بعد فترةٍ من زراعة نباتٍ معين في تربة تبدأ جودة وإنتاجية النباتات بتدهورٍ تدريجيّ، وذلك بسبب استهلاك العناصر الغذائيّة الموجودة والمحدودة أيضًا في التربة. فيأتي دور السماد (Fertilizer) كمادة تُضاف إلى التربة لتحسين نمو النباتات، وكوسيلة تغذية مستمرة بالعناصر الأساسيّة. فيصبح السماد جزءًا في كل خلايا النبات، وأيضًا الثمار التي نحصل عليها؛ لذلك من الضروريّ التعرُّف على عناصر السماد، وطريقة تصنيعه، والتأكُّد من سلامته.
مراحل صناعة الأسمدة
لاحظ المزارعون القدماء أن محصول السنة الأولى أفضلُ بكثيرٍ من السنوات اللاحقة على نفس مساحة الأرض المزروعة، واستدلّوا بذلك على أن التربة تقل خصوبتها مع الوقت أو تنعدم تمامًا، فكان أولُ حلٍ مرهقًا، وحرمهم من الاستقرار، وهو الانتقال إلى أراضٍ جديدة لم تُزرَع من قبل للاستفادة من العناصر الموجودة بالتربة الجديدة، وحين تُستهلك هذه العناصر في نمو النباتات، وتُنتزَع بشكلٍ كبير من التربة ينتقلون إلى منطقةٍ جديدة. مع مرور الوقت اكتُشِف أن السماد الحيوانيّ يمكنه تحسين جودة التربة؛ حيث يوفر لها ما يلزم من عناصرٍ لنمو النبات.
أصبح السماد جزءًا أساسيًا في عملية الزراعة، لذلك تطوير السماد هو أيضًا تطويرٌ وحفاظٌ على حرفة الزراعة. استخدم القدماء المصريون الرماد الناتج من حرق الأعشاب في تحسين قدرة التربة. وأيضًا ذُكِر في الكتابات اليونانيّة والرومانيّة أنه تم استخدام الروث الحيوانيّ على حسب نوع التربة والنبات. وبدأ تسجيل ملاحظات تقنية أكثر في الزراعة، والنظر في متطلبات الأنواع المختلفة من النبات، وأهمية زراعة نبات قبل الآخر بالنسبة لتربة معينة. ونجد ذلك في وعيهم بأهمية زراعة النباتات البقولية قبل القمح لتحقيق إفادةٍ أكثر للتربة، وإمدادها بالتغذية المناسبة لنمو القمح.
في أوائل القرن السابع عشر بدأت تخضع الأسمدة لنظم الأبحاث العلمية. حيث قام العالمان (فرانسيس باكون- Francis Bacon) و( يوهان جلاوبر-Johann Glauber) برصد النتائج العائدة على التربة من إضافة الأملاح (نترات البوتاسيوم). ومن ثم صُنِعَ أول سماد معدنيّ كامل على يد جلاوبر المكوَّن من خليطٍ من نترات البوتاسيوم مع الجير، وحمض الفوسفوريك، والنتيروجين وأكسد البوتاسيوم. بدأتْ صناعة الأسمدة الكيماويّة عندما وَضَعَ السير جون( Sir John Lawes ) طريقة لإنتاج الفوسفات في شكل سمادٍ فعال والتي نالتْ براءة اختراعٍ نتيجةً لتطبيقاتها الفعَّالة. شهدث هذه الصناعة توسعًا ملحوظًا بعد الحرب العالميّة الأولى، وذلك بعد أن تم توجيه المُنشآت التي أنتجتْ الأمونيا والنترات الاصطناعيّة للمتفجرات إلى إنتاج الأسمدة القائمة على النتيروجين.
المكونات الكيميائيّة في الأسمدة
تعتمد تركيبة الأسمدة على أسمدة أوليّة، والتي تُمثّل العناصر الأساسيّة في غذاء النبات بالإضافة إلى الأسمدة الثانويّة، والتي تُحسّن من نمو النبات.
الأسمدة الأوليّة
- النيتروجين: يقوم بتخليق البروتينات، والأحماض النوويّة والهرمونات. لذلك فإنه طبيعيٌّ عندما تعاني النباتات من نقصٍ في النيتروجين، يَظهر انخفاضٌ في النمو واصفرارٌ في الأوراق. ويُعالَج ذلك بإمداد النبات بسماد النتيروجين المصنوع من الأمونيا؛ حيث إنها المصدر الأساسيّ لإنتاج النتيروجين مع وجود الغاز الطبيعيّ أو الهواء أثناء عملية الإنتاج.
- الفوسفور: العنصر المسئول عن الأحماض النووية والفوسفوريّة، والعديد من البروتينات. وأيضًا يُساهم في توفير الطاقة للنبات من خلال مساعدته في إتمام العمليات الأيضية. يتم إنتاجه في شكل سماد بعد استخلاصه من صخور الكبريت، والفحم، وصخور الفوسفات.
- البوتاسيوم: يستخدمه النبات في تخليق البروتين، وعمليات نباتيّة رئيسيّة أخرى. وعند ظهور اصفرارٍ، وضعف السيقان والجذور والأنسجة وتساقط الأوراق؛ تلك علاماتٌ تدل على نقص كمية البوتاسيوم، والتي يتم تعويضها بإنتاجه من كلوريد البوتاسيوم الذي يُعد مصدره الأساسيّ.
الأسمدة الثانويّة
يحتاج النبات إلى هذه المكونات بكميات ضئيلة وبنسب مختلفة، وتُحدَّد نسبتها على حسب نقص مستوى المكوّن في التربة. فنجد أن الكالسيوم والماغنسيوم والكبريت يتم تضمينهم في الأسمدة بكميات صغيرة، لأن التربة تحتوى على ما يكفي من هذه المكونات بشكل طبيعيّ. ولكي تتم التفاعلات الإنزيميّة بفعالية في النباتات فإنها بحاجة إلى عناصر مُغذيّة، مثل الحديد والمنجنيز والزنك والبورون. وبرغم أنها تُوجَد في الأسمدة بكميات صغيرة، فهي لا تقل أهميةً عن المكونات المسئولة عن النمو، فبدونها يموت النبات.
تصنيع الأسمدة
يُعرَف في صناعة الأسمدة أن آليات الإنتاج مختلفة في المصانع، فهي مُصمَّمة بشكل كامل اعتمادًا على التكوين النهائيّ للمُنتَج.
إنتاج السماد النيتروجينيّ
تُعد الأمونيا هي مصدر النيتروجين وبالتالي هي أحد أهم مكونات الأسمدة النيتروجينية. وبدلًا من تصنيعها من مواد خام باهظة الثمن، تم تطوير عملية إنتاج الأمونيا من الهواء الجوي. تبدأ العملية بضخ الغاز الطبيعي والبخار في وعاء كبير، ثم يتم ضخ الهواء الجوي في النظام، وتبدأ خطوة إزالة الغازات فيتم إزالة الأكسجين، ويليه ثاني أكسيد الكربون، ليتبقى النيتروجين والهيدروجين. وبإدخال تيار كهربي في النظام يتم تخليق الأمونيا، وتُستخدَم مُحفزات مثل المجنتيت (Fe3O4) لتحسين إنتاج الأمونيا.
تُستخدم الأمونيا نفسها كسماد أو تُخلط مع مركبات أخرى لتوفير سهولة استخدامها. حيث يتم وضع الأمونيا والهواء في خزان مع وجود محفز، فتتحول الأمونيا إلى أكسيد النيتريك الذي يتفاعل مع وجود الماء لإنتاج الشكل النهائيّ وهو حمض النيتريك.
إنتاج السماد الفوسفوريّ
يتم استخلاص الفوسفور من صخور الفوسفات عن طريق معالجته بحمض الكبريتيك للحصول على حمض الفوسفوريك. بعض هذه المواد تتفاعل مع حمض الكبريتيك وحمض النيتريك، لينتج عنها سوبر فوسفات ثلاثي الذي يُعتبر مصدرًا قويًا للفسفور الصلب. هناك شكل جيد آخر لسماد الفوسفور ينتج في صورة فوسفات الأمونيوم. ويتم ذلك بتفاعل حمض الفوسفوريك مع الأمونيا في وعاء منفصل.
إنتاج سماد البوتاسيوم
يُوجد كلوريد البوتاسيوم في أشكال كتل ضخمة. لذلك تقوم الشركات المصنعة بتحويله إلى شكلٍ أكثر قابلية للاستخدام، وبذلك يتم تجهيزه للخلط مع المواد الأخرى في الخطوات التالية.
عملية دمج المكونات
الغرض من هذه الخطوة هو تحويل المركبات المختلفة المشار إليها في عملية التصنيع إلى شكل قابل للاستخدام والنشر على امتداد التربة. وتشمل إحدى طرق التحبيب وضع المواد الصلبة في أسطوانة دوّارة ذات محورٍ مائل، وأثناء عمل الأسطوانة يتم تقطيع السماد إلى أشكال كروية صغيرة. تختلف تلك الأشكال في حجمها، لذلك تمر عبر شبكة تقوم بغربلة الحبيبات، وفصل الأحجام عن بعضها. بعد ذلك يتم تطبيق طلاء خامل بطبقة خفيفة على الحبوب، وبتلك الخطوة يتم الحفاظ على الحبوب منفصلة عن بعضها، ومنع احتباس رطوبة بداخلها.
اختبارات تضمن جودة السماد
تقوم صناعة أي منتج وفقًا لمعايير واضحة تتحكم في نسبة المكونات، وشكل عملية التصنيع، ولضمان تحقيق المعايير المطلوبة يقوم المصنعون بمراقبة المنتج في كل مرحلة من مراحل الإنتاج، كما يتم إجراء اختبارات فيزيائيّة وكيميائيّة تؤكد أنها تفي بالمواصفات المرغوبة، حيث يتم اختبار الرقم الهيدروجيني، والكثافة ودرجة الانصهار، ولأن إنتاج الأسمدة يخضع لتنظيمٍ حكوميّ يتم إجراء اختبار لتحديد إجمالي محتوى النيتروجين، ومحتوى الفوسفات وعناصر أخرى.
ترجمة: هاجر عبدالعزيز
تَدقيقٌ لُغَوِيّ: محمود خليفة
مراجعة علميّة: أزناي ياسين
تحرير: هدير جابر