نادرًا ما نجد في يومنا هذا من لم يلعب بألعاب الفيديو، بل إن الإحصائيات تقدر ممارسي ألعاب الكمبيوتر بأكثر من مليار شخص على مستوى العالم في عام 2013، ويمارس هؤلاء الأشخاص أنواعاً مختلفة من الألعاب ويقضون فترات متفاوتة في ممارسة ألعاب الكمبيوتر بدءاً من بضعة ساعات شهرياً إلى عدة ساعات يومياً بمتوسط قد يصل إلى يوم كامل كل أسبوع، ومع تزايد استخدام الهواتف المحمولة وألعابها فإن هذه الأرقام تزداد باستمرار وبمعدلات كبيرة (1).
وينتشر لدى البعض مفهومٌ خاطئ عن جمهور ألعاب الكمبيوتر وألعاب الفيديو بأنه جمهور من الأطفال والشباب ويهيمن عليه الذكور، بينما في الحقيقة يصل متوسط أعمار اللاعبين إلى حوالي 37 عام مع تواجد واضح للاعبين فوق الخمسين عامًا كما تقترب نسبة الإناث من النصف. ويقدر حجم سوق الألعاب بما يزيد عن 70 مليار دولار في عام 2015 مما يجعله من أكبر قطاعات التكنولوجيا والترفيه. ولكن لا يقف دور هذه الألعاب عند حد الترفيه فحسب بل يتم استخدامها في تطبيقات أكثر جدية في مختلف المجالات من الجيش والسياسة للإدارة والتعليم وحتى الجراحة.
ويطلق على هذا النوع من الألعاب التي لها أهداف جادة وليست لمجرد الترفيه اسم الألعاب الجادة أو الهادفة (Serious Games)، وهو مجال بدأ الاهتمام يتزايد به سنوياً ومن المتوقع أن يصل حجم سوقه إلى 5 مليارات دولار في 2020. هذه الألعاب تعتمد على مجموعة من مميزات ألعاب الكمبيوتر وألعاب الفيديو مثل تحميس اللاعبين على التعلم والتطور في اللعبة بالإضافة إلى المنافسة مع الآخرين وبالطبع لا يمكن إغفال عامل المتعة، ويحاول مطورو الألعاب الجادة الحفاظ على هذه الخصائص والمميزات.
يعتبر الجيش الأمريكي من أول الداعمين لهذا المجال قبيل حرب العراق، فقد قاموا بتطوير وإدارة لعبة America’s Army التي تم نشرها للمرة الأولى في عام 2002 (2). وهي لعبة من نوع التصويب من منظور الشخص الأول (First-Person Shooter) وفيها يقوم اللاعب بأخذ دور جندي في الجيش الأمريكي ويطلب منه تنفيذ بعض المهام التي تعادل المهام الحقيقية التي يقوم بها الجنود الأمريكيون، وقد تم طرحها مجانًا لاستخدام العامة. الهدف من هذه اللعبة هو توصيل رسالة وقيم الجيش الأمريكي للمواطنين العاديين بالإضافة إلى إمكانية استخدامها في تدريب الجنود بحيث يمكن الوصول لمرشحين مناسبين للخدمة في الجيش الأمريكي عن طريق متابعة آداء اللاعبين المتميزين، وقد حققت نجاحًا كبيرًا حينها (3). كما استخدم الجيش الأمريكي برنامج Technical Language and Culture Training System الذي طورته جامعة دالاس في تكساس لتدريب الجنود الأمريكيين على اللغة العربية وبالتحديد اللهجة والثقافة العراقية بجعلهم يسيرون في مناطق مشابهة لتلك الموجودة في الواقع لمقابلة العراقيين للتحدث والتعامل معهم، وذلك في سياق لعبة لمحاكاة الواقع وقد تم تعميمه للاستخدام في حالات أخرى (4). ومن الجدير بالذكر أن حزب الله اللبناني شارك في هذا المجال أيضاً بتطوير نسختين من لعبته القوات الخاصة Special Forces وSpecial Forces 2 لتعريف الأطفال عن المقاومة ودورها في الحرب ضد إسرائيل (5).
تطبيقات الألعاب الهادفة متنوعة ونجدها في مجالات مختلفة، فكما رأينا أمثلة لتطبيقاتها في مجال الدفاع والجيش، نجد لها أيضاً تطبيقات في مجال التعليم بألعاب تعليمية متنوعة تهدف إلى تبسيط المواد العلمية. على سيبل المثال لعبة Emil and Pauline تعلم الرياضيات للأطفال (6). وفي مجال السياسة نجد لعبة Democracy التي تهدف إلى تعريف اللاعبين بالأنظمة السياسية وتدريبهم على كيفية إدارة دولة (7). ونجد في مجال السلام ألعاب مثل لعبة Palestine Global Conflicts: التي تهدف إلى المساهمة في نشر الوعي بالقضية الفلسطينية والسعي للوصول إلى السلام في المنطقة (8). وأيضاً في مجال التوعية تهدف لعبة Third World Farmer لنشر الوعي بمشاكل الفلاحين في العالم الثالث وكيفية مواجهتهم لصعوبات الحياة كتربية وتعليم أولادهم (9). و من خلال Amnesty The Game حاولت منظمة أمنستي نشر الوعي حول عقوبات الإعدام والدعوة لإلغاءها (10). أما لعبة Darfur is Dying فتُعنى بنشر الوعي بمشاكل دارفور(8).
ومن الألعاب الواقعية لعبة Kerbal Space Program حيث يمكنك تصميم وإدارة برنامج الفضاء الخاص بك وتعلم الكثير عن هذا المجال(11) . بالإضافة إلى لعبتي Microsoft Flight Simulator لتعليم قيادة الطائرات (12)، وKheiron Training System لتدريب أخصائيي الجراحة (13).
وفي بعض الأحيان يتم تسخير الألعاب الجادة بصورة متزايدة في حل المشكلات العلمية مثل لعبة FoldIt التي طورتها جامعة واشنطن (14)، وتهدف إلى إيجاد أكبر عدد من تشكيلات البروتينات وتطوير البرامج المستخدمة في هذا المجال عن طريق عرض البروتينات الغير معروف تشكيلاتها على اللاعبين (الغير متخصصين بالضرورة) ومحاولتهم للوصول إلى تشكيل البروتين بالتوافق مع قواعد تشكيل البروتينات، بعدها يتم دراسة طرق واستراتيجيات طي البروتينات التي يتبعها اللاعبون لتطوير برامج الحاسب الآلي المتخصصة في توقع بنية البروتينات، وقد أعلن مطورو اللعبة أن اللاعبين قد ساهموا بالفعل إلى الوصول لتشكيلات تتفوق أحياناً على الحلول التي يقدمها الحاسب الآلي (15). وهناك أمثلة أخرى كلعبة EteRNA التي تتيح للاعبين تغيير تسلسل الحمض النووي الريبوزي (RNA sequence) مما يؤثر على طريقة طي شريط الحمض النووي الريبوزي بصورة جذرية (17,16)، بالإضافة إلى لعبة EyeWire التي تأمل بالمساهمة في الوصول لفهم أفضل لتوزيع أعصاب المخ ودور كل منها وبصورة خاصة الأعصاب المرتبطة بالشبكية(18). و أخيراً وليس آخراً لعبتي Artigo وESP Game اللتان تهدفان إلى حل مشاكل تعرف الكمبيوتر على الصور(20,19).
هذه الألعاب هي فقط نماذج للألعاب الجادة المتوفرة والتي تزداد انتشاراً وشعبية. فالألعاب لم تعد لتمضية الوقت أوللترفيه فحسب.
المصادر وقراءات أخرى
- State Of Online Gaming Report [Internet]. Spil Games; 2013 [cited 2014 Dec 28]. Available from: here
- American Army [Internet]. [cited 2014 Dec 28]. Available from: https://www.americasarmy.com
- SHABAN H. Playing War: How the Military Uses Video Games. 2013 Oct 10 [cited 2014 Dec 28]; Available from: here
- Johnson WL, Valente A. Tactical Language and Culture Training Systems: Using AI to Teach Foreign Languages and Cultures. AI MAGAZINE. 2009;(Summer):72´ – 83.
- Hezbollah video game: War with Israel [Internet]. 2007. Available from: http://edition.cnn.com/2007/WORLD/meast/08/16/hezbollah.game.reut/
- EMIL & PAULINE IN THE CAVE [Internet]. Available from: http://www.usmgames.com/produktdetail-156-156/emil_und_pauline_in_the_cave-339/
- Democracy 3 [Internet]. [cited 2014 Dec 28]. Available from: http://www.positech.co.uk/democracy3/
- Middle-East conflict informs game. [cited 2014 Dec 28]; Available from: http://news.bbc.co.uk/2/hi/technology/6059026.stm
- 3rd World Farmer [Internet]. Available from: http://3rdworldfarmer.com/
- Goad L. Amnesty The Game: A Facebook game about killing the death penalty [Internet]. Available from: here
- Kerbal Space Program [Internet]. Available from: https://kerbalspaceprogram.com/en/
- Miastkowski S. Microsoft Flight Simulator: Even esperienced pilots will find this program useful and challenging. Byte Magazine. 2003 Nov 9;227–35.
- PLAY TO BECOME A SURGEON: KHEIRON TRAINING SYSTEM [Internet]. 2014 [cited 2014 Dec 28]. Available from: here
- Fold it [Internet]. Available from: http://fold.it/
- MARKOFF J. In a Video Game, Tackling the Complexities of Protein Folding. 2010 Aug 4 [cited 2014 Dec 28]; Available from: http://www.nytimes.com/2010/08/05/science/05protein.html?_r=1
- Treuille A, Das R. Scientific rigor through videogames. Trends in Biochemical Sciences. 2014 Nov;39(11):507–9.
- Eterna game [Internet]. Available from: http://www.eternagame.org/web/about/
- About EyeWire, A Game to Map the Brain [Internet]. Available from: http://blog.eyewire.org/about/
- About – Artigo game [Internet]. Available from: http://www.artigo.org/about.html
- Saini A. Solving the web’s image problem. 2008 May 14; Available from: http://news.bbc.co.uk/2/hi/technology/7395751.stm
اعداد: Ahmed M. Elsherbiny
مراجعة: Amina Fellan
تصميم: مالك المغربي