هل تساءلت يومًا ما، كيف يستجيب عقلك لشكة دبوس في يدك، ويجعلك تُبعدها دون أدنى تفكيرٍ منك؟
بالتأكيد تعرضت لموقفٍ مشابه لذلك نوعاً ما، والسبب في ذلك هو إرسال الدماغ إشارات عصبية إلى يدك في لمح البصر؛ لحمايتها من الأذى. بالطبع، تحتاج هذه الإشارات إلى موصل تُحمل عليه وتُنقل خلاله، وفي جسدك تُسمى هذه الموصلات بـ «النواقل العصبية-Neurotransmitters».
النواقل العصبية الكيميائية عبارة عن رُسُل كيميائية، يُنتجها الجهاز العصبي؛ من أجل نقل النبضات العصبية من خلية إلى خلية أخرى، لتوصيل المعلومات التي يحملها السيال العصبي. قد تكون الخليتين عصبيتين، أو تكون إحداهما عصبية والأخرى عضلية أو غُدية.
تُسمى الخلية العصبية أو العصب الذي يُنتج ويُطلق النواقل العصبية باسم «خلية ما قبل التشابك-Presynaptic cell»، بينما تُشير خلية ما بعد التشابك إلى الخلية المستقبلة للرسالة الكيميائية.
كيف تُحرك إصبعك؟
في هذه الحالة، يُصاحب توصيل المعلومات اللازمة لحركة إصبعك انتقال بعض النواقل العصبية، والمخزنة في حويصلات، خلال فجوة أو شق تشابُكي ضيّق بين كل عصب والأخر يُسمى «منطقة التشابك العصبي-Synapse».
يوجد في نهاية كل خلية عصبية منطقة ما قبل التشابك العصبي، فعند وصول إشارة السيال العصبي إلى تلك المنطقة، تندفع هذه النواقل من الحويصلات -مرورًا بمنطقة التشابك- باتجاه بداية الخلية العصبية التالية لها، حيث توجد العديد من المستقبلات على سطحها، والتي ترتبط بما يتناسب معها من النواقل بطريقة تشبه «القفل والمفتاح-Key and lock» ، وهكذا في العصب الذي يليه ثم الذي يليه، إلى أن يصل السيال العصبي لواجهته المنشودة، وهي هُنا عضلات اليد؛ لأداء وظيفة معينة في الجسم مثل الحركة، كنتيجة لتفعيل هذا المركب المتكون من الناقل ومستقبله.
ينطبق هذا المثال على معظم وظائف الجسم الإرادية وغير الإرادية كنبض القلب وحركة أعضاء الجسم الداخلية.. إلخ، ويُمكن للنواقل العصبية أيضًا أن تؤثر على المزاج والحالة النفسية والتركيز والوزن.
ماذا تفعلُ بك هذه النواقل العصبية؟
هناك العديد من المواد الكيميائية التي تقوم بدور النواقل العصبية، يُمكن تقسيمها إلى نوعين أساسييّن هما: «النواقل المنشّطة-Excitatory Neurotransmitters» ، وتقوم بتحفيز أعضاء مُعينة في الجسم للقيام بوظيفتها، والنواقل المثبّطة، تقوم -على العكس- بمنع أو تقليل نشاط أعضاء مُعينة، وهناك من يقوم بالوظيفتين في آنٍ واحدٍ حسب موقعه ومكان إفرازه، مثل الدوبامين.
فلنُلقي نظرة على النواقل العصبية الأساسية ووظائفها في الجسم.
فمن النواقل المنشّطة:
1- «الهيستامين-Histamine»:
نعلمُ جميعًا أن للهيستامين دور شائع ومعروف في تفاعلات الحساسية، ولكنه أيضًا يلعب دورًا في عملية نقل السيال العصبي، حيثُ يؤثر على عواطف الشخص وسلوكياته، ويساعد على التحكم في دورة النوم واليقظة، ويحفز إفراز الابينفرين والنورابينفرين.
عند زيادة معدلات الهيستامين، فإنه يزيد من قابلية الشخص للتعرض للوسواس القهري والاكتئاب والصداع، بينما تساهم مستوياته المنخفضة في الشعور الدائم بالإجهاد والحساسية ضد الأدوية.
2- «نوربينفرين-Norepinephrine»:
يُطلق عليه أيضًا «النورادرينالين-Noradrenaline»، وهو ناقل عصبي منشّط للجهاز العصبي السمبثاوي، حيث يمثل استجابة للمكافحة أو الهروب عند التعرض لأي ضغوط خارجية أو أذى. يعمل على زيادة كل من معدل ضربات القلب، ونسبة الجلوكوز في الدم، وزيادة تدفق الدم في العضلات. كما يلعب دورًا في انتباه العقل، والعاطفة، والنوم، والتركيز والتعلم.
وبالمجمل يؤدي إلى تحضير الجسم لحالات الكر والفر. ويصاحب المستويات المنخفضة منه انخفاض الطاقة، ونقص القدرة على التركيز، ومشاكل في دورة النوم.
3- «الأسيتيل كولين-Acetyl choline»:
أكثر أنواع النواقل المنشّطة تواجدًا في الجسم، فهو المسؤول عن تقلص العضلات وبالتالي حركة الجسم، وأيضًا يحفز إفراز بعض الهرمونات. وفي الجهاز العصبي المركزي، فإنه يُساهم في اليقظة والانتباه، والعدوان والغضب، والعطش. وترتبط الإصابة بمرض الزهايمر بغياب الاسيتيل كولين من مناطق معينة بالدماغ.
4- «الجلوتامات-Glutamate»:
أحد النواقل المنشّطة التي يرتبط التعلم والذاكرة بها؛ لذلك يُعد نقصانه سببًا أساسيًا في ضعف الذاكرة، كأحد الأعراض الأولى لمرض الزهايمر.
ومن النواقل المثبّطة:
1- «السيروتونين-Serotonin»:
سُميّ كذلك لأنه موجود في مصل الدم (Serum)، وأيضًا لأنه يُسبب تقلُص العضلات (Tonicity). قد تعتقد أن نسبة وجوده الأساسية تكون مُركزة في الدماغ، ولكن في الحقيقة، الأغلبية منه توجد في القناة الهضمية، بينما نسبته في الدماغ لا تتعدى ١٠% من نسبته الكلية في الجسم. يؤثر هذا الناقل على الحالة المزاجية للشخص، ودورة النوم، والتحكم بالألم، وهضم الغذاء.
تعاطي المنشطات أو الكافيين على المدى الطويل يمكنه أن يسبب استنزافه، وأيضًا انخفاض مستويات السيروتونين يكون مصحوبًا بانخفاض وظيفة الجهاز المناعي.
2- (Gamma-amino butyric acid) (GABA)
يلعب هذا الناقل دورًا في الرؤية والتحكم بالجسد، كما يساعد على تحقيق التوازن بين الخلايا العصبية مفرطة النشاط وخاصةً عندما يتعلق الأمر بالخوف أو القلق؛ لأن إطلاقه يساعد على تهدئة الشخص المُثار. تعاطي الكافيين يمنع إطلاق هذا الناقل من حويصلاته، وبالتالي يُصبح الدماغ أكثر إثارة.
في حين أن هناك بعض الأدوية تعمل على زيادة معدلاته في الدماغ، مما يساعد في علاج الصرع، وعلاج رعشة المرضى الذين يعانون من مرض «Huntington’s»، وهو مرض عقلي بسبب موت خلايا المخ.
3- «الدوبامين–Dopamine»:
تعتمد تأثيرات الدوبامين على المكان الذي تُطلق فيه، والكمية التي يتم إطلاقها، وكذلك على أنواع المستقبلات التي تم تنشيطها بارتباطه بها، فللدوبامين خمسة أنواع من المستقبلات، ويُساهم في التحكم بحركة الجسم وتوقفه، كما أنه يُعدل الحالة المزاجية للشخص.
تسبب زيادة أو انخفاض معدلات الدوبامين كثيرًا من الأمراض البدنية والعقلية، فالاستنزاف التام للدوبامين وفقدانه في أجزاء معينة في الدماغ يؤدي إلى الاصابة بشلل الرعاش.
وعلى الجانب الآخر، ترفع أدوية الإدمان مستويات الدوبامين إلى نفس مستوى وجوده في الدماغ، وبالتالي تؤدي إلى زيادته لدى أولئك الذين يعانون من الإدمان إلى تغيرات طويلة الأجل أو دائمة في خلايا الدماغ.
إذًا، ينتقل السيال العصبي بهذه النواقل العصبية، ومن ثمّ تُحدث التأثير المطلوب. ولكن هل ستظل حالة الجسم في تحفيزٍ أو تثبيطٍ دائم إلى ما لانهاية؟
بالطبع لا، فهناك إنزيمات معينة مثل الاسيتيل كولين ستريز، تقوم بالتخلص من النواقل العصبية مثل الاسيتيل كولين، أو يتم إرجاع هذه النواقل إلى مكانها الأصلي في منطقة ما قبل التشابك مع الخلية العصبية المجاورة، لضمان عدم استمرارية هذه الأفعال.
إعداد: إيمان الواعي
مراجعة علمية: أميرة إسماعيل
مراجعة لُغويَّة: Israa Adel
المصادر:
http://sc.egyres.com/YTZt7
http://sc.egyres.com/oFBUv
http://sc.egyres.com/49vPb
http://sc.egyres.com/Od2Hw
http://sc.egyres.com/RKhCs