السماء تلك اللوحة الجميلة المليئة بالتفاصيل الخفية. نجوم هنا وانفجارات نجمية هناك، سدم ومجرات وأجرام سماوية، كل تلك التفاصيل الصغيرة لم يكن من الممكن اكتشافها ولا الإستمتاع بجمالها لولا مراقبتها في السماء. وكما يُقال فإن الحاجة هي أم الاختراع؛ ولأن أعيننا البشرية محدودة الاتساع (ذات قطر يساوي حوالي 5-7 مليمتر)، فكان علينا الاستعانة بعين اصطناعية باتساعٍ أكبر؛ لتقوم بتجميع المزيد من الضوء، تلك العين الاصطناعية هي التلسكوبات.
المهمة الرئيسية للتلسكوبات هي تجميع أكبر قدر من الضوء، ويُعد أول من ابتكر التلسكوب هو صانع النظارات الهولندي (هانس ليبرشي) سنة 1608م، وبعدها بسنة عندما سمع جاليلو بهذا الاختراع قام بصنع تلسكوبه الخاص مع بعض التحسينات بدون رؤية أي تلسكوب أخر، كما أنه يعتبرُ أول من وجه التلسكوب ناحية السماء واضعًا بذلك بذرة علم الفلك.
لا تختلف آلية عمل التلسكوبات والكاميرات كثيرًا عن العين البشرية، فكلًا منهما يعتمد على نفس المبادئ: انكسار الضوء عند مرورة من وسط إلى أخر، وهنا يمر من الهواء إلى العدسة (الزجاج) أو العكس، وتكمن الفكرة الرئيسية هنا في استخدام تلك الخاصية في محاولة تجميع أكبر قدر من الضوء من خلال فتحة العدسة وتوجيهه نحو مركز الرؤية أو مستشعر ضوئي وربما تكبير الصورة.
وهناك ثلاث أنواع من التلسكوبات:
- التلسكوب الكاسر (Refractor) ويستخدم فيه العدسات.
- التلسكوب العاكس (reflector) ويستخدم فيه المرايات بدل من العدسات (الشيئية)، ويُدعى أيضًا بالتلسكوب النيوتني نسبة إلى نيوتن الذي يُعد أول من استخدم المرايات لتجميع وتوجيه الضوء بدلًا من العدسات.
- وهناك نوع أخر يجمع بين النظامين السابقين يدعى الانعكاسي الانكساري- (Catadioptric) حيث يستخدم كلًا من المرايات والعدسات معًا.
وسنتعرف فيما يلي على بعض المصطلحات الخاصة بالتلسكوبات وعالم التصوير الفوتوغرافي، وكذلك بعض أهم مكونات التلسكوبات.
عدسة أو مرآة شيئية (Objective):
بالنسبة للتلسكوب الكاسر فتسمى العدسة في طرف الأنبوبة الأقرب للشيء المراد رؤيته بالعدسة الشيئية، ومهمتها تجميع الضوء وتركيزه في نقطة أو مستوى بؤري (Focal plane)، وقد تكون عدسة واحدة أو مجموعة عدسات لتفادي مشاكل مثل الزيغ اللوني أو الكروي الناتجين عن عدم تركز أشعة الضوء في نقطة واحدة، أمّا في حالة التلسكوب العاكس فيتم استخدام مرايات بدلًا من العدسات.
العدسة العينية (Eyepiece):
وتستخدم للحصول على صورة مناسبة لأعيننا من التلسكوب، يتم استخدام عدسة ثانية (أو مجموعة من العدسات) وتسمى العدسة العينية ومهمتها تكبير الصورة.
فتحة العدسة (Aperture):
هي الفتحة التي يمرُ من خلالها الضوءُ إلى التلسكوب، وهي أهم عنصر في التلسكوب؛ لذلك تجد أنَّ التلسكوبات يتم وصفها بقطر تلك الفتحة (تلسكوب 6 بوصة مثلًا)، وكما ذكرنا من قبل فإنَّ المهمة الرئيسية للتلسكوبات هي تجميع الضوء، فأحد أسباب أنك لا تستطيع رؤية بعض الأشياء أو تفاصيلها بوضوح هو أنَّ عينك لا تجمع ضوء كافي من تلك الأشياء؛ وبالتالي لا تحتل مساحة كبيرة من شبكية عينك، ولكن كلما ازدادت الفتحة كلما حصلنا على ضوء أكثر وكانت الرؤية أسطع وأوضح، ولتبسيط الأمر فالموضوع أشبه بوضع كوبًا ودلوًا على الأرض في ليلة ممطرة لتجميع بعض المياه، ونظرًا لاتساع الدلو؛ فسيجمع كمية من المياة أكثر من الكوب.
وتتناسب قدرة تجميع الضوء في التلسكوب بشكل مباشر مع مساحة العدسة أو (المرآة في التلسكوب العاكس)، والتي بدورها ترتبط مع مربع قطر الفتحة، فتلسكوب ذو مرآة شيئية بقطر 200 ملم يجمع أربعة أضعاف الضوء الذي يجمعه تلسكوب بمرآة قطرها 100 ملم؛ ولذلك حتى تلسكوب متواضع بفتحة عدسة 100 ملم (حوالي 4 بوصات) لديه تقريبًا 204 ضعف قدرة العين على جمع الضوء، مما يمكنك من رؤية المزيد من الأجرام والتفاصيل التي لا تستطيع رؤيتها بعينك المجردة.
ويمكن حساب نسبة القدرة على جمع الضوء بين أداتين مختلفتين من خلال المعادلة:
(مربع فتحة العدسة للأداة الكبيرة) ÷ (مربع فتحة العدسة للأداة الصغيرة)
ففي المثال السابق تم حساب المقارنة بين التلسكوب 4 بوصة (100 ملي) والعين (7 ملي) هكذا: 2(7/100) = 204
البعد البؤري (Focal Length):
عندما يسقط الضوء على مرآة أو ينفذ من خلال عدسة يتم توجيهه عن طريق الانكسار أو الانعكاس للتركيز في نقطة أو مستوى على مسافة معينة من المحور البصري للعدسة، هذه المسافة تدعى بالبعد البؤري للعدسة (الشيئية).
في هذا المستوى البؤري يمكنك بالفعل رؤية صورة حقيقية لشيء بعيد، فعلى سبيل المثال إذا كان لدينا تلسكوبًا ذو عدسة موجهة ناحية شجرة بعيدة أو ناحية القمر؛ فإنّ صورة الشجرة أو القمر ستكون مرئية على شاشة موضوعة عند هذا المستوى البؤري.
ويؤثر البعد البؤري للعدسة الشيئية أو مرآة التلسكوب إلى حد ما على الطول الكلي للتلسكوب فمثلًا: تلسكوب 12 بوصة والذي يستخدم مرآة كبيرة لجمع ضوء النجوم سيكون البعد البؤري له 60 بوصة، وبالتالي سيكون الطول الإجمالي للتلسكوب كبير جدًا، وربما يكون غير عملي بالنسبة للبعض.
جدير بالذكر أنّ بعض التلسكوبات الحديثة تستخدم تصميمات بصرية ذكية لضغط الطول البؤري في أنبوب بصري صغير، فتلسكوب من هذه النوعية الذكية يحتوي على مرآة 8 بوصة (200 ملم) ببعد بؤري 80 بوصة (2000 ملم)، ولكنها مصممة لتضغط البعد البؤري في أنبوب يقل طوله عن 20 بوصة (500 ملم).
قبل الانتقال إلى الفقرة التالية يجدر الأشارة هنا إلى أنّ البعد البؤري ليس صفة خاصة بالعدسات أو المرايات فقط، ولكنه مرتبط بقدرة تجميع أو تشتيت الضوء في نقطة بؤرية ما (Focal point) وكذلك الأمر بالنسبة للأنظمة الأخرى التي تستخدم نفس الفكرة في تجميع الموجات الأخرى في نقطة بؤرية، فعلى سبيل المثال تجد البعد البؤري في التلسكوبات الراديوية المعدنية، والتي غالبًا ما تكون أشبه بالأطباق التي نضعها في الأماكن المرتفعة لإلتقاط إشارات القنوات التلفزيونية ومن ثم عكسها لتتجمع في نقطة بؤرية تسمى قرن الإستشعار (feedhorn) جدير بالذكر أنّ الضوء جزء من نطاق عريض من الموجات الكهرومغناطيسية.
التكبير (Magnification):
لمعرفة التكبير الذي يقوم به التلسكوب فعلينا النظر إلى البعد البؤري للعدسة الشيئية والبعد البؤري للعدسة العينية، ومن خلال البعدين البؤريين للشيئية والعينية يمكن بسهولة حساب قدرة التكبير للتلسكوب؛ فإذا كان البعد البؤري للشيئية هو (F) والبعد البؤري للعينية هو (f)، فإن تكبير العدسة العينية أو التلسكوب يساوي:
(البعد البؤري للشيئية) ÷ (على البعد البؤري للعينية) = F/f
على سبيل المثال، إذا كان التلسكوب يحتوي على عدسة شيئية ببعد بؤري يبلغ 1200 ملم (حوالي 48 بوصة)، وعدسة عينية ذو بعد بؤري 25 ملم (حوالي 1 بوصة)؛ فسيكون التكبير حينها يساوي 25/1200 = 48x وتقريبًا جميع التلسكوبات تسمح لك بتغيير العدسات للحصول على تكبير مختلف، فإذا كنت ترغب في الحصول على تكبير 100x في هذا المثال، فيجب أنْ تستخدم عدسة عينية ببعد بؤري 12 ملم.
وكقاعدة عامة أقصى تكبير مفيد للتلسكوب هو حوالي 50 xضعف فتحة العدسة بالبوصة، فأي زيادة في التكبيرعن هذا الحد فستكون الصورة قاتمة ومشوشة للغاية ولن تكون مفيدة، فعلى سبيل المثال يمكن لتلسكوب 4 بوصة أنْ يحقق لك تكبير يساوي حوالي 200x قبل أنْ تصبح الصورة قاتمة ومشوشة جدًا، في حين أنْ تلسكوب 6 بوصة يصل تكبيره إلى 300x وهكذا.
ولكن هذه القاعدة ليست صارمة، ففي بعض الأحيان عندما يكون الغلاف الجوي غير مستقر يمكنك فقط الوصول إلى تكبير 20x أو 30x لكل بوصة لفتحة العدسة، وقد يتحسن الأمر بفضل تقنيات البصريات عالية الجودة والرؤية الثابتة؛ فيصل التكبير إلى حوالي 70x أو حتى 100x لكل بوصة من الفتحة، على سبيل المثال يمكنك الحصول على تكبير 400x مع تلسكوب 4 بوصة، لكن يُعد هذا أمرًا نادرًا.
النسبة البؤرية ومجال الرؤية (Focal ratio/Field of view) :
وهي تساوي البعد البؤري مقسومًا على قطر العدسة الشيئية، وتتضمن النسبة البؤرية الأعلى تكبيرًا أكثر ومجال رؤية أضيق، وهو أمر مناسب لرصد القمر والكواكب والنجوم الثنائية، فبالنسبة لهذه الأجرام فنسبة بؤرية f/10 أو أكثر يُعتبر أمرًا مثاليًا، ولكن إذا كنت ترغب في مجال رؤية أوسع لرؤية مناظر ممتدة مثل العناقيد النجمية والمجرات ودرب التبانة فنسبة بؤرية أقل ستكون أنسب، فعلى الرغم أنك سوف تحصل في هذه الحالة على تكبير أقل، ولكن مجال الرؤية سوف يتسع وسترى المزيد من السماء.
كما أنّ النسبة البؤرية تؤثر أيضًا على سطوع الأجسام الممتدة مثل السديم أو المجرة، فسطوع صورة تلسكوب ذو نسبة بؤرية f/5 أكثر بأربعة أضعاف من سطوع صورة تلسكوب ذو نسبة بؤرية f/10، وستظل جميع السمات الأخرى واحدة فيما عدا الحجم، حيث أنه في حالة النسبة البؤرية f/5 سيكون حجم الصورة نصف حجم مثيلتها في حالة النسبة البؤرية f/10 ومع ذلك فإنّ سطوع النجوم التي تبدو كمصدر نقطي للضوء لا يتأثر بذلك ولكنه يتأثر فقط بفتحة العدسة للتلسكوب.
قدرة التمييز (Resolving Power):
دقة التلسكوب هي مقياس لقدرته على التمييز بين التفاصيل الصغيرة لشيءٍ ما أو التمييز بين شيئين متقاربين للغاية من بعضهما البعض، للتبسيط فالأمر أشبه بظاهرة تجدها عندما تقوم بالنظر إلى سيارة قادمة باتجاهك، حيث ترى ضوئها وكأنه قادم من مصباح واحد كبير، في حين أن ضوئها كما تعلم يأتي من مصباحين ولكن لا تستطيع التمييز أو الفصل بينهما، ربما لو امتلكت عين أكبر لاستطعت التمييز، حيث أنّ قدرة التمييز تتناسب مع فتحة العدسة (وأيضًا مع الطول الموجي للضوء).
وبالنسبة للتلسكوبات فتُعد الدقة أمرًا مهمًا عندما تحاول على سبيل المثال فصل نجمين متقاربين بينهما مسافة صغيرة ولكنهما يبدوان متداخلين ظاهريًا، أو عند محاولة تبيان التفاصيل الدقيقة على القمر أو الكواكب، ويتم حساب قدرة التمييز للتلسكوب من خلال المعادلة:
قدرة التمييز = 116 / D ثانية القوسية
وتتناسب الدقة طرديًا مع فتحة التلسكوب، فيمكن لتلسكوب بفتحة عدسة 200 ملم أنْ يمييز تفاصيل تقترب من 0.58 ثانية قوسية أي ضعف ما يمكن أن يميزه تلسكوب بفتحة 100 ملم، -الثانية القوسية تساوي 3600/1 من الدرجة- ولكن حركة وعدم استقرار الغلاف الجوي للأرض غالبًا ما تحد من الدقة العملية للتلسكوب.
الكاميرا:
مبادئ البصريات تظل نفسها في مختلف الأدوات، فالكاميرا (الحديثة) أيضًا تتكون من فتحة عدسة تقوم بتجميع الضوء من خلال الانكسار؛ ليسقط عند بعد بؤري معين على حساس الضوء (Image sensor)، وهو الجزء الرئيسي في الكاميرا والمسؤول عن استقبال الضوء المنعكس من المشهد عبر العدسة وتحويله إلى صورة كهربية بغية معالجته وتخزينها.
وكما علمنا من قبل أنّ هناك علاقة طردية بين القدرة على تجميع الضوء وبين فتحة العدسة، فهذا صحيح بالنسبة للكاميرات أيضًا؛ لذلك فتحة عدسة أكبر تجعل الصورة أسطع، ويجب التنويه إلى أنّ فتحة العدسة ذو علاقة عكسية مع رقمها المذكور، بمعنى أنه كلما زاد الرقم الذي يصف فتحة العدسة كلما قل قطر الفتحة الفعلي والعكس صحيح، ففتحة عدسة F/2 أقل اتساعًا من فتحة عدسة 1.8F/ والسبب في ذلك هو أنّ فتحة العدسة في الكاميرات لا يتم وصفها بذاتها ولكن تُنسب إلى البعد البؤري (F)، أي أنّ الرقم المذكور يصف المقام، وبالتالي كلما كبر الرقم كلما قلت نسبة فتحة العدسة من البعد البؤري والعكس صحيح، وللتوضيح أكثر: لو أننا لدينا عدسة (F/4) وبُعدها البؤري 100 ملي فإنّ نسبة فتحة العدسة من البعد البؤري هي 4/100، أمّا إذا كانت عدسة (F/8) فإن النسبة هي 8/100، وبالتالي هي أقل من سابقتها.
ولكي يلتقط الحساس صورة لمشهد ما يجب عليه أن يتوقف عن التعرض بشكل مستمر للضوء بعد فترة محددة تدعى بفترة التعريض (exposure time)، وهنا يأتي دور الغالق (Shutter) الذي يقوم بالسدول بعد مدة معينة أمام الحساس ليمنعه من التعرض إلى المزيد من الضوء، وهو ما يسمى بسرعة الغالق (Shutter speed) وهذه المدة تقاس بأجزاء من الثانية، وتختلف سرعة الغالق من كاميرا إلى أخرى، فكلما كانت سرعة الغالق أعلى كلما قلت فترة التعريض والعكس صحيح، ويختلف كلًا من وضوح وسطوع الصورة وفقًا لكمية الضوء ولهذه المدة التي يتعرض لها الحساس للضوء.
بالنسبة للأجسام الخافتة نحتاج إلى فترة تعريض أطول من الأجسام الساطعة وذلك مع وضع فتحة العدسة في الاعتبار، وتكمن في مثل هذه المقايضة الإجابة على لغز عدم رؤية نجوم في خلفية بعض صور الأجرام التي يتم نشرها من الفضاء، حيثُ يتم ضبط تعريض الصورة بما يناسب سطوع الجرم المراد إلتقاط صورة له في المقدمة، وبالتالي لا تظهر النجوم في الخلفية لأنها تحتاج إلى تعريض أطول، ولكن لو قمنا بإطالة فترة التعريض لإظهار النجوم الخافته في الخلفية؛ فلن تظهر سوى صورة بيضاء تمامًا نتيجة زيادة التعريض لهذا الجرم في المقدمة عن المطلوب وهو ما يدعى بالتعريض الزائد (Overexposure)؛ لذلك يتم استخدام تعريض مناسب لسطوع هذا الجرم دون الأخذ في الاعتبار النجوم في الخلفية.
وبجانب فتحة العدسة وسرعة الغالق هناك عنصر أخر وهو حساسية الضوء (ISO) وهو يعبر عن مدى حساسية مستشعر الكاميرا للضوء، ليكتمل بذلك مثلث التعريض الذي من خلاله يتم تحديد قيمة كل عنصر بما يناسب الصورة المراد التقاطها، فهناك أكثر من توليفة يمكنها أنْ تؤدي إلى نفس الصورة تقريبًا.
وأخيرًا فإن مقالة واحدة لا تكفي للخوض في بحر مجال التلسكوبات والتصوير، فباستخدام تقنيات التصوير يمكننا الحصول على صورة جميلة وخلابة للكون المذهل، وربما الآن بعد قراءة هذه المقالة قد أصبح لديك خلفية جيدة إنْ أردت شراء تلسكوب جديد أو حتى آلة تصوير جديدة لممارسة هوايتك المفضلة.
إعداد: محمد عزت
مراجعة: محمد االمصري
تدقيق لغوي: محمود الدعوشي
المصادر: