نظرية «التكوين العكسي-Reaction formation» هي عبارة عن تبني سطحي لبعض الأفكار والمبالغة فيها، والتي تكون معاكسة تمامًا لأفكار الشخص وقناعاته، هي النظرية التي تكمن خلف «متلازمة ستوكهولم».
اعتمد الطبيب النفسي «نيلز بيجروت-Nils Bejerot» مصطلح متلازمة ستوكهولم، بعد حادثة السرقة والاختطاف الشهيرة التي حدثت في مدينة ستوكهولم في السويد عام 1973، تبدأ الأحداث في مدينة ستوكهولوم السويدية في بنك من فروع كريدت بانكن، حيث يقوم «جان إيريك أولسون»، سجين سابق، مع صديق زنزانته «كلارك أوفلسون» بالهجوم على هذا البنك بغرض السرقة، وعندما تتبعته الشرطة وشعر بالخطر، قام بإطلاق النار وأصاب أحد رجال الشرطة، وتبع ذلك أخذ رهائن لمدة 6 أيام، من 23 أغسطس إلى 28 أغسطس.
في النهاية قامت الشرطة بحفر ثقب من الشقة بالأعلى وقاموا بإطلاق الغاز، لاحقًا تم القبض على أولسون وأوفلسون بعد أن استسلما، مع خروج جميع الضحايا بدون إصابات خطيرة، لكن الشيء الغريب في الأمر أنه بعد قليل من الوقت في حجرة الاختطاف بدأ الضحايا في تكوين روابط عاطفية مع خاطفيهم، وقد أفصحوا عن خوفهم من رجال الشرطة أكثر من الخاطفين، وحتى بعد إطلاق سراحهم رفض الضحايا الإدلاء بأقوالهم ضد أولسون وأوفلسون وحاولوا تغطية أتعاب الدفاع للخاطفين!
أوفلسون ادعى أنه لم يكن يساعد أولسون لكنه كان يحاول جاهدًا احتواء الموقف وحماية الرهائن، لذا تم تبرئة إدانته من قبل محكمة الاستئناف، إضافة على ذلك فقد أصبح صديقًا لأحد الضحايا «كريستين ايهنمارك»، وتقابلوا في مناسبات عديدة حتى أن عائلاتهم أصبحوا أصدقاء.
قصة أخرى شهيرة من حالات متلازمة ستوكهولم؛ حيث أن وريثة المليونير «باتي هيرست» والتي تم اختطافها يوم 4 فبراير وهي في سن 19عامًا من شقتها في «بيركيلي-كاليفورنيا» من قبل مجموعة من العصابات في المدينة تطلق على نفسها اسم جيش التحرير التكافلي «SLA».
وفي اليوم الثالث من أبريل أعلنت هيرست من خلال شريط مسجل أنها انضمت لصفوف جيش التحرير التكافلي تحت اسم «تانيا»، وفي الخامس عشر من أبريل تم تصويرها وهي تقوم بعملية سرقة بنك في سان فرانسيسكو، وعندما تم القبض عليها أخيرًا، قد أعلنت أنها تعمل مع فريق العصابات هذا، وقد أخبرت محاميها أن يعلن للجميع أنها مازالت تبتسم وتشعر بالحرية والقوة وترسل حبها وتحياتها لأخوتها، بعد حوالي سنتين في السجن، تم تخفيف عقوبتها عن طريق الرئيس «جيمي كارتر» في يناير 2001م، بعد ذلك أصدر الرئيس «بيل كلينتون» عفوًا رئاسيًا تامًا عنها قبل مغادرة منصبه.
خلال معظم تاريخ البشرية في المجتمعات البدائية كانت تحدث عمليات الخطف خصوصًا للنساء والأطفال بشكل شائع، فيبدو أن الاستجابة العاطفية المرتبطة بالخاطف متأصلة في سيكولوجية الإنسان، والتي يمكنها أن تُفسر ما يحدث خلال بعض عمليات الاختطاف، لذلك من المتوقع حدوث رابطة نفسية خلال الاحتجاز، مثل ما حدث مع كريستين اهينمارك، باتي هيرست، وعدد لا يحصى، فهي ليست مجرد طريقة للدفاع عن الأنا، ولكن أيضًا سمة التكيف التي تعزز البقاء في أوقات الحروب والنزاعات.
متلازمة ستوكهولم لا تحدث بالطبع في كل حالات الرهائن تحت الاختطاف أو كل الضحايا في ظروف مسيئة، فمن الممكن أن نرى العكس تمامًا، ففي حادثة أخرى لسرقة بنك، بعد إرهاب الموظفين لعدة ساعات، قامت الشرطة بالاقتحام وأصابت المختطف بالرصاص، بعد أن سقط على الارض، قامت سيدتان بحمل المختطف نحو الشباك وإلقاؤه! وكما سنرى الآن أن طول المدة التى يتعرض فيها الشخص للإساءة أو الضغط وعوامل أخرى تؤثر في ذلك.
في الواقع إن عكس متلازمة ستوكهولم هي «متلازمة ليما»، حيث أن الخاطفين يُبْدُون تعاطفًا تجاه الضحايا، ففي ديسمبر عام 1996م، قامت حركة «توباك أمارو الثورية» بأخذ مئات الأشخاص الذين كانوا يحضرون حفلًا للاحتفال بعيد ميلاد الإمبراطور «أكيهيتو» كرهائن، لكن بعد قليل من الساعات تم إطلاق سراح معظم الرهائن حتى أهم الشخصيات منهم.
متلازمة ستكوهولم لا تقتصر فقط على ضحايا الخطف، ولكن يمكن أن تحدث في العلاقات العاطفية والعلاقات العائلية وما بين الأفراد؛ حيث يكون الشخص المُسيء هو الزوج أو الزوجة أو الحبيب أو الحبيبة، أو الأم أو الأب، أو أي دور آخر يمكن أن يلعب فيه الشخص المسيء دور المتحكم. من المهم أن نفهم مكونات متلازمة ستوكهولم، والتي ترتبط بالعلاقات العاطفية المسيئة أو الاستغلالية، ومن ثم يمكننا فهم لماذا بعض الضحايا يحبون أو يدعمون، أو حتى يدافعون عن الشخص المسيء لهم.
لكل متلازمة أعراض أو سلوكيات معينة مرتبطة بها، وكذلك متلازمة ستوكهولم، لكن غير متفق على أعراضها بشكل قاطع نتيجة لاختلاف آراء الباحثون والخبراء حولها، ومن بعض سمات هذه المتلازمة:
1- المشاعر الإيجابية أو الطيبة للضحية نحو الشخص المسيء أو المتحكم.
2- المشاعر السلبية للضحية ناحية الأسرة أو الأصدقاء الذين يحاولون دعمها أو تحريرها من قيودها تجاه الشخص المتحكم أو المسيء.
3- دعم أسباب وسلوكيات الشخص المسيء.
4- مشاعر إيجابية من الشخص المسيء تجاه الضحية.
5- سلوكيات الضحية تهدف دومًا لدعم الشخص المسيء ومساعدته.
6- عدم القدرة على الانخراط في سلوكيات قد تساعد في إطلاق سراحها أو انفصالها عن الشخص المسيء.
وُجد أنه هناك أربعة مواقف أو شروط موجودة والتي تعمل كأساسيات لحدوث متلازمة ستكهولم للشخص، هذه المواقف الأربعة يمكن أن تحدث في عمليات الاختطاف، أو الإساءة الشديدة، أو العلاقات الاستغلالية، جيث يكون فيها:
1- وجود تهديد لسلامة الشخص البدنية أو النفسية أو لعائلته، والاعتقاد بأن الشخص المسيء سوف ينفذ تهديده.
2- وجود قليل من التعاطف من الشخص المسيء تجاه الضحية.
3- العزل عن جميع الأطراف المساعدة أو الداعمة للضحية، مثل: الأهل والأصدقاء.
4- الاعتقاد بعدم القدرة على الخروج من الموقف.
باعتبار كل موقف يمكن فهمه من خلال متلازمة ستوكهولم، يمكن أن نفهم العلاقات العاطفية، والعلاقة بين الخاطف والرهينة، فبخصوص نقطة التعاطف من الشخص المسيء تجاه الضحية، ففي حالات الاختطاف التي يسمح فيها الخاطف للرهينة بدخول الحمام أو إحضار طعام أو حتى عدم قتلهم أو تعذيبهم، فإن هذه التصرفات تعتبر من بعض الضحايا كمؤشر إيجابي ولفتة تعاطف من الخاطف، وكافية من البعض لحدوث تعلق عاطفي، أما في العلاقات العاطفية المسيئة فإن تقديم بعض الهدايا خلال أعياد الميلاد أو المناسبات أو بعض الكلمات اللطيفة قد تجعل الضحية يشعر كما لو أنه شخص ليس بهذا القدر من السوء، بل إنه رائع، أو قد يلجأ الخاطف لبعض الحيل العاطفية الأقوى، مثل سرد أحداث مأساوية عن ماضيهم، أو جروح عاطفية قديمة تسبب بها أهاليهم أو أصدقاؤهم أو حتى تعرض لنفس الموقف من الابتزاز العاطفي، مما يجعل الضحية تتعاطف مع الشخص المسيء وتحاول مساعدته أو حتى إصلاحه أو مداواته نفسيًا حتى مع استمرار نفس التصرفات المسيئة والاستغلالية.
لماذا تحدث متلازمة ستوكهولم؟
أولًا، من المهم أن نتذكر أن معظم الإساءات -حتى الإيذاء الشديد- غالبًا يكون بشكل متقطع، وهذا يعني أنه لا يحدث دائمًا في جميع أيام الأسبوع، والشخص المسيء غالبًا يكون شخصًا مساعدًا أو متعاونًا -حتى أنهم قد يكونوا أناسًا محبوبين في أغلب الوقت- ومع ذلك، فإنه لا يأخذ الكثير من سوء المعاملة لتسبب الكثير من الضرر لشخص ما.
ثانيًا، يساعدنا فهم مبدأ «التنافرالإدراكي-Cognitive Dissonance»، وهو مصطلح نفسي يشير لعدم الراحة التي يشعر بها معظم الناس عندما يواجهون معلومات تتناقض مع معتقداتهم أو قيمهم، فيقومون بتطوير أو تبني نوعًا جديدًا مختلفًا من الأفكار.
مثال على ذلك: الزوجة التي اعتاد زوجها على ضربها، لكنها خائفة من الانفصال من أجل خوفها على الأطفال، فتشعر بعدم الراحة الشديدة بين الفكرتين المتضاربتين، فيطرأ عقلها إلى فكرة جديدة تمامًا وهي أن زوجها متوتر أو يشعر بالضغط هذه الأيام بسبب ظروف عمله؛ لذلك يقوم رغمًا عنه بضربها.
ثالثًا، الغريزة الفطرية لمعظم الناس هي البقاء على قيد الحياة، لذلك قضايا الراحة والسلامة الشخصية في بعض الأحيان تأتي بشكل متأخر عن القضايا التي ينظر إليها على أنها «قضايا حياة أو موت»، وبالتالي وفي بعض الأحيان، فإن قدرة الشخص على التفكير بشكل موضوعي أو عقلاني أو منطقي يصبح مضاعفًا عندما تكون في وضع الكفاح للبقاء على قيد الحياة.
لماذا يبقى بعض الأشخاص متورطون في العلاقات المسيئة رغم علمهم أنها مسيئة؟
الدراسات على البشر توضح لنا أن البشر أكثر التزامًا وولاءً للأشياء المعقدة وغير المريحة، وحتى المُذلة لهم، وشعورهم أنهم بذلوا مجهودًا كبيرًا وقضَوا جزءًا من حياتهم في تلك العلاقة، مما يجعل من الصعوبة بالنسبة لهم التخلي عن تلك العلاقة على الرغم من شدة إساءتها، فهناك أنواع كثيرة من الاستثمارات يقوم بها الأشخاص في العلاقات، ومنها:
1- الاستثمار العاطفي: فعندما يكون لديهم مخزونًا عاطفيًا كبيرًا من المشاعر والدموع والقلق حول هذه العلاقة، فيبدو من المستحيل إنهاء هذه العلاقة.
2- الاستثمار الاجتماعي: الوضع الاجتماعي الذي حصل عليه هؤلاء الأشخاص من الذين حولهم، وكلمات من قبيل «أووه أخيرًا لقد أصبحتِ عروسًا!»، وليتجنبوا الإحراج الاجتماعي وشعور عدم الارتياح عند الانفصال.
3- الاستثمار العائلي: إذا كان لديهم أطفال، فإن الحسابات تكون مختلفة بالطبع خوفًا على الأطفال.
4- الاستثمار المادي أو الوضع الاجتماعي: الخوف من الخسارة المادية أو الوضع الاجتماعي المميز الناجمَيْن عن الانفصال.
5- الاستثمار الحميمي: قد يفضل بعض الأشخاص البقاء في العلاقة المسيئة خوفًا من فقدان العلاقة الحميمية، أو خوفًا من نشر أسرار حميمية.
وفي كثير من الأحيان لا تكون مشاعرهم هي السبب التي تبقيهم داخل علاقة غير صحية، لكن الخوف من فقدان الاستثمار الذي بذلوه فيها، وفي العموم فإن العلاقات الإنسانية معقدة، وما نستطيع أن نراه هو فقط قمة جبل الجليد، لكننا لا ندري ما يكمن أسفله، لهذا نسمع دومًا العبارة الشهيرة من الضحايا دفاعًا عن علاقاتهم المسيئة: «أنت فقط لا تفهم ما يجري!».
الخلاصة:
اجتماع كل من مبدأ التنافر الإدراكي ومتلازمة ستوكهولم يجعل الضحية تصدق أن العلاقة ليست فقط مقبولة بل أساسية لبقائهم على قيد الحياة! تشعر الضحية غالبًا أنهم سينهارون تمامًا إذا انتهت هذه العلاقة؛ ففي العلاقات طويلة المدى فإن الضحية تكون قد استثمرت كل شيء في حياتها في تلك العلاقة، أو كما يقال: «وضعت البيض كله في سلة واحدة»، لذلك فإن تلك العلاقة تمثل قيمتها وتقديرها لنفسها، وصحتها النفسية أيضًا.
إعداد: Maria Abd Almasseh
مراجعة لغوية: Mohammad Marashdeh
المصادر:
What Underlies Stockholm Syndrome? | Psychology Today [Internet]. [cited 2016 Mar 2]. Available from : http://sc.egyres.com/a1SHb
Stockholm Syndrome: The Psychological Mystery of Loving an Abuser [Internet]. [cited 2016 Mar 2]. Available from: http://sc.egyres.com/8c78T
Stockholm Syndrome [Internet]. [cited 2016 Mar 2]. Available from: http://sc.egyres.com/kz08S