اجتاح السرطان العالم وأصبح من أكبر المشاكل العالمية التي تواجهنا حاليًا، ولا يختص بدولة دون أخرى وإن كان بعض أنواعه منتشرة أكثر حسب الظروف المحيطة بكل بُقعة وعوامل أخرى ويصيب كل الأعراق والأعمار، وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية أن ما يُقارب (14) مليون حالة جديدة مريضة بالسرطان، و(8.2) مليون وفاة بالسرطان في عام (2012) ومن المتوقع أن تزداد عدد حالات الإصابة بالسرطان بحوالي (70%) خلال العقدين المقبلين.
ينشأ السرطان عن تكاثر الخلايا بشكل غير طبيعي نتيجة لحدوث طفرات جينية في حمضها النووي ثم ينتشر غازيًا الجسم مسببًا الوفاة.
تتعدد أسباب الإصابة بالسرطان فمنها عوامل بيولوجية كأنواع العدوى الناجمة عن بعض الفيروسات (مثل فيروس الورم الحليمي البشري المسبب لسرطان عُنق الرحم وفيروس التهاب الكبد-B الذي يسبّب سرطان الكبد (أو الجراثيم أو الطفيليات (مثل بلهارسيا الجهاز البولي) ومنها عوامل كيميائية، مثل مكونات دُخان التبغ. وعوامل كهرومغناطيسية كالأشعة فوق البنفسجية، وعوامل أخرى كالتقدم في السن والأنظمة الغذائية الخاطئة وتناول الكحول وغيرها.
ولكن هل كان للتطور العلمي نصيبًا في زيادة الإصابة بأنواع مختلفة من السرطان؟ نأسف بأن تكون الإجابة بالإثبات، فتقدم البحث العلمي في بعض المجالات وتطبيق ما نتج عنه كان من أكبر العوامل المسببة لزيادة سرعة الإصابة بالسرطان بطريقة غير مباشرة، وسنستعرض ذلك ببعض الأمثلة.
هل التطور العلمي الهائل مسبب للسرطان؟ نُجيب على ذلك بالرجوع للحضارات القديمة إذا كان السرطان مرضًا قديمًا، فالعديد من الدراسات حققت في الأمر وبالفعل تم رصد سرطان البروستاتا لمومياء مصرية وأيضًا تم رصد سرطان الثدي لمومياء مصرية يعود عمرها لـ(4200) عام. إذن مرض السرطان نفسه مرض قديم.
نسمع كثيرًا في أيامنا الحالية عن طعام عضوي وطعام غير عضوي، والطعام العضوي هو الذي نتج بدون تدخل في تركيبه الوراثي أو إضافة أي أسمدة غير عضوية، أما الطعام الغير العضوي -الذي ملأ الأسواق- يختلف عن السابق في تعديل تركيبه الوراثي وإضافة أسمدة غير عضوية ومبيدات حشرية (كان البحث العلمي طريقًا لهذا) وكان من ضمن مسببات زيادة حدوث الطفرات الجينية في تركيب الحمض النووي لجسم الإنسان ومن ثَمَّ السرطان.
أما الذي انتشر فعليًا وأصبح لا يمكن أو من الصعب الاستغناء عنه هو الأجهزة الإلكترونية وعلى رأسها الهواتف الذكية -الناتجة عن التقدم التكنولوجي الناتج عن البحث العلمي- فقد تم تصنيف مجالات تردد الراديو من قبل الوكالة الدولية لبحوث السرطان كمحفز للسرطان في البشر فئة )باء-2)، حيث ينبعث من الهواتف إشعاع الراديو؛ وذلك استنادًا إلى وجود علاقة بين التعرض لإشعاع تردد الراديو المنبعث من الهواتف اللاسلكية وسرطانات الرأس (الورم الدبقي وورم العصب السمعي).
ومن أكبر المخاطر التي تواجه البيئة هو تآكل طبقة الأوزون بالغلاف الجوي مما يُسبب وصول الأشعة فوق البنفسجية بكم غير قليل وقد ذكرنا من قبل أن تلك الأشعة تُعد عاملًا للإصابة بالسرطان، حيث يعد غاز الفريون المستخدم في الثلاجات والمكيفات من ضمن أسباب تآكل الأوزون. والتوصل لإمكانية استخدام الفريون في أنظمة التبريد كان نتيجة للبحث علمي.
قد ينتابك شعور أن البحث العلمي سبب في تفشي الأمراض وتدمير البيئة لكنه ليس كذلك على الإطلاق – إلا أن تلك الآثار السيئة كانت بدون قصد ونتيجة عدم أخذ الاحتياطات في التطبيق العلمي للأبحاث ومراعاة كل ما يُمكن أن ينتج عنه واستخدام البعض له بطرق غير شرعية وأخلاقية.
تصدى البحث العلمي للسرطان ومازال على كل المُستويات، بدايةً من أسبابه ومرورًا إلى تشخيصه وعلاجه وحتى الوقاية منه، فكسب معركة مكافحة السرطان على الصعيد العالمي ليس رهنًا على العلاج.
هذا وتوجهت مراكز الأبحاث والباحثين لاستحداث تكنولوجيا وطرق تشخيص مبتكرة من تحاليل وأشعة تساعد في التشخيص المُبكر ما يعزز احتمالية علاجه. ومثالًا على ذلك؛ اُستخدمت تقنية النانو تكنولوجي في عام 2012 في عمل جهاز يمر من خلاله الدم فيقبض على بعض خلايا الورم في مرحلة انتشاره في الجسم؛ لكي يتمكن العلماء من دراستها، وأيضًا تحليل الدم يعتمد على الحمض النووي لبعض أنواع الخلايا السرطانية في دم المريض.
يُعالَج السرطان بأساليب مُتنوعة على حسب نوعه وحالته وتقدمه وعوامل مرتبطة بالمريض، تشمل أساليب العلاج الكيماوي، والعلاج بالإشعاع، والعلاج الجراحي، وهناك علاجات أخرى مثل استهداف بروتينات ومستقبلات خاصة تنتجها الخلايا السرطانية ومثال لهذه العلاجات استخدام الأجسام المضادة وحيدة النسيلة.
وكذلك العلاج الهرموني ويتم ذلك بالسيطرة على هرمون معين مما يُحدث أثرًا هامًا في علاج الورم. وتعتمد فكرة العلاج المناعي على حث الخلايا المناعية للمريض على القيام بدور فعَّال في التخلص من المرض ولذلك آليات كثيرة منها استخدام الانترفيرون لتحفيز الخلايا المناعية لمهاجمة السرطان وأيضًا اللقاحات؛ منها استخدام لقاح ضد السُل لعلاج بعض أنواع سرطان المثانة. ودراسة اللقاحات المضادة للسرطان من المواضيع الهامة والتي هي قيد البحث والتجريب، حيث تم مؤخرًا تعديل جينوم الخلايا المناعية التائية معمليًا بزرع جين خاص يمكنها من التعرف مباشرةً على الخلايا السرطانية وقتلها وهو ما أكدت عليه دراسات سريرية بنجاح استراتيجية العلاج هذه في علاج سرطان الدم اللمفاوي. ونود أن نُشير إلى أن هنالك أبحاثٌ مُكثفة تعمل على علاج بعض أنواع السرطان بالخلايا الجذعية وعلى مُستوى الجينات.
وهُنالك أبحاث قائمة على معرفة أسباب السرطان وطُرق التغلب على تلك الأسباب وكيفية الوقاية منه، وأمثلة ذلك كثيرة، فبعض الأبحاث وجدت أن التغذية غير الصحية وكثرة تناول المياه الغازية وعدم تناول الألياف الخضراء تسبب سرطان القولون، وأن التبغ مسببٌ للسرطان فيجب الإقلاع عن التدخين، ومن هذا المُنطلق تُوجد حملات توعية وتشريعات للوقاية والحد من السرطان.
يتضح لنا مما سبق أهمية البحث العلمي، وعلى الرغم من الآثار التي ترتبت عن سوء استخدامه إلا أن للعلم والبحث العلمي القدرة على نقد ذاته وتصحيح مساره، ولا نملك إلا أن نلتزم بمنهج البحث العلمي ونثق بالعلم حتى لا تتكرر أخطاء الماضي فبدون البحث العلمي والعلم ستتوقف قدرتنا على التفكر والحكم على صحة الأشياء واستكشافها مما سيوقف مسيرة التطور والفكر الإنساني والذي قد يؤدي بنا إلى الانقراض.
إعداد: Tagreed Tarek
مراجعة: أحمد فياض
تدقيق: Matalgah Hamzeh
تحرير: حسناء الدباوي
المصادر:
http://goo.gl/bYyt6F
http://goo.gl/N6t50i
http://goo.gl/3Fno3i
http://goo.gl/w8B1Hq
http://goo.gl/quZSIi
http://goo.gl/HBYwUb
http://goo.gl/NCWcq3
http://goo.gl/kH1EEW
https://goo.gl/1u8mT9