المادة الغامضة التي تخضع للجاذبية ولكنها لا تتفاعل مع الضوء قد تكون مصنوعة من ثقوب سوداء صغيرة تتخلل الكون.
وفقًا لنظرية جديدة، فإن هذه الثقوب السوداء ربما تكون قد صُنِعت من «كرات فيرمي – Fermi ball»، وهي كائنات افتراضية من المحتمل أن ترجع نشأتها إلى اللحظات الأولى للكون، أو «حقائب كونية» تحوي كمية من الجسيمات ما دون الذرية المعروفة باسم «الفرميونات – Fermions» التي اندمجت معًا في جيوب كثيفة خلال نشأة الكون، ومن الممكن أن تفسر تلك النظرية سبب سيطرة المادة المظلمة على الكون.
وجد الباحثون أنه في بعض الحالات تكون «كرات فيرمي» شديدة الكثافة؛ إذ تكون الفرميونات قريبة جدًا من بعضها البعض، مما يؤدي إلى انهيار كرة فيرمي وتحولها إلى ثقب أسود، هكذا قال كي بان سيى (Ke-Pan Xie)، الباحث في المركز للفيزياء النظرية في جامعة سيول الوطنية في كوريا الجنوبية.
ابتكر «سيى» والباحث المتعاون كيوهارو كاوانا (Kiyoharu Kawana) -من مركز الفيزياء النظرية- سيناريو جديدًا لشرح كيفية سيطرة المادة المظلمة على الكون:
في خضم تحول مذهل عندما كان الكون يبلغ عمره أقل من ثانية، برز نوع جديد من الجسيمات، ثم انهارت تلك الجسيمات إلى نقطة صغيرة صارت ثقوبًا سوداء، بعدها غمرت تلك الثقوب السوداء الكون، وقدمت الثقل المطلوب لوجود المادة المظلمة.
حالة الثقوب السوداء البدائية
لا يستطيع علماء الفلك والفيزياء تفسير المادة المظلمة، المادة الغامضة التي تشكل ما يزيد عن 80٪ من كتلة كل بنية كبيرة، من المجرات إلى الشبكة الكونية نفسها في الكون.
أحد الاحتمالات المثيرة للاهتمام هو أن المادة المظلمة نشأت من الثقوب السوداء. فمن المعلوم أن الثقوب السوداء مثل المادة المظلمة لا يصدر عنها الضوء، لكن علماء الفلك عرفوا منذ فترة طويلة أن الثقوب السوداء الطبيعية ذات الكتلة النجمية لا تستطيع تفسير المادة المظلمة في الكون، هذا بسبب عدم وجود عدد كافٍ من النجوم في تاريخ الكون لتكوين ما يكفي من الثقوب السوداء لتفسير المادة المظلمة المرصودة.
لكن اللحظات الأولى من الكون ظهرت فيها بعض البيانات الفيزيائية المحيرة للعقل، ربما كل ما كان يحدث في ذلك الوقت نتج عنه تريليونات من الثقوب السوداء الصغيرة، يمكن أن تستمر هذه الثقوب السوداء حتى يومنا هذا، ذلك قد يكون حلًا للغز بداية تبلور المادة المظلمة، لكن وجود المادة المظلمة حسب تلك النظرية، يستلزم وجود عدد كافٍ من الثقوب السوداء.
أضاف العالمان سيى و كاوانا عدة مكونات إلى النموذج: بدأ الكون مكثَّفًا في صغره،وحرارته ،وكبيرًا في كثافته؛ تسمح هذه الظروف ببعض العمليات الفيزيائية التي لا تحدث في الظروف العادية للكون الحالي…
المكون الأول هو شيء يسمى «الحقل القياسي»، وهو مجال كمِّي يشمل كل الفضاء –«حقل هيغز – Higgs mechanism» المعروف الذي يعطي الجسيمات الأولية كتلتها هو مثال لتلك المجالات- ومع توسع الكون وتبريده خضع هذا المجال القياسي لانتقال طوري وتحول من حالة كمومية إلى حالة أخرى، لم يحدث هذا الانتقال الطوري دفعة واحدة في جميع أنحاء الكون، بل كانت هناك بعض النقاط التي بدأ فيها الانتقال ثم انتشر -تمامًا كما تتجمع الفقاعات في وعاء من الماء المغلي لتشكيل فقاعات أكبر- وتسمى تلك العملية بمرحلة انتقالية من الدرجة الأولى، تنتشر حالة المجال القياسي الجديدة من هذه النقاط كمجموعة من الفقاعات الآخذة في الفوران، وفي النهاية تندمج الفقاعات تمامًا وينتهي الحقل القياسي من انتقاله.
كيف تصنع كرة فيرمي؟
لصنع الثقوب السوداء البدائية التي تنتج المادة المظلمة، احتاج الباحثون إلى مكون آخر؛ لذلك أضافوا نوعًا جديدًا من الفرميون إلى نموذجهم، الفرميونات هي فئة من الجسيمات الأولية التي تشكل اللبنات الأساسية للكون، على سبيل المثال الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات التي تشكل الذرات في جسم الإنسان كلها فرميونات.
في بداية الكون كانت هذه الفرميونات تتحرك بحرية داخل المجال القياسي، ولكن وفقًا للوصفة التي طبخها الباحثون، لم تتمكن هذه الفرميونات من اختراق فقاعات الرغوة الصغيرة للحالة الأرضية الجديدة للكون مع استمرار انتقاله الطوري، مع تزايد الفقاعات احتشدت الفرميونات في الجيوب المتبقية لتتكون كرات فيرمي، وهذا لوجود قوة تفاعل إضافية بين الفرميونات تسمى «يوكاوا – Yukawa».
في العادة، لا تميل الفرميونات إلى تجميعها في أحجام صغيرة معًا، لكن الحقل القياسي أضاف قوة جاذبة يمكن أن تطغى على هذا التنافر الطبيعي كما افترض بعض العلماء، وكمثال على ذلك لننظر إلى الكواركات، تتكون البروتونات والنيوترونات من جسيمات أصغر تسمى الكواركات -الكواركات هي فرميونات وعادة ما تنفر من بعضها البعض- لكن قوة إضافية تلصقها معًا، يمكن تفسير هذه القوة على أنها تفاعل يوكاوا، وذلك على غرار فيزياء الكون المبكر التي بُنِيَت عليها تلك النظرية.
بمجرد أن سادت قوة جاذبية يوكاوا، انتهت اللعبة بالنسبة لكرات فيرمي الصغيرة وفقًا للنظرية، فالكرات كامنة في جيوب صغيرة لكون سريع التغير، انهارت كتل الفرميونات بشكل كارثي، مُشكَّلة أعدادًا هائلة من الثقوب السوداء، ثم نجت تلك الثقوب السوداء حتى نهاية المرحلة الانتقالية، وأغرقت الكون بالمادة مظلمة.
هذه هي الفكرة، إنه اقتراح جذري، ولكن عندما يتعلق الأمر بفيزياء الكون المبكر -والغموض المحيط بالمادة المظلمة- نحتاج إلى مثل هذا النوع من الاقتراحات جنبًا إلى جنب مع جرعة حاسمة من الأدلة الرصدية لإحراز تقدم.