لا يخلو التاريخ من القصصِّ الفريدة، حكايات عن ملوك وجنود، أبطال وخونة، ثوار ومصلحين، قادة وقتلة، تختلف القصص باختلاف المكان والظروف والأشخاص ولكن يظل هناك عاملان مهمان تشترك فيهما كل تلك القصص؛ الأول هو إنها غالبًا، كما هو معروف، ما تكون قد كتبت من خلال المنتصر، والثاني هو إن أبطال القصة ورواتها هم غالبًا رجال، ورغم إنه لا خطأ في ذلك إلا إن هذا الواقع يضع قارئ التاريخ أمام إشكال هام وهو إن معظم الأحداث التاريخية تمت روايتها من منظور واحد بشكل يغفل معه نصف سكان الكوكب، قد يجادل البعض هنا إن معظم الأحداث والوقائع الكبرى عبر التاريخ كان أبطالها من الرجال، غير إن صحة هذه المقولة تضعنا أمام حقيقة أخرى وهي أنه ومنذ القدم كان للذكور النصيب الأكبرّ من السيطرةِ والهيمنةِ على السلطة وصنع القرار كنتيجة طبيعية لتفوقهم الجسماني عندما كان ذلك الوسيلة الرئيسية للقيادة قديمًا، ولكن في القرون الأخيرة تحرك تاريخ تطور المجتمعات البشرية في اتجاه منح الفئات المستضعفة في المجتمع المزيد من القدرة على المشاركة في تقريرِ مصير مجتمعاتهم من خلال منحهم حق التصويت في انتخابات على من يجلسون في مراكز الحُكم، وكُنّ رغم ذلك ظلت النساء غير قادرات على ممارسة هذا الحق الجديد الممنوح لقرون في دولٍ تعتز الآن بعراقة نظمها الديمقراطية. في السطور القادمة سوف نستعرض التاريخ الطويل لنضال النساء من أجل حق التصويت.
خلفية تاريخية
عند العودة إلى تاريخ أقدم الديموقراطيات في التاريخ فإننا نجد أنه قد تم استبعاد النساء من التصويت في اليونان القديمة وروما الجمهورية، وفي العصور الوسطى كانت أنظمة الحكم حول العالم في معظمها أنظمة ملكية مُطلَقْة يورث فيها الحكم من الملك للأبناء، ومع قدوم عصر التنوير في أوروبا في القرنين السابع والثامن عشر بدأ الضغط الشعبي في التراكم من أجل الحصول على حق الانتخاب واختيار الحكام، ولكن وفي الديمقراطيات القليلة التي ظهرت في أوروبا بحلول نهاية القرن الثامن عشر، عندما تم توسيع حق الانتخاب ليشمل معظم أو كل طبقات الشعب، كما حدث في المملكة المتحدة عام 1832، استمر حرمان النساء من جميع حقوق التصويت. ثم أخيرًا ومع الوقت أصبحت مسألة حقوق المرأة في التصويت قضية جدلية كبرى في القرن التاسع عشر في الدول الغربية، وكان النضال شديدًا بشكل خاص في بريطانيا العظمى والولايات المتحدة، لكن تلك البلدان لم تكن أول من منح المرأة حق التصويت. فبحلول السنوات الأولى من القرن العشرين، فازت النساء بحق التصويت في الانتخابات الوطنية في نيوزيلندا (1893)، وأستراليا (1902)، وفنلندا (1906)، والنرويج (1913). وفي السويد والولايات المتحدة كان لدى النساء حق التصويت في بعض الانتخابات المحلية. من الناحية التاريخية، تقدم المملكة المتحدة والولايات المتحدة أبرز الأمثلة للنضال من أجل حق المرأة في التصويت في القرنين التاسع عشر والعشرين(1).
بريطانيا
كانت ماري ولستونكرافت هي أول من دعى إلى حق المرأة في الاقتراع في بريطانيا العظمى في كتابها «إثبات حقوق المرأة» الصادر عام (1792)، كما طالبت بها كذلك الحركة المعروفة باسم «الحركة الميثاقية» وهي حركة عمالية شعبية ظهرت في بريطانيا في أربعينيات القرن التاسع عشر بهدف توسيع حق الاقتراع ليشمل جميع مكونات الشعب البريطاني. تزايد اهتمام المفكرين الليبراليين البارزين في إنجلترا بمطالبة المرأة بحق الاقتراع بدءً منذ خمسينيات القرن التاسع عشر فصاعدًا، ولا سيما من قبل الفيلسوف وعالم الاقتصاد البارز جون ستيوارت ميل الذي كان من أكبر الداعمين لحركة منح حق التصويت للنساء هو وزوجته هارييت. وفي عام 1865 تم تشكيل أول جمعية خاصة للمطالبة بحق المرأة في الاقتراع في مدينة مانشستر، تبع ذلك في عام 1867 قيام ستيوارت ميل بتقديم عريضة رسمية إلى البرلمان البريطاني تطالب بمنح حق للتصويت للنساء وتضمنت حوالي 1550 توقيعًا. غير إن جهود ميل وجمعية مانشستر لم تنجح في تحقيق أغراضها حيثُ لم يتضمن مشروع قانون الإصلاح لعام 1867 والذي قام بتوسيع حق الاقتراع لمعظم فئات الشعب أي بند بشأن حق المرأة في الاقتراع، ولكن رغم ذلك الفشل فإن زخم الحركة النسائية لم يتوقف بل على العكس، ففي الوقت نفسه كانت تتشكل جمعيات حق للمطالبة المرأة في الاقتراع في معظم المدن الرئيسية في بريطانيا، وفي سبعينيات القرن التاسع عشر قدمت هذه المنظمات إلى البرلمان التماسات تطالب بمنح حق الانتخاب للنساء وضمت هذه الالتماسات ما مجموعه ثلاث ملايين توقيع(2).
شَهِدتْ السنوات التالية فشل كل مشاريع القوانين التي عُرضت على البرلمان بهدف منح حق الاقتراع للنساء. كان هذا يرجع بشكل رئيسي لأن كلًا من السياسيين البارزين على رأس السلطة السياسية في المملكة المتحدة في ذلك الوقت، وليام جلادستون وبنجامين دزرائيلي، كانا حريصين على عدم مخالفة إرادة الملكة فيكتوريا والتي كانت، لسخرية القدر، تبُدى معارضة عنيفة للحركة النسائية في هذا الوقت. كان التقدم الوحي الذي أحرزته الحركة حتى هذه اللحظة هو تمكنها من الضغط على البرلمان في عام 1869 لكي يقوم بمنح منح النساء من دافعات الضرائب حق التصويت في الانتخابات البلدية والمحلية، وفي العقود التي تلت ذلك أصبحت النساء مؤهلات لعضوية مجالس المقاطعات والمدن. ولكن رغم كل ذلك، وعلى الرغم من من التأييد الكبير الذي كان موجودًا في البرلمان لتمرير تشريع بهذا المعنى، كانت المرأة لا تزال محرومة من حق التصويت في الانتخابات البرلمانية وهي الانتخابات الأهم في البلاد والتي يتقرر من خلالها من سيقوم بتشكيل الحكومة الذي ستدير الإمبراطورية البريطانية الشاسعة.
بحلول نهاية القرن التاسع عشر أدركت الحركة النسوية إن هناك حاجة للتوحد والتنظيم بين مختلف الجمعيات النسائية المختلفة عبر البلاد، ولذلك وفي عام 1897، اتحدت مختلف الجمعيات المناصرة لحقوق المرأة في بريطانيا في اتحاد وطني تحت اسم «الإتحاد الوطني لجمعيات حق المرأة في الاقتراع»، وبذلك جلبت درجة أكبر من التماسك والتنظيم للحركة. ومع ذلك، وبسبب الإحباط المتزايد من عدم اتخاذ الحكومة لأي إجراءات في اتجاه تمكين النساء من التصويت أصبحت شريحة من حركة حق المرأة في الاقتراع أكثر تطرفًا تحت قيادة إيميلين بانكهرست وبناتها الثلاثة كريستابيل، سيلفيا وآديلا. بعد عودة الحزب الليبرالي المُعارض للحركة النسائية إلى السلطة عام 1906، شهدت السنوات التالية هزيمة سبع مشاريع قوانين لمنح حق الاقتراع للنساء في البرلمان. نتيجة لذلك، انخرط العديد من المدافعين عن حق الاقتراع في أعمال عنف متزايدة مع مرور الوقت. كان على رأس هؤلاء اعتقدت بانكهرست وبناتها اللائي كانوا يؤمنّ بأن الأفعال وليس الأقوال هي الشيء الوحيد القادر على إقناع الحكومة بمنحهم حق التصويت.
بدأت أعمال العنف في شكل تحطيم نوافذ متاجر أو منازل المعارضين للحركة ثم تطورت تكتيكات الحركة لتشمل شن حملات تفخيخ وإشعال للحرائق بشكل متعمد على مستوى البلاد، وقامت امرأه بمهاجمة نائب برلماني شاب يُدعى ونستون تشرشل بسوط أحصنة على أحد محطات القطار، ووصل الحد إلى قيام امرأتين متنكرتين في زي بائعات فواكه بمحاولة نسف عربة رئيس الوزراء في مدينة ليفربول. وفي عام 1913 كتبت كتب كريستابيل بانكهورست مبررًا استخدام الحركة للوسائل العنيفة: «إذا استخدم الرجال المتفجرات والقنابل من أجل تحقيق أغراضهم الخاصة فإنهم يسمونها حربًا، حينها يصبح إلقاء قنبلة تقضي على عدد من الناس عملًا مجيدًا وبطوليًا وفاعله بطل وطني يستحق التوقير، فلماذا إذًا لا تستخدم المرأة نفس الأسلحة التي يستخدمها الرجل. فليكن معلومًا إذًا إننا لم نعلن الحرب فحسب بل هي ثورة شاملة سنقاتل من أجلها». ردت الحكومة باستخدام العنف وشَنَّ حملات اعتقال لقيادات الحركة، وتم إرسال القائمين بأعمال العنف، أو «المناضلات بحق المرأة في التصويت»، كما أصبحوا يُعرفون في الصحافة، إلى السجن حيث استمروا في احتجاجاتهم هناك من خلال الإضراب عن الطعام(3).
وفي الوقت نفسه ازداد حجم الدعم الشعبي لحركة حق المرأة في التصويت، ونُظِمت مظاهرات ومعارض ومسيرات شعبية حضرها عشرات الألاف من أجل دعم حق المرأة في الانتخاب. وعندما بدأت الحرب العالمية الأولى، حولت منظمات حق المرأة في الاقتراع طاقاتها للمساعدة المجهود الحربي، وساهمت جهود الحركة وتنظيمها وفعاليتها الشديدين أثناء أداءها لهذه المهمة في كسب تعاطف وثقة الجماهير وخصوصًا الفئة التي كانت لا تزال تبُدى شكوكًا في إخلاص أعضاء الحركة للبلاد بسبب أعمال العنف السابقة التي اقترفوها ولكن مشاركة الحركة النسوية الفعالة في المجهود الحربي جعلتهم أخيرًا ينضمون بإخلاص لصفوف المؤيدين لقضية منح المرأة الحق في الاقتراع. في البرلمان، تم الاعتراف أخيرًا بالحاجة إلى منح المرأة حق التصويت من قبل معظم أعضاء البرلمان من جميع الأحزاب الرئيسية الثلاثة، وفي يونيو 1917 تم تمرير القانون الذي عُرف باسم «قانون تمثيل الشعب» من قبل مجلس العموم وتم تمريره في مجلس اللوردات في فبراير 1918. وبموجب هذا القانون، حصلت جميع النساء اللواتي يبلغن من العمر 30 عامًا أو أكثر على حق التصويت الكامل، تبع ذلك بعد فترة وجيزة صدور قانون لتمكين النساء من الترشح والحصول على العضويّة في مجلس العموم. وفي عام 1928، تم تخفيض سن الاقتراع للنساء إلى 21 عامًا بهدف جعل الناخبات النساء على قدم المساواة مع الناخبين الذكور بشكل كامل(4).
الولايات المتحدة الأمريكية
منذ أن تأسسَّت الولايات المتحدة الأمريكية عام 1776، تم استبعاد النساء بشكل شبه كامل من التصويت. بدأت الحركة من أجل حقّ المرأة في التصويت في أوائل القرن التاسع عشر كجزءٍ من الحركة المناهضة للعبوديّة في الولايات المتحدة. بدأت الحملة من أجل حقّ المرأة في التصويت بشكل جديّ في العقود التي سبقت الحرب الأهليّة خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن التاسع عشر. كانت مُعظم الولايات قد وسعت حقّ الانتخاب بالفعل ليشمل جميع الرجال البيض بغض النظر عن مقدار الأموال أو الممتلكات التي يمتلكونها، ولكن رغم ذلك ظلت الولايات المتحدة تمارس وتقنن العبوديّة كما ظلّ هناك قدر كبير من التفاوتات الاقتصاديّة والثقافيّة بين طبقات المختلفة للمجتمع الأمريكيّ، في هذا التوقيت نفسه كانت جميع أنواع جماعات الإصلاح والتغير في الظهور والانتشار في جميع أنحاء الولايات المتحدة مثل جمعيات الإصلاح الأخلاقيّ والمنظمات المناهضة للعبوديّة وفي العديد من هذه الجماعات لعبت النساء دورًا بارزًا. في هذه الأثناء، بدأت العديد من النساء الأمريكيّات في الاستياء مما كان يُطلق عليه في تلك الفترة فكرة «المرأة الحقيقية» وهي فكرة تعنى الاعتقاد بأن المرأة دورها الحقيقي والوحيد كان كزوجة وأم تقيّة وخانعة وتهتم حصريًّا بالمنزل والأسرة.
في هذا التوقيت بدأت في الظهور على الساحة سيّدات مثل لوكريشيا موت وإليزابيث كادي ستانتون واللائي دخلن إلى المجال العام بعد إن أبدين اهتمامًا شديدًا بحركة مناهضة العبوديّة وأثبتن أنهن متحدثات وخطيبات بارعات. اتفقت ستانتون وموت على أن حقوق النساء وكذلك حقوق العبيد جميعها جزء من مشكلة كبرى تواجه المجتمع الأمريكيّ تتعلق بالمساواة في الحقوق والواجبات، وهكذا قررت المجموعة في يوليو 1848 إصدار دعوة لعقد مؤتمر لمناقشة قضيّة حقوق المرأة في يوليو 1848. انعقد هذا المؤتمر في مسقط رأس ستانتون في مدينة سينيكا فولز في ولاية نيويورك في 19-20 يوليو 1848 وأصدرت إعلانًا دعا إلى حقّ المرأة في الاقتراع وحقّ المرأة في التعليم وفرص العمل. وتبع ذلك في عام 1850 المؤتمر الوطنيّ الأول للحركة النسائيّة، الذي عقد في ورسستر بولاية ماساتشوستس، تبع ذلك عدة مؤتمرات أخرى استمرت على مدار العقد التالي، وفي إحدى هذه المؤتمرات ستلتقي ستانتون بـ سوزان ب. أنتوني معًا سيقود هذان الشخصان الحركة الأمريكية المناصرة لحقوق المرأة على مدى الخمسين عامًا القادمة(5).
رغم كل الزخم الذي اكتسبته حركة حقوق المرأة في الولايات المتحدة خلال خمسينيّات القرن التاسع عشر، فإن ذلك الزخم كان قد فُقد عندما بدأت الحرب الأهلية (1861-1865). بعد انتهاء الحرب مباشرة تقريبًا، أثار التعديل الرابع عشر والتعديل الخامس عشر للدستور الأسئلة مجددًا بخصوص حقوق الاقتراع والمواطنة؛ فالتعديل الرابع عشر مثلًا الذي تم التصديق عليه في عام 1868 كان يوسع حماية الدستور ليشمل جميع المواطنين، لأن الدستور عَرَّف المواطنين على أنهم ذكور فحسب؛ بينما يضمن التعديل الخامس عشر، الذي تم التصديق عليه في عام 1870، للرجال السود المحررين من العبوديّة حق التصويت. جرت عدة محاولات أخرى في هذا الصدد بعد الحرب الأهليّة، ولكن على الرغم من أن بعض المناطق منحت بعض الحقوق التصويتيّة للمرأة، مثل إقليم وايومنغ على سبيل المثال حيث منحت المرأة الحق في التصويت في جميع الانتخابات في عام 1869، سرعان ما أصبح من الواضح أن تعديل الدستور الفيدراليّ هو الحل الأمثل لضمان حصول النساء على حقوق متساويّة بشكلٍ ثابتٍ ودائمٍ. وبناءً عليه، تم تشكيل «الجمعية الوطنيّة لحقّ المرأة في الاقتراع» عام 1869 بهدف مُعْلَن هو تأمين الاقتراع للمرأة من خلال تعديل الدستور. كانت كلًا من أنتوني وستانتون قادة هذه المنظمة والتي عقدت مؤتمرًا كل عام لمدة 50 عامًا بعد تأسيسها. في عام 1869، قامت سيدة أخرة تُدعى لوسي ستون بتأسيس منظمة أخرى هي «جمعية المرأة الأمريكية لحق الاقتراع» بهدف تأمين حق المرأة في الاقتراع من خلال إدخال تعديلات في دساتير الولايّات المختلفة. وفي عام 1890 اتحدت المنظمتان تحت اسم «الرابطة الوطنية الأمريكية لحقوق المرأة» لتعملان سويًّا معًا طيلة الـ30 عامًا المقبلة لهذا الغرض(6).
أسفرت محاولات الرَّابطة عن تقديم مقترح لتعديلات على الدستور الفيدراليّ بشأن حق المرأة في التصويت إلى الكونجرس في عامي 1878 و 1914 ولكن كلا المقترحين فشلا في الحصول على الأغلبيّة الأصوات اللازمة في الكونجرس من أجل تمريره حيثُ كانت هناك حاجة إلى تصويت أغلبيّة الثلثين في الكونجرس لإرسال التعديل إلى المجالس التشريعيّة للولايات للتصديق عليه؛ نتج عن هذا، كما حدث في بريطانيا، ظهور مجموعة مجموعة متطرفة تسمى «الحزب الوطنيّ للمرأة» الذي أسسته سيدة تُدعى أليس بول، وركز هذا الحزب على تكتيكات أكثر راديكالية مثل الإضراب عن الطعام واعتصامات ومظاهرات أمام البيت الأبيض بهدف تحقيق المزيد من الترويج لقضيتهم، لترد الشرطة وقتها بالقبض على قيادات الحزب وإجبارهن على تناول الطعام قسرًا من خلال الأنابيب(7).
غير إن الحركة كانت قد اكتسبت زخمًا أصبح من الصعب تعطيله؛ وبحلول عام 1890 أصبحت وايومنغ أول ولايّة يمنح دستورها المرأة حق التصويت، بعد ذلك تم شن حملات قوية لإقناع المجالس التشريعيّة للولايات بتقديم تعديلات في دساتيرها حتى تمنح حق الاقتراع الكامل للمرأة في شؤون الدولة، كما بُذلت كذلك جهود لمنح المرأة حق التصويت في الانتخابات الرئاسيّة. في السنوات الخمس والعشرين التاليّة، بدأت جهود الحركة النسويّة في الإتيان بثمارها حيثُ بدأ عدد متزايد من الولايات في الاستجابة لمطالب الحركة ومنحت نسائها حق التصويت، وبحلول عام 1918، حصلت النساء على حق الاقتراع على قدم المساواة مع الرجال في 15 ولاية؛ كان كل ما تبقى الأن هو تعديل الدستور الفيدرالي للبلاد بشكل يمنح حق التصويت لجميع النساء في كلّ الانتخابات على مستوى الدولة ومن ضمنها الانتخابات الرئاسية، غير أن مثل هذا الأمر كان يتطلب موافقة أغلبية أعضاء الكونجرس على التعديل الدستوري، لحسن الحظّ كان كلما منحت ولاية ما للنساء فيها حق التصويت كلما أصبح أعضاء الكونجرس من هذه الولايات أكثر قبولًا لفكرة تعديل الدستور في مسعى لإرضاء الناخبات الجديدات في دوائرهم الانتخابيّة(8).
أبطأ اشتعال الحرب العالمية الأولى حملة الحركة النسويّة في المطالبة بحق الاقتراع، لكن مع الوقت أدت الحرب العالميّة الأولى والدور الرئيسيّ الذي لعبته فيها النساء بصفات مختلفة وخصوصًا في المجهود الحربي أثبت لباقي البلاد مدى وطنيّة تلك الحركة واستحقاقهن لكامل حقوق المواطنة مثل الرجال، وبحلول نهاية الحرب في عام 1918 كانت مُعظم المعارضة المتبقية لحق المرأة في الاقتراع في الولايات المتحدة قد انهارت. وأخيرًا في 18 أغسطس 1920 تمت المصادقة على التعديل التاسع عشر للدستور الأمريكي. وفي الثاني من نوفمبر من ذلك العام شاركت أكثر من ثمانية ملايين امرأة في جميع أنحاء الولايات المتحدة في الانتخابات الرئاسيّة لأول مرة في تاريخ البلاد.