يعتبر اقتصاد الصين ثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد اقتصاد الولايات المتحدة وقد سبق اقتصاد اليابان بناتج محلي يقدر ب 10.35 تريليون دولار أمريكي حسب مقياس سعر الصرف عام 2014 ويعتبر ثاني أكبر اقتصاد بعد اقتصاد الولايات المتحدة. وبذلك تعتبر الصين أسرع اقتصاد كبير نامي والأسرع في الثلاثين سنة الماضية بمعدل نمو سنوي للناتج المحلي الإجمالي يتخطى ال 7.3% ، وقد قلص نمو الناتج القومي للفرد الفقر بمعدل 8% سنوياً في العقود الثلاثة الأخيرة، وتعتبر الصين أكبر دولة تجارية وأكبر مصدر وثاني أكبر مستورد في العالم.
إن الناظر لتجربة الصين صاحبة أعظم انجاز في مكافحة الفقر ليصيبه العجب مما تحقق هناك. فوفقاً لبيانات البنك الدولي،نجد أن عدد الفقراء الذين يعيشون بأقل من دولار واحد للفرد يومياً قد انخفض في الصين من 634 مليون نسمة في عام 1981 إلى 374 مليون نسمة في عام 1990، ثم إلى 128 مليون نسمة فقط في عام 2004. أي أن نسبة الانخفاض قد بلغت 495.3% فيما بين عام 1981 و2004، ونحو 292.2% خلال الفترة 1990 – 2004. وهي نسب كبيرة، بل كبيرة جداً بالفعل. بل إنه عند مقارنة نسب الفقراء الذين يعيشون على أقل من دولار واحد للفرد في اليوم إلى إجمالي السكان، نجد أنها قد شهدت انخفاضاً كبيراً كذلك، من 32% في عام 1990، إلى 9.9% فقط في عام 2004
في الواقع، لقد حاولت الصين الخروج من أزمة النمور الأسيوية التي عصفت باقتصادات الدول المصنعة حديثاً في جنوب شرق آسيا، فتبنت العمل برؤية مخالفة للأجندة الغربية التي تحاول التركيز على واقعها الداخلي. فبدلاً من التركيز الشديد على إعطاء الأولوية لإزالة العقبات أمام دخول رؤوس الأموال الأجنبية إلى البلاد، سعت الصين لبلورة إستراتيجية وطنية، كان من أهم محاورها:
تحقيق معدلات نمو مرتفعة:
فقد بدأت الصين في تحقيق إنجازاتها الاقتصادية الهائلة منذ عام 1978، حيث وصل معدل النمو السنوي في هذه الفترة إلى 9%. وفي عام 1992، بلغت نسبة النمو في الناتج المحلي الإجمالي 12.8%. وفي المتوسط، بلغ النمو الذي حققه الاقتصاد الصيني نحو 9.8% سنوياً.
لقد قامت الصين بمنافسة الدول الصناعية الكبرى في الإنتاج الصناعي، ومما زاد من سخونة هذه المنافسة إغراق المنتجات الصينية لأسواق العالم، بحيث باتت أرصفة الشانزلزيه في باريس مفروشة بالمنتجات الصينية ولعب الأطفال، مثل أرصفة ميدان العتبة في القاهرة.
وتعتبر الصين هي آخر فصل في قصة النمو التي لا يستطيع أحد تجاهلها منذ أن أصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم في وقت مبكر من العام السابق. ولقد كان لمهارة الشركات الصينية في التصنيع تأثيراً مزدوجاً، إذ أفادت سكان الدول الغنية بتوفير سلع تنخفض أسعارها باطِّراد، في حين أضرت بالمنافسين في الدول الصناعية.
ومع النمو المطلق السنوي في الواردات الصينية التي زادت عن مثيلتها المتحققة في كل أوربا، فإن الصين تزداد أهميتها بالنسبة للعالم كقاطرة نمو أكثر من كل دول أوربا. وإذا ما استمر اقتصادها بالنمو بتقديرات متحفظة تبلغ 8% سنوياً، فسوف تكتسح وارداتها الواردات الأوربية في الأعوام القادمة.
ولا يعود نجاح الصين إلى موقعها المتميز أو مواردها الطبيعية. بل يُعزي صندوق النقد الدولي الاستثمار في رأس المال المادي والبشري، مع تزايد الكفاءة مؤخراً، إلى أنها السبب في تفوق الصين والدول الأسيوية لتقفز بعيدا عن أمريكا اللاتينية وأفريقيا من منظور التنمية.
العدالة في توزيع الدخل:
لا يكفي قيام الدولة بتحقيق معدل كبير للنمو الاقتصادي لكي تحقق نجاحاً كبيراً في قضية محاربة الفقر بها، بل يجب أن يصاحب ذلك ويدعمه انتهاج سياسات توزيعية جادة من شأنها ضبط العلاقة بين الأغنياء والفقراء في المجتمع في جني آثار ذلك النمو المتحقق.
ولذلك يضع النظام الاقتصادي – الاجتماعي – السياسي في الصين قضية العدالة في توزيع الدخل ومكافحة الفقر في مكانة متقدمة في جدول أولوياته، ويعتمد في ذلك على تمكين السكان من الحصول على فرص للعمل وكسب العيش بكرامة وبصورة دائمة تضمن الحد الأدنى من حياة كريمة وبعيدة عن الفقر المدقع على الأقل. كما يعتمد النظام في تحقيق ذلك على سياسة دعم السلع والخدمات الاجتماعية، وسياسة التحويلات الاجتماعية.
محاربة الفساد:
لقد شن الحزب الحاكم خلال الفترة من 1995 وحتى 2002 حملة كبيرة على الفساد في الدولة، بل وشهدت هذه الفترة محاكمة أي مسئول أياً كان منصبه الحزبي أو السياسي أو التنفيذي. كما شهدت تلك الفترة أيضاً حملة قومية لمحاربة الفساد الحكومي، طالت عدداً من المسئولين رفيعي المستوى. فقد أسفرت هذه الحملة عن إقالة عدد كبير من كبار رجال الدولة، منهم وزير العدل وعدد من نواب المحافظين وبعض العمد في الأقاليم ومسئول أمني كبير.
وحرّمت تلك الحملة على كبار رجال الإدارة الحكومية والمؤسسات العسكرية القيام بأنشطة تجارية، لمنع التربح عن طريق استغلال المنصب، وسمحت لقوى وجماعات من خارج الحزب الحاكم بالتعبير عن نفسها من وقت لآخر. وبذلك فقد نجحت الدولة في وقف تزاوج المصالح فيما بين رجال الأعمال ورجال البيروقراطية في الصين، وهو ما يعد أحد أهم انجازات الصين في محاربة الفساد.
وقد ساند الرئيس الصيني جيانج زيمين هذه الحملة بنفسه، كما لاقت دعما أيضاً من رئيس الوزراء، وذلك في إطار سياسة تطوير البناء الحزبي وتحسين طبيعة عمله. ويمكن القول إن هذه السياسة حققت غرضها في بناء حكومة نظيفة، وهو الأمر الذي أسهم كثيراً في التقدم الكبير الذي حققته الصين.
وقد حققت وزارة الرقابة الصينية على مدى خمس سنوات من 1995 وحتى 1999 إنجازات كبيرة في مجال محاربة الفساد، حيث تعاملت مع أكثر من 80 ألف حالة اقتصادية، وقامت بفرض عقوبات تأديبية وإدارية على نحو 70 ألف حالة. وهو ما أدى إلى تعرض الدولة لخسارة قدرت بنحو 38.5 مليون يوان ( 4.8 مليار دولار (
ويتم تطبيق مبدأ الثواب والعقاب بشكل جاد وفوري داخل المجتمع الصيني، فقد تمت محاكمة بعض المسئولين الحكوميين بتهم الفساد والرشوة، وحصلوا على أحكام بالسجن والإعدام في بعض الحالات. في حين تمنح الحوافز، ويتم تصعيد الأكفاء الذين يحققون معدلات مرتفعة في تنفيذ خطط الحكومة وأهدافها. وبالطبع فإن هذه المحاكمات شكلت رادعاً قوياً أمام كل من تسول له نفسه القيام بأعمال فساد، فيتم بذلك ضرب الفساد في مقتل. كما أن سياسة تصعيد الأكفاء من شأنها توفير حوافز قوية أمام جميع أفراد المجتمع لبذل المزيد من الجهد في سبيل تنمية مجتمعهم وتطويره.
تحقيق اندفاعه قوية في مجال الإبداع والتطوير والتجريب:
وتشير العديد من الدراسات إلى تنامي القدرات الصينية التكنولوجية، وذلك من خلال الالتزام بسياسة واضحة تشجع نقل وإنتاج التكنولوجيا. ففي عام 1992 تم إنشاء 32 منطقة لتنمية الاقتصاد والتكنولوجيا، و52 منطقة لصناعة التكنولوجيا المتطورة. كما توجد بالصين آلاف الشركات الأجنبية والمشتركة التي تقوم بنقل التكنولوجيا إلى البلاد.
وقد بدأ دخول الصين إلى مجال التكنولوجيا رفيعة المستوى في عام 1988 بإنشاء منطقة للتكنولوجيا المتطورة في بكين، وقد كان لها انجازاً رائعاً. ففي عام 1998 كان نصيبها من دخل تجارة الصناعة التكنولوجية 51.4 مليار يوان، وقدمت للناتج القومي الإجمالي 15.7 مليار يوان.
وفي عام 1997 تم إنشاء 53 منطقة للتكنولوجيا رفيعة المستوى. ويعد إنشاء هذه المناطق دليلاً على اقتحام الصين للثورة التكنولوجية الكونية الجديدة. وقد تطورت هذه المناطق وفقا لنموذج وادي السليكون في الولايات المتحدة.
وفي نهاية عام 1998 بلغ عدد مؤسسات التكنولوجيا عالية المستوى المسجلة في هذه المناطق ما يزيد عن 1500 مؤسسة، يعمل فيها 1.5 مليون عامل.
هذا فضلاً عن الحفاظ على الاستقلال القومي، وذلك برفض القولبة الغربية، ومحاولة الحفاظ على الهوية الوطنية قدر الإمكان طيلة فترة سنوات الإصلاح الاقتصادي التي شهدتها الصين.
فقد تحولت الصين من بلد راكدة فقيرة إلى بلد متقدمة تعتبر ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فقبل الشروع في الإصلاحات الاقتصادية وتحرير التجارة منذ 36 عاماً، كان وضع الصين بسياساتها واقتصادها فقيراً جداً، وراكد، وكان التحكم فيها مركزياً، غير فعال إلى حد كبير، وكانت معزولة نسبياً من الاقتصاد العالمي. ولكن الوضع تغير منذ الانفتاح على التجارة الخارجية والاستثمار وتنفيذ إصلاحات السوق الحرة في عام 1979، فأصبحت الصين من بين أسرع الاقتصادات نمواً في العالم.
وفي السنوات الأخيرة، ظهرت الصين كقوة اقتصادية عالمية كبرى. و الآن تعتبر أكبر اقتصاد في العالم (على أساس تعادل القوة الشرائية)، ورائدة التصنيع، ومصدرة السلع، وصاحبة أكبر احتياطيات من النقد الأجنبي. ولقد أثرت الأزمة الاقتصادية العالمية 2008 بشكل كبير على الاقتصاد الصيني. وتأثرت كل من الصادرات والواردات، وانخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI)، حتى تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي، وقد أدى ذلك إلى فقدان ملايين من العمال الصينيين وظائفهم. وقد كان رد فعل الحكومة الصينية من خلال تنفيذ مجموعة من التحفيزات الاقتصادية بقيمة 586 مليار دولار، وتخفيف السياسات النقدية( زيادة سعر الفائدة) لزيادة الإقراض المصرفي( أي زيادة السيولة). وقد مكنت هذه السياسات الصين من مواجهة فعالة للآثار الحادة للأزمة العالمية في الطلب على المنتجات الصينية. فالسياسات المتبعة ساعدت اقتصاد الصين على التعافي والخطو نحو التقدم بخطى ثابتة، حتى أصبحت من أوائل الدول المتقدمة في العالم.
ووفقا لقاعدة بيانات تقرير صندوق النقد الدولي عن آفاق الاقتصاد العالمي، بلغت تقديرات الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية (الكميات المنتجة من السلع والخدمات النهائية في ذلك العام مضروبة في الأسعار السوقية لتلك السلع والخدمات) للصين في عام 2014 نحو 9.469 تريليون دولار، في الوقت الذي يقدر فيه الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بالأسعار الجارية بنحو 17.416 تريليون دولار، أي أن الناتج المحلي الإجمالي الصيني بالأسعار الجارية يمثل نحو 54.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي فقط. من ناحية أخرى فإن الصندوق يتوقع أن يصل الناتج المحلي الإجمالي للصين في 2019 إلى 15.518 تريليون دولار، بينما يتوقع أن يزداد الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بالأسعار الجارية إلى 22.174 تريليون دولار في السنة نفسها، أي أن الناتج المحلي الإجمالي الصيني، حتى بمعدلات النمو المرتفعة حاليا، لا يتوقع أن يتجاوز 70 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي في 2019، ومن ثم فإن الحديث عن أن الاقتصاد الصيني سوف يتجاوز الاقتصاد الأمريكي في هذا العقد غير صحيح وفقا لهذه التوقعات للناتج المحلي الإجمالي في الدولتين بالأسعار الجارية.
غير أن قاعدة بيانات تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الأخيرة قد حملت مفاجأة لجميع المراقبين، وهي أنه باستخدام مدخل تعادل القوة الشرائية ( PPP) فإن الاقتصاد الصيني يتحول إلى أكبر اقتصاد في العالم، بل ويتجاوز لأول مرة في التاريخ الحديث حجم الاقتصاد الأمريكي. ففي مقابل الناتج الأمريكي في عام 2014 والذي يساوي 17.416 تريليون دولار، بلغت تقديرات الناتج المحلي الإجمالي الصيني بتعادل القوة الشرائية 17.632 تريليون دولار، أي أن الاقتصاد الصيني أكبر من الاقتصاد الأمريكي بنحو 1.2 في المائة.
إعداد: Amal Hussein
تصميم: Ahmed Eltobshy
المصدر: http://sc.egyres.com/5N3cb
http://sc.egyres.com/Xp1Df