تدور في جماعات منذ ولادة نظامنا الشمسي، بقايا معركة كونية مجهولة الهوية، القرص الذي يفصل بين الكواكب الصخرية والغازية، تتفاوت في الأحجام والأشكال، تقبع بين كوكبي المريخ والمشتري منثورة على البساط الفضائي القاتم على شكل حلقة يبلغ قطرها مرتين ونصف ضعف المسافة بين الأرض والشمس، لماذا بالضبط هذا المكان؟ ذلك هو اللغز!، من أين جاءت تلك الأجرام؟ ذلك هو اللغز الأكبر! الذي كثيرًا ما تحير العلماء في كشفه.
إنه حزام الكويكبات وهي أجسام صغيرة يعتقد بأنها قد تركت منذ بداية تكون النظام الشمسي قبل 4.6 بليون سنة. إما أنها مستديرة أو شاذة الأشكال، تمتد مسافة عدة مئات من الكيلومترات ولكن معظمها صغير الحجم.
سنتحدث في هذا المقال عن الكويكبات، التفسيرات المزعومة لأصل حزام الكويكبات والتركيب الكيميائي وأشهر البعثات لاستكشافها.
اكتشاف حزام الكويكبات:
أدت الملاحظات الناتجة من دراسة الكواكب المعروفة، مثل (عطارد، الزهرة، الأرض، المريخ، المشتري وزحل) في مطلع القرن الثامن عشر، علماء الفلك إلى تمييز بعض الأنماط في الحركة المدارية للكواكب، ونتيجة لذلك ظهر قانون (Titius–Bode) وهو القانون الذي يتنبأ بالمسافات بين الكواكب في المجموعة الشمسية ووفقًا لهذا القانون بدى أن هناك فجوة ملحوظة بين مداري المريخ والمشتري، وأدى التحقيق في ذلك إلى اكتشاف كبير، ففي شهر يناير من العام 1801 لاحظ العالم (Giuseppe Piazzi) جرم صغير يدور بمدار نصف قطره تم حسابه بقانون (Titius–Bode).
في البداية كان يعتقد أنه مذنب ولكن أظهرت الملاحظات والنتائج بعدم امتلاكه الهالة المميزة لنواة المذنب (Coma)، وهي الغشاء الضبابي المحيط بنواة المذنب، وتظهر هذه الذؤابة حين يمر المذنب قرب الشمس، ونتيجة لذلك اعتبر بيازي هذا الجرم كوكبًا وأطلق عليه الاسم (سيريس–Ceres)، ثم بعد حوالي 15 شهرًا اكتشف العالم (Heinrich Olbers) جرمًا آخر في نفس المنطقة وتم تسميته (2 Pallas)، في المظهر لا يمكن التمييز بين تلك الأجسام والنجوم حتى بواسطة أعظم وأدق التلسكوبات المستخدمة، ومع ذلك فالحركات السريعة لتلك الأجسام كانت تدل على وجود مدار مشترك، وبالتالي اقترح (ويليام هيرشيل-William Herschel) أن توضع في فئة منفصلة تسمى (الكويكبات-Asteroids) وهي كلمة أصلها يوناني وتعني مثل نجم (Star-like).
وفي عام 1807 تم اكتشاف جسمين جديدين في ذات المنطقة (3 Juno & 4 Vesta)، وتوقفت الاكتشافات فترة بسبب الحروب التي قامت في أوروبا ثم استؤنفت مرة أخرى في عام 1845، حيث تم اكتشاف (5 Astraea) ثم بعد ذلك بوقت قصير وفي أوائل عام 1850 مع ازدياد معدل الاكتشافات تم وضع مصطلح (كويكب – Asteroids)، ثم تدريجيًا تحول اسم المنطقة إلى (حزام الكويكبات -Asteroid Belt) ولم يتم تحديد هوية صاحب الاسم، ثم اسُتخدام مصطلح (الحزام الرئيسي-Main Belt) للتمييز بينه وبين حزام كويبر.
تم تحديد أكثر من 100 كويكب في منتصف العام 1868، ومع ظهور التصوير الفلكي بواسطة العالم (Max Wolf) أدى إلى زيادة معدلات الاكتشافات بشكل سريع، حيث تم العثور على مجموعة الألف كويكب في عام 1921 ثم إلى العشرة ألاف في عام 1981 ثم المائة ألف كويكب في عام 2000، والآن تستخدم أنظمة المسح الكويكب الحديثة الوسائل الآلية لتحديد الكواكب الصغيرة الجديدة بكميات متزايدة، ومع مرور الوقت حالياً تم اكتشاف وجود ملايين الكويكبات في الحزام أغلبها يصل قطره لحوالي كيلو متر واحد وهنالك بعضها يزيد قطرها عن 100 كيلومتر.
ويعتبر الكويكب Ceres هو أكبر الأجرام في هذا الحزام حيث تمثل كتلته فقط حوالي 25 % تقريبا من كتلة الحزام، وتعتبر الكويكبات (Pallas) و(Hygiea) و(Vesta) بالإضافة إلى Ceres أكبر الكتل في الحزام، وتتراوح أحجام كويكبات الحزام من حجم (Ceres) كأكبر جرم فيه إلى حبيبات مثل جزيئات الغبار.
أصل تكون الكويكبات:
في البداية كان يُعتقد أن حزام الكويكبات هو بقايا كوكب ضخم وقاع في المنطقة بين مداري المريخ والمشتري، وقد اقترح هذه النظرية العالم (William Herschel كتفسير محتمل لوجود Ceres و Pallas). ومع ذلك، فإن هذه الفرضية لم تفلح منذ ذلك الحين لعدد من الأسباب منها:
- أن كمية الطاقة المطلوبة لتدمير كوكب ضخم ستكون هائلة جدًا مما يعني أن تأثير الانفجار كان سيظهر على باقي أجرام المجموعة الشمسية.
- الكتلة الإجمالية المنخفضة للحزام تمثل حوالي 4% فقط من كتلة قمر الأرض.
- التفاوت الكبير بين التركيب الكيميائي بين الكويكبات وبالتالي لا تشير أنها كانت مرة واحدة جزءا من كوكب واحد.
أما اليوم فالإجماع العلمي يفسر بأن الكويكبات هي بقايا من النظام الشمسي في بداية عمره قبل تكون أي كواكب بعد. ففي خلال السنوات القليلة الأولى من ملايين السنين من ولادة النظام الشمسي عند ازدياد الجاذبية التي أدت إلى تشكيل الكواكب، بدأت كتل من المادة في التراكم لتتجمع وتُشكل الكويكب والذي يعد المرحلة السابقة لتكوين كوكب، ولكن كانت جاذبية المشتري قوية جدًا لمنع الجزيئات والغبار من تكوين هذا الكوكب، وبالتالي استمرت تلك الأجسام الصغيرة في الدوران حول الشمس التصادم منتجة شظايا وغبار أصغر.
نشر العالمان شون ريمون وأندريه إيزيدورو، الباحثين بجامعة بوردو، ورقة بحثية تطرح نظرية جديدة تشرح أصل تكون حزام الكويكبات، وتقترح الفرضية أن الحزام بدأ كفضاء خالي من المادة تمامًا ثم بدأ ملء هذا الفراغ تدريجيًا بالمواد المقذوفة من الكواكب الداخلية والخارجية في المجموعة الشمسية.
وقد لاحظ العالمان أن الكويكبات القريبة من الكواكب الصخرية والتي تسمى (S-type) تحتوي على السلكيات في فتكوينها مثل الكواكب الداخلية، والعكس صحيح حيث الكويكبات القريبة من العمالقة الغازية وتسمى (C-type) والتي تتكون من كربون مثل الكواكب الغازية. ونستنتج من ذلك أن الكويكبات ربما جاءت من الكواكب أثناء الولادة في بداية النظام الشمسي وهي مواد زائدة (excess material) قذفت بعيدًا لتتجه لمنطقة الحزام لتبقى هنالك إلى وقتنا هذا.
ولاختبار تلك الفرضية، قام الباحثان بصنع نموذجًا يُحاكي السنوات الأولى من عمر النظام الشمسي والذي كان فيه حزام الكويكبات منطقة خالية، وبتحليل النتائج وجدوا إمكانية انتقال المواد الزائدة المكونة للكواكب إلى منطقة الحزام، والتي ظهرت كقرص يحاكي الموجود في الفضاء، ومازال البحث مستمر من قبل الباحثين للحصول على أدلة أكثر متانة وإقناعًا.
نظامنا الشمسي ليس النظام الوحيد الذي يحتوي على حزام كويكبات، توجد سحابة من الغبار حول نجم يسمى (Zeta Leporis)، هذا النجم صغير نسبيًا يبلغ عمره تقريبًا مثل عمر الشمس عندما كانت الأرض تتكوّن، ويقول العلماء أن هذا النظام الخاضع للملاحظات حول النجم زيتا يشابه تصورنا لما قد حدث في السنوات المبكرة من عمر نظامنا الشمسي عندما تكونت الكواكب والكويكبات.
الشكل والتركيب الكيميائي للكويكبات:
تتكون معظم الكويكبات في الحزام من الصخور والأحجار، ولكن جزء صغير منهم يتكون من الحديد ومعادن النيكل، والباقي يتكون من ذلك الخليط بالإضافة إلى المواد الغنية بالكربون، والبعض أيضًا يحتوي على الجليد. وبسبب حجمهم الصغير لا يمكنهم الحفاظ على غلاف جوي، بعض الكويكبات تمتلك أحجام كبيرة حيث يوجد حوالي 16 كويكب بقطر أكبر من 240 كم وأكبرهم هو الكويكب (Vesta) و(Pallas) و(Hygiea) والذين يقدر قطرهم بحوالي 400 كم. ويوجد في المنطقة الكوكب القزم (Ceres) بقطر حوالي 950 كم -ربع حجم قمر الأرض- فهو يحتوي على ثلث كتلة الحزام بأكمله بينما الكويكبات الأخرى ليست سوى كومة من الأنقاض مجتمعة بالجاذبية. والبعض ليس كبير كفاية ليصل للشكل الكروي وبدلًا منه يوجد أشكال غير منتظمة مثل الكويكب (216 Kleopatra) يشبه عظمة الكلب.
تصنف الكويكبات إلى عدة أنواع حسب التركيب الكيميائي والانعكاسية كالآتي:
- الأجرام الكربونية (C-type asteroids)
– وتأخذ الرمز C أي Carbonaceous، وهي من أقدم الأجرام في المجموعة الشمسية، يتكون أغلبها من صخور وسليكا وتراب، وتبدو دائماً مًظلمة، تمثل نحو 75% من أجرام الحزام.
- أجرام السليكا (S-type asteroids)
– وتأخذ الرمز S أي Siliceous، وتتكون من السليكا والحديد والنيكل وتمثل نحو 15% من الأجرام، تمركزها الأساسي يأتي في منتصف حزام الكويكبات.
- الأجرام المعدنية (M-type asteroids)
– تأخذ الرمز M أي Metallic، وكويكبات هذا النوع تتكون من حديد النيكل، وتمثل ما نسبته أقل من 10% من الكويكبات المكتشفة.
- النوع في (V)
– هي الكويكبات البازلتية. والحرف V إشارة إلى الكويكب فيستا الذي يعتقد أنه الوحيد تقريبًا في احتوائه على البازلت.
الكويكبات القريبة من الأرض:
تتواجد بعض الكويكبات في مدارات قرب الأرض فيما يسمى أجرام قرب الأرض (Near Earth Objects (NEOs، وتحديدًا هي الكويكبات والمذنبات التي يمكنها الاقتراب إلى مسافات قريبة من مدار الأرض. وهي تتراوح في حجمها من صغيرة في حجم أمتار إلى كبيرة في حدود 40 كيلومترًا، وهو أكبر الكويكبات القريبة من الأرض ويسمى (Ganymede 1036). الغالبية العظمى من الأجسام القريبة من الأرض هي أصغر من كيلومتر.
يراقب العلماء عن كثب تلك الكويكبات وخاصة التي من الممكن تتقاطع في مدارتها مدار الأرض، وقد تشكل تلك الأجرام خطرًا كبيرًا علينا فيما لو تقاطعت تلك المدرات في نفس الوقت مع مدار الأرض. وتستخدم التلسكوبات البصرية بالإضافة إلى الرادارات في اكتشاف ومراقبة أية أخطار محتملة، إلا أن فرص اصطدام كويكب بالأرض يعتبر احتمال ضعيف جدًا، لكن البعض منها يقترب فعلًا من الأرض مثل (Hermes). ومع ذلك فقد كانت نتائج برنامج ناسا لرصد الأجرام القريبة من الأرض (Near-Earth Object Observations-NEOO) أن أي من الكويكبات الكبيرة تلك لا تشكل حاليا تهديداً على الأرض، ولكن ما زال هناك عدد لا بأس به غير مكتشف.
الرحلات الاستكشافية للكويكبات:
تعتبر المسافات بين الكويكبات في الحزام كبيرة جدًا على عكس فيلم حرب النجوم والذي تظهر فيه معاناة المركبات الفضائية في المرور داخله فتصطدم بالكويكبات. لكن الحقيقة تمكنت عدة مركبات -غير مأهولة- بالمرور داخل الحزام بدون اصطدامات كرحلة لاستكشاف الفضاء الخارجي أو كمهمة لدراسة الكويكبات داخل الحزام نفسه.
مركبة الفضاء (Pioneer 10)، انطلقت في أول رحلة استكشافية والتي دخلت المنطقة بنجاح في 16 يوليو عام 1972 كجزء من بعثة استكشاف كوكب المشتري وحلقت حول المشتري في ديسمبر 1973.
وهذه المهمات الاستكشافية لحزام الكويكبات:
- المركبة (Galileo)، حلقت قرب الكويكب (Gaspra) في عام 1991، ثم الكويكب (Ida) في عام 1993.
- المركبة (NEAR)، قامت بالمرور ودراسة الكويكب (Mathilde) في يونيو عام 1997 والكويكب (Eros) في ديسمبر عام 1998.
- المركبة (Deep Space 1)، والتي حلقت لدراسة الكويكب (Braille) في أكتوبر 1999.
- المسبار (Stardust)، والذي أرسل لدراسة الكويكب (Annefrank) في فبراير عام 1999.
- المركبة الفضائية اليابانية (Hayabusa) قامت الهبوط على الكويكب القريب الأرض (Itokaw) لجمع عينات، وعادت المهمة بنجاح إلى الأرض في يونيو 2010، وقد كانت هذه المهمة هي الأولى من نوعها في الهبوط وجمع عينات والإقلاع من سطح كويكب.
أرسلت ناسا في سبتمبر من عام 2007 المسبار (Dawn) لدراسة الكويكبين (Ceres) و(Vesta)، ونجح المسبار في الوصول لـ(Vesta) في عام 2011 واستقرت عليه حوالي عام، ثم انتقلت إلى (Ceres) في عام 2015 وحتى تلك اللحظة تحلق في مداره. وتعتبر أول مركبة فضائية في التاريخ تدخل في مدار حول كوكب قزم، وأول مركبة تتخذ مدارين حول جسمين مختلفين في النظام الشمسي.
دراسة تلك الكويكبات والمذنبات يتيح للعلماء فرصة ثمينة لمعرفة المزيد عن أصل النظام الشمسي، ومصدر المياه على الأرض، وحتى أصل الجزيئات العضوية التي تؤدي إلى تطور الحياة. وفي يوم من الأيام يمكن أن تصل البشرية إلى التنقيب عن مصادر المعدنية داخل تلك الكويكبات واستخدامها داخل مجال الفضاء لصناعة الصواريخ والوقود الخاص بها، أو يمكن استعمار كويكب في يوم من الأيام حيث يوجد المليارات من الأجسام التي لم تستكشف بعد.
إعداد: أمير علاء عياد
مراجعة: Mohammed Abkareno
المصادر: