كيمياء الصناعات: صناعة العطور

صناعة-العطور
صناعة العطور|

كثيراً ما ترتبط ذاكرتنا بكل ماهو مفضل لدينا. تعد روائح الأطعمة والأشخاص وحتى الأماكن عامل جذب قويّ. لدرجة أنّ فندق ويستن قد استخدم رائحة الشاي الأبيض المميزة في بهو الفندق كشعار له، على أمل أن يتذكره الزائرون في كل مرة يصادفون فيها نفس الرائحة.

نالت صناعة العطور اهتماماً واسعاً على مر السنين. نتعرف أكثر في هذا المقال على صناعة العطور، عبر الإجابة على الأسئلة التالية: من أين تنبع تلك الروائح؟ كيف صممت العطور لتصنع هذا التأثير؟ ولم قد تختلف رائحة العطر تدريجياً مع الوقت؟

تاريخ صناعة العطور

العطور مثل كل الصناعات تبدأ في نطاق ضيق وبإمكانيات بدائية وبتطبيقات محدودة، ثم تأخذ في التطور الصناعي والتقني حتى تصل إلى الشكل الذي نراه الآن. من الجدير بالذكر أن المصريين القدماء هم أول من استخدم العطور، فقد قاموا باستخدام الروائح في كل شيء يمثل لهم أهمية في الحياة. فعلى سبيل المثال، استخدمت روائح كالبخور المصنوع من المرمر والقرفة في الاحتفالات الدينية وفي مراسم الدفن، لإعطاء روائح للآلهة. وعلى الجانب التجميلي كانت المرأة تتزين بالزنبق للدلالة على وضعها الاجتماعي.

ظهرت صناعة العطور فيما بعد في بلاد ما بين النهرين، ثم عرفها الإغريق واليونان كذلك. مؤخراً اكتشف علماء الآثار مصنعاً للعطور في قبرص، والذي بدا كمصنع متخصص في إنتاج بعض الروائح مثل الخوزامي وإكليل الجبل والكزبرة. وفي العصر الحديث تصدرت باريس إنتاج العطور على المستوى التجاري. كما ظهرت في إنجلترا أولى المبادرات لاستخدام المواد الكيميائية الصناعية كبديل عن المواد الطبيعية (رائحة اللوز).

التركيب الكيميائي للعطر

  • الزيت العطري/ العطر: ينقسم الزيت العطري إلى زيت طبيعي وزيت مصنع. إذ يتم استخلاص الزيت العطري الطبيعي من الزهور والأعشاب والتوابل والأخشاب وبعض النباتات مثل نبات الزنبق، لكن في الواقع يوجد حوالي 2000 نبات زهري فقط يحتوى على زيت عطري، لذلك تستخدم المواد الكيميائية الصناعية للحصول على رائحة غير زيتية و مماثلة للطبيعية، بل للحصول أيضاً على روائح مبتكرة مختلفة تماماً عن الروائح الطبيعية.
  • الكحول والماء: يعد الكحول الايثيلي الأكثر استخدماً في صناعة العطور، وذلك لقدرته المتميزة على مساعدة العطر في الانتشار في الهواء، كما يستخدم أيضاً الماء المقطر لنفس الغرض. وبناءً على درجة التخفيف بالكحول والماء تتغير قوة العطر.
  • مثبتات العطور: تؤخد المثبتات من الحيوانات والطحالب وقطران الفحم لتمكّن العطور من الانتشار ببطء والمحافظة على ثباتها لأطول مدة ممكنة.

تحضير الزيوت العطرية

يتم تحضير المواد الكيميائية العطرية المستخدمة في تلك الصناعية في المعمل من قبل الكيميائيين. أما الزيوت العطرية الطبيعية فتأخذ المسار التالي: قبل بدء التصنيع يتم جمع العديد من الزهور من أماكنها من جميع أنحاء العالم في مركز التصنيع ثم يتم انتقاؤها على حسب نوع العطر. تستخدم الطرق التالية في استخلاص الزيت العطري من النبات:

  • (العصر-Expression): من أقدم الطرق المستخدمة، حيث يتم من خلالها الحصول على زيوت الحمضيات المتركزة في منطقة القشرة وذلك بالضغط الميكانيكي أو اليدوي.
  • (التقطير بالبخار-steam distillation): هناك العديد من طرق التقطير بالبخار، وفي أكثر الطرق شيوعاً توضع الأجزاء النباتية مع الماء، وبعد تسخين الخليط يرتفع بخار الماء المحمل بالزيت العطري للنبات، وعند مرور بخار الماء المحمل بالزيت العطري عبر أنابيب المبردة باستمرار، يعود البخار للتكاثف مرة أخرى ليتم فصل الزيت العطري عن الماء.

بعد الحصول على الزيوت العطرية من الطرق السابقة. تصبح الزيوت جاهزة للخلط مع بعضها وفقاً لنسب محددة من قبل رواد مجال صناعة العطور، وتعرف كل نسبة باسم معين وهي تمثل رائحة بعينها. تحضير رائحة يتضمن ما يصل إلى 800 مكون مختلف ويأخذ العديد من السنوات.

نسبة الكحول تحول العطر إلى الكلونيا

بعد تكوين الرائحة أي الشكل النهائي للعطر، تبدأ مرحلة الخلط مع الكحول وهي أحد أهم الخطوات الفنية في صناعة العطور. يحتوي العطر 10-20 % زيوت عطرية مذابة في الكحولات مع نسبة ضئيلة من الماء، بينما تحتوى الكلونيا على 3-5% من الزيت العطري مذاباً في الكحول بنسبة 80-90 % بالإضافة لحوالي 10 % ماء. وعندما تكون نسبة الزيت أقل من 2 % يسمى الناتج بماء التواليت، بينما تتواجد الكحولات بنسبة 60-80 % و تصل نسبة الماء إلى 20 % .

لماذا يخفف العطر بالكحول؟ يحتوى العطر على مزيج من الروائح، وتعمل الكحولات على انتشارها، وبالتالي نتمكن من تمييز الروائح. كما إن لظهور الروائح قواعد تحدد أيّ من الروائح تسبق غيرها في الظهور.

تغير نسبة الكحول والماء يعطي ثلاثة منتجات مختلفة في الجودة والسعر

الروائح المكونة للعطور

تصنف روائح العطور اعتماداً على حاسة الشم إلى ثلاثة أجزاء رئيسية: الرائحة الواضحة والرائحة الوسطى والرائحة الأساسية، ولكل منهم مكونات تؤثر في رائحة العطر بطريقة معينة وأيضاً في تحديد جاذبية العطر.

الرائحة الواضحة: والتي تصل إلى حواسنا أولاً، لكنها تتلاشى بسرعة. تتكون من روائح مأخوذة من الفواكه الخفيفة والحمضيات مثل الليمون وأعشاب عطرية مثل اللافندر والنعناع. تعد هذه الملاحظة ضرورية للغاية لأنها أول ملاحظة تتبخر فتعطي الانطباع الأول، وكما نعرف إنّ الانطباعات الأولى غالباً ما تكون الأكثر أهمية.

الرائحة الوسطى: تعرف باسم “الجوهر”، وهي منطقة الروائح المركزية والروائح التي تدوم فترة طويلة حيث أنها صممت لتعطي تأثيراً قوياً ينتج من مزيج جذاب من خصائص الفاكهة والأزهار.

الرائحة الأساسية: تربط هذه الملاحظة مع قلب العطر لتعطي رائحة غنية وانطباعاً طويل الأجل قد تظل على الجلد بعد ساعات من زوالها. ومن ضمن المكونات الأساسية لها رائحة الفانيليا والعنبر.

تأثير العوامل المحيطة على جودة العطر

هناك بعض العوامل الخارجية التي تتفاعل مع العطور وتسبب في الأغلب نتائج غير مرغوبة. تملك الطاقة الضوئية القدرة على تكسير الروابط الموجودة بين جزيئات العطر، ولذلك إن تعرض العطور لأشعة الشمس يؤدي إلى إلحاق الضرر بها. كما يمكن للهواء أيضاً أكسدة العطور مما يؤدي أيضاً لتغير رائحتها، وهو نفس تأثير الهواء على النبيذ حيث يعمل على تحويله لخل الطعام. ولتجنب ذلك يفضل أن يوضع العطر في مكان مظلم وفي درجة حرارة الغرفة.

المصادر:
المصدر الأول
المصدرالثاني
المصدرالثالث
المصدر الرابع

إعداد: هاجر عبد العزيز
مراجعة علمية: إنجي شمس الدين
تدقيق لغوي: رؤى زيات
تحرير: سامح منصور

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي