مستعمرة الجُذَامِ – الجزء الأول
-
تقديم:
ضيفنا في هذه الحلقة من سلسلة حروب البشر مع الجيوش المجهرية ضيفٌ من طِرَاز خاص، ضيف لم يفتك بضحاياه فحسب، بل ترك الناجين خلفه في عناء نفسي مستمر لما طبع عليهم من بصمات…
نجم هذه الحلقة من سلسلة حروب البشر مع الجيوش المجهرية هو «الجُذَامِ».
ربما هو ليس بالشيء الحديث؛ نظرًا لذِكره في العديد من البرديات المصرية القديمة التي تعود إلى 1550 ق.م.، لكنَّه في كل الأحوال واحدًا من أكثر الأمراض إثارة للفزع، والذعر والدهشة نظرًا لارتباطه بشكل دائم بالعديد من القصص والأساطير المعتمدة على ذلك الشكل المميز الذي يتركه المرض على ضحاياه. هنالك من اعتبروه مرضًا وراثيًا، وهنالك من اعتقدوا أنَّه عقاب سماوي لردع المُذنبين من البشر؛ بالإضافة إلى العديد من الخرافات الأخرى التي نسجها الخيال والتي جعلت من مريض الجُذَامِ منبوذًا من الجميع. ظهرت تلك الانعكاسات على المجتمع في صورة سيئة للغاية، يكفينا أن نعرف منها أنَّه في أوروبا وبشكلٍ خاص في العصور الوسطى كان يتوجب على المريض أن يرتدي ملابس خاصة، بالإضافة إلى تعليق جرس حول رقبته حتي يعرف الناس أنَّه مصاب بالجذام من على بعد أمتار؛ حتى يتمكنوا من الحصول على فرصة للهرب من ذلك المرض(1).
*أهم التواريخ المرتبطة بالجُذَامِ على مر العصور:
-
عام 1873م:
قام الطبيب جيرهارد هانسن (Gerhard Hansen) بتحديد الكائنات المجهرية المسئولة عن الإصابة والتي تُعرف ب «المتفطرة الجذامية-Mycobacterium leprae» ممَّا أدى إلى دحض العديد من الأساطير التي تتمثل في اللعنات، بالإضافة إلى الشبهات الوراثية.
-
بداية القرن العشرين وحتى نهاية 1940م:
كانت الخطة العلاجية المتَّبَعة من قِبَل الأطباء حول العالم هي حقن المريض بزيت أحد المكسرات والتي تُعرف ب «Chaulmoogra nut»، كان ذلك العلاج مؤلم للغاية، بالإضافة إلى عدم إثبات فعالية هذا العلاج على المدى البعيد.
-
عام 1950م:
أصبح العلاج المتَّبع من قبل الأطباء هو «حبوب الدابسون-Dapsone pills» والذي أكد فعاليته بصورة كبيرة كعلاج للجذام، لكن مع الوقت بدأ هذا الدواء يفقد أثره نتيجة مقاومة الجرثومة له.
-
عام 1981م:
أوصت منظمة الصحة العالمية (WHO) باِستخدام نظام حديث في العلاج يُعرف بالعلاج الثلاثي؛ يشمل هذا النظام ثلاثة أدوية تعرف ب «الدابسون-Dapsone»، و«الريفامبيسين-Rifampicin»، و«الكلوفازيمين-clofazimine» لمدة تتراوح من ستة أشهر إلى عام أو أكثر حسب شدة المرض.
-
الآن:
لازال العلاج الثلاثي يحتفظ بفعاليتة تجاه هذا المرض، بالإضافة لقيام العلماء بالعديد من الأبحاث على بعض اللقاحات القادرة على منع حدوث الإصابة.
*حياة مرضى الجُذَامِ بمصر:
نقلًا عن ال(BBC)، ووفقًا ليولاند نيل 2010م، تمَّ تشييد مستعمرة الجُذَامِ بأبوزعبل عام 1930م عندما كانت هذه المنطقة صحراوية منعزلة، وكان القانون المتَّبع حينها عند اكتشاف أي حالة مصابة بالجُذَامِ، هو إحضارها إلى ذلك المكان الكئيب تحت القوى الجبرية. وفقًا لما نقلته نيل على لسان أحد المصابين ويدعى (سيد محمود علي): «قبل اكتشاف سبل العلاج الحديثة كانت الناس تفر هربًا منَّا عند رؤيتهم لنا».
كما قال (عبد الخالق سيد) أنَّه قد حاول العيش خارج المستعمرة بعد شفاءه، لكِنَّه لم يلبث بضعة أيام حتى عاد مرةً أخرى إلى ذلك المكان معللًا بأنَّ من يعيش هنا لا يمكنه العودة إلى قريته مرة أخرى فنظرات الناس ستلاحقه(2).
في دراسة حديثة نُشِرت في المجلة المصرية للأمراض الجلدية والتناسلية (The Egyptian Journal of Dermatology and Venereology) من أجل معرفة وتقييم الحالة الوبائية للمرض في مصر بين عامي 2005م و2009م، وجد الدكتور أحمد عامر والدكتور على منصور في عام 2014م، أنَّ معدَّل انتشار المرض في مصر هي أقل من حالة واحدة من أصل 10,000 فرد على المستوى المحلي، بالإضافة لارتفاع هذه النسبة في بعض المناطق المحدَّدة، كما وجدت الدراسة أنَّ الرجال هم أكثر عرضةً للإصابة بهذا المرض بنسبة وصلت إلى (93.14%)، بينما وصلت نسبة إصابة السيدات إلى (6.86%)(3).
تابعونا لمعرفة المزيد عن خبايا ذلك المرض في الحلقة القادمة ….
إعداد: Mahmoud Ahmed
مراجعة: توفيق عاطف
مراجعة لغوية: أمنية احمد عبد العليم
تحرير: حسناء الدباوي
المصادر: http://sc.egyres.com/KRcsb (3)