مستقبل الطاقة المتجددة وزر «الاختيار الافتراضي»

D7A4D1FF-974D-446C-9A3295B18936F8D6

تعدى تأثير علم النفس لتفسير السلوك الإنساني إلى مساعدة السياسيين في أهدافهم المتعلقة بالصحة والرفاهية والتنمية أكثر من أي وقت مضى، فالرئيس الأميركي أوباما على سبيل المثال أصدر أوامره للحكومة لاستخدام رؤى علم السلوك لـ«خدمة الشعب الأمريكي بشكل أمثل»، كما قامت العديد من الحكومات الأخرى في المملكة المتحدة وألمانيا والدنمارك وأستراليا بالتحول إلى الرؤى المقدمة من البحث النفسي والاقتصاد السلوكي وعلم الاجتماع والأنثروبولوجي.

 

في هذا السياق يأتي دور تحليل وتحديد أو ضبط ما يسمى بالاختيار الافتراضي- default options وهو الخيار الذي يظهر لصانع القرار قبل أن يحدد قراره، وهناك الكثير من الأمثلة التي ضربتها الأبحاث عن كيف ومتى ترفع الاختيارات الافتراضية من الأمن العام والصحة العامة.
إن من أهم الأسئلة التي تواجه مصير كوكبنا هي كيف سنتحول إلى الاقتصاد الخالي من الكربون (الطاقة النظيفة)، ففي دراسة قمت بها أنا (صاحب المقال) وفليكس إبلينج- Felix Ebeling من جامعة كولونيا Cologne، تم اختبار مدى قدرة (الاختيارات الافتراضية) على جعل المستهلكين يختارون عقود الطاقة النظيفة بدلًا من أنواع الطاقة التقليدية، وكانت النتائج مدهشة حيث إن وضع الطاقة النظيفة كخيار افتراضي زاد من الاشتراك فيها بعشرة أضعاف تقريبًا، وتكمن أهمية هذه النتائج في أنها تخبرنا بأن التغير الطفيف غير الإلزامي في بيئة اتخاذ القرار كافٍ لاحداث اختلافات جوهرية في وجهة المستهلكين نحو الطاقة النظيفة، فهناك تغير قد حدث نحو الاشتراك في الطاقة النظيفة من «تقريبًا لا أحد» إلى «الجميع تقريبًا».

هذا ما حدث فقط في مجال الطاقة النظيفة، ولنا أن نتخيل كمّ التطبيقات الأخرى التي يمكن تطبيق هذا النموذج عليها، فمثلًا من الممكن أن يضبط المحرك الافتراضي على وضع الهجين في السيارات (العمل بمحرك وقود عادي وكهربي يستخدم طاقة نظيفة)، كما يمكن ضبط درجة الحرارة في ماكينات غسل الأطباق إلى درجة منخفضة …إلخ

في دراستنا الرئيسية قمنا بإجراء تجربة عشوائية على (40) ألف أسرة في ألمانيا حيث تم ملاحظة اختيارات الأسر عند شراء عقود طاقة جديدة عن طريق الإنترنت، تم هذا بالتعاون مع إحدى الشركات المزودة للطاقة،

وكان على الأسر القيام بقرارين:

أولًا: كان أمامهم الاختيار بين عقود غالية ذات خدمات متميزة (شاملة خدمة دعم هاتفي وفواتير منتظمة ..إلخ)، وما بين عقود أقل في السعر وفي مستوى الخدمة (دعم عن طريق الإنترنت وفواتير إلكترونية ..إلخ).

ثانيًا: كان على الأسر الاختيار بين مصدر الطاقة المقدم لهم إذا كان متجددًا (100%) أو لا.

وطبقًا للمواصفات الألمانية لأسعار الطاقة؛ فإن مزود الخدمة يبيع الطاقة المتجددة بثمن أعلى بشكل طفيف عن المصادر الأخرى، ومن جهة أخرى فإن شراء المستهلك للطاقة المتجددة تضمن تغيير المزود لطرق إنتاجه للطاقة مما ينعكس على اختيارات المستهلك نحو الطاقة النظيفة، فإذا قلنا أن المستهلك قام باستخدام (5000) كيلووات/ساعة في السنة، فإن المزود سوف يقوم بشراء نفس الكمية من الطاقة النظيفة وإضافتها لمصادر التشغيل الإجمالية لديه overall energy mix.

 

بدأت التجربة كالتالي:«»

– تم توجيه نصف الأسر من خلال شاشة إلى خيار الطاقة النظيفة (بعد اختيار جودة الخدمة) عن طريق زر يظهر رسالة: «أريد أن تكون طاقتي مستدامة (نظيفة) بنسبة 100%»، الضغط والرجوع عن الضغط للزر يغير الأسعار.

– النصف الأخر من الأسر تم توجيههم من خلال شاشات متطابقة للاختيار، ولكن تم تفعيل اختيار نفس الزر بالأعلى.

ظروف التجربة في الحالتين متشابهة، فنصف الأسر يجب أن يقوم بالضغط على الزر للاختيار، والنصف الآخر يضغط لإلغاء الاختيار.

النتائج كانت ملفتة للاهتمام، فاستخدام الزر للاختيار جعل (7%) من الأسر فقط يشترون عقود طاقة نظيفة، وبالمقابل فإن استخدام الزر لإلغاء الاختيار جعل أعداد الأسر تتضاعف بنسبة (70%) لشراء الطاقة النظيفة.

كانت الاختيارات سرية تمامًا وتكلفة التبديل من الطاقة التقليدية إلى النظيفة تكاد تكون معدومة، ومع ذلك؛ لاحظنا أن عمل تغيرات طفيفة في شكل عرض الاختيار يزيد بشكل هائل من فرص زيادة الطلب على الطاقة النظيفة.
الآن قد يتساءل أحد الذين عانوا من تنصيب برامج إضافية غير مرغوبة عند تثبيت برنامج مجاني من الإنترنت: «حسنًا، هناك احتمال أن معظم مستهلكي الطاقة النظيفة لم يلاحظوا وجود خيار إلغاء الاختيار»، وهذه فرضية منطقية، لذلك قمنا بعمل اختبار آخر لمعرفة هل كان المشاركون على دراية باختياراتهم أم لا؟
قمنا بإجراء دراسة جديدة بمشاركة (290) شخص قمنا بتوجيههم من خلال نفس الشاشة المستخدمة في التجربة العشوائية السابقة، وكانت النتائج نسخة مكررة من سابقتها، بالإضافة لذلك تم سؤالهم عن تذكرهم لما قاموا به من خيارات، واستطاع (84%) في هذه التجربة من الأشخاص الذين ضغطوا لاختيار الطاقة النظيفة تذكر خيارهم.

 

ترجمة : إسلام درويش

مراجعة: Matalgah Hamzeh

المصدر: http://sc.egyres.com/4k5Vl

#الباحثون_المصريون

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي