مرصد (هابل) يحطم الرقم القياسي لأكبر مسافة كونية

a

 

ليس هناك ما هو أسرع من الضوء؛ فبسرعة تبلغ نحو (300000 كم\ث) تكون المسافات في تعاملاتنا اليومية شيئًا لا يقارن بتلك السرعة فلا نشعر مطلقًا بأن الضوء يأخذ وقتًا لكي يصل من نقطة لأخرى، ولكنه يصبح صغيرًا بالنسبة للمسافات الكونية، فيحتاج مثلًا لثمانِ دقائق وعشرين ثانية لكل يصلنا من الشمس، ويحتاج إلى (4.22) سنة ضوئية ليصلنا من ثاني أقرب نجم للأرض وبالتالي؛ فإنّ الضوء الذي نراه الآن لذلك النجم هو الضوء الذي كان يُصدره منذ (4.22) سنة. هذا وتشير الأبحاث الحالية إلى أن عمر الكون حوالي (13.7) مليار سنة، فإذا رصدنا ضوءًا لنجم استغرق (13) مليار سنة لكي يصل إلينا وبتحليل ذلك الضوء؛ سنشاهد حينها ماذا كان يحدث في الكون منذ (13) مليار سنة، نتحدّث هنا عن بداية نشأة الكون، ولك أن تتخيل ما يمكن أن نعرفه عن الكون إذا رصدنا ضوءًا استغرق حوالي (13.6) مليار سنة ليصل إلينا!

 

وما زالت كلا من وكالة ناسا- NASA ووكالة الفضاء الأوروبية- ESA يدفعان بمرصد هابل إلى أقصى حدوده وبه حطمتا الرقم القياسي لأكبر مسافة كونية عن طريق حساب المسافة لأبعد مجرة رُصدت حتى الآن، حيث تكونت المجرة بعد الانفجار العظيم- The Big Bang بـ(400) مليون سنة فقط، وتوفر لنا معلومات ورؤىً عن الجيل الأول للمجرات، وهذه هي المرة الأولى التي يُرصد بها مكان جسم بعيد جدًا عن طريق طيفه- spectrum الشيء الذي جعل قياس المسافة موثوقًا جدًا، وسوف تُنشر النتائج في مجلة الفيزياء الفلكية.

 

استطاع فريق عالمي من علماء الفلك باستخدام مرصد هابل من قياس المسافة الى المجرة الجديدة والتى سميت ب (GN-z11)، وعلى الرغم من أن ضوئها خافت للغاية؛ إلا أنها مضيئة جدًا نسبة إلى بعدها عن الأرض، وتوفرمعرفة بعد المجرة أدلةً قويةً على وجود مجرات مضيئة بشكل غير اعتيادي في صور سابقة لمرصد هابل وتقع تلك المجرات على مسافات بعيدة جدًا وذلك يعني اقترابنا من اكتشاف المجرات الأولية للكون.

 

قدر علماء الفلك سابقًا المسافة لمجرة GN-z11 عن طريق تحليل لونها من الصور التي التقطها كلا من مرصد هابل ومرصد سبيتزر- NASA Spitzer Space Telescope وحاليًا وللمرة الأولى يتم التعامل مع مجرة بذلك البعد عن طريق استخدام كاميرا مرصد هابل واسعة المجال- Hubble’s wide field camera 3 لتحديد المسافة إلى المجرة بدقة عن طريق تحليل الضوء إلى ألوانه المكونه له. وكما وضح جابريل برامر- Gabriel Brammer من معهد علوم تلسكوب الفضاء والكاتب الثاني للبحث بأن المجرة أكثر بعدًا عما كان يُعتقد، بعيدة إلى أقصى الحدود التي يستطيع مرصد هابل الوصول إليها، وهذا يضع مجرة GN-z11 في حيز المسافة التي كان يعتقد سابقًا أنها غير قابلة للرصد إلا من خلال التلسكوب الأحدث (NASA/ESA/CSA james webb space Telescope – JWST ).

 

كما ويقول باسكال أويش- Pascal Oesch من جامعة يل والكاتب الرئيسي للبحث: «لقد سافرنا بالزمن للماضي.. إلى أبعد ما كنا نتوقع الوصول إليه بمرصد هابل، وتمكنا من رؤية الماضي عن طريق قياس المسافة لمجرة تكونت عندما كان عمر الكون ثلاثة بالمائة من عمره الحالي.»

 

ولقياس مسافات ضخمة مثل المسافة لمجرة (GN-z11)؛ يقيس علماء الفلك الانزياح للون الأحمر- redshift) لضوء الجسم المراد رصده، حيث أنها ظاهرة تسبب زيادة في الطول الموجي للضوء الصادر وتقلل من تردده وتحدث تلك الظاهرة أثناء ابتاعد الجسم المرصود، أما إذا كان الجسم يتجه إلى الراصد فتحدث ظاهرة الـ(Blueshift) وتسبب قصر الطول الموجي للضوء وتزيد من التردد، ولكن ظاهرة الـ(redshift) هى الشائعة حيث أن الكون في تمدد مستمر.

 

وقبل أن يستطيع علماء الفلك تحديد المسافة لمجرة (GN-z11)؛ كانت مجرة (EGSY8p7) هي الأبعد، وكانت المسافة لها (RedShift) تساوي (8.68)، وأكد الفريق على أن المسافة لمجرة (GN-z11) لها (RedShift) يساوي (11.1)، الذي يكافئ (400) مليون سنة بعد الانفجار العظيم.
وكما يوضح ريتشارد بونيس- Rychard Bouwens من جامعة ليدن -هولندا والذي شارك في البحث: «الرقم القياسي السابق كان في منتصف عمر الكون لضوء النجوم من المجرات الأولية عندما بدأت تزيد من حرارة ضباب غاز الهيدروجين البارد، تلك الفترة الانتقالية المعروفة بـ(عصر عودة التأيّن)، وكانت مجرة GN-z11 متواجدة قبل ذلك بـ(150) مليون سنة، قريبة جدًا من بداية هذا التحول في تطور الكون.»

تكشف الأرصاد الملتقطة من كل من مرصد (هابل و سبيتزر) عن أن مجرة GN-z11 هي أصغربـ(25) مرة من مجرتنا درب التبانة، وتحتوي على واحد بالمائة فقط من عدد النجوم بمجرتنا. وعلى الرغم من ذلك؛ فإن عدد النجوم حديثة الولادة بمجرة GN-z11 تنمو بسرعة، حيث أنها تشكل نجومًا بمعدل عشرين مرة أكثر من مجرة درب التبانة حاليًا، وهذا المعدل السريع لتكوين النجوم هو ما يجعل المجرة مضيئة بشكل كافٍ لكي يلتقطها هابل وتظهر قراءات تفصيلية لها. ومع ذلك؛ يثير الاكتشاف الكثير من الأسئلة الجديدة بسبب أنه لم تتنبأ أي نظرية حتى الآن بتواجد مجرة بهذا الحجم والإضاءة. وكما يوضح جارث الينجورث- Garth Illingworth من جامعة كاليفورنيا: «من المذهل أن مجرة بهذا الحجم تواجدت من (200-300) مليون سنة بعد تكون النجوم الأولية، ويستغرق الأمر نمو سريعًا حقًا لتكوين مجرة تتكون من مليارات النجوم في وقت قصير جدًا.»

ويؤكد مارجين فرانس- Marijn Franx العضو في الفريق من جامعة ليند: «كان اكتشاف مجرة GN-z11 مفاجئًا لنا، حيث أشارت أبحاثنا السابقة على عدم وجود مجرات مضيئة بهذا الشكل في بداية الكون». ويضيف زميله ايفولاب- Ivo labbe: «أظهر لنا اكتشاف GN-z11 أن معرفتنا ببداية الكون مازالت محدودة للغاية، وحتى الآن لا زلنا نجهل كيف تكونت المجرة، ومن المحتمل أننا نشاهد الجيل الأول من النجوم يتكون بالقرب من الثقوب السوداء». وتوفر تلك النتائج عينة من الأرصاد والاكتشافات التي سوف تظهر للضوء عن طريق المرصد المستقبلي JWST.

 

ويلخص الينجورث- Illingworth: «يظهر لنا هذا الاكتشاف الجديد أن المرصد المستقبلي JWST سوف يجد بالتأكيد الكثير من المجرات الصغيرة والتي تعود إلى أوائل المجرات في الكون».

 

إعداد: Abdelrahman Elagamy

مراجعة: Matalgah Hamzeh

تصميم: Ayman Samy

المصدر: http://goo.gl/XxzfRr

https://goo.gl/6Vy2vX

https://goo.gl/NhQHWS

#الباحثون_المصريون

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي