لماذا يقوم أشخاص طيبون بأفعال شريرة ؟
هذا المقال استنبطه رئيس الجمعية البرلمانية الآسيوية السابق من أبحاث أجريت للمساعدة في تفسير الشر تحت خلفية إساءة معاملة السجناء التي وقعت مؤخرًا للعراقيين في سجن أبو غريب.
كما تقول القصة، يستخدم الدكتور (جيكل) مادة كيميائية تحوله إلى نسخة شريرة منه؛ ألا وهي الدكتور (هايد)! ومع ذلك في واقع الحياة قد لا تكون هناك حاجة إلى مادة كيميائية، فقط الجرعة المناسبة من مواقف اجتماعية معينة يمكنها تحويل الناس الطيبين عادة إلى أشرار، كما حدث مع مرتكبي الأفعال المسيئة في حق السجناء العراقيين في سجن أبو غريب، كما قال رئيس (APA) السابق، الدكتور (فيليب زيمباردو)، في برنامج المسار الرئاسي خلال المؤتمر السنوي للجمعية البرلمانية الآسيوية لعام 2004م في الهونولولو.
في الواقع، أبرز زيمباردو -وهو أستاذ فخري في علم النفس في جامعة ستانفورد- كيفية حدوث هذا التحول للدكتور هايد بين الجنود الأمريكيين في سجن أبو غريب من خلال تقديم أبحاث علم النفس الكلاسيكي على آثار الظروف المحيطة على السلوك البشري.
الدكتور زيمباردو -والذي سيكون شاهدًا خبيرًا للعديد من الجنود الأمريكيين أثناء محاكمتهم- قال: «إن المواقف تستدرج الناس إلى التصرف بطرق لم يكن من الممكن تخيلها قط!»، وأضاف قائلًا: «هذا الخط الفاصل بين الخير والشر رقيق جدًا يسهل اختراقه، وأي واحد منا يمكن أن يتحرك عبر هذا الفاصل! وأزعم أن لدينا جميعا القدرة على الحب والشر؛ يمكنك أن تكون الأم تيريزا، أو تكون هتلر أو صدام حسين، حيث أن الظروف المحيطة هي التي تدفعنا للخروج».
استدراجه للشر
في الواقع، أظهرت التجربة الكلاسيكية للصدمات الكهربائية، والتي أجراها عالم النفس الاجتماعي الدكتور (ستانلي ميلغرام)، أنه عندما يقوم شخص ذو سلطة بإعطاء أمر فسيطيعه الناس ويصعقون المشاركين الآخرين! وفي الدراسة إن أجابوا على أسئلة الصحفيين بشكل غير صحيح بما يعتقد أن يكون، فإن أقصى مستويات الصدمة الكهربائية تنتظرهم!
وقال زيمباردو: «نستخلص من التجربة العديد من الدروس المستفادة حول أثر المواقف على تعزيز الشر، ومنها:
1- تزويد الناس بأيديولوجية لتبرير الأفعال بسبب المعتقدات.
2- جعل الناس تأخذ خطوة أولى صغيرة نحو فعل ضار على أن يكون عمل بسيط تافه، ثم زيادة تلك الأعمال الصغيرة تدريجيًا.
3- إظهار المسئولين وكأنهم السلطة الحق.
4- تحويل زعيم كان في يوم ما رحيم إلى شخصية دكتاتورية.
5- تزويد الناس بقواعد غامضة تتبدل باستمرار.
6- إعادة تسمية الأفعال ومرتكبيها لإضفاء الشرعية على الأيديولوجية.
7- تزويد الناس بنماذج اجتماعية تحض على الامتثال.
8- السماح بالمعارضة، ولكن فقط إذا استمر الناس في الامتثال للأوامر.
9- جعل الخروج من الوضع الراهن صعب.
ومن الملحوظ بشكل خاص أن وصم الآخرين وتصنيفهم وتجريدهم من الإنسانية هو ما يغري الناس على ارتكاب الشرور، حيث يغيرون نظرتهم اللغوية للضحية وفعلهم الشرير، ويغيروا العلاقة بين المعتدي والمعتدى عليه؛ حتى يصير القتل والإيذاء كالمساعدة».
على سبيل المثال، في تجربة عام 1975م، والتي أجراها عالم النفس الدكتور (ألبرت باندورا)، قيل لطلاب الجامعات أن لديهم عمل مع طلاب من مدرسة أخرى في مهمة جماعية، وحدث أن سمع فريق منهم –عَرَضًا- المساعد وهو يصف الطلاب الآخرين بـ«الحيوانات» مرة! وفي حالة أخرى وصفهم بأنهم «لطاف»؛ وجد باندورا أن الطلاب كانوا أكثر ميلًا لتقديم ما يعتقدون أنه مستويات أعلى من الصدمات الكهربائية للطلاب الآخرين الذين لقبوا بالحيوانات.
وقال زيمباردو أن عدوان الأشخاص يتزايد عندما يشعروا بأن لا أحد يعرفهم، مثلًا عند ارتداء الزي الرسمي أو غطاء الرأس أو قناع ما.
«السبب تصغير المسؤولية الاجتماعية» كما أوضح، وأضاف: «لا أحد يعرف من أنت، ولذلك لم تكن مسؤولًا مسؤولية فردية! ». وهناك أيضًا تأثير المجموعة عندما يتم إخفاء وجوه الجميع خلف قناع ما، فهو يثير الخوف في الآخرين لأنهم لا يستطيعون رؤيتك، وتفقد حينها إنسانيتك!
مثال آخر؛ في تجربة عام 1974م، التي أجراها عالم الأنثروبولوجيا (جون واطسون) بجامعة هارفارد، تم إجراء تقييم 23 من الثقافات المختلفة لتحديد ما إذا المحاربين الذين غيروا مظهرهم -بِطِلَاءِ الحرب أو بأقنعة مثلًا- تعاملوا مع ضحاياهم بشكل مختلف. وكما اتضح فيما بعد، تم التحقق من أن 80 في المئة من المحاربين في هذه الثقافات كانوا أكثر إيذاءً! حيث ازداد القتل والتعذيب أو تشويه ضحاياهم من المحاربين غير المصبوغين أو غير المقنعين!
وأشار زيمباردو إلى ما هو أكثر من ذلك، فكون الشخص مجهولًا -والذي يمكن أن يحدث من خلال العمل في بيئة تمنحه ميزة عدم الكشف عن هويته- يمكن أن يضيف من متعة الدمار والتخريب وقوة الشعور بالسيطرة.
وقال زيمباردو: «إنها ليست مجرد رؤية شخص يُضَارّ، إنها فعل أشياء تشعرك أنك مسيطر على سلوك الآخرين بطرق لا تتوفر لك عادة».
لاحظ زيمباردو أنه في تجربة محاكاة السجن التي قام بها عام 1971م -تجربة سجن ستانفورد- التي لعب طلاب الجامعات فيها أدوار السجناء أو الحراس، أن الحراس أصبحوا يتصرفون بوحشية وأساؤوا للسجناء بعد ستة أيام فقط، مما دفع زيمباردو لإنهاء التجربة قبل الأوان! وأظهرت التجربة أن قوة المؤسسة وضغط الأقران أدى بالحراس المتطوعين من الطلاب العاديين إلى تجاهل الضرر المحتمل حدوثه نتيجة لأعمالهم تجاه السجناء من الطلاب الآخرين.
«أنت لا تحتاج إلى دافع؛ كل ما تحتاجه حقًا هو الوضع الذي يسهل الانتقال بك عبر هذا الخط من الخير والشر»، كما قال زيمباردو
انتهاكات سجن
قال زيمباردو: «أن تفس العملية النفسية الاجتماعية -من عدم الفردية والمكان المجهول والتجريد من الإنسانية، ولعب الأدوار والنماذج الاجتماعية، وعدم الالتزام الأخلاقي والسعي لحيازة رضا المجموعة- التي تمثلت في تجربة اختبار سجن ستانفورد مورست هي نفسها في سجن أبو غريب»!
فهل يمكن لعدد قليل من التفاح الفاسد أن يفسد البرميل؟ هذا ما نريد أن نعتقد، وأننا لا يمكن أبدًا أن نكون نحن التفاحة الفاسدة ، وقال: «نحن التفاح الجيد في البرميل، لكن الناس يمكن أن تتأثر، بغض النظر عن عزمها على مقاومة».
وأشار إلى أن الحالة العقلية لجنود أبوغريب –وعوامل أخرى كالتوتر والخوف والملل، والانهاك الحراري مع انعدام الإشراف والتدريب والمساءلة- قد ساهم في أفعالهم الشريرة.
وأضاف: «أزعم أن القوى الظرفية تهيمن على معظمنا في أوقات مختلفة في حياتنا، فعلى الرغم من أننا نريد أن نؤمن جميعًا أننا البطل الفريد الذي يمكن أن يقاوم تلك الضغوط الخارجية القوية، مثل (جو داربي) البطل الذي وشى بما حدث في سجن أبو غريب».
كتبته: ميليسا ديتمان، عضو في فريق المراقبة، في أكتوبر 2004م.
ترجمة : ماجدة جنينة.
مراجعة لغوية: Mohammed Marashdeh
مراجعة علمية: إسلام سامي
تحرير: ندى المليجي
المصدر: http://www.apa.org/monitor/oct04/goodbad.aspx
Further Reading
Read more about Zimbardo’s Stanford Prison Experiment at www.prisonexp.org.
Further Reading
Bandura, A., Underwood, B., & Fromson, M.E. (1975). Disinhibition of aggression through diffusion of responsibility and dehumanization of victims. Journal of Personality and Social Psychology, 9, 253-269. Milgram, S. (1974). Obedience to authority: An experimental view. New York: Harper & Row. Watson, J. (1973). Investigation into deindividuation using a cross-cultural survey technique. Journal of Personality and Social Psychology, 25, 342-345.