مصر بين العرب والبيزنطيين …تحليل تاريخي

فتح-مصر

أقدار تأسيس الحضارات مليئة بالعجب و كأن التاريخ يملّ من أمم فيهلكها و يرضى عن أمم فيرفع شأنها و يهىء لها من المقدرات ما يعزها. عوامل قدرية كثيرة توافقت فأدت إلى أن تجتاح الحضارة العربية العالم فى هذه الفترة الزمنية الوجيزة و ربما لو اختل أحد هذه المقدرات لاختلفت النتائج قطعًا.

التفكير والقرار :
توقفت الفتوح العربية والإسلامية عند فلسطين و السيطرة على إلياء. و هروب ملك الروم إلى مصر. مات أبو بكر. و جاء عمر بن الخطاب. ومن ثم يستأذن عمرو بن العاص – الذى زار مصر فى جاهليته مرتين تاجرًا وتعرف على ثرواتها ومداخلها ومخارجها. – الخليفة عمر بن الخطاب في فتح مصر. فى البداية رفض عمر. تردد قليلًا و فكر كثيرًا. لعب تعداد سكان مصر الكبير فى ذلك الوقت ( 2.5 مليون نسمة ) – ربما كان هذا العدد مبالغ فيه كثيرًا – دورًا كبيرًا فى اتخاذ القرار. ربما داعبت مشاعر عمر بن الخطاب هذه الفكرة خياله أن يدخل هذا العدد الكبير تحت سيطرة دولته والدخول تحت مظلة الإسلام فى الوقت الذى كان عدد سكان العرب قاطبه 600 ألف نسمة على الأكثر. فى تلك اللحظة كان عمر يسيطر على كامل شبه الجزيرة العربية و له فى الشام و فارس أقدام. هل يتوقف أم يتابع؟. كان بينه و بين الدولة البيزنطية – المثقلة بالهموم – سيناء فقط فهل يواصل التقدم؟. يأتى ساعتها عمرو بن العاص – المحنك – بعرض لا يمكن رفضه.
كان فتح مصر بالنسبة للعرب يحمل جانبين من الاغراءات هما:- أولًا، سوف تصبح مصر الآن قاعدة للجيوش الرومانية بعد الاكتساح العربي للدولة البيزنطية فى الشام وانتقال معسكر الروم إلى مصر وبالتالى لن تستقر الشام أبدًا. ثانيًا، كانت مصر – فى ذلك الوقت – سلة غذاء الامبراطورية البيزنطية، فالغنائم العظيمة التى غنمتها الفتوح العربية فى العراق لا تماثلها سوى هذه السلة المليئة بما لذ و طاب من خيرات الأرض.
و من ضمن المفارقات القدرية أنه كان لدى الفرس و الروم من المشاكل الداخلية الكثير فقد كانو فى صراع محتدم – و الذى كان التجار العرب على دراية تامة به – استمر لسنين كثر فأنهك قواهم بالإضافة إلى الخلافات الكنسية العقائدية الأشهر بين الكنيسة البيزنطية و الكنيسة المصرية و التى تنامت نتيجة لأبعاد سياسية إلى أن تم تهميش الكنيسة المصرية بعد أن كانت فى المرتبة الثانية فى ترتيب الكنائس الأربع العظام فى تلك الفترة و استطالت سطوة كنيسة القسطنطينية – الجديدة – عوضًا عنها.
سبَبَ التفكك الدينى إشكالات ضخمة للدولة البيزنطية وسبب الكثير من الحساسيات بين نظام الحكم البيزنطي و الكنيسة الكاثوليكية ( الملكانية ) من جانب و الكنيسة المصرية من جانب آخر. الكثير من الاضطهاد و الكثير من التعنت و الاستعباد. حاول البيزنطيين فرض عقيدتهم على المصريين فنفر منهم المسيحيون اليعاقبة مما أدى بالبابا بنيامين – المصري – راعي الكنيسة المصرية إلى الاختباء في أحد الأديرة في الصحراء لاثني عشرة سنة و أدى ذلك بهم فيما بعد إلى تفضيل الهيمنة الإسلامية كونها تضمن حرية العقيدة حال دفع الجزية. دانت بعض القرى المصرية بدين الرومان و استمر بعضها على مسيحيته المصرية. وظهر ذلك جليًا فى انقسام الشعب المصري بعد ذلك بين انضمام البعض لجيش عمرو بن العاص نكاية في البيزنطيين و البعض الآخر لجيش تيودور نكاية فى الفاتحين العرب. فكأنما يحارب المصريون أنفسهم. مما يزيد من غموض عملية الفتح.

المصادر
فتوح مصر و المغرب – ابن عبد الحكم.
فتح العرب لمصر – ألفريد بتلر
حكايات الاحتلال. تصحيح بعض المفاهيم. – د. عادل الجندى.
تاريخ الرسل و الملوك – الطبرى

#الباحثون_المصريون

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي