مقدمة عن المادة المظلمة

المادة1

ماهي المادة المظلمة؟ لو كنت أعلم جوابا مؤكدا ً لهذا السؤال لكنت قد حصلت على نوبل في الفيزياء، فنحن لم نستطع حتى الآن الإمساك بهذه المادة أو حتى رؤيتها، إذا كيف افترضنا وجود هذه المادة التي تخبرنا الفيزياء أنها تمثل 84.5 % من كتلة الكون؟ فلنسرد قصة اكتشاف المادة المظلمة من البداية.

في عام 1933 قام البروفيسور بجامعة كاليفورنيا التقنية «فريتز زويكي» بقياس الحركة في مجموعة المجرات المجاورة، وقام بتقدير الكتلة الموجودة في تلك المجموعة، وقام بمقارنتها بكمية الكتلة التي تحصل عليها عند النظر إلى المجرة، وجد أن المجرات تتحرك بسرعات عالية جدًا في المجموعة بالنسبة لكمية المادة التي تمكن من رؤيتها، فتبعا لحساباته يجب أن يكون هناك 400 مرة كتلة أكثر لتفسر تلك السرعات العالية للمجرة. ولحل تلك المعضلة افترض زويكي أن هناك هالة من مادة مختفية تحيط بالمجرات.

لعلك تتساءل الآن كيف يتم وزن الأشياء في الفضاء، يتم ذلك عن طريق معرفة سرعة الكواكب/المجرات الدورانية، كلما زادت كتلتهم، تزيد السرعة التي يجب أن يتحركوا بها للحفاظ على ثباتهم في مدارهم، كلما بعد الكوكب عن مركز مداره كلما قلت سرعته، وهكذا تباعا في المجرات. ولكن ليس هذا ما لاحظته «فيرا روبين» عالمة الفلك الأمريكية عند دراستها لمنحنى دوران المجرات عن طريق دراستها لطَيف المجرات، فقد لاحظت أن حتى الكواكب البعيدة عن مركز المجرة تتحرك بنفس سرعة تلك القريبة من مركز المجرة، لاحقا في الثمانينات، ملاحظات مشابهة دعمت ملاحظة فيرا لسرعة الكواكب النائية عن مركز المجرات.

لقد نصت النظرية النسبية العامة لأينشتاين على أن الكتلة يمكن أن تحني الزمكان، وبالتالي مسار الضوء سوف ينحني نتيجة لذلك، فلذلك يستخدم هذا التأثير للكشف عن مناطق تركز المادة المظلمة، فعند توجيه شعاع الضوء لتلك المناطق سوف ينتج عن ذلك انحرافه عن مساره، فأمكننا بذلك تحديد أماكن تركز المادة المظلمة بدقة، ومعرفة كيفية توزعها، حيث نقدر على قياس التشوه الذي أصاب شعاع الضوء بعد مرورها في المادة المظلمة. لقد نشأت المادة المظلمة مع الانفجار العظيم، وكانت عامل أساسي في تشكل المجرات فقد ساعدت المادة العادية لأن تتجمع، فهي مثل شبكة كونية. تخيل كأنك تنظر إلى شجرة كريسماس من بعيد، فما تراه هو أضواءها المنيرة، ولكن لا ترى كيف هي معلقة، هذا هو الحال مع المادة العادية والمادة المظلمة.

منذ ظهور المادة المظلمة على الساحة العلمية احتار العلماء في ماهيتها، فعكفوا على إعادة دراسة الأجسام التي لا تشع ضوءً، فدرسوا الثقوب السوداء فهي تسبب انحناء الضوء، وتجذب الكتلة، ودرسوا الأقزام البنية، حث لا تشع ضوءً كثيرًا ويوجد منها الكثير لتعويض تأثير المادة المظلمة. كذلك أعادوا دراسة الجسيمات من جديد بحثًا عن جسيم له علاقة بالمادة المظلمة، فدرسوا النيوترونات، وهي أجسام عالية الطاقة، تنفذ خلال المادة العادية، ولكن كتلة صغيرة جدًا. وتم دراسة الأكسيونات، وهي جسيمات -وجدت لتفسير خلل في فيزياء الجسيمات-صغيرات الكتلة ولكن أعدادهم مهولة يمكن أن تعوض تأثير المادة المظلمة، وبعض النظريات تقترح أنهم يمكن أن يتبدلوا إلى بروتونات.

انتهى العلماء إلى أن المادة المظلمة هي جسيم جديد غريب له خصائص لا تتوافق مع تلك الموجودة في الجسيمات المكتشفة حتى الآن، فهو جسيم ثقيل لا يتحرك بسرعة الضوء، ولا يتفاعل مع أي شيء، ولا يتفاعل مع المادة العادية إلا من خلال الجاذبية. أكثر الجسيمات المُرجحة لأن تكون هي الجسيمات واهنة التفاعل مع غيرها، عالية الكتلة، لمماثلة خصائصهم تلك لخصائص المادة المظلمة، ولم يتم اكتشافهم بعد.

نأتي الآن للمحاولات العملية للامساك بجزيئات المادة المظلمة، المختبر القابع تحت سطح الأرض بمسافة 2341 قدم، وقد كان منجم حديد سابقاً، مختبر “سودن” التابع لجامعة مينيسوتا، هو أحد المختبرات الرائدة في هذه المجالات. العلماء هناك يحاولون الإمساك بجزيء المادة المظلمة انطلاقا من إيمانهم أن المادة المظلمة منتشرة في الكون كله، وتنفذ خلال جميع المواد العادية، فباستخدام معدن الجيرمانيوم المبرد لدرجة حرارة قريبة من الصفر المطلق، عند اصطدام جسيم المادة المظلمة به سيحدث تغييرا طفيفا جدا في درجة حرارة التكوين، حينها سنعلم بمرور الجزيء، ولكن لم يحدث ذلك حتى الآن.

الإمساك بالمادة المظلمة لن يثبت وجودها فحسب، ولكن سيجيب أسئلة كبيرة عن الفضاء وعن المادة الغريبة التي تكون معظم كونن. سيفتح الاكتشاف لنا نافذة لمعرفة ماذا حدث بعد 0.0001 جزء من الثانية من الانفجار العظيم، وكيف تصرف الكون في بداية حياته.

 

إعداد : Khaled Mohammed

مراجعة: Ahmaad M. Hanafi

 

المصادر:

http://goo.gl/qXXw7h

http://goo.gl/8HB38F

http://goo.gl/S7EKdn

http://goo.gl/7jxEPH

https://goo.gl/MMQDVV

http://goo.gl/tzdmNR

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي