تجلس متجمدًا لساعات أمام البث المباشر لإحدى قنوات الأخبار العربية، التي لا تغيب عنها إشارة “عاجل” الحمراء، ترى المسعفين في غزة يهرعون حاملين أجسام الأطفال المصابين، تذرف عيناك الدموع، تغضب وتأسى في الوقت ذاته؛ لكن سرعان ما تلوح للمرة الألف على الشاشة إشارة (عاجل) ليعلن المذيع بهلع أن الاحتلال استخدم قنابل الفسفور الأبيض ضد المدنيين، لماذا انكمش وجه المذيع؟ ما الذي يميز تلك القنابل حتى تفوز بإشارة “عاجل” عن غيرها؟ هل هي جريمة كتلك الجرائم التي اعتدنا عليها منذ خمسة وسبعين عامًا؟ أم إنها طفرة جديدة تضاف لدنائة هذا العدو؟ تابع معنا هذا المقال لعلك تجد معنا ضالتك.
1- ما هو الفسفور الأبيض؟ ولمَ يوجد داخل القنابل؟
1.1- ما هو الفسفور؟ [1]
الفسفور هو أحد الفلزات المتواجدة في أجسامنا بشكل طبيعي، وقد يستخدم كمكمل غذائي. تكمن أهميته في تكوين العظام والأسنان والجدار الخلوي، كما يساهم الفسفور في العمليات الفسيولوجية في الجسم؛ كتنشيط الإنزيمات وضبط مستويات الحموضة في الدم، بالإضافة إلى تنظيمه الوظائف العصبية والعضلية، ويدخل في تركيب الـ( RNA) و الـ(DNA)، بالإضافة إلى جزيئات الـ (ATP) مصدر الطاقة الرئيسي للجسم.
1.2- ما هو الفسفور الأبيض؟ [2]
الفسفور الأبيض مادة كيميائيّة منتشرة في قذائف المدفعيّة والقنابل والصواريخ، تشتعل عند تعرّضها للأكسجين. يُنتِج هذا التفاعل الكيميائي حرارة شديدة تصل إلى (815) درجة مئوية، وضوءًا ودخانًا كثيفًا يُستخدم لأغراض عسكريّة، لكنّه يُسبّب أيضا إصابات مروّعة عندما يُلامس الناس، يُمكن إطلاقه في قطع إسفنجية الشكل مشبعة بالفسفور، وتنبعث منه رائحة مميّزة تُشبه رائحة الثوم.
1.3- الفسفور كقنبلة [2]
يُستخدم الفسفور الأبيض أساسًا للتعتيم على العمليّات العسكريّة على الأرض، حيث يُمكنه تكوين ستارة من الدخان أثناء الليل أو النهار لإخفاء التحركات المرئيّة للقوات، كما أنّه يتداخل مع بصريّات الأشعّة تحت الحمراء وأنظمة تتبّع الأسلحة، وبالتالي يحمي القوات العسكريّة من الأسلحة الموجهّة، مثل الصواريخ المضادة للدبابات.
عند انفجاره في الجو، يُغطّي الفسفور الأبيض مساحة أكبر من تلك التي يغطيها عند انفجاره على الأرض، وهو مفيد لإخفاء تحرّكات القوّات الكبيرة. لكن هذا يؤدّي إلى تأثيرات حارقة على مساحة أوسع، وفي المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، مثل غزّة، فإنّه يزيد من المخاطر التي يواجهها المدنيّون. في الانفجارات الأرضيّة، تكون منطقة الخطر مركّزة أكثر، ويبقى ستار الدخان لفترة أطول. تعتمد سحابة الفسفور الأبيض على العوامل الجويّة، لذا لا يُمكن تحديد المدّة التي يظلّ فيها في الهواء.
2- ما المفزع في الفسفور الأبيض؟[3]
الفوسفور الأبيض مضرّ أياً كانت طرق التعرض له، حيث يمكن امتصاصه بكميات سامة بفعل الابتلاع أو انكشاف الجلد، كما أن الدخان الناتج عن حرق الفوسفور ضار بالعينين والجهاز التنفسي، إذ تتحلل أكاسيد الفوسفور في الرطوبة إلى أحماض الفوسفوريك. وقد يتأخر ظهور التأثيرات الجهازية لمدة تصل إلى (24) ساعة بعد التعرُّض، وفي حالات التعرَّض الشديدة؛ يمكن أن تشمل التأثيرات المتأخرة اضطرابات القلب والأوعية والانهيار القلبي الوعائي، بالإضافة إلى تلف الكُلَى والكبد وانخفاض مستوى الوعي والغيبوبة، وقد تحدث الوفاة بسبب الصدمة أو الفشل الكبدي أو الكُلَوي أو تلف الجهاز العصبي المركزي أو عضلة القلب.
2. 1 – التأثيرات على الجلد [3]
قد يسبب التعرُّض للفوسفور الأبيض حروقًا شديدة، وتكون الحروق مؤلمة للغاية وتنتج عن مزيج من الإصابات الحرارية والكيميائية، قد تبدو المناطق المصابة من الجلد المكشوف باللون الأصفر، وقد تظهر عليها حروق نخرية كاملة السماكة محاطة بأنسجة منسلخة. والفوسفور الأبيض قابل للذوبان بدرجة عالية في الدهون، وبالتالي، فإنه قد يخترق الأنسجة التحتية مما يؤدي إلى حروق عميقة بطيئة الالتئام.
وقد تبدأ جزيئات الفوسفور الأبيض التي اخترقت الجلد بالاحتراق عند فتح الجرح وتعريضه للهواء، ويمكن رؤية الدخان الأبيض الناتج عن حرق الفوسفور ينبعث من الجروح.
وقد يُمتَص الفوسفور الأبيض من الأسطح المحروقة، ويسمّم أجهزة الجسم المختلفة، مسببًا على وجه الخصوص اضطرابات في تخطيط القلب.
2.2- التأثيرات على العينين [3]
قد تُسبب جزيئات الفوسفور الأبيض حروقًا وانثقابًا في القرنية، وقد يسبب التعرُّض للدخان الناتج عن حرق الفوسفور تهيج العينين، وتشنج الجفن، ورهاب الضوء، والتدمُّع، والتهاب الملتحمة.
2 .3- لتأثيرات على التنفس [3]
قد يتسبب الدخان الناتج عن حرق الفوسفور في تهيج الجهاز التنفسي العلوي، والسعال، والصداع، وتأخر ظهور الوذمة الرئوية.
3- تاريخ ليس كلون الفسفور [2]
أثناء عمليّة (الرصاص المصبوب)، التي امتدّت من (27) ديسمبر( 2008) إلى( 18) يناير( 2009)، أطلق الجيش الإسرائيلي نحو( 200) ذخيرة فسفور أبيض من الأرض على مناطق مأهولة بالسكان في غزّة. اعتمدت القوات الإسرائيليّة بشكل خاص على قذائف مدفعيّة من طراز (M825E1) وبعيار (155) مليمتر، التي تُرسل شظايا الفسفور المشتعلة إلى مسافة (125) مترًا في جميع الاتجاهات، مما يجعل تأثيرها ممتدًا على نطاق واسع. ذكرت وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة أنّ الجيش الإسرائيلي استخدم الذخائر فقط لتكوين ستائر من الدخان، لكن أيًّا كان الغرض الظاهري منها؛ توصّلت هيومن رايتس ووتش إلى سقوط العشرات من المدنيين في الحوادث الستّة التي وثقتها، كما ألحقت قذائف الفسفور الأبيض أضرارًا بالمباني المدنيّة، بما في ذلك مدرسة، وسوق، ومخزن للمساعدات الإنسانيّة، ومستشفى.
أثارت هذه الهجمات غضبًا دوليًّا ومحليًّا، ففي (2013)، ردًّا على عريضة مقدّمة إلى (محكمة العدل العليا) في إسرائيل بشأن هجمات غزّة، ادّعى الجيش الإسرائيلي أنّه لن يستخدم بعد الآن الفسفور الأبيض في المناطق المأهولة بالسكّان، إلاّ في حالتين ضيقتين كشف عنهما للقضاة فقط. في حُكم المحكمة، أوضحت القاضية (إدنا أربيل) أنّ الظروف (ستجعل استخدام الفسفور الأبيض استثناءً نادرًا في ظروف خاصة جدًا).
رغمّ إنّ هذا التعهد أمام المحكمة لا يُمثل تغييرًا رسميًا في السياسات، إلا إنّ القاضية أربيل دعت الجيش الإسرائيلي إلى إجراء (فحص شامل وكامل) واعتماد توجيه عسكريّ دائم.
توصّلت «هيومن رايتس ووتش»، استنادًا إلى فيديوهات تمّ التحقق من صحّتها وروايات شهود، إلى أنّ القوات الإسرائيليّة استخدمت الفسفور الأبيض في عمليّات عسكرية نفذتها في لبنان وغزّة يومي (10) و(11) أكتوبر على التوالي؛ تُظهر الفيديوهات عدّة انفجارات جويّة للفسفور الأبيض أُطلِق بالمدافع فوق ميناء مدينة غزّة وموقعين ريفيين على طول الحدود الإسرائيليّة اللبنانيّة.
4- كيف تنقذ نفسك؟ [3]
تكون الأولوية بعد التعرُّض، العمل على إيقاف عملية الحرق، وينبغي الاستعانة بالإرشادات التالية عند تقديم الرعاية الفورية لشخص تعرَّض للفوسفور الأبيض:
- ينبغي غسل الجلد المكشوف أو الجروح باستمرار بمحلول ملحي أو ماء بارد، أو غمرها في الماء أثناء العمل على إزالة جزيئات الفوسفور، ويمكن أن يؤدي غسل المناطق المصابة إلى إيقاف الاحتراق، وخفض درجة حرارة المناطق المحروقة، وتحلُّل أي رقعة من حمض الفوسفوريك قد تكون قد تشكَّلت في الجرح، ومن المهم استخدام الماء البارد وليس الدافئ، ففي الماء الدافئ، قد يصل الفوسفور بسهولة إلى درجة حرارة الاشتعال الذاتي؛ وقد يذوب الفوسفور أيضًا، مما يزيد صعوبة رؤيته، وينبغي توخي الحذر لتجنب نقل الملوثات إلى الجلد غير المكشوف.
- ينبغي الحرص على عدم كشف أجزاء أخرى من الجلد عند إزالة جزيئات الفوسفور، ونظرًا لكون الفوسفور الأبيض قابلًا للاشتعال التلقائي، فيجب توخي الحذر لمنع التعرض لجميع مصادر الاشتعال، مثل اللهب المكشوف، والمعدات الكهربائية، وتدخين منتجات التبغ.
- ينبغي إبعاد المريض عن منطقة التعرض، ثم إزالة ملابسه وأمتعته الشخصية بعناية، مع مراعاة أن الملابس الملوَّثة يمكن أن تشتعل أو يتجدد اشتعالها؛ ولذلك، يجب وضع الأشياء الملوثة في حاوية قابلة للإغلاق مملوءة بالماء ووسمها بوضوح على أنها مواد خطرة، وينبغي شطف الجلد وغسله بالماء البارد وإبقاء المناطق المكشوفة مبللة لوقف الاشتعال، مثلًا عن طريق التغطية بقطعة قماش مبللة، أثناء النقل إلى وحدة العلاج.
- يجب غمر الفوسفور المُزال في الماء البارد لتجنب اشتعاله، وقد يكون من الصعب رؤية جزيئات الفوسفور الأبيض المنصهرة، لكن يمكن رؤيتها باستخدام الضوء فوق البنفسجي.
- تتوقف الحاجة إلى تدبير علاجي إضافي على شدة الحروق، ويجب أن يتولى إجراءه أخصائي حروق.
- إذا تعرضت العينان للفوسفور الأبيض أو الدخان الناتج عن استخدام الفوسفور الأبيض، فينبغي أولًا غسل العينين بكمية وفيرة من الماء أو محلول ملحي تركيزه( 0,9%) مدة (10-15) دقيقة (مع إزالة العدسات اللاصقة إذا كان من الممكن فعل ذلك بسهولة). واستخدام مخدر موضعي سوف يقلل من تشنج الجفن ويساعد على الغسل، إلا أنه لا ينبغي تأخير الغسل إذا لم يكن المخدر متاحًا، وإذا كانت هناك جزيئات من الفوسفور في العين؛ فينبغي قلب الجفون وإزالة الجزيئات مع الاستمرار في الغسل، وينبغي وضع الجزيئات المُزالة تحت الماء في وعاء، مع إجراء فحص كامل للعينين وإحالة المصاب بشكل عاجل إلى طبيب العيون إذا كان هناك دليل على الإصابة.
5- القانون الدولي [2]
الفوسفور الأبيض ليس سلاحًا كيميائيًا بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية، لأنه يعمل بوصفه عاملًا حارقًا وليس من خلال «مفعوله الكيميائي في العمليات الحيوية» (المادة 2-2 من اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية).
واستخدام الفوسفور الأبيض قد ينتهك البروتوكول الثالث (بشأن استخدام الأسلحة الحارقة) من الاتفاقية المتعلقة بأسلحة تقليدية معينة في حالة واحدة محددة، وهي: إذا استُخدِم، عن قصد، باعتباره سلاحًا حارقًا مباشرة ضد البشر في بيئة مدنية. ولا تُحظَر الاستخدامات الأخرى للفوسفور الأبيض، مثل إضاءة ساحة المعركة. ولإثبات حالة استخدام غير قانوني بموجب الاتفاقية المتعلقة بأسلحة تقليدية معينة، يكون من الضروري إجراء تحقيق في القصد من وراء استخدام الفوسفور الأبيض، وهو ما يتجاوز ولاية منظمة الصحة العالمية.