنسجة في أجزاء مختلفة من الجسم، حيث تتعامل مع تناول الطاقة وتخزينها، بما في ذلك الأمعاء (التي تستقبل الطعام وتهضمه)، والدهون (التي تخزن الطاقة) والبنكرياس (الذي ينتج الهرمونات التي تشارك في تخزين الطاقة، مثل الأنسولين).

دعونا نلقي نظرة فاحصة على كيفية عمل كل من هذه الهرمونات في الدورة الدموية.

يتم إنتاج الغريلين (Ghrelin) في المعدة، حيث يحفز الجوع عن طريق دخول الدماغ والعمل على الخلايا العصبية في منطقة ما تحت المهاد لزيادة نشاط الخلايا العصبية المسببة للجوع وتقليل نشاط الخلايا المثبطة للجوع. مع تفريغ المعدة، يزداد إفراز الجريلين وبمجرد أن تمتلئ المعدة، يقل إفرازه.

تم إكتشاف الببتيد شبيه الأنسولين 5 (ILP-5) لتحفيز الجوع في عام 2014. وهو ثاني هرمون متداول، له هذا التأثير ويتم إنتاجه بشكل رئيسي في القولون. لكن ما زلنا لا نعرف دورها الفسيولوجي.

يتم إنتاج هرمون كوليسيستوكينين (CCK) في الأمعاء الدقيقة العليا إستجابةً للطعام ويعطي الشعور بالامتلاء. يتم تحريره بعد وقت قصير من وصول الطعام إلى الأمعاء الدقيقة. كما وجد الباحثون من خلال التجارب المعملية أن CCK يمكن أن يمنع الفأر من تناول الطعام بمجرد حقنه في الدماغ.

هرمونات الببتيد YY ،والببتيد شبيه الجلوكاجون 1 (GLP-1) وأوكسينتومودولين (oxyntomodulin) ويوروجوانيلين (uroguanilin) تُنتج كلها من الجزء الأخير من الأمعاء الدقيقة وتجعلنا نشعر بالشبع. يتم إطلاق سراحهم استجابةً للطعام في الأمعاء.

اللبتين(leptin) هو أقوى هرمون لقمع الشهية ويتم صناعته في الخلايا الدهنية. تم اكتشافه عام 1994. وكلما زاد عدد الخلايا الدهنية لدينا، زاد إنتاج الجسم من اللبتين.

يُصنع الأميلين (Amylin) والأنسولين وعديد ببتيد البنكرياس في البنكرياس، حيث أظهرت الدراسات في الولايات المتحدة أنه عندما يدخل الأنسولين إلى الدماغ فإنه يمنع الجوع، ويخبر الدماغ “يوجد طاقة كافية في الجسم، خذ قسطًا من الراحة”.

يتم تصنيع الأميلين، الذي تم اكتشافه عام 1981، في نفس الخلايا التي تصنع الأنسولين (خلايا بيتا). وقد ثبُت أنها تمنع تناول الطعام.

الدور الدقيق لبولي ببتيد البنكرياس غير معروف حتى الآن، ولكن هناك أدلة على أنه يمنع الجوع.

يتلقى تحت المهاد أيضًا إشارات من مسارات المتعة التي تستخدم الدوبامين (dopamine) والكانابينويدات الداخلية (endocannabinoids) والسيروتونين (serotonin) كمرسلين، مما يؤثر على سلوك الأكل.

بمجرد امتلاء المعدة، تقل الرغبة في تناول الطعام عن طريق خفض إنتاج الغريلين وإرسال رسالة إلى ما تحت المهاد. تصل مستويات الغريلين إلى مستوى منخفض بعد 30 إلى 60 دقيقة من تناول الطعام.

كما أن مستويات الهرمونات التي تجعلنا نشعر بالشبع (مثل: CCK وGLP-1 والببتيد YY والأميلين والأنسولين) كلها تزداد بعد الوجبة لتصل إلى الذروة بعد حوالي 30 إلى 60 دقيقة.

ثم تعود جميع الهرمونات تدريجيًّا إلى مستويات الصيام بعد ثلاث إلى أربع ساعات من تناول الوجبة.

شكل توضيحى للهرمونات التى تؤثر على الشعور بالجوع ومراكز إنتاجها داخل جسم الإنسان. (المصدر: shutterstock.com)

الألم(2)

مستقبلات الألم، الموجودة في الجلد والأنسجة الأخرى، هي ألياف عصبية ذات نهايات يمكن أن تثيرها ثلاثة أنواع من المحفزات وهى: الميكانيكية والحرارية والكيميائية؛ حيث تستجيب بعض النهايات في المقام الأول إلى نوع واحد من التحفيز، في حين أن النهايات الأخرى يمكنها اكتشاف جميع الأنواع.

تشمل المواد الكيميائية التي ينتجها الجسم والتي تثير مستقبلات الألم البراديكينين (bradykinin) وسيروتونين وهيستامين (histamine). وهناك البروستاجلاندينات (Prostaglandins) وهي أحماض دهنية يتم إطلاقها عند حدوث الاتهاب ويمكن أن تزيد من الشعور بالألم عن طريق تحسس النهايات العصبية، هذه الزيادة في الحساسية تسمى فرط التألم (hyperalgesia).

تتوسط التجربة المزدوجة للألم الحاد نوعين من الألياف العصبية الأولية التي تنقل النبضات الكهربائية من الأنسجة إلى النخاع الشوكي عبر المسالك العصبية الصاعدة. ألياف دلتا A هي الأكبر والأكثر سرعة في توصيل هذين النوعين، بسبب غلاف الميلين الرقيق، وبالتالي، فهي مرتبطة بالألم الحاد الموضعي الذي يحدث لأول مرة. يتم تنشيط ألياف دلتا عن طريق المحفزات الميكانيكية والحرارية. تستجيب ألياف C الأصغر حجمًا والغير الملموسة للمنبهات الكيميائية والميكانيكية والحرارية وترتبط بالإحساس الطويل الأمد الذى يتبع أول إحساس سريع بالألم.

الحكّة(3)

تُنتنج الحكّة من تحفيز النهايات العصبية الحرة، عادة عند تقاطع الأَدَمَة وبشرة الجلد، مما يثير الرغبة في الحك. وقد اُقترح أن الحكّة هي إحساس أقل من الألم؛ ومع ذلك، على الرغم من أن أحاسيس الحكّة والألم تشترك في مسارات الأعصاب الشائعة، إلا أنها تعتبر -عمومًا- أنواعًا حسية مميزة. تثير الحكّة مجموعة من الأحاسيس، من دغدغة يمكن التخلص منها بسهولة إلى الحكّة المرضية والتي تشير بشكل عام إلى مرض جلدي أو مرضي.

يعتبر إطلاق الهيستامين من الخلايا في البشرة هو ما يؤدي إلى الإحساس بالحكة. يمكن للخدش أن يخفف الحكّة مؤقتًا عن طريق قطع إيقاع النبضات العصبية أو إلحاق ضرر عابر بالأعصاب. يؤدي الخدش المستمر إلى احمرار وتقشر الجلد.

تشير الحكّة المصاحبة للآفات الجلدية بشكل عام إلى مرض جلدي. يمكن أن تحدث الحكّة العامة دون آفات جلدية في الأمراض الجهازية مثل تلك التي تحدث في حالات التمثيل الغذائي والغدد الصماء، والسرطانات الخبيثة، وردود الفعل الدوائية، وأمراض الكلى والدم والكبد. غالبًا ما يسبب الجفاف المفرط للجلد الناتج عن الحمل أو الشيخوخة أو الطقس حكّة. لا يُنظر إلى السبب النفسي للحكة إلا بعد استبعاد جميع الاحتمالات الأخرى بشكل كافٍ.

 

المصادر:

  1. Proietto J. Chemical messengers: how hormones make us feel hungry and full [Internet]. The Conversation. [cited 2020 May 23]. Available from: http://theconversation.com/chemical-messengers-how-hormones-make-us-feel-hungry-and-full-35545
  2. Pain – Physiology of pain [Internet]. Encyclopedia Britannica. [cited 2020 May 23]. Available from: https://www.britannica.com/science/pain
  3. Itching | physiology [Internet]. Encyclopedia Britannica. [cited 2020 May 23]. Available from: https://www.britannica.com/science/itching
شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي