أشارت توقعات بنك التنمية الآسيويّ (ADB) للعام 2030، أن دول قارة آسيا ستواجه فجوة في تمويل البنية التحتية الأساسية للمواصلات والنقل التجاري بينها، تقدر هذه الفجوة بحواليّ 26 تريليون دولار أمريكي. وعلى هذه الدول اتخاذ خطوات عاجلة وفورية لمُعالجةِ هذه الفجوة. لذا قامت الدول الآسيوية بطرح العديد من المبادرات الإقليمية التي تهدف إلى تطوير البنيّة التحتيّة الأساسيّة لطرق المواصلات الآسيويّة وطرق النقل التجارية بين دول القارة. ومن هذه المبادرات: مبادرة منظمة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان-ASEAN)، برنامج التعاون الاقتصادي الإقليميّ المركزيّ لآسيا (CAREC)، برنامج التعاون الإقليميّ لمنطقة ميكونج الكبرى (GMS)، التعاون الاقتصاديّ الإقليميّ لجنوب شرق آسيا (SASEC)، مبادرة الحزام والطريق (Belt and Road Initiative-BRI).
في هذا المقال نستعرض كيف ستساهم مبادرة الحزام والطريق في توفير التمويل اللازم لتحسين البنية الأساسية للنقل التجاري بين الدول الآسيوية.
مبادرة الحزام والطريق
أعلن الرئيس الصيني (شي جين بينغ) في عام 2013 عن مبادرة تَهْدِف إلى تطوير البنيّة التحتيّة لطرق النقل التجاري بين دول آسيا، وتعمل على تسريع التكامل الاقتصادي للبلدان الواقعة على طول طريق الحرير التاريخي عرفت باسم «حزام واحد طريق واحد» ((One Belt One Road-OBOR، هدفها إعادة بناء طريق التجارة الصينيّة التاريخي مع دول آسيا الذي عُرِف في القرن الماضي باسم «طريق الحرير أو طريق البخور»، وبقيت هذه المبادرة تعرف بهذا الاسم حتى عام 2016. ولكن في 28 مارس 2015، تم تطوير المبادرة وتم إصدار المخطط الرسمي لمبادرة جديدة عرفت باسم «الحزام والطريق»، أطلقت من قبل اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح ووزارة الخارجية ووزارة التجارة بجمهورية الصين الشعبية، بتفويض من مجلس الدولة. هدف المخطط الإعلان عن برنامج استثماريّ وسياسة طويلة الأجل عابرة للقارات على طول طريق الحرير التاريخي، الذي يربط بين الصين ودول أوروبا عبر آسيا الوسطى، هدفه الأساسي تطوير البنية الأساسية للنقل التجاري البري والبحري للدولة الواقعة عليه.
أهداف مبادرة الحزام والطريق
أشارت الخطوط العريضة الرسميّة للمبادرة إلى أن الهدف الرئيسيّ منها هو «تعزيز الترابط بين قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا والبحار المشتركة بينها، وتأسيس وتقوية الشراكات بين جميع الدول الواقعة على طول الحزام والطريق، وإنشاء شبكات اتصال متعددة المستويات والاتجاهات تدعم تحقيق تنميّة متنوعة ومستقلَّة ومتوازنة ومُستدامة في هذه البلدان».
فهي مبادرة عالمية لأحياء التجارة الخارجيّة بين الدول، وهي أيضًا مبادرة لإعادة بناءِ طريق الحرير التاريخيّ، والتركيز على ربط الأسواق الناشئة لدول آسيا وشرق إفريقيا وأوروبا الشرقية والشرق الأوسط بعضها ببعض، بهدف تنميتها وتقوية الشراكة بينها. تتشارك وتستفيد منها 71 دولة، يُمثل إنتاج هذه الدول مجتمعة أكثر من ثُلْثِ الناتج المحلي الإجماليّ للعالم، ويقطنها ثُلثيّ سكان العالم.
مكونات مبادرة الحزام والطريق
تتكون مبادرة الحزام والطريق من مبادرتين رئيسيتين، هما:
- الحزام الاقتصاديّ البريّ لطريق الحرير، ويتكون من ستةٍِ ممرات تنموية.
- طريق الحرير البحريّ للقرن الحادي والعشرين.
بالإضافة لمُخطط مستقبليّ ثالث هو «طريق الحرير القطبيّ الجديد أو الممر البحريّ الشماليّ (NSR)»، الذي تم إضافته لخارطة العالم كحزامٍ ثالث، بما يعكس توجهات السياسة الصينيّة الرسميّة للاستفادة من القطب الشمالي كممر تجاريّ في المستقبل.
أقسام مبادرة الحزام والطريق
تتكون مبادرة الحزام والطريق من ثلاثة أقسام رئيسية، هي:
- الحزام الاقتصاديّ لطريق الحرير: ويعبر الحزام الاقتصاديّ لطريق الحرير عن رؤية صينيّة طويلة المدى لتطوير البنيّة التحتيّة والترابط والتعاون الاقتصاديّ أورآسيويّ (EUROASIA). ويتكون من ستة ممرات تنموية، وهي:
أ. الممر الاقتصاديّ الجديد للجسر البريّ الأوروبيّ الآسيويّ (NELBEC).
ب. الممر الاقتصاديّ بين الصين ومنغوليا وروسيا (CMREC).
ج. الممر الاقتصاديّ بين الصين وآسيا الوسطى وغرب آسيا (CCWAEC).
د. الممر الاقتصاديّ بين الصين وشبه جزيرة إندوتشينا (CICPEC).
هـ. الممر الاقتصاديّ بين بنغلاديش والصين والهند وميانمار (BCIMEC).
و. الممر الاقتصاديّ بين الصين وباكستان (CPEC).
2- طريق الحرير البحريّ للقرن الحادي والعشرين: ويربط طريق الحرير البحريّ للقرن الحادي والعشرين الصين بجنوب شرق آسيا وإندونيسيا والهند وشبه الجزيرة العربيّة والصومال ومصر وأوروبا، ويمر في بحر الصين الجنوبي ومضيق ملقا والمحيط الهنديّ وخليج البِنغال وبحر العرب والخليج العربيّ ودول الخليج العربيّ والبحر الأحمر.
3- طريق الحرير القطبي: في 26 يناير 2018، أصدر مكتب معلومات مجلس الدولة لجمهورية الصين الشعبيّة كتابًا أبيضًا بعنوان «سياسة الصين في القطب الشماليّ»، تعّهد فيه بالمشاركة بنشاطٍ وفاعليةٍ في شؤون القطب الشماليّ. بما يعكس المُخطط الاستراتيجيّ للصين في القطب الشماليّ وطموحها لتطوير «طريق الحرير القطبي» ضمن إطار «مبادرة الحزام والطريق». وذلك عن طريق إنشاء ممر بحريّ يمر في القطب الشماليّ يصل الصين بروسيا وبحر الشمال.
وتعتبر هذه الأقسام الثلاثة لمبادرة الحزام والطريق مترابطة ومتكاملة، ولا يمكن النظر إلى الحزام الاقتصاديّ لطريق الحرير البري مُنفصلًا عن طريق الحرير البحريّ للقرن الحادي والعشرين أو طريق الحرير القطبيّ، فهي مبادرة واحدة متعددة الأقسام، تتعلق بالتكامل الاستراتيجيّ الكليّ لجميع الدول والمناطق في مبادرة الحزام والطريق.
أولويات التعاون بين الدول المشاركة في مبادرة الحزام والطريق
جوهر مبادرة الحزام والطريق هو تعزيز التعاون الوطنيّ والإقليميّ لجميع الدول المشاركة في المبادرة، تعاون في صياغة الخطط التنموية ومعايير العمل المشترك بين البلدان المشاركة في مبادرة الحزام والطريق. يتضمن تعاون حكومات الدول المشاركة في المبادرة في وضع سياسات اقتصادية كلية متعددة المستويات بما يخدم مصالحهم المشتركة، وتعاون في وضع آليات الاتصال بينهم بما يخدم استفادة جميع الأطراف من المبادرة، وتعاون في دعم سياسات تنفيذ المشاريع المشتركة، مع طرح فكرة تنسيق السياسة النقدية الحكومية للدول المشاركة بما يحقق العدالة في الاستفادة من المبادرة.
إذ حددت مبادرة الحزام والطريق خمس أولويّات للتعاون بين الدول المشاركة هي:
- تنسيق السياسات من خلال تعزيز التعاون الحكوميّ المشترك، واتباع سياسات اقتصاديّة حكوميّة كليّة متعددة المستويات، مع تنسيق آليات الاتصال الاقتصاديّ بين الدول.
- تسهيل الترابط بين الدول المشاركة عبر التخطيط المشترك لتحسين البنية التحتيّة للدول المشاركة وتوحيد المعايير الفنية لنظام النقل التجاريّ.
- إزالة العوائق التجاريّة بين الدول، وتحرير التجارة والاستثمار وتشجيع التكامل الاقتصاديّ الإقليميّ.
- التكامل الماليّ من خلال التنسيق والتعاون في السياسة النقدية، وإنشاء المؤسسات التمويليّة المشتركة.
- زيادة الترابط بين شعوب الدول المشاركة في المبادرة والتركيز على التبادل الثقافيّ والأكاديميّ والحوار والتعاون الإعلامي بينها.
الجهات المسؤولة عن التنسيق للمبادرة
ليس هناك هيئة مؤسسيّة رسميّة محددة مسؤولة عن مبادرة الحزام والطريق، وهناك العديد من القطاعات الحكومية وغير الحكومية المشاركة في تنفذها، فهي تضم العديد من الأطراف المعنيّة وأصحاب المصلحة.
ولكن يعتبر «مكتب مجموعة قيادة تعزيز وتنفيذ مبادرة الحزام والطريق» هو الجهة الرسمية التي تتولى الإشراف والتوجيه والتنسيق لمبادرة الحزام والطريق، وهي هيئة تابعة للجنة الوطنيّة للتنميّة والإصلاح (NDRC). يرأسها نائب رئيس مجلس الدولة التنفيذيّ لمجلس الدولة (هو هان تشنغ)، بالإضافة إلى نائب رئيس مجلس الدولة (هو تشون هوا) كنائب رئيس قيادة المجموعة.
كما تلعب وكالة التعاون والتنمويّة الدوليّة الصينيّة الجديدة (SIDCA) دورًا مهمًا في تنفيذ مبادرة الحزام والطريق. ففي 18 أبريل 2018 تم إسناد مسؤولية تقديم المساعدات الخارجيّة إلى الوكالة وفقًا للمبادئ التوجيهيّة والسياسات الاستراتيجية للصين. ونظرًا لأهمية الموضع فإن الوكالة (SIDCA) مسؤولة أمام مجلس الدولة عن تنفيذ مبادرة الحزام والطريق بما يحقق الهدف الرئيسيّ لهذه الاستراتيجية الصينيّة على المستوى الدولي.
وإلى جانب وكالة التعاون والتنمويّة الدوليّة الصينيّة، هناك العديد من الوكالات الحكومية الصينيّة التي تشارك في صياغة وتنفيذ مبادرة الحزام والطريق، منها: اللجنة الوطنيّة للتنميّة والإصلاح ووزارة التجارة ووزارة الخارجيّة ووزارة الثقافة.
لاستكمال وضع مخطط متكامل لمبادرة الحزام والطريق، شاركت جميع المقاطعات الصينيّة في وضع خطط تنفيذ مبادرة الحزام والطريق خاصة بها، منها خطط الحزام والطريق لمقاطعة هوبي ومقاطعة هينان.
تمويل المبادرة
توفير التمويل اللازم لمبادرة الحزام والطريق ليس بالأمر الهين، لذلك تظافرت جهود العديد من الجهات والمؤسسات على عملية تأمين تمويل لتنفيذ مبادرة الحزام والطريق، ومن هذه الجهات:
- البنوك المسؤولة عن وضع السياسات: ومنها: بنك التنميّة الزراعيّة الصينيّ (ADBC)، وبنك الصين للتنميّة (CDB)، وبنك الصادرات والواردات الصينيّ (CHEXIM).
- البنوك المملوكة للدولة: ومنها البنك الزراعيّ الصينيّ (ABC)، وبنك الصين (BOC)، وبنك الصين للتعمير (CCB)، والبنك الصناعيّ والتجاريّ الصينيّ (ICBC).
- صناديق للدولة: وترك لها حق الاختيار في التمويل حسب رغبتها. ومنها: هيئة الاستثمار الصينيّة (CIC)، وصندوق طريق الحرير (SRF).
- مؤسسات التمويل الدوليّة: وهي هيئات لها حق الاختيار في التمويل، ومنها: بنك التنمية الآسيويّ (ADB)، والبنك الآسيويّ للاستثمار في البنية التحتيّة (AIIB)، وبنك التنميّة الجديد (NDB).
في النهاية يحتاج تنفيذ مشروع مبادرة الحزام والطريق (BRI) بالكامل على أرض الواقع إلى تمويل ماليّ يتراوح بين أربع إلى ثمانيّ تريليونات دولار أمريكي، يتوقع أن يتم توفيرها من خلال العديد من قنوات التمويل، مثل طرح سندات الحزام والطريق (BRI)، واستثمارات من رأس المال الخاص والشراكات بين القطاعين العام والخاص (PPP)، وأيضًا استثمارات من المؤسسات المملوكة للدولة (SOE)، حتى تتحول المبادرة من مجرد أفكار مخططة إلى أمر حقيقي ينفذ على أرض الواقع.