يقول المعماري بارفين (Alastair Parvin) مؤسس ( WikiHouse):
«إن المعماريين وأفضل المعماريين في العالم يعملون لصالح الفئة الأغنى، وهي الـ1 % من مجموع الناس، وهنا علينا التفكير كيف لنا كمعماريين أن نعمل لصالح الـ99% المتبقين. وهذا ما ستساعد نمذجة معلومات البناء بتحقيقه، مع التركيز على المصدر المفتوح الذي قد يُحقق عندها مقولته الثانية بأنه في المستقبل قد يتمكن المواطنون من تطوير مدنهم بأنفسهم».
تعريف نمذجة معلومات البناء BIM:
هي تكنولوجيا حديثة لعمل نموذج للمبنى به كل المعلومات.
إن فكرة عمل نموذج محاكي للمبنى وخاصةً المشاريع القومية قديمة قِدمَ التاريخ، فمثلًا نجد أهراماتٍ صغيرة كنماذج للبناء بجوار الأهرامات الثلاثة الكبيرة، وكذلك أيضًا عند بناء السدود لأنها مشاريع عملاقة وقومية، حيث يتم بناء نموذج لها بثلث الحجم مثلًا لتجربتها. ولكن تكلفة تجربة تلك النماذج قد تكون أكبر من تكلفة المبنى نفسه، نظرًا لأنه قد يتم بناء أكثر من نموذج لتجربته.
في فيلم «الجسر على نهر كواي» تم عمل نموذج للجسر الحقيقي الذي تم تنفيذه أثناء الحرب. الجسر الذي أُقِيمَ في الفيلم كَلَّف أضعاف الجسر الذي أُقيمَ في الحقيقة على الرغم من أن النموذج لم يكن مصممًا للنقل، بل كان مؤقتًا للتصوير وسيتم تدميره لاحقًا في نهاية الفيلم.
في السبعينات من القرن العشرين، بدأ التفكير في عمل النموذج على الكمبيوتر توفيرًا للتكلفة العملاقة التي يتطلبها عمل نموذج حقيقي.
وكان أول من طرح الفكرة هو المهندس الأمريكي (دوغلاس إنجلبرت) في عام 1962 حيث يقول: «يبدأ المهندس بإدخال سلسلة من المواصفات والبيانات مثل: 6 بوصات لسماكة البلاطة، و12 بوصة لسماكة الجدران الخرسانية المثبَّتة بعمق 8 أقدام وهكذا. وعندما ينتهي، يُظهر المشهد على الشاشة هيكلًا ذا شكلٍ يقوم المهندس بمعاينته وتعديله، ثم تزداد قوائم المعلومات المُدخلة هذه وتترابط أكثر مما يُشكِّل فكرًا ناضجًا داعمًا للتصميم الفعلي». تلا ذلك ورقة كتبها فان نيدرفين (Van Nederveen) وآخرون في عام 1970. ومع ذلك، فإن شروط تصميم أي بناء ونمذجة معلومات البناء -بما في ذلك اختصار BIM- لم يُستخدم شعبيًا حتى صدور كتاب أوتوديسك الأبيض بعنوان «نمذجة معلومات البناء».
إذًا، ماذا كان يُطلَق على هذه التكنولوجيا قبل ذلك؟
- شركة جرافي سوفت (GRAPHISOFT) استخدمت لفظ المبنى الافتراضي (Virtual Building).
- بنتلي سيستمز استخدمت مصطلح نماذج المشروع المتكاملة (Integrated Project Models).
- أما شركة (Autodesk) استخدمت مصطلح نمذجة معلومات البناء (Building InformationModeling)
لكن مع ذلك، لم تكن أجهزة الكمبيوتر قوية بما فيه الكفاية، ولم يكن بإمكانها معالجة هذا الكم من البيانات، وعندما تطورت الأجهزة الحاسوبية حدثت نقلة كبيرة في توفير التكلفة مثل تقليل تكلفة التعديل، وهذه الوفرة استفاد منها الأغنياء، فهل يمكن أن يستفيد منها الفقراء؟
«مهندس الفقراء» المهندس المصري حسن فتحي كان من أسرةٍ غنية، ورغم هذا خَصَّصَ معظم حياته لبناء قرىً ومباني للفقراء مثل قرية «القرنة».
وكان المهندس حسن فتحي يذهب للفقراء ويجلس معهم ويقوم بعمل التجارب المتكررة لبناء أرخص المباني بأرخص المواد، وليس فقط بالطين كما هو شائع بل بالمواد الخام التي في المنطقة قائلًا: «أنظر تحت قدميك وابنِ».
كيف يمكننا الاستفادة من تقنية نمذجة معلومات البناء، لصالح الفقراء؟
هناك عدة طرق يمكن من خلالها تطبيق مفهوم عمارة الفقراء جنبًا إلى جنب مع نمذجة معلومات البناء، منها على سبيل المثال: النماذج المتكررة (prototype buildings)، كنماذج إسكان الشباب.
ويقول المعماري ألاستير بارفين: «والفكرة الثانية التي تستحق التساؤل هو هذا العُرف السائد في القرن العشرين بأن العمارة الشاملة هي عن المباني الكبيرة والتمويل الكبير. في الواقع، لقد حبسنا أنفسنا في عقلية الحقبة الصناعية هذه والتي تقول أن الأشخاص الوحيدين الذين يمكنهم إنشاء المدن هم المؤسسات الكبيرة أو الشركات التي تقوم بالبناء بالنيابة عنّا وإنشاء أحياء كاملة في مشاريع متراصة واحدة، وبطبيعة الحال، فإن الشكل يتبع التمويل. لذا ما تحصل عليه في نهاية المطاف هي أحياء متراصة واحدة استنادًا إلى هذا النوع من النموذج الواحد الذي يُناسب الجميع. وكثيرٌ من الناس لا يستطيعون حتى تحمل تكلفتها».
كذلك من خلال بناء نماذج لمباني رخيصة ومشاركتها بطريقة مفتوحة المصدر، بحيث يستطيع أي إنسان تحميلها وتنفيذها سواء بالطريقة العادية أو باستخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد، سواءٌ أكانت مباني لغير المترفين، أو مباني للمُهجَّرين من بلادهم.
يقول بارفين في كلمة ألقاها في TEDx بأن التحدي الذي نواجهه هو كيفية القيام ببناء الأدوات، والبنية التحتية والمؤسسات للاقتصاد الاجتماعي للعمارة؟ وبدأ ذلك مع البرمجيات مفتوحة المصدر. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، كان ذلك ينتقل إلى العالم المادي مع الأجهزة مفتوحة المصدر، وهي مخططات مشتركة يستطيع أي شخص تنزيلها وصنعها لأنفسهم. وبذلك تصبح الطباعة ثلاثية الأبعاد مثيرة للاهتمام حقًا، أليس كذلك؟ عندما يكون فجأةً لديك طابعة ثلاثية الأبعاد كانت مفتوحة المصدر، الأجزاء خاصتها يمكن أن تتم طباعتها على طابعة أخرى ثلاثية الأبعاد. أو نفس الفكرة هنا، والتي هي لآلة التصنيع بالكمبيوتر، والتي هي مثل طابعة كبيرة يمكن أن تقص صفائح من الخشب الرقائقي. ما تقوم به هذه التقنيات هو جذريًا تخفيض عقبات الوقت والتكلفة والمهارة. إنها تتحدى فكرة أنه إذا أردت شيئًا أن يكون بسعرٍ متناول، يجب أن يكون حجمًا واحدًا يناسب الجميع. وهم يقومون بالتوزيع على نطاقٍ واسعٍ لقدراتِ تصنيعٍ مُعقدةٍ حقًا. نحن نتجه إلى هذا المستقبل حيث المصنع هو كل مكان بشكل مُضطرد، يعني ذلك أن الجميع مشتركون في التصميم. هذه حقًا ثورة صناعية. وعندما نفكر في أن الصراعات الأيديولوجية الكبرى التي ورثناها كانت جميعها مبنية حول هذا السؤال، لمن الذي ينبغي له السيطرة على وسائل الإنتاج، وهذه التقنيات تعود مع حل: في الواقع، ربما لا أحد، جميعنا.
وكنا مفتونين بما قد يعنيه ذلك للهندسة المعمارية. لذا منذ حوالي سنة ونصف مضت، قد بدأنا العمل على مشروع يدعى «ويكي هاوس»، وويكي هاوس هو نظام بناء مفتوح المصدر. والفكرة هي أن تجعل من الممكن لأي شخص الدخول إلى الإنترنت، والوصول إلى مكتبة مشتركة واسعة من النماذج ثلاثية الأبعاد التي يمكن تنزيلها والتكيف معها حاليًا نظرًا لأنها مجانية، وهي سهلة الاستخدام، وتقريبًا عند ضغطة زر يمكنهم إنتاج مجموعةٍ من ملفات التقطيع التي تسمح لهم في الواقع بطباعة الأجزاء من المنزل باستخدام آلة التصنيع بالكمبيوتر ومادة صفائحية قياسية مثل الخشب الرقائقي. والأجزاء جميعها مُرقَّمَة، وما تحصل عليه في نهاية المطاف أنها تستخدم وصلات أوتاد وعِزر. وحتى المطارق لصنعها يُمكن توفيرها على صفائح القطع كذلك. وفريقٌ من حوالي شخصين أو ثلاثة أشخاص، يعملون معًا، يمكنهم بناء هذا. إنهم لا يحتاجون إلى أي مهارات بناء تقليدية. إنهم لا يحتاجون إلى مجموعة متنوعة من الأدوات الكهربائية أو أي شيء مثل ذلك، ويمكنهم بناء منزلٍ صغيرٍ بهذا الحجم تقريبًا في يومٍ واحد.
الطابعات ثلاثية الأبعاد تقنية تسمح بطباعة أي نموذج وهناك من استخدمه لبناء مباني مُكرَّرة، في حالة توفر نموذج مجاني لمبنى وتوفر طابعة ثلاثية الأبعاد فسوف تكون تكلفة المبنى رخيصة حيث ندخل في مرحلة بناء القرى والمدن الكاملة لغير المترفين.
يقول ويليام ر. بولك رئيس معهد أدلاي ستيفنسون للشئون الدولية :« وما يقترحه الدكتور فتحي هو شكلٌ جديدٌ من المشاركة، أما ما ينبغي أن يُسَلِّم به الفقراء في هذه المشاركة فهو بالضرورة عملهم، كما يمكنهم في كثير من أنحاء العالم أيضًا أن يحوزوا بلا تكلفة جوهرية على مادة بناء واحدة ممكنة، وهي التربة التي تحت أقدامهم، وبهذين الشيئين -العمل والتربة- يمكنهم أن ينجزوا الشيء الكثير، على أن هناك أيضًا ما سيقابلهم من مشاكل تقنية ومشاكل أخرى لا يستطيعون حلها بأنفسهم، أو هي عرضة لأن يتم حلها بطرقٍ مُكلِّفة أو قبيحة أو غير سليمة. وها هنا فإن المهندس المعماري يستطيع أن يقوم بإسهام رئيسي، وما يبينه الدكتور فتحي لنا هو أن المهندس المعماري يُمكن أن يكون هو المرشد لِما يكون أساسًا مشروعًا يعتمد على الذات أو يعتمد على العون الذاتي، والدكتور فتحي إذ يخوض في الصراع مع مشاكل الفقر الساحق، ومع البيروقراطيين فاقدي الإحساس، ومع أناس مليئين بالشك، ومع أناس كئيبين بلا مهارات، فإنه هكذا قد وُلِدَ لا للإجابات فحسب، بل ما هو ملهمٌ أيضًا. والحل الذي يطرحه له أهميته على نطاق العالم كله، وفي فكره وخبرته وروحه ما يشكل موردًا أساسيًّا على النطاق الدولي».
لمشاهدة اللقاء على تيديكس :
بواسطة : عمر سليم
المراجعة العلمية : Mahmoud Mohamed Ouf
المراجعة اللغوية : Mohamed Sayed Elgohary
التصميم : عمر سليم.
المراجع :
- حسن فتحى, ترجمة/مصطفي إبراهيم فهمي, and مراجعة/عمرويوسف. “عمارة الفقراء.” (1973).
- منصور بن عبد العزيز الجدي. “عمارة الطين في البلاد العربية والبلاد الغربية طرق البناء السائدة ومحاور التطوير المقترحة.” (2008).
- عبد الرحيم إبراهيم أحمد. “العمارة للفقراء: التمسك بالبعد الحضاري.” (1989).
- محاضرة TEDx Alastair Parvin: Architecture for the people by the people