نستمرُ معكم في رحلتنا، التي بدأناها عن ميكانيكا الموائع، وها نحن ذا بصدد استكشاف المزيد عن خصائص الموائع، وكيفية استغلال ما توصلنا له عنها، لضمانِ أفضل استعمال لصنبورِ المياه. اربطوا الأحزمة، واستعدوا للانطلاق.
معامل قابلية الانضغاط
إذا كان لدينا مائعٌ معين، وقمنا بزيادةِ الضغط المبذول عليه؛ فإنه -ومن المنطقي- أن ينضغط المائعُ؛ فيقل حجمه. ونستنتج مقدارَ التغير النسبيّ في الحجم بقسمةِ التغير في الحجم على الحجم الأصليّ. أما عن معامل قابلية الانضغاط (ويرمز له بالرمز ĸ)، فهو النسبة بين الضغط المبذول على المائع، والتغير النسبيّ في الحجم. فهو مؤشرٌ يعطينا انطباعًا عن قابليةِ انضغاط المائع. فإن كان المائع قابلًا للانضغاط بسهولة؛ فمعنى ذلك أن حجمه يتغير تغيرًا كبيرًا عند أقلِ ضغط؛ وبالتالي تكون قيمة (K) صغيرة. أما إن كان المائع غير قابل للانضغاط تقريبًا؛ فإن قيمة k تكون مرتفعةً للغاية. ولدى السوائل -بشكلٍ عام- (ومنها الماء) قيمٌ عاليةٌ من معاملِ قابلية الانضغاط، فيقال عنها -مجازًا- أنها غير قابلة الانضغاط.
الطرق المائيّ
تخيّل معي المشهد التالي: قطارٌ من 100 مقطورة، يتحركُ بسرعة عالية، وفي طريقه جدارٌ منيع قائمٌ كالسدِ. تخيّل معي لحظةَ الاصطدامِ، وهَوْلَ قوةِ الانفجار. هذا مماثلٌ تمامًا لما يحدث إذا أغلقت صنبورَ المياه فجأة بعد تشغيلِه على أقصى طاقته. فلم يجد الماءُ المتدفقُ بسرعةٍ عاليةٍ -حين أغلقت الصنبور في وجهه- مفرًا من الاصطدام بالصنبورِ المغلق؛ والماء -كما قُلنا- غيرُ قابلٍ للانضغاط؛ مما يعني أن تنتطلق موجةَ الاصطدام بكاملِ عنفوانها في الأنبوبِ. ونتيجة لتلك الموجة، يمكن رؤية اهتزاز الأنبوب، أو سماع صوتٍ يشبه صوت الطرق على الأنبوب، أو في بعض الأحيان، بانفجار الأنبوب أو الصنبور. وبالتالي، فإني أنصحك عزيزي القارئ ألا تخاطر بسلامةِ النظامِ الصحي في منزلك، وأن تغلقَ الصنبور برفقٍ في المرةِ القادمة.
معامل تمدد الحجم – Coefficient of volume expansion
ذكرنا في مقالةٍ سابقة أن الموائعَ بشكلٍ عامٍ تتمددُ عند زيادة درجة حرارتها، ومعنى تمددها أن نفس كمية المادة غدت تشغلُ حيزًا أكبر من الفراغ؛ وبالتالي تقلُ كثافتها. ومعامل تمدد الحجم (ويرمز له بالرمز β) هو القيمة المطلقة لمقياسِ التغير النسبيّ للكثافة الناتج عن تغيرِ درجةِ الحرارة. والتعبير الرياضيّ لما قلنا هو:
(Δρ/ρ) / ΔT
حيث إن ρ هي الكثافة.
وT هي درجة الحرارة.
ويدل الرمز Δ (ويقرأ دلتا) على مقدارِ التغير بين قيمتين ابتدائية، وانتهائية.
تيارات الحمل الحراريّ ومعامل تمدد الحجم
مما تعودنا أن نسمعَه في المدارسِ أن تيارات الحمل الحراريّ (Convection currents) تُقلّبُ المائعَ في نظامٍ مغلقٍ؛ فتحملُ المائعَ الساخنَ إلى أعلى النظام، والمائعَ الباردَ إلى أسفله. ويكمنُ سرُ حقيقة هذا الأمر في قانونِ الطفو. فنعلمُ من قانونِ الطفو أن الأجسام الأقل في الكثافةِ تعلو الأجسام الأعلى في الكثافة، والعكس. وما يحدث عند تشغيل المدفئة مثلًا في الشتاء، إن ارتفاعَ درجةِ حرارةِ الهواءِ المحيطِ بالمدفئةِ؛ يجعله يتمددُ؛ فتقلُ كثافتُه، فيصعد إلى أعلى الغرفة، ويَحلُ محله الهواءُ الأبرد. تعتمدُ شدةُ تياراتِ الحمل الحراريّ تلك على أمرين: أولهما فرق درجة الحرارة بين المائع ومحيطه، وثانيهما معامل تمدد الحجم. فإن كان معامل تمدد الحجم قليلًا؛ فيعني ذلك أنه حتى عند ارتفاع درجة حرارة المائع، فإن كثافته لن تنخفض إلا بمقدارٍ ضئيلٍ، وبالتالي فإن تيارات الحمل الحراري -حينئذ- تكون ضعيفةً.
اللزوجة
تعني اللزوجةُ (Viscosity) مقاومة المائع للجريان، وتُسمى القوة التي يؤثر بها المائع على جسمٍ في طريق جريانها؛ نتيجة لزوجته بقوةِ مقاومة المائع (drag force). وبينما يرمز لمعامل اللزوجة (µ)، تُقاس درجة لزوجة المائع بوحدة البويز (Poise). ينشأ مصدرُ اللزوجة بالنسبة للسوائل من قوى الجذب بين الجزيئية (Inter-molecular forces) بين جزيئات المائع، وبعضها البعض. فكلما زادت تلك القوى؛ زادت لزوجة السائل. أما بالنسبة للغازات، فتنتج اللزوجة عن تصادمِ جزيئاتِ الغاز بعضها ببعضٍ. وفهمنا للطبيعةِ الميكروسكوبيةِ -من شأنه- أن يعطينا لمحة عن علاقةِ اللزوجةِ بدرجةِ الحرارة. فبالنسبة للسائل، كلما زادت درجة حرارته؛ قلت لزوجته؛ لأن جزيئات السائل تتحركُ بشكلٍ أسرع في درجاتِ الحرارة المرتفعة، الأمر الذي يُضعفُ من القوى بين الجزيئية. أما بالنسبة للغازات، فالعكسُ هو الصحيح؛ فكلما زادت درجةُ الحرارةِ؛ زادت لزوجة الغاز، لأن بزيادةِ درجة الحرارةِ؛ تزدادُ سرعةُ تحركِ جزيئاتِ الغاز؛ فيزدادُ معدلُ اصطدامها ببعضِ؛ وبالتالي تزدادُ لزوجتُها.
التوتر السطحيّ
هل سألت نفسك سلفًا: لماذا يهطل الماءُ من السماءِ في صورةِ قطراتٍ شبه كُروية؟ لما لا يهطلُ على شكلِ هرمٍ، أو ما شابه؟ هل سألت نفسك لماذا يمكنُ لبعضِ الحشراتِ أن تسيرَ فوق الماءِ وأنت لا تقدر؟ تكملُ الإجابةُ في خاصيةِ التوترِ السطحيّ. ولفهمِ تلك الظاهرة؛ علينا أن ننظرَ إلى السائلِ من منظورٍ مايكروسكوبيّ. فتحيطُ جزيئاتُ الماءِ التي في منتصف السائل جزيئاتِ ماءٍ أخرى من جميعِ الجهات، ويؤثرُ كل جزيئِ ماءٍ يؤثر الآخر؛ بقوةِ جذب؛ فتصبح محصلة القوى صفرًا (تمامًا كما يشد رجلان متساويان في القوة حبلًا في اتجاهين متضادين). لكن لا تتمتع الجزيئاتُ عند سطح الماء بتلك الرفاهية، فهي محاطةٌ بجزيئاتِ ماء أخرى من جميع الجهات عدا أعلاها؛ إذا لابد أن تكون هناك قوةٌ محصلةٌ. لذلك، يميلُ سطحُ الماء أن يتقعرَ؛ نتيجة قوى الجذب الداخلية التي لا يقابلها قوى جذب داخليّ، وفي الوقتِ ذاته يميلُ إلى مقاومةِ أي قوة تضغطُ على سطحه.
مما ذكرنا، نستنجُ أن التوترَ السطحيّ سيقاومُ محاولةَ اختراق سطح الماء. فبالنسبة إلى الحشرةِ ضئيلة الوزن، فإنها حين تقفُ على سطحِ الماء، لا تضعُ الكمَ الكافي من القوة على سطحه؛ فلا تستطيعُ اختراقَ سطحِ الماء. أما في حالةِ السباحِ الهاوي، الذي يقفزُ إلى سطحِ الماء من ارتفاعٍ شاهقٍ، رحبَ الصدرِ، مقبلًا إلى الماء، كأنه الغريب عائدًا من السفرِ، فهو على وشكِ استقبال قوةٍ تقاومُ محاولةَ اختراقِه لسطحِ الماء؛ فتصفعه أشد صفعٍ. لذلك قلنا وسنكرر: «تعلم الفيزياءَ قبل أن تفعلَ أي شيءٍ».
يختلفُ التوترُ السطحي من سائلٍ لآخر. فالتوتر السطحي للزئبقِ أعلى منه للماء، وهو بدوره أعلى في الماء لزيتِ الطعام. وفي نفسِ السائل، يقلُ التوترُ السطحي عندَ زيادةِ درجة الحرارة. وإن كنت حقًا تريد خلق توترٍ في سطح سائلٍ ما، فيمكنك بدلًا من تسخينه أن تشوبَه بشائبٍ. تسمى تلك الشوائب بالمؤثرات السطحية (Surfactants)، ومن أمثلتها: الصابون، والمطهرات؛ فهي تعمل على تقليل التوتر السطحي للماء؛ لتسمح له باختراق الفجوات الصغيرة بين ألياف الملابس وتنظيفها.
الخاصية الشعرية
نلاحظ عند وضع الماء، أو أي سائلٍ آخر في أنبوبٍ عموديٍّ ضيقٍ أن سطحَ الماء يأخذُ شكلًا مقعرًا؛ فيرتفعُ سطحُ الماء في المناطق الملاصقة لجدار الأنبوب. تسمى هذه الظاهرة بالظاهرة الشعرية، وتتصل اتصالًا وثيقًا بخاصية التوتر السطحي. ويرجع سبب تصرفِ السائل بهذا الشكل إلى محاولة موازنة وزن المياه المرتفعة لقوة الشد السطحي؛ فيصل سطح السائل إلى حالة من الاستقرار بعد ارتفاعه بمقدار معين.
ولكن ليست كل السوائل عندما توضع داخل أنبوب ضيق يكون سطحها مقعرًا. فبينما تكون المواد العضوية -في الغالب- ذات سطحٍ مستوٍ، يكون لدى الزئبق سطحًا محدبًا. لذلك وَجَبَ استخدام عنصرٍ؛ ليصف تلك الاختلافات، وذلك العنصر يعرف باسم زاوية التماس (Contact angle) كما هو مبينٌ بالشكل.
يعتمدُ الارتفاع الذي يصل إليه سطح الماء على عوامل عدة، فهو يتناسب طرديًا مع التوتر السطحي، وجيب تمام زاوية التماس، وعكسيًا مع الكثافة، ونصف قطر الأنبوب. أيّ أنه إن استخدمنا أنبوبًا ضيقًا جدًا؛ يمكن أن نرفعَ المياه إلى عدة أمتار فوق سطح الأرض، وهذا بالضبط أحد الطرق التي تستعملها الأشجار؛ لنقلِ المياه من جذورها إلى القمم.
دعونا نلقي نظرة مايكروسكوبية عن سبب اختلاف شكل السطح بين الماء والزئبق. وقبل الشروع في هذا الأمر، دعونا نفرق بين نوعين من القوى: قوة الجذب بين جزيئات السائل بعضها البعض (Cohesion forces)، وقوة الالتصاق بين جزيئاتِ السائل، وجزيئاتِ جدار الأنبوب (Adhesion forces). ففي حالة المياه، تجد قوة الاتصاق بجدار الأنبوب أقوى من قوة التجاذب بين الجزيئات المياه؛ فيأخذ سطح الماء الشكل المقعر؛ ليسمح لأكبر عدد ممكن من الجزيئات أن تلتصق بالجدار. أما في الزئبق فإن قوة الجذب بين الجزيئية أقوى بكثيرٍ من قوة الالتصاق؛ لذا فإن سطح الزئبق يأخذ الشكل المحدب؛ مانحًا جزيئات السطح أقرب مسافة ممكنة من بعضها البعض.