هل يؤثر السلوك اللطيف حقًا على المجتمع؟

هل يؤثر السلوك اللطيف حقًا على المجتمع؟

إلى كل من ينتابهم الرعب من مشاهد النهب في مناطق ضربتها الكوارث، تفاءلوا.. الأعمال الحسنة -أفعال اللطف، والخير، والكرم والتعاون والسلوك اللطيف- تنتشر بمثل سهولة انتشار الأعمال السيئة. كل ما يتطلَّبه الأمر بضعة أشخاص لإحداث تغيير ملموس.

في دراسة نُشرت بتاريخ 8 مارس 2010، قدّم الباحثان -بجامعتيّ كاليفورنيا سان دييجو وجامعة هارفارد- جايمس فاولر ونيكولاس كريستاكس أول دليل مختبري على أن السلوك التعاوني مُعْدٍ وينتقل من شخص لآخر. عندما ينتفع الناس من الخير فإنهم يردّنوه عن طريق مساعدة آخرين لم يشاركوا في ذلك الخير أصلًا، مما يشكِّل متتالية تعاونية تؤثر في عشرات آخرين في شبكة اجتماعية.

ويوضح فاولر وكريستاكس في تلك الدراسة أنه عندما يتبرع شخص واحد بالمال لمساعدة الآخرين خلال «لعبة المنافع العامة» (حيث تتوفر للناس فرصة التعاون مع بعضهم البعض)، عندها تزداد احتمالات تبرُّع المتلقّين بأموالهم للآخرين في الألعاب المستقبلية، مما يخلق تأثير الدومينو حيث يصل كرم شخص واحد أولًا إلى ثلاثة أشخاص، ثم إلى التسعة أشخاص الذين سوف يتفاعل معهم هؤلاء الثلاثة في المستقبل، ثم إلى المزيد من الأفراد في الموجات المتعاقبة للتجربة.

Dominos Falling GIF - Dominos Falling GIFs
تأثير الدومنو.

ويستمر التأثير، يقول فاولر:

«إنك لن تعود إلى طبيعتك الأنانية السابقة. ونتيجةً لذلك: يتضاعف المال الذي يتبرع به شخص في الموجة الأولى من التجربة إلى ثلاثة أضعاف في النهاية عن طريق الآخرين المتأثرين لاحقًا (مباشرةً أو بالتتابع) للتبرع بالمزيد.»

ويقول كريستاكس:

«تلعب الشبكة هنا دور المنحة المثيلة (تغطية عملية بعملية أخرى مماثلة؛ توفيق العمليات).»

وقال فاولر:

«على الرغم من أن المُضاعف على أرض الواقع قد يكون أعلى أو أقل مما وجدناه في المختبر، فإنه من المثير جدًا لي شخصيًّا العلم بأن الخير يصل إلى أشخاص لا أعرفهم أو لم أقابلهم أبدًا، فنحن لدينا تجارب مباشرة في العطاء ورؤية ردود أفعال الناس الفورية، ولكننا عادةً لا نرى كيف يتعاقب كرمنا خلال الشبكة الاجتماعية مؤثرًا على حياة عشرات وربما مئات الناس.»

وقد كان المشاركون في التجربة غرباءً تمامًا عن بعضهم، ولا يلعبون ثانيةً مع نفس الشخص أبدًا. كما يُقصي تصميم التجربة إدارة السمعة والمعاملة المباشرة بالمثل كمسببات محتملة.

في عمل سابق للبرهنة على الانتشار المُعدي للسلوكيات والمشاعر والأفكار -بما فيها السمنة والسعادة والإقلاع عن التدخين والوحدة- درس فاولر وكريستاكس الشبكات الاجتماعية المُعاد إنشاؤها من سجلات دراسة فرامينجهام للقلب FHS. ولكن مثل كل الدراسات الرصديّة، قد تعكس أيضًا هذه الاستنتاجات جزئيًا حقيقة أن الناس كانوا يختارون التفاعل مع من يشبهونهم، أو أن الناس كانوا معرضين لنفس البيئة. والطريقة التجريبية المتّبعَة هنا تستبعد تلك العوامل.

وهذه الدراسة هي أول عمل يوثِّق استنتاجات فاولر وكريستاكس السابقة بأن العدوى الاجتماعية تنتقل عبر الشبكات حتى ثلاث درجات من التباعد، وأول إثبات للدليل من دراسات رصديّة أخرى في انتشار التعاون.

وقال فاولر:

«كان تأثير العدوى في الدراسة متماثلًا، فالسلوك غير التعاوني ينتشر أيضًا. ولكن ليس هناك ما يدل على أنه ينتشر بقوةٍ أقل أو أكثر من السلوك التعاوني.»

وقد أضاف فاولر:

«من منظور علمي، تشير تلك الاستنتاجات إلى الاحتمال المذهل بأن عملية العدوى ربما تكون قد أسهمت في حدوث التعاون: فالمجموعات التي ينتمي إليها المؤثِرون سوف تكون أكثر إيثارًا بأكملها، ومن المرجح أن تبقى أكثر من المجموعات الأنانية.»

وقال كريستاكس:

«لقد قادنا عملنا على مدار السنين القليلة الماضية في دراسة وظيفة شبكات البشر الاجتماعية وأصولها الجينية إلى استنتاج أن هنالك صلة عميقة وجوهرية بين الشبكات الاجتماعية والخير. إن تدفّق الخصائص الجيدة والمرغوبة مثل: الأفكار والحب والعطف، ضرورة لاستمرار شبكات البشر الاجتماعية، وبالتالي، فإن الشبكات ضرورة لانتشار تلك الخصائص. يشكِّل البشر الشبكات الاجتماعية لأن فوائد التواصل في الحياة تفوق التكاليف.»

شارك المقال:
0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي