لم تكن العولمة بالمعنى الحديث مطبقة على العصور السحيقة. غير أن التكوين المعقد للميثولوجيا الشجرية، يدفعنا للتفكير حول ماهية الطبيعة الحقيقية للتفسير البشري؛ أبالسة، آلهة، أرواح طيبة، أرواح شريرة، أرواح بلا تأثير، أرواح تتطور و أخرى جامدة! كل هذه الأشكال من الطبيعة المطلقة للشجر في عين الإنسان السابق، تدفع هذا السؤال إلى مخيلتنا من جديد.
في هذا الجزء سنستكشف علاقة العبادة الشجرية في أجزاء متفاوتة فى العالم وعبر التاريخ.
مصر
في مصر القديمة، كانت بداية أوزيريس إله البعث والحساب. هو رمز للخصوبة والخير والخضرة. لكن كل هذا انقلب بعد أن تزوج أخته إيزيس؛ فقد نشأ من شجرة ولم يعرف على وجه التحديد نوعها. لكنه كان مرتبطًا ارتباطًا كبيرًا، بشجرة الطلح.
فيما نجد على رقيم قديم كتب (أوزيريس يرتفع و ينمو)، نجد أيضًا:
– نيث ، حامية الدلتا.
– سرقت، الهة الطب والسحر.
– حتحور.
– نوت، آلهة السماء.
الآلهات الأربعة ارتبطن ارتباطًا شديدًا، بشجرة تين الجميز قديمًا. كانت هذه تعتبر شجرة إلهية لأنها مثمرة حتى في التربة الصحراوية البعيدة عن مجاري النيل والآبار.غير أنهم لم يكونوا يعرفون مدى انتشار وعمق جذور هذه النبتة.، وكانوا يدعون أنها كانت تتجلى فى صورتها ثم يأكلها جذع الشجرة من جديد. مثَّلها الفن المصري قديمًا، في شكل شجرات منحنيات يسكبن اللبن من أثدائهن لكون الشجرة تفرز سائلًا لبنيًا (اللحاء) عند قطعها.
الهند
الإله العظيم براهما الخالق ومانح الحياة وسيد الآلهة. هكذا يصور في اللاهوت الهندوسي، ويمثل منبثقًا من زهرة اللوتس الذهبية.
يذكر الأديب الكونت هرمان كيسرلنج، كيف أن الناس كانو يؤمنون بأنهم إذا ركعوا تحت شجرة مقدسة لبراهما مع تكرار كلمة (أوم) الذي يعتبرونه مقطعًا مقدسًا؛ فإنهم من الممكن أن يدخلوا إلى بواطن نفوسهم لأنهم طبقوا المعنى النهائي للعالم. حسب المعتقد الهندوسي، هنا هم يدركون حالة من النعيم السرمدي بالامتزاج مع ذات الله والفناء فيها.
فنلندا
الميثولوجيا النوردية – الخاصة بالدول الإسكندنافية، في فنلندا، نجد أن الإله يتمثل في شكل مربوط بشجرة الدردار التي تعتبر مقدسة لدى الفنلنديين.
كذلك الإله أو دين كبير الآلهة، إله الحرب والحكمة والمعركة فى الميثولوجيا النوردية. حيث ظل تسع ليال معلقًا على شجرة الصفصاف أو شجرة العالم برمحه، ليتعلم هناك الأنشودات التسع العظيمة، قبل أن ينزل إلى العالم السفلي ليستعيد جائزة الحكمة.
شبه الجزيرة العربية
هنا نجد الآلهة الشهيرة العُزَّى في الثالوث المقدس لدى العرب اللَّات والعُزَّى ومناة. كانت آلهة تدل على القوة والعزة، كما اشتق منه اسمها، وكانت تعبد عند أهل مكة. اختلف المؤرخون فيم إن كانت حجرًا أو مجموعة من الشجيرات. وكان لها بيتًا يطوفون حوله ويتقدمون له بالنذور والهدايا، واربتطت بها شجرة السمر.
إيران
وهنا نذكر الإله أهورامزدا إله الخير والنور عند الزرادشتيين، حين يقول لزرادشت مؤسس الديانة (اذهب يا زرادشت الى الأشجار الحية ودع فمك ينطق فى حضرتها بهذه الكلمات:
انني أصلي إلى الأشجار الطاهرة خالقة أهورامزدا
عوامل كثيرة شكلت فيم بينها مؤثرًا رئيسًا في نظرة الإنسان إلى الشجرة، بعين الإله. فكعادة الإنسان منذ القدم بحبه لوجود السلطة العليا التي تقيده وتحميه فى نفس الوقت، كما أن طول عمر الشجرة -في حد ذاته- يجعله يعتبرها كائنًا إلهيًا خالدًا.. تكون الشجرة هناك، حيث ملكوت السلام والطهارة الكبرى!
المصادر:
1- سيد صديق عبد الفتاح، أغرب الأعياد وأعجب الاحتفالات.
2- Forest Folklore, Mythology and Romance – Alexander Porteous
3- The Sacred Tree in Religion and Myth – J. H. Philpot
4- انتصار الشجرة – جون ستيوارت كوليس
إعداد: محمد أكرم
مراجعة علمية: إسلام سامي
مراجعة لغوية: ريما رباح